التظاهرات في إيران تولّد فرصاً للعرب

الشارع الإيراني يشتد اشتعالا يوما بعد يوم الذي هو نتيجة تداعيات سياسة الملالي في إيراني وهيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني وزاد نفوذه في عهد أحمدي نجاد استولى على المؤسسات الاقتصادية الكبرى بما فيها مصافي البترول، لكن دمينو الخوف من ترمب جعل الملالي يستمرون في حكم إيران ويتأخر الشارع الإيراني في الخروج إلى الشارع والتظاهر إلى أن أصبح الاتفاق بين روحاني والحرس الثوري هشا مما حول الوضع الداخلي إلى مقبرة كبيرة.

إيران بين عدد من التصريحات المتضاربة لمسؤولين إيرانيين، فحسن روحاني ردد شعارات جذابة وقال إن الوقت قد حان لتوظيف السياسة الخارجية لحل المشكلات الداخلية الإيرانية، وكانت فكرته في التحرك نحو التوصل إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، لكن الحرس الثوري كان على عكس روحاني يواصل الإنفاق على مشاريعه التوسعية في الخارج وارتفعت التكلفة بعد عاصفة الحزم التي قادتها السعودية ضد ذراع إيران الحوثيين في اليمن خصوصا وأنها بدأت تدفع مبالغ طائلة في تهريب الأسلحة المتطورة لقلب المعادلة لصالحها.

 بالفعل نجح الحرس الثوري الإيراني في تأخير الانتصار في اليمن، لكن مع ارتفاع فاتورة تكلفة دفاعها عن أذرعها الذي انعكس على الاقتصاد الإيراني الهش الذي لا يزيد عن اقتصاد دولة مثل الإمارات المتحالفة مع السعودية في عاصفة الحزم، وهي دولة ذات الثمانين مليون مواطن اهتمت بالتفوق الأمني والعسكري دون غيره من القطاعات التنموية الأخرى خصوصا بسبب أن لديها شبكة هائلة ومكلفة من التنظيمات الإرهابية حول العالم ما جعلها دولة تبقى فقيرة.

المفاجأة أن المتظاهرين الذين هددوا النظام هم من صلب النظام وهو ما جعل خامنئي يحذرهم من لعب دور المعارضة، كان يعتقد النظام أن الترويج لانتصاراتهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن سيمنحهم شعبية ويمد في عمرهم، وقبل نحو أربع سنوات حذر عدد من النواب قاسم سليماني من انعكاس مغامراته على الاقتصاد الإيراني لكنه رد عليهم بأن حربه في العراق وسوريا هي دفاع عن أمن إيران وعن وجود النظام وأنها شكل مليشياته من الفقراء ومن الشعب العراقي تدفع فاتورتها دولة العراق، لكن بعد انخفاض أسعار النفط لم تتمكن دولة العراق من دفع كامل فاتورة تلك المليشيات، قد يكون محقا قاسم سليماني عن الدفاع عن وجود نظام الملالي.

الشارع الإيراني خرج من المدن الطرفية من مشهد نحو المدن الداخلية وبشكل خاص نحو طهران مستنكرين التورط في الخارج وتمويلها وتهرب الحكومة من واجباتها الداخلية وهي تحمل شعارات مناهضة لخامنئي ولقياداته العسكرية والسياسية تردد صداها في أنحاء إيران.

الفشل الاقتصادي يهز نظام الملالي نتيجة الغلاء والفقر والبطالة والفساد التي تفشت في ويقول مركز الإحصاءات الإيراني إن نسبة البطالة بلغت 12.4 في المائة في عام 2017 بارتفاع 1.4 في المائة عن عام 2016 وهناك 3.2 مليون عاطل عن العمل في إيران مع طرد 27 ألف شخص من العمل بسبب إفلاس الشركات الاقتصادية خلال الأشهر التسعة من عام 2017.

 والنظام المصرفي لم يتطور منذ عقدين من الزمن ويواجه تحديات إقامة علاقة عمل مع المصارف العالمية الكبرى وسيقيد ذلك حتما قدوم استثمارات دولية بل ويعوق علاقة إيران التجارية حتى في القطاعات التي تتمتع فيها إيران بمزايا نسبية مثل صناعة السجاد، وقفت عائقا أمام الاندماج التجاري مع الأسواق الدولية.

 رغم أن التضخم انخفض عن 10 في المائة لأول مرة منذ 25 عاما نتيجة لاعتماد سياسة نقدية أقل تساهلا، لكن لن تتمكن الحكومة من مواصلة تلك السياسة في ظل التطورات الأخيرة من قبل إدارة ترمب، وهذا بسبب السياسة الاقتصادية التي اتبعها الملالي منذ عام 1979 أصابت المجتمع الإيراني بحالة متجذرة من الوهن والانتقال من طبقة إلى أخرى حتى أصبح ما لا يقل عن 43 في المائة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر بسبب أن الاقتصاد الإيراني بات مرهونا بيد النخبة العسكرية ذات الميول القومية حتى أصبحت متحكمة في الاقتصاد برمته بحجة حماية الأمن القومي، فلم يعد هناك اقتصاد إيراني يمتلكه الشعب الإيراني، ولكن يوجد اقتصاد نخبة الحرس الثوري الإيراني.

ذكر مسؤول إيراني في عام 2015 بأن نسبة البطالة في المناطق الهامشية تصل إلى 60 في المائة وبدأ الشعب الإيراني يرفع في تظاهراته الموت للرئيس حسن روحاني والموت للديكتاتور وفقا لما ذكرته رويترز، كما رفع المتظاهرون شعارات حولتم الإسلام إلى سلم فأذللتم الشعب، فالشعب لم يكن غافلا، ولم يكن راضيا عن المشروع الفارسي مشروع المقاومة والممانعة الذي يتغنى به الملالي.

تعد هذه المظاهرات الشعبية الأكبر منذ احتجاجات عام 2009 التي استمرت ثمانية أشهر وهي التي أدت إلى إعادة انتخاب أحمدي نجاد الذي اعتبر أن انتخابه كان مزورا، وبدأ المتظاهرون يصرخون الناس تتسول ورجال الدين يتصرفون وكأنهم آلهة والمرشد في نعيم، انضمت تلك المظاهرات بتجمع نظمه عمال مصنع يطالبون بأجورهم، ودعا نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي الانضمام لتلك الاحتجاجات في جميع المدن الإيرانية.

قناع الولي الفقيه سقط في إيران بصرف النظر عن مصير ثورة الجياع في المدن الإيرانية وأصبح نظام الملالي معزولا في الداخل والخارج، عزلة لم تعد تنفع معها ادعاءات بانتصاره على أعداء إيران، ولم يعد يجدي نصب السعودية عدوة للشعب الإيراني لمواصلة تنفيذ المشروع الثوري القومي لملالي الحرس الثوري، ولأول مرة قناة الجزيرة المتحالفة مع إيران لم تتمكن من إنكار الحقيقة إذ عنونت أخبارها باتساع الاحتجاجات في إيران، في عالم يصعب فيه إخفاء الوقائع ومجريات الأحداث.

الثورة الإيرانية تعكس غضب الطبقة الوسطى من تدهور مستوى معيشتها، وتكشف عن وعي سياسي رفيع المستوى، وتكشف عن الفجوة بين هذه الطبقة والطبقة السياسية، خصوصا وأن الشباب من الجنسين يمثلون نحو 70 في المائة من الشعب الإيراني، والثورة مزيج من الإخفاق الاقتصادي المؤلم والإحباط السياسي العنيف، ويفصح عن فشل تام للنموذج الإيراني اقتصاديا وسياسيا، ولم يعد ينفع الترويج خلال ثلاثة عقود بأن الاقتصاد الإيراني يعتمد على الذات، وأنه قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ورفع مستوى معيشة شعبه، رغم تواصل هيمنته وتوسعه الخارجي ذهبت الآن أدراج الرياح، ولم تعد تنفع الأوهام القومية والمذهبية بعد مشاهدة الشعب الإيراني تآكل المستوى الاقتصادي المتدني بالأساس للطبقة المتوسطة الإيرانية.

المظاهرات سياسية شبابية من الطبقة الوسطى ولم تكن فئوية كما يدعي النظام تحمل البذور الأولية لتغيير نظام الحكم في إيران، وما يحدث انفجار شعبي احتجاج على البرنامج التوسعي الإيراني الذي أدى إلى تفاقم عدم المساواة بين الطبقات المختلفة ونجم عنه عزلة إقليمية ودولية وهذا يتنافى مع قيم الطبقة المتوسطة بصفة عامة لأي مجتمع ولأي دولة الذي يرغب في مزيد من الانفتاح على العالم الخارجي.

عملية التوسع الخارجي والتدخل والهيمنة على شؤون البلدان العربية الضعيفة لا يعكس قوة النظام بقدر ما يعكس حالة من الخواء الداخلي الفكري والسياسي يعمل على تغطيتها عبر إظهار تفوقه العسكري غير الحقيقي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق