التحديات والتهديدات المفروضة على اليمن

تعتبر اليمن النموذج الثوري العربي الوحيد، الذي استطاع إنجاز ثورته عبر توافق سياسي مع رأس السلطة السابق علي عبد الله صالح، بعد أن قدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى للخروج من حكم الاستبداد والطغيان الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود.

ورغم المظاهر الهزيلة للعملية السياسية ما بعد صالح في اليمن، طيلة العامين الماضيين، استطاعت غالبية الأطياف اليمنية من تحقيق أول توافق حقيقي لها على مسار إعادة بناء الدولة المنهارة، من خلال إقرار نموذج الفدرالية والأقاليم الستة.

وفيما ذهب البعض إلى اعتبار ذلك مقدمة لتقسيم اليمن إلى عدة دويلات، فإن النظام الفدرالي في حد ذاته، نموذج ناجح ومتطور يعزز من مفهوم توزيع الحقوق والمسؤوليات، ويتيح لكل مجتمع داخل الدولة أن يدير شؤونه الخاصة بما يتفق مع قيمه، ومن الأمثلة الناجحة على ذلك عربياً دولة الإمارات العربية المتحدة. عدا عن كثير من النماذج العالمية والتي من أبرزها الولايات المتحدة وماليزيا.

لكن في المقابل، تظهر نماذج أخرى تعطي مثالاً عن الأبعاد السلبية للعملية الفدرالية، كالعراق على سبيل المثال، لكن الخلل الحقيقي يعود إلى طريقة إدارة الدولة ومكوناتها السياسية أكثر منه إلى النموذج، فسواء أكانت دولة موحدة أو فدرالية، فإن نجاح عملية الإدارة منوط بالحكومة المركزية والحكومات الفرعية بشكل أساس، وبنزعات التجمعات السياسية والاجتماعية (الانفصالية أو الوحدوية).

لا يمكن الخطر على اليمن من اعتماد نموذج جديد في إداراتها، وهو في رأينا متناسق مع تركيبتها القبلية، وحل لإشكالية الانفصالية الجنوبية. بل إن الخطر يأتي من تقاطع المصالح الخارجية مع قوى داخلية منها الحركة الحوثية وأنصار النظام السابق، بغية إحداث اختراقات عسكرية داخل النظام الجديد، وبناء حالة فوضى يمكن من خلالها إسقاط منجزات الثورة والعودة إلى ما قبل عام 2011.

إن عملية اختراق المجتمع اليمني عسكرياً، وإشعال صراعات داخلية، وتقويض محاولات الانتقال الديمقراطي، ما كان لها أن تجد حاضناً لها في اليمن، لولا هشاشة الدولة والمجتمع معاً، إذ تعاني اليمن من أزمات معيشية كبرى، تتجلى في موقعها على مؤشرات التنمية العالمية، باحتلالها مواقعاً متقدمة في الفقر والأمية وانحدار المستوى الصحي، إضافة إلى تفشي الفساد، عدا عن انتشار السلاح بكثافة بين أفراد المجتمع.

أمام اليمن تحديات سياسية جمة في الأشهر المقبلة، سواء على مستوى إقرار دستور فدرالي، أو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وتعزيز سلطة الدولة. فيما تتصاعد التهديدات العسكرية، وخصوصاً مع تقدم الحركة الحوثية باتجاه العاصمة صنعاء، وغياب الحلفاء التقليديين عن المشهد اليمني، وعمليات الإرهاب التي تستهدف الجيش اليمني باعتباره عماد الاستقرار في اليمن.

وليس من المستبعد تورط جهات عربية فيما يجري في اليمن، بغية إجهاض الحراك الثوري، تزامناً مع السعي الإيراني الحثيث لفرض نفوذها في هذه البيئات الرخوة عسكرياً وسياسياً، ودعمها للجهات الإرهابية بالمال والسلاح والتدريب.

ويبدو أن حجم التهديدات والتحديات يفوق قدرة الشباب الثوري حتى الآن، لكن مجتمعاً استطاع الصمود في وجه الآلة العسكرية لنظام علي عبد الله صالح لمدة عام كامل، واستطاع إنجاز توافق حول شكل إدارة الدولة، يعول عليه كثيراً في قدرته على المضي قدماً في عملية التحول الديمقراطي، وبناء نموذج ناجح آخر بعد تونس، وإلاّ فإن مصيراً كمصير ليبيا (الفوضى)، أو كمصير مصر (الانقلاب)، ينتظر الثورة اليمنية.

حتى هذه النماذج الأخرى، فإن ما يحصل فيها ليس نهائياً، خاصة مع سيولة المواقف والتطورات، وعدم القدرة على ضبط الحراك المجتمعي/السلطوي فيها، إذ لا يمكن القول إن ما حدث فيها يمثل “نهاية التاريخ”، بل إن المستقبل مفتوح على كافة الاحتمالات والتطورات.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : اليمن

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق