الجالية الإيرانية والدوافع السياسية

أهمية الخليج العربي للإيرانيين:

استنادا للتقديرات أن التنمية الاقتصادية في منطقة الخليج العربي هي الأكثر نموا ً في العقديين الماضيين، وذلك بسبب أهميتها للتجارة العالمية، وما تمتلك هذه المنطقة العربية من ثروات هائلة أهلتها أن تتصدر كافة الأحداث السياسية والاقتصادية. هذه الخصوصية المتميزة للخليج العربي دفعت بالمجموعات البشرية والشركات الإيرانية أن تأتي باحثة عن الرزق والكسب تاركة خلفها نظاما ً سياسيا ً واجتماعياً واقتصادياً متخلفاً من جهة، ومن جهة ثانية هاربة من نظام سياسي مغلق يفتقد لأبسط الحقوق والحريات العامة مما دفع بالشباب الإيراني ذكوراً وإناثاً للهروب إلى عالم جديد لعلى وعسى يتمكنوا من تلبية رغباتهم التي لطالما منعوا من ممارستها في ظل النظام الجمهوري الإسلامي الحالي. ولمعرفة الرغبة الحقيقة من وراء التواجد الكثيف للجالية الإيرانية في دول الخليج العربي وعلى وجه الخصوص الإمارات العربية المتحدة لابد من دراسة هذه الظاهرة الخطيرة إذا صح التعبير على المجتمع الإماراتي على المديين القصير والبعيد.

 

عدد المقيمين الإيرانيين:

لا توجد احصائية دقيقة عن عدد الإيرانيين المقيمين في دولة الإمارات لكن تشير بعض الاحصائيات غير الرسمية أن ما يقرب الـ 500 ألف مواطن إيراني يسكنون في هذا البلد الخليجي منهم تقريباً 400 الف فقط في إمارة دبي العاصمة التجارية العربية الأولى، ويتوزع نشاط الجالية الإيرانية على كافة المناحي الاقتصادية في دولة الإمارات. وقد تكون هذه النسبة السكانية غير دقيقة، لذا يأتي التركيز من قبل الدوائر الحكومية الإيرانية على أن عدد الجالية الإيرانية يفوق الـ 600 ألف نسمة في السياق السياسي (في الحسابات السياسية الإيرانية) مما قد يؤثر بشكل ما على أي قرار سياسي يتأخذ من قبل صناع القرار في العاصمة أبو ظبي.

 

الهوية الحقيقة للجالية “الإيرانية“:

من الممكن أن نقسم الجالية الإيرانية في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قسمين: أولا ،ً جالية بدأت هجرتها من جغرافية إيران الحالية لدولة الإمارات في أوائل القرن المنصرم بعد ما تم احتلال الإمارات الساحلية للجزء الجنوبي للأحواز وكذلك بلوشستان على يد رضا بهلوي في عهد البهلوية الأولى، وقسم كبير من هذه الجالية “الإيرانية” لا يعترف بإنتماءه لإيران الأمة والدولة.

ثانيا ً، المجموعات البشرية التي تأتي لدولة الإمارات من المحافظات الفارسية على سبيل المثال “الشيرازيين” في العقود الخمسة الماضية وكذلك تدفق المجموعات الفارسية وغير الفارسية من الشعوب الأخرى في نهاية حكومة رفسنجاني عندما صرح في إحدى خطبه من على منبر صلاة الجمعة في طهران، حيث قال: “يمكن لشبابنا وبناتنا أن يذهبوا للإمارات”!!

 

حجم المبادلات التجارية البينية:

تعتبر دولة الإمارات من أهم المنافذ الدولية التي يتنفس منها النظام الإيراني في ظل العقوبات الدولية المفروضة على إيران في الآونة الأخيرة، بحيث تعتبر إمارة دبي همزة الوصل بين الأسواق العالمية من جهة وإيران من جهة ثانية. وحسب أحدث إحصائية للجمارك الإيرانية بتاريخ 30/10/2013، “إن حجم المبادلات التجارية بين إيران والإمارت المتحدة لعام 2013، 4 مليار و900 مليون دولار حجم الصادرات الإماراتية لإيران، و2 مليار و58 مليون دولار حجم الصادرات الإيرانية للإمارات العربية المتحدة. في حال تقارير المنظمة العالمية للتجارة تفيد إن 2 بالمئة من حجم التجارة العالمية لإمارة دبي مع إيران”.

 

المؤسسات التعليمية الإيرانية في الإمارات:

توجد في دولة الإمارات مجموعة من المؤسسات التعليمية المدعومة من قبل الحكومة الإيرانية ومن أهم هذه المؤسسات الجامعة الحرة “دانشگاه آزاد” فرع الإمارات العربية المتحدة والتي بدأت العمل عام 2004، وكذلك مدارس حكومية وخاصة بالإضافة إلى سبعة مراكز تعليمية حكومية تختص بالشأن الإيراني في ابوظبي والشارقة ودبي. وهذا العمل العلمي والأكاديمي والثقافي قد يؤسس إلى مرحلة استعمارية فكرية تؤثر على المجتمع الإماراتي في المستقبل.

 

الخطر الداهم:

قد يتساءل المرء ما هي الدوافع الحقيقية وراء التواجد الإيراني في دولة الإمارات، ويا ترى هل فعلا ًالدوافع اقتصادية أم سياسية!!؟ وما هي الغاية والأهداف المرجوة على المديين القصير والبعيد التي قد تجنيهما إيران من هذا التواجد الكثيف لمواطنيها في دولة معينة تحتل إيران أجزاء من أراضيها. والتي من الممكن أن نجملها على النحو التالي:

أولا ً: وعلى المدى القصير تستفيد إيران اقتصاديا ًمن خلال التفافها على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها جراء نشاطها النووي العسكري المثير للجدل، وذلك عبر الشركات الوهمية التابعة للحرس الثوري وغيرها من النشاطات الاقتصادية الأخرى.

ثانيا ً: على المدى البعيد تستفيد سياسيا ً وذلك قد تمارس بعض الضغوط على دولة الإمارات في المستقبل من خلال الكتلة البشرية المتواجدة في كافة أنحاء الدولة لترغمها على التنازل عن مطالباتها الحقة في استرجاع جزرها الثلاث المحتلة عام 1973 من قبل إيران.

جمال عبيدي 

رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث- لندن

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق