التصدي السعودي لأصل التطرف والغلو

محاربة التطرف عسكريا واستخباريا غير كاف إذا لم يرافقه محاربة الفكر الضال، التنظيم الإرهابي داعش دعا لهجمات قبل شهر رمضان 2016، وبالفعل حقق دعوته بتلك الهجمات التي استهدفت ضرب 7 دول، وكانت العشر الأواخر من شهر رمضان الهدف الأسمى لتلك الهجمات خصوصا عند أقدس البقاع وعند مسجد خاتم الأنبياء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة التي أبكت المسلمين في جميع أنحاء العالم.

وهو ما جعل الملك سلمان يؤكد في خطاب له بمناسبة حلول عيد الفطر بأن السعودية عاقدة العزم على الضرب بيد من حديد كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات شبابها، داعيا المجتمع السعودي إلى أن يكون شريكا مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضال تستهدي بدينها الحنيف الذي يعصم الدماء والأموال، كما أنه دعا المجتمع الدولي إلى أن يكون شريكا في محاربة هذا الفكر الضال.

وأكد الملك سلمان بأن أكبر تحد يواجه الأمة الإسلامية هو المحافظة على ثروتها الحقيقة وأمل مستقبلها وهو الشباب من المخاطر التي تواجههم وبخاصة الغلو والتطرف وإتباع الدعوات الخبيثة المضللة التي تدفعهم إلى سلوكيات وممارسات شاذة وغريبة تتنافى مع الفطرة السوية ومع مبادئ ديننا الحنيف وثوابت وقيم مجتمعاتنا الإسلامية.

الكلمة حملت حزما وعزما على أنها ماضية في التصدي أمنيا للمتطرفين، خصوصا وأن السعودية مسؤولة عن حماية وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديه.

وبالتأمل لكلمة الناطق الرسمي لداعش أبو محمد العدناني بعد هذه التفجيرات داعيا أنصار التنظيم في دول أوربا وأمريكا إلى النزوع في استهداف المدنيين متأولا قول الله سبحانه وتعالى ( يحي من حي عن بينة ) وقال لا عصمة للدماء ولا وجود لما يسمى بالأبرياء، بل دعا إلى قتال السعودية وجميع الفصائل الإسلامية في سوريا، بل اعتبر جبهة النصرة بجبهة الردة الخاسرة، وكفر القاعدة بزعامة الظواهري وسماه بسفيه الأمة، وبدأ يؤكد على أن باب الحق بات واضحا هما فسطاطين ومعسكرين، وحرب كفر وإيمان، وحرب ولاء وبراء، وكل حرب دونها هراء.

هاجم كل علماء العالم الإسلامي واصفا إياهم بحمير العلم ، وعلماء السوء، وهيئة السحرة الكبار، إشارة إلى هيئة كبار العلماء في السعودية، وقال سنقاتل حتى يحكم شرع الله، سنكفر المرتدين، ونتبرأ منهم، ونقاتل الكفار والمشركين ونبغضهم، واعتبر العمليات الانتحارية في شهر رمضان بأنه شهر الفتوحات والانتصارات، ووجه خطابه لجنود التنظيم في أوربا وأمريكا، حيث قال إن أغلق الطواغيت أمامكم الهجرة، فافتحوا باب الجهاد أمامهم، وخاطب الغربيين بقوله إن أصغر عمل عندكم هو أحب من أكبر عمل عندنا، وبالفعل نفذ عمل إرهابي في مدينة نيس الفرنسية في جنوب فرنسا الساحلية بمناسبة العيد الوطني ( يوم الباستيل ) اقتحم شخص يقود شاحنة مساء الخميس 14/ يونيو 2016 قتل أكثر من 84 شخصا بينهم 18 حالتهم خطرة، بشاحنة تبريد زنتها 34 طنا استمر في دهس الحشود لمسافة 2 كيلو متر قبل أن تتمكن الشرطة من قتله داخل الشاحنة.

لا يمكن إيقاف الإرهاب إذا لم يتعاط العالم مع المشاكل التي تولد هذا النوع من الإرهاب والأزمات السياسية الموجودة في الشرق الأوسط ولا تتعامل مع الأزمات بذاتها، إذ لا يمكن حل مشكلة الإرهاب في ظل وجود الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط خصوصا في سوريا والعراق.

لأن المعركة واحدة فتأتي أهمية تضافر الجهود، وأن تكون هناك قواسم مشتركة لمحاربة الإرهاب، خصوصا وأن تقرير برلماني فرنسي يفند قصور الأجهزة الأمنية في مواجهة العمليات الإرهابية، وأمريكا كذلك ترجئ أسباب حدوث العمليات الإرهابية في فرنسا وأوربا بسبب ضعف التنسيق الاستخباراتي مع الولايات المتحدة الذي تطالب به الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

 خصوصا وأن تنظيمات كثيرة تعتبر فرنسا عدوها الأول وليس فقط داعش، لذلك الأعمال الإرهابية التي طبعتها منذ عام 2015 وحتى 2016 كانت دموية وستنشر فرنسا 10 آلاف عنصر أمني إضافي في أماكن متفرقة، وهي عمليات إرهابية لا يمكن مواجهتا دون استباقها بعمليات استخباراتية، بعدما أصاب الإرهاب فرنسا في مقتل بأبشع الطرق، خصوصا في نيس التي هي مركزا سياحيا ويزورها ملايين السياح من كل دول العالم خصوصا من الدول العربية، ونيس من أشهر المدن السياحية تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم، واستهداف نيس وخصوصا ممر الإنجليز عمل إرهابي منتقى بشكل دقيق ومحضر له سلفا لضرب السياحة في فرنسا التي تعتبر فرنسا وجهة السياحة العالمية ب83 مليون سائح في عام 2012.

لا يمكن وقف أي إرهاب شرس رغم أن رئيس الاستخبارات الفرنسية حذر في مجلس الشيوخ بعمل إرهابي في فرنسا بشكل خاص وفي أوربا بشكل عام بعدما أوقفت الاستخبارات ستة عمليات إرهابية كبرى، لكن كيف تواجه الاستخبارات عمليات إرهابية تنفذ بوسائل جديدة، سبق تنفيذها في الأراضي المحتلة الفلسطينية، والأجهزة الأمنية غير قادرة على مواجهة عمليات إرهابية إذا لم يكن لديها معلومات سابقة.

العملية الإرهابية التي قام بها شخص في نيس هو عمل فردي وليس تابع لخلية كذلك هو ليس لديه سجل إرهابي بل سجل إجرامي ولا يمكن متابعة جميع السجلات الإجرامية، لكن كيف تم تحويل السجل الإجرامي إلى سجل إرهابي أكيد في السجون ولكن لم تجر متابعة مثل هؤلاء.

كما لا يمكن منع مثل تلك العمليات قد يمكن أن تتخذ قرارات بمنع دخول السيارات في المناطق المفتوحة لكن مثل تلك السيارات الكبيرة قادرة على اجتياز الحواجز الأمنية، كما أن هناك أسباب في فرنسا التي لم تسمح بالاندماج وهو ما يمثل ارتفاع نسبة الجريمة في فرنسا إلى جانب التصعيد ضد المهاجرين الذي يعتبر أحد أدوات تعزيز القيام بعمليات انتقامية، خصوصا وأنه ليس بحاجة إلى الانتماء إلى خلية أو تنسيق مسبق، إنما يكتف بالتقاط الإشارات.

الإرهاب ناتج لظاهرة وليس هو ظاهرة، من دون معالجة السبب لن ينتهي الإرهاب ما دامت هناك أسباب ودوافع لو تم التعامل مع الأزمة العراقية من الأساس ومن قبل أفغانستان والباكستان والآن سوريا وليبيا واليمن، دول أوربا ليست جادة في معالجة الأزمات وهي تريد أن تتعامل مع الظاهرة وليس مع أسباب الظاهرة.

لأمور ساساوية غضوا الطرف عن التنظيمات الإرهابية وكان الأوربيون يطالبون أمريكا بالقضاء على الإرهاب لكن كانت الولايات المتحدة لديها أجندة يجب أن تحققها الدول الأوربية ولكنها ترفض، لذلك نجد أن أوباما في سبتمبر 2015 صرح بقوله أننا نتوقع أن نقضي على داعش في غضون 3-5 سنوات فيما أن فرنسا في نوفمير 2015 قلصت المدة إلى عدة شهور.

السؤال المطروح على الساحة لماذا لم يتفقا منذ سنين القضاء على هذين التظيمين داعش وجبهة النصرة، السياسة الأمريكية تخلت عن المشهد العربي لصالح روسيا نيابة عنها ووضعت لها حدود اللعب لا تسمح لها بتخطي هذه الحدود، وروسيا تخشى القضاء على داعش خشية أن يعود الشيشانيون إلى الشيشان وتصبح روسيا المحطة الثانية للإرهاب لذلك كل طرف يعتقد أن الإرهاب بمنأى عنه، لذلك بعدما طرحت السعودية فكرة إرسال قوات إلى سوريا لمقاتلة داعش ردت الولايات المتحدة بأنها ستدرس هذا الطلب، والآن تتدارس الولايات المتحدة مع روسيا في حل قضت على داعش ستعطي الفرصة لجبهة النصرة بالتمدد، أي لا توجد استراتيجية شاملة في القضاء على الإرهاب بسبب أن هلم يتم التوصل إلى حل سياسي بين جميع الأطراف الإقليمية لذلك داعش ستبقى تضرب المنطقة حتى تصل إلى حلول سياسية في سوريا والوصول إلى حلول أخرى خصوصا وأن أمريكا تطلب من أوربا الموافقة على نصب صورايخ في بولندا وفي دول بحر البلطيق خصوصا وأن فرنسا من ضمن الدول الرافضة إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا لذلك أمريكا تعاقب أوربا بالإرهاب، كما تطالبها بالمشاركة الفعلية في مواجهة الإرهاب العالمي خصوصا وأن أمريكا أكثر أمنا من أوربا بسبب بعدها الجغرافي عن مناطق الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

أود أن أتوقف عند توجيه أبو محمد العدناني أتباع التنظيم في أوربا وأمريكا بفتح باب الجهاد أمامهم، ليس بمستغرب أن يلعب المتطرفون على وتر الجهاد الذي له ضوابط في الإسلام الذي يتحدد في دفع المعتدي وفي دفع الصائل، بل حتى هناك ضوابط لجهاد الطلب، وخطاب العدناني لن يجد له قبولا لدى علماء الأمة الإسلامية، لكن له قبول عند المتطرفين والمتشددين.

 ما يقصده الملك سلمان بفتاوى عدد من الدعاة الذين يخدمون التنظيم من حيث لا يعلمون بحجة النصرة والحمية بالاعتماد على عدد من الأحاديث بعدما أولوها وفق وجهة نظر خاصة بهم، أو وفق أطروحات تراثية، بسبب أن العلماء قصروا في نقد مثل تلك الرؤى القاصرة التي تتعارض أصلا مع ثوابت الإسلام وروحه وسلميته ودين كرسالة أتت للناس كافة دون إكراه.

أبدأ بالحديث الذي يستند عليه كثير من المتطرفين ( إذا تبايعتم بالعينة، وأختم أناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) وهو حديث غريب عن عطاء وإسناده ضعيف، رغم ذلك يفهم من الحديث أن لا ينشغل المسلمون عن الاستعداد للعدو والتأهب وهي سنة الله في الأرض ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) ويطالب الله سبحانه وتعالى أن يكون المسلمون على أهبة الاستعداد وأن يمتلكوا قوة الردع لمنع كل متربص ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ).

وعندما يفرط المسلمون في امتلاك القوة يصبحوا أمة مستهدفة من قبل كل متربص، وبدلا من استهداف العالم باعتبار أنه الجهاد الذي فرضه الله يعتبر قمة الانحراف في فهم هذا الدين بدلا من وجوب العودة إلى امتلاك القوة لحماية الممتلكات والتنمية والإنسان، ليس مطلوبا امتلاك القوة من الأعلى مثل امتلاك السلاح النووي تصبح عندها الدولة في حالة استهداف ومقاطعة دولية وهو ما يحدث مع إيران وكوريا الشمالية.

 لكن اليابان وألمانيا اللتان خرجتا من الحرب العالمية مهزومتين ومنعتا من تصنيع السلاح، وتدفع ضريبة للولايات المتحدة مقابل الحماية، لكن وفق الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي ترفض الاستمرار في حماية العالم، فهي تطلب من اليابان بشكل خاص تصنيع السلاح لحماية أمنها الإقليمي بسبب امتلاكها القوة العلمية والصناعية الذي يمكنها في عدد من الشهور بأن تصبح دولة عسكرية، وهو ما تخلى عنه العرب بشكل خاص وأصبحت دولهم مستهدفة بحجج وذرائع عديدة.

لذلك يلجا بعض الدعاة إلى استخدام أحاديث في دفع الصائل وتطبيقها على الواقع المعاصر بدفع الشباب إلى القتال في جبهات سوريا والعراق من دون راية ومن دون إذن حكومات بلدانهم مستدلين بحديث عن قابوس بن محارق عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يأتيني فيريد مالي قال ذكره بالله قال فإن لم يذكر؟ قال فأستعن عليه من حولك من المسلمين قال فإن يكن حولي أحد من المسلمين ؟ قال فاستعن عليه بالسلطان، قال فإن نأى السلطان عني ؟ قال قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك، رواه النسائي وصححه الألباني.

والحديث لا ينفي الراية ولا ينفي إذن ولي الأمر، بل نجد الحديث يدور حول سبل دفع الصائل محليا ، لكن نجد عدد من الدعاة يفتون للشباب بالذهاب إلى مناطق الصراع معتمدين على هذا الحديث، بل يؤكدون ويحاجون بأن النقل والعقل شهد بذلك، ويداعبون عواطف الشباب الصغير المتحمس بأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وعليهم أن يظهروا الحق، حتى ولو تعرضوا للمحن، وينفون أن يقاتل الشباب تحت راية لنصرة أخوانهم، ولا يشترطون إذن ولي الأمر وهو ما دفع بالشباب الاعتماد على هذه الفتاوى خصوصا ممن يتعاطفون مع داعش، في ظل سكوت علماء الأمة الكبار في مواجهة مثل هؤلاء الدعاة خصوصا وأن أتباعهم بالملايين فتضليل الأمة سيكون كارثة خصصوا فئة الشباب الذين هم مستقبلها.

لكن هناك سؤال لما ترك الغرب داعش تنمو وتتوسع؟ هل خوف من التسامح الديني في الإسلام حتى تظهره بأنه دين عنف من أجل أن يتوقف انتشاره، لا بل وحتى يساهم داعش في تفتيت جسد الأمتين العربية بشكل خاص والإسلامية؟، وهل يعتقد الغرب أن تفتيت أراضي المسلمين يضعف دينهم؟ وهل يريد الغرب أن يحاكم المسلمون التشدد والغلو الذي يمكن أن يهدد دولهم بعدما أصبح انتشار المسلمين واقعا جديدا، وجزءا من النسيج المجتمعي؟.

هناك هلع لدى المتطرفين من المسلمين حينما يتناولون حديث ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ) كذلك هناك هلع لدى الغربيين حينما يصلهم حديث ويروجه المتطرفون بتأويل غير تأويله الصحيح وهو التخويف من هذا الدين ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز وبذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر ).

 وكلا الفريقين لم يتمكنا من التوفيق بين الحديثين، فالمتطرفون لم يفهموا أن الحديث الأول قد تحين فترات أو في نهاية الزمان عند قيام الساعة بعدما يقبض الله أرواح المؤمنين، بينما الغربيون يعتقدون كما يروج المتطرفون من المسلمين بأن هذا الدين ينتشر بالسيف أي بالقوة والحرب الذي يتعارض مع آية أساسية ومحكمة في القران الكريم ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ).

 تؤكد الآية بأنه لا يمكن أن يكره أحد على الدخول في دين الله، بل حتى إن قتل المرتد فهو حكم يتعارض مع هذه الآية، وهو ما يؤكد معارضة عمر الفاروق عندما أراد الصديق أبو بكر مقاتلة المرتدين في اليمامة، وكل منهما له وجهة نظر خاصة،  لكن أصر أبو بكر على قتالهم لأنهم خرجوا على الدولة وهناك ادعاء للنبوة الذين يريدون إقامة دولة خارج عن الدولة الأم وهو ما يؤكد على أن الدول لا تقبل في إقامة مليشيات داخل الدولة وهو ما تفعله السعودية في اليمن وفي لبنان، وهذا ما فهمه الصديق، رغم أنها سميت بحروب الردة وهي تسمية غير مهمة، كما أن هناك مفاهيم كثيرة يرددها الدعاة بعيدا عن علماء الأمة خصوصا في تكفير كل من يتوسل بالصالحين دون الإقرار بعبادتهم من دون حتى ولو كان ذلك ليس عليهم سوى الأمر بالمعروف ( أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن).

كما أن الغرب لم يفهموا حقيقة الإسلام بأنه آخر الأديان وأن الله تكفل بحفظه، ولن يصيبه ما أصاب الديانات السابقة، مثلما واجهت العقيدة المسيحية والتي كانت تواجه تحديات أساسية أولها فتنة أريوس والتي بدأت تنتشر في جنوب وشرق المتوسط وخارجه، الذي خرج ينادي بأن المسيح لا يرقى في ألوهيته للإله الأب لأنه مشتق منه وفقا للعقيدة المسيحية، فإنه لا يمكن أن يكون أزليا، والتي كانت تضرب في قلب فكرة التثليث المسيحي، ومن ثم اجتمع ثلاثمائة من رجال الكنائس من كل الاتجاهات، وقد خرج هذا الاجتماع لاعنا آريوس وتم عزله كنسيا.

 وهو ما جعل كنيسة الإسكندرية أن تلعب دورا هاما للغاية في تفسير لب عقيدة التثليث المعروف باسم معتقد نيقية والذي أقر بإله واحد بثلاثة أقانيم متساوية حتى اندثرت في القرن السادس إيذانا بظهور الدين الجديد الإسلام، لكن ثارت مشكلة جديدة تتعلق بالإقنيم الثالث وهو روح القدس بين البطاركة حول طبيعة السيد المسيح ما بين أولوهيته ( لاهوته ) وطبيعته الإنسانية ( ناسوته )، لكن مصر رفض أهلها الخضوع لفكرة المساواة بين الطبيعتين، فانصهرت عقيدتهم في وطنيتهم، وهو ما جعلهم ينصهرون بسرعة في الدولة الإسلامية الجديدة التي أبعدتهم عن الخلافات التي ابتليت بها الكنيسة، ووجدت مصر الحل في وحدانية الله في الدين الإسلامي، وهو ما يخشاه الغرب اليوم من قبول الغربيين بهذا الدين الذي يحل إشكالية تعدد الآلهة لديهم رغم أنهم سلكوا طريقا وسطيا في فصل الكنيسة عن الحياة.

وكما فتح محمد الفاتح القسطنطينية عام 1453 فهم يخشون فتح روما، لذلك يرى الغرب أن ربط السياسة بالدين مخرج لأزماته وتأخير انتشار هذا الدين، لكن تحولت أوربا إلى ساحة للإرهابيين فماذا هم فاعلون؟.

 فلا يوجد حل سوى التحالف مع دعوة الملك سلمان في القضاء على أسباب الإرهاب والإرهاب كظاهرة، والتطرف الذي يغذيهما، وستبدأ مرحلة القضاء على الإرهابيين ووقف الدعاة المتطرفين الذين يبثون سموهم في تغذية هذا التطرف رغم أنهم لا يؤيدون وحشية داعش، لكنها ازدواجية انطلت على علماء الأمة ولكنها لا تنطلي على السياسيين.

والمعالجة تكون معالجة أمنية واجتماعية واقتصادية،، فيما يتعلق بالعلاج الفكري يجب أن يقارع فكر مثل هؤلاء المتعلق بالجهاد بمنابعه الفكرية رغم أن مثل هؤلاء هم بعيدون عن رجال الدين والمفكرين، لأن مثل هذه الفئات هي بعيدة عن المجتمع بل خارجه.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق