تقرير شهري: آذار/مارس 2014

على المستوى العربي:

شهد هذا الشهر تطوراً عسكرياً نوعياً في سورية، عبر انتقال خطوط التماس العسكرية بين قوات الجيش الحر وقوات النظام إلى منطقة الساحل السوري، وتحديداً إلى مدينة كسب الحدودية ومحيطها، بعد أن سيطرة الثوار على هذه المدينة، في محاولة جديدة لفتح جبهة الساحل، وتعتبر هذه المنطقة الحاضن الرئيس لقوات النظام وشبيحته. وسقط في هذه المواجهات (هلال الأسد) قوات ما يعرف بلجان الدفاع الوطني أو (قوات الشبيحة) الموكل إليها العمليات العسكرية القذرة تجاه المدنيين.

فيما كان يعتبر الأسد أن هذه المنطقة هي منطقة دفاعه الأخير عن نظامه، ومنطقة تشكيل دويلة علوية منفصلة عن سورية في حال سقوط نظامه في دمشق. وبالتالي عمل على تحصينها ونقل الأموال والودائع المعدنية السورية (كميات كبيرة من الذهب) إليه طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، فيما كانت تنعم باستقرار تفتقره كافة المدن السورية، وخاصة بعد المجازر التي قام بها شبيحة هذه المناطق، بحق السكان السنة فيها، والتي راح ضحيتها مئات الشهداء، وبالأخص في مدينة بانياس ومحيطها.

ولم تستطع القمة العربية تقديم جديد للمسألة السورية، خاصة بعد المناورة التي شهدتها جلسات القمة، لناحية تسليم مقعد سورية إلى الائتلاف الوطني المعارض، رغم اعتراض بعض الدول العربية على ذلك، حيث اعترضت السعودية على عدم تسليم المقعد إلى الائتلاف في حين كان هو من يمثل الجانب السوري في قمة الدوحة السابقة. ففي حين بدأت القمة بمقعد فارغ عن سورية، ورفع علم النظام عليه، نتيجة اعتراض العراق والجزائر أساساً على تمثيل المعارضة للشعب السوري، انتهت القمة في بيانها الختامي إلى تسليم المقعد إلى الائتلاف، في نوع من رفع الحرج الذي أصاب دولة الكويت نتيجة تهديد تلك الدول بمقاطعة القمة. لكن بيانها الختامي عاد وأكد على عدد من النقاط التي تدعم الانتقال السياسي في سورية.

ويبقى الأبرز عربياً زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية، ضمن سياسة تطمين المنطقة إلى أبعاد التقارب الأمريكي-الإيراني، بحيث لا يكون على حساب الحلفاء العرب في دول الخليج العربي. حيث كان من مخرجات تلك القمة موافقة الولايات المتحدة على المطالب السعودية بتسليح قوات الجيش الحر بأسلحة نوعية، وبالتحديد مضادة الطيران الموجهة، وبإشراف سعودي وتدريب أمريكي مع تقديم الولايات المتحدة لخدمات الأقمار الصناعية لقوات الجيش الحر.

وشهدت السعودية تطورات غير مسبوقة على مستوى المؤسسة الملكية، حين تم اختيار الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد، ومبايعته ملكاً في حال شغور منصب الملك وولي عهده، في خطوة تدفع نحو مزيد من مأسسة السلطة الملكية، في ظل توسيع مشاركة الجيل الثاني (أحفاد المؤسس الملك عبد العزيز) في المؤسسات السيادية العليا، تحضيراً لنقل السلطة الملكية إليهم، خاصة مع بروز اسم الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز –وزير الحرس الوطني- كمرشح أقوى لتسلم السلطة بعد الأمير مقرن بن عبد العزيز. وهو ما يؤدي في المحصلة إلى تعزيز حالة الاستقرار ضمن السعودية، وانعكاساته الإيجابية على الشارع السعودي من جهة، وعلى مستوى التقدم الاقتصادي والاستثماري من جهة ثانية، وعلى الدور الإقليمي السعودي من جهة ثالثة.

أما على الساحة المصرية، فقد شهدت استمرار الاضطرابات والمصادمات بين السلطة والمظاهرات المناهضة لها، والتي توسعت بعد استقالة المشير عبد الفتاح السيسي من منصبه كوزير دفاع، وإعلان ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية. في حين أطلق معارضوه حملة مضادة لانتخابه على وسائل التواصل الاجتماعي، حصدت المركز الثالث عالمياً والأول عربياً. في حين شهد القضاء المصري ما بات يعرف بالمجزرة القضائية بعد الحكم على 528 متهماً من أنصار جماعة الإخوان بالإعدام، وإحالة أوراقهم إلى مفتي الجمهورية.

واستطاعت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام من الحصول على ثقة الأغلبية البرلمانية، ضمن أجواء سياسية وأمنية وإقليمية، تهدد مسار عمليها، خاصة مع إصرار حزب الله على إقحام لبنان في المسألة السورية، عبر مشاركة ميليشياته إلى جانب قوات الأسد في قمع الشعب السوري. وهو ما قد يؤثر سلباً على الاستحقاق الرئاسي القادم في لبنان.

 

على المستوى الإقليمي:

شهد المستوى الإقليمي حدثين بارزين، كان الأول هو زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سلطنة عمان، في ظل توترات إقليمية وخليجية بينية. وحظيت تلك الزيارة باهتمام عماني بالغ، ترافق مع توقيع كم كبيرة من الاتفاقيات الثنائية التي تفتح المجال واسعاً أمام إيران في التوغل في السلطنة. وأبرز تلك الاتفاقيات كان البحث في إنشاء جسر يربط طرفي مضيق هرمز ببعضهما، وإشراف الحرس الثوري الإيراني على تطوير الموانئ العمانية.

أما الحدث الآخر، فكان فوز حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البلدية وبنسبة غير مسبوقة تجاوزت 45% من الأصوات، بعد حملة مضادة واسعة شنها معارضو الحزب ومعارضو رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان طيلة أشهر ماضية. ليعلن أردوغان استمراره في مسيرته السياسية التي أطلقها قبل قرابة عقد ونصف، وهو ما سيعزز موقفه وموقف حزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وفي نهجه الإقليمي وخاصة تجاه سورية.

 

على المستوى الدولي:

شهد هذا الشهر تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية-الروسية، بعد دفع روسيا لسكان إقليم القرم نحو إجراء استفتاء على مصيرهم ضمن الدولة الأوكرانية، وبالتالي التصويت لصالح الانفصال عن أوكرانيا، والانضمام إلى الدولة الروسية بنسبة 96.77%، في عملية فرض أمر واقع من خلال التهديد الروسي باستخدام القوة، بعد استعراض القوة في البحر الأسود، وتفويض البرلمان الروسي لبوتين باستخدامها. وهو ما دفع الدول الغربية إلى شن حملة عقوبات تتسع تدريجياً على روسيا، التي لا تبدو عابئة بتلك العقوبات حتى اللحظة.

واستندت روسيا في ذلك، إلى أداتها القديمة في تحريض الأقليات، عبر توظيف الأقلية التتارية في مطالب بدت وكأنها من فترة الحرب الباردة، حين اعترض بوتين على الترسيم “غير العادل” للحدود بعد انتهاء الحرب الباردة واستقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي. وقد أتت تلك الخطوة بعد اندلاع ثورة أوكرانية سريعة أطاحت برئيس البلاد التابع سياسياً لروسيا، لصالح إعادة تنشيط العملية الديمقراطية في البلاد.

 

إعداد: عبد القادر نعناع

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : تقرير

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق