التقاء دولي حول سورية تقوده السعودية

تطورات سريعة بعد توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية، توقيع حزمة اتفاقيات أمنية وعسكرية بين واشنطن ودول الخليج لردع التهديد الإيراني، وتسريع مبيعات الأسلحة وتبادل استخباراتي ودمج أنظمة الدفاع الصاروخي.

أصبحت المنطقة الآمنة في شمال سوريا واقعا، وإجراءات تغيير في الحكومة السورية المؤقتة لإدارتها، والائتلاف السوري يجدد الثقة بهيئته الرئاسية، ويمنحها فرصة لبلورة مشاريعها.

موافقة الولايات المتحدة على تحقيق المنطقة الآمنة يأتي لتطمين الحليف تركيا من أن الأكراد لن يتمكنوا من تحقيق حلمهم التاريخي بتشكيل دولة لهم قرب حدودها بينما يبقوا جزءاً من الدولة السورية الجديدة.

من أهم التطورات موافقة مجلس الأمن بالإجماع على القرار 2235 بشأن استخدام الكيماوي في سوريا، ومطالبة بان كي مون بتقديم تقرير وتوصيات في غضون 20 يوما، يأتي بعد القرار 2216 حول اليمن امتناع روسيا عن استخدام الفيتو، وهو ما يعتبر تقاربا روسيا سعوديا يربك حسابات طهران في التشبث بالأسد.

بالطبع أدركت روسيا أن السعودية عازمة على قيادة تحالف آخر في سوريا، على غرار عاصفة الحزم في اليمن، وإن كان التحالف في سوريا ليس بالطريقة نفسها في اليمن.

 بدأت السعودية بالضغط على الولايات المتحدة في انتزاع موافقة ومشاركة تركية في أولوية التخلص من نظام الأسد قبل محاربة داعش، التي تعمل الولايات المتحدة مع إيران في حلف غير معلن في حرب ضد داعش بضربات جوية تديرها الولايات المتحدة وقوات برية غير نظامية تديرها إيران، لكن تعتبرها السعودية مليشيات إرهابية على غرار داعش فكيف يتم ضرب إرهاب بإرهاب، بينما تطالب الولايات المتحدة عدم دعم جبهة النصرة التي تتبع القاعدة في سوريا.

السعودية تحاول إعادة إنتاج التوازن الدولي في سوريا، في مؤشر على قوة التنسيق بين السعودية وروسيا، وليس لدى السعودية مانع في حل سياسي من دون الأسد، ويعتبر تحريك للملف السوري نحو حل يحتكم إلى جنيف 1 بما يتضمنه من تشكيل هيئة حكم انتقالية، تتولى إدارة الوضع ودون أي دور فيها لبشار الأسد.

كما أن المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا، أكد تمسك واشنطن بهيئة حكم انتقالي من دون الأسد، كما ويأتي زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو في تسريبات تفيد بأن اللقاء سينتج عنه إعلان مبادرة حول إنجاح الحل السياسي في سوريا.

يتزامن مع تلك التحركات، استقبال عمان وليد المعلم لإنضاج تسوية ولكنها تحركات مشكوك فيها، وتتحدث دمشق عن لقاء محتمل مع الجبير، خصوصا وهناك مصادر تشير إلى زيارة قام بها مدير جهاز الأمن القومي للنظام السوري اللواء علي مملوك إلى مدينة جدة برعاية روسية لم يفصح عن نتائجها خصوصا وأن النظام السوري تحت رحمة إيران وحزب الله لم يعد يمتلك القرار وهو ما يعقد الحل السياسي في سوريا.

 ما جعل أوباما يصرح لعدد من الصحفيين، بأن هناك بارقة أمل للحل السياسي في سوريا، خصوصا بعدما شعرا حليفا النظام السوري إيران وروسيا، بأن النظام السوري بات على وشك السقوط، وأن أيامه باتت معدودة لولا قبول الحل السياسي.

في ظل هذا الحراك السياسي السريع الذي تقوده السعودية، ظهرت بوادر تباعد بين روسيا وإيران، بسبب أن الإيرانيين ما زالوا متمسكين بالأسد، بينما الروس بدأوا الآن بشكل جدي التباحث للتخلي عن الأسد، مقابل تشكيل نظام حكم جديد يتوحد الجميع خلفه لمحاربة الإرهاب، وهو هدف روسي أمريكي إيراني، ولكنه ليس بأولوية  سعودية تركية شريطة التخلي عن الأسد.

لذلك دفعت إيران بوليد المعلم إلى عمان، من أجل خلق بديل للمبادرة السعودية الروسية التي تدعمها الولايات المتحدة، أو على الأقل خلق أي اختراق لوقف المبادرة، كعادة إيران في الملف اليمني، ولكنها فشلت في كل محاولاتها في الالتفاف على القرار 2216، خصوصا وهي ترى أن المقاومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية تتقدم بشكل سريع نحو بقية المناطق اليمنية، وخصوصا نحو صنعاء العاصمة.

موافقة روسيا على قرار مجلس الأمن بخصوص محاسبة من استخدم الكيماوي قد يكون أول ضغط حقيقي على نظام الأسد، يتزامن مع عقوبات أميركية جديدة فرضت على شركات وأفراد يدعمون نظام الأسد، وهناك طلعات استكشافية أميركية دون ضربات، قد تتحول إلى ضربات، خصوصا وأن واشنطن تحذر الأسد من ضرب الذين دربتهم، ويشكك النظام بتلك التهديدات بعد امتناع أوباما عن ضرب النظام السوري بعد استخدامه الكيماوي ضد الشعب السوري.

لعبت السعودية هي وتركيا على وتر الأولويات كورقة للضغط، ورفضت المشاركة في الحرب على الإرهاب حتى يتم إزاحة نظام الأسد.

 الثمن الذي تقبضه روسيا بعد سقوط رأس الأسد، مشاركة كل من السعودية وتركيا في الحرب على الإرهاب، وخصوصا على داعش، ولو استمرت روسيا فإن السعودية وتركيا بتأييد أمريكا خصوصا بعد تشكيل منطقة آمنة على الحدود التركية بموافقة أميركية، وقيام الولايات المتحدة بحظر جوي، لدعم الجيش السوري الحر، فإن روسيا ستكون خاسرة، ومن هنا نجحت الدبلوماسية السعودية في إيصال هذه الرسالة لروسيا التي اقتنعت بجدية السعودية وتركيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق