التحالف غير المتناسق: روسيا، إيران، تركيا

يشمل هذا الملف دراسة للتقارب الروسي-التركي-الإيراني الأخير، الذي أُطلِق عليه في بعض وسائل الإعلام العربية مصطلح “التحالف”، والذي يبدو أقرب إلى عملية تنسيق سياسات بين الدول الثلاثة، أو تفاهمات بينها على الإشكاليات المضادة لتوجهاتها في مناطق النفوذ المتقاطعة والمشتركة. وتتناول هذه الدراسة، المواضيع التالية:

  • أولاً: التحالفات القائمة في الشرق الأوسط منذ عام 2013.
  •  ثانياً: أثر المقومات الأساسية في عملية التنسيق الثلاثي.
  • ثالثاً: أثر الموقع من النظام الدولي في عملية التنسيق الثلاثي.
  • رابعاً: أثر مناطق النفوذ في عملية التنسيق الثلاثي.
  • خامساً: أثر الإشكاليات الداخلية والخارجية في التنسيق الثلاثي.
  • سادساً: المصالح الاقتصادية المشتركة لدول التنسيق الثلاثي.
  • سابعاً: المقدمات السابقة لعملية التنسيق الثلاثي.
  • ثامناً: التنسيق بين الدول الثلاثة (الهدف المباشر).
  • تاسعاً: أهداف الدول الثلاثة من عملية التنسيق.
  • عاشراً: الموقف الأميركي من عملية التنسيق النهائي.
  • حادي عشر: ملفات اختبار التنسيق الثلاثي.
  • ثاني عشر: سيناريوهات التنسيق الثلاثي ومستقبله.
  • ثالث عشر: خيارات التعامل عربياً مع دول التنسيق الثلاثي.
  • رابع عشر: ملاحظات ختامية.

أولاً- التحالفات القائمة في الشرق الأوسط منذ عام 2013:

تُعتَبر التحالفات أحد أبرز الأدوات لتنسيق العمل على المستوى الدولي، وقد شهدت المنطقة العربية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وإثر ضغط المتغيرات الحاصلة تحت ما يسمى ربيع الثورات العربية، قيام عدة تحالفات إقليمية ودولية، تحاول استدراك الحدث العربي وارتداداته الإقليمية والدولية، وخاصة فيما يتعلق بملفي: الإطاحة بالأنظمة العربية، والإرهاب الممتد إلى أبعد من الحدود العربية، وما بني على هذه المتغيرات من إشكاليات سياسية واقتصادية وأمنية لجميع دول المنطقة، وصولاً إلى إشكاليات باتت تطال العالم الغربي. وتتمثل هذه التحالفات في:

  • التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب- 2، وهو التحالف الذي أنشأه الرئيس الأميركي أوباما (سبقه تحالف بوش إبان عام 2001- تحالف الراغبين)، بهدف مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش، وتحديداً مواجهة التنظيم في العراق أكثر منه في سوريا. ولم يحقق هذا التحالف أهدافه بعد، رغم ضخامة الحشد العسكري الذي يمثله، ربما لأهداف تتعلق بالاستراتيجية الأميركية في المحافظة على الإشغال العسكري للمنطقة من جهة، وإبقاء حالة الاحتراب قائمة في الشرق الأوسط، ضمن المشاريع الأميركية، التي تنضوي تحت مفهوم الفوضى الخلاقة وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بأسرها.
  • التحالف العربي-الإسلامي: وهو التحالف الذي ابتدأ بتحالف عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وتطور لاحقاً إلى التحالف العربي-الإسلامي، وهو وإن ضم عدة دول عربية وإسلامية، إلا أنه يبقى تحالفاً خليجياً في مواجهة الامتداد الإرهابي والإيراني. ويمكن وصفه بشكل أكثر دقة بأنه تحالف سعودي-إماراتي، باعتبارهما القوتين الرئيستين الفاعلتين في هذا التحالف، فيما يأتي انضمام دول خليجية وعربية وإسلامية، ضمن إطار الإسناد اللوجستي. ورغم الصعوبات التي واجهها إلا أنه من أكثر التحالفات وصولاً إلى الأهداف.
  • المحور الإيراني “حلف المقاومة والممانعة: وهو تحالف غير مؤطر بشكل رسمي وبنى مؤسساتية، ويقوم في المنطقة منذ العقد الفائت، ركيزته الأساسية إيران، أي بصيغة أخرى أنه حلف إيراني، قام على أسس مذهبية وطائفية بشكل رئيس، من خلال الاستناد فيه إلى نظامي الأسد والمالكي (ولاحقاً العبادي)، وإلى حزب الله في لبنان وعموم المجاميع الميليشياوية الشيعية في الشرق الأوسط. وحيث يتبنى الحلف بشكل تبريري القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي ويتاجر بهما، فقد استقطب ما يعرف بالمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد)، على ما بينهما من اختلافات عقائدية نسبياً، إلا أن هدف الحلف الإجمالي، هو ما كان قد وصفه الملك الأردني عبد الله بن الحسين “بناء هلال شيعي”، أو تطبيق الاستراتيجية الإيرانية في إعادة بناء امبراطورية فارسية في المنطقة العربية تحديداً. وهذا الحلف على خلاف التحالفات الأخرى، لم يعد قائماً على دول، بل على مجموع ميليشيات (بما فيها نظامي العراق سوريا) تقودها طهران. وقد حقق جزءاً من مشروعه، وما زال قيد الاشتغال، إلا أن فرص قيامه تتضاءل شيئاً فشيئاً.
  • ويبرز التحالف الأحدث في مسار صراعات الشرق الأوسط، من خلال ما أُعلِن عنه مؤخراً من تحالف روسي-إيراني-تركي، وهو موضوع هذه الدراسة.

شكل رقم (1)

التحالفات في منطقة الشرق الأوسط

 تنسيق 1

ثانياً- أثر المقومات الأساسية في عملية التنسيق الثلاثي:

إنّ من أولى شروط قيام تحالف، يمكن له أن يتّسم بالاستمرارية، أن يكون ذا بنى متقاربة من ناحية (بنى سياسية واقتصادية واجتماعية)، وأن تكون أهدافه متقاربة، تمكِّن الأطراف من تنسيق سياساتها الخارجية. فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد الأوروبي بداية من الارتكاز على القوى الأوروبية الغربية ذات البنى والأهداف المتقاربة، وتحديداً (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، وهو ما ساعد في استمرارية هذا الحلف رغم انسحاب بريطانيا منه في هذا العام.

كذلك حلف الناتو، الذي انطلق من بنية ليبرالية متقاربة وأهداف واضحة ومشتركة في مواجهة حلف وارسو الذي شهد بنية اشتراكية وأهداف متقاربة بين أعضائه، وانهار بانهيار البنية والأهداف. رغم أن هذين الحلفين كانا خاضعين للقوتين الكبريين حينها (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي).

وعليه لابد بداية، من الاطلاع على أبرز محدِّدات البنى الأساسية في الدول الثلاثة:

 روسياإيرانتركيا
النظام السياسينظام ذو مستوى ديمقراطي منخفض، مع نزعة تفردية من قبل بوتين (أوتوقراطي)نظام ثيوقراطي، يقدم بعض الملامح الديمقراطيةنظام ذو مستوى ديموقراطي متوسط، مع احتمال تعزيز النزعة الفردية لدى أردوغان (أوتوقراطي)
الدين/المذهبمسيحية أرثوذوكسية، مع حضور بارز للعلمانيةمسلمة شيعية منغلقة على الذاتمسلمة سنية، مع حضور بارز للعلمانية
الموقعدولة أوروبية معظم مساحتها وعاصمتها في قارة آسيادولة آسيويةدولة آسيوية معظم مساحتها وعاصمتها في قارة آسيا
النظام الاقتصاديليبرالي محدودإسلامي مغلقليبرالي مفتوح
المساحةأكبر دولة في العالم بمساحة 17100000 كم مربع1648000 كم مربع783562 كم مربع
عدد السكان 2013145 مليون79 مليون75 مليون
الدخل القومي بالأسعار الجارية 20151669 مليار511 مليار (2014)783 مليار
تعداد الجيش766 ألف400 ألف670 ألف

ومن الجدول السابق، يمكن أن نرصد الملاحظات التالية:

  • لا يوجد تقارب في البنى السياسية بين إيران من جهة وتركيا وروسيا من جهة ثانية، ففي حين تعتمد الدولتان الأخيرتان على الأشكال الديمقراطية نسبياً، مع ميل أوتوقراطي تسعى فيه لتكريس دور الفرد في هذا النظام، فإن النظام الإيراني نظام رجال دين (ثيوقراطي) تبقى الديمقراطية فيه شكلية وتكميلية ومرتبطة بإرادة رجال الدين. غير أن موقع الفرد من النظام الإيراني وهيمنته على القرار السياسي، يساعد في تقاربه مع روسيا بشكل كبير، في حين تساعد نزعة أردوغان نحو التفرد في التقارب من هذين النظام، ويبقى موقع أردوغان في شكل النظام الفردي الأضعف بين نظرائه، في حين يكون الأقوى في شكل النظام الديمقراطي.
  • التباين الأبرز بين هذه الدول، هو العامل الديني، وخصوصاً أن هذا العامل كان وراء إشكال تاريخي ما يزال حاضراً في الذاكرة (القيصرية، والصفوية، والعثمانية)، وما انبنى على هذا الإشكال من إشكال حضاري تصادمي (صراعي) في القرون الماضية. فيما شكّل الدين الإسلامي لتركيا أحد عوائق انضمامها للاتحاد الأوروبي (النادي المسيحي).
  • يحاول هذا التحالف أن يجمع دولاً في قارتين، وهو وإن حصل مع حلفي الناتو ووراسو سابقاً، إلا أنه بحاجة إلى حجم قوة لا تمتلكه هذه الدول حتى تاريخه من جهة. عدا عن أن الحلفين المذكورين قاما من قبل القوى العظمى، وليس من قبل قوى إقليمية غير قانعة بالنظام الدولي.
  • أما على مستوى البنية الاقتصادية، فيبدو أن إيران الأضعف بين نظيراتها، وخصوصاً عقب عقود من الحصار الاقتصادي الدولي، ودون رفع كامل للعقوبات، فإنها ستشكل عبئاً على الدولتين الأخريين اقتصادياً، عدا عن أنه في حال رفع العقوبات، فإن إيران من المفترض أن تتجه نحو إعادة بناء الدولة، وهو ما يعيدنا إلى إشكالية العبء، إلا في حال تجاهلت إيران احتياجات الداخل، ووجهت مداخيلها المالية الجديدة باتجاه سياستها الخارجية، فحينها ستكون تحت عبء الضغط الداخلي، وخصوصاً مع مؤشرات فساد مرتفعة. ورغم أن روسيا تمتلك ثروات باطنية كبيرة، وخصوصاً على صعيد النفط والغاز، فهي تضم أكبر احتياطي للغاز على مستوى العالم، إلا أن مؤشرات الفساد فيها أيضاً مرتفعة، عدا عن أن دورها الصناعي ما يزال دون مستوى الدول الغربية. ورغم قلة الموارد الطبيعية في تركيا (وتحديداً موارد الطاقة)، إلا أنها تتمتع باقتصاد منفتح غير مقيد سياسياً ومؤشرات فساد منخفضة، ومستوى صناعي بدأ يحجز مواقعه في الأسواق العالمية.
  • وعلى مستوى الدخل القومي، تبقى روسيا متفوقة بضعفين إلى ثلاثة على نظيرتيها، نتيجة الصادرات النفطية، وهو ما يؤهلها –مع العوامل الأخرى- لتكون محور وقائد هذا التحالف.
  • رغم انخفاض أثر المساحة وعدد السكان في التحالفات الدولية نسبياً، إلا أنه في هذا الشكل غير المتناسق، فإن مساحة وعدد سكان روسيا يشكلان قيمة مضافة تعزز من محوريتها وقيادتها.
  • ورغم تقارب حجم الجيوش الثلاثة، إلا أن الجيش الإيراني جيش متهالك من حيث العتاد القديم ومن حيث الإنهاك اللاحق بأفراده نتيجة الانشغال العسكري في دول المنطقة، ومعظم تسليحه شرقي (روسي وصيني وكوري). أما الجيش الروسي، ورغم ضخامة ترسانته، إلا أن العديد من التقارير تشكك في مستوى الصناعة العسكرية الروسية الحالية، وأنها ما تزال تعتمد في جزء لا يستهان به من ترسانتها على الأسلحة والتقنية السوفييتية المطورة. أما تركيا فتتمتع بمستوى تسليح غربي، وصفقات أسلحة حديثة في السنوات الأخيرة، فيما تطور صناعات عسكرية تشير بعض التقارير إلى أنها بدأت تشكل رافداً مهماً للجيش التركي.

 

ثالثاً- أثر الموقع من النظام الدولي في عملية التنسيق الثلاثي:

يشهد هذا المستوى من التصنيف تقارباً بين الدول الثلاثة، باعتبارها “دولاً غير قانعة”، وفق التصنيف العلمي للعلاقات الدولية. وذلك كما يلي:

  • روسيا: تسعى روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عامة، ومنذ تولي بوتين الحكم، وبدءاً من عام 2008، إلى استعادة موقعها في النظام الدولي كقطب ثانٍ، وتحاول مناكفة الولايات المتحدة في عدة ملفات، وإعمال تدخلات عسكرية في محيطها الذي كان جزءاً من الاتحاد السوفييتي، ومحاولة التداخل المصلحي مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. غير أن إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية ما تزال بعيدة جداً عن الإمكانيات الأميركية، ولا يمكن فعلياً أن تشكل منافساً حقيقياً على مستوى القطبية، بل يمكن تصنيف روسيا باعتبارها تقع في مرحلة وسطى تفوق مستوى “قوى إقليمية كبرى” وأدنى من مستوى “قطب دولي”. وتعتمد روسيا على أدوات القوة الصلبة “العسكرية تحديداً” في تحقيق مصالحها. وتذهب بعض التحليلات إلى وصف التطلعات الروسية بأنها محاولة لبناء “قيصيرية جديدة”.
  • إيران: هي الأخرى من الدول غير القانعة بالنظام الدولي وترتيباته وانفراد الولايات المتحدة بقطبيته، وقامت سياساتها حتى فترة قريبة على قاعدة مواجهة وتحدي الولايات المتحدة في المنطقة، قبل الاتفاق النووي معها، غير أنها بدأت تقبل تدريجياً بالترتيبات الدولية عقب الاتفاق النووي الذي أقر لها بجزء من مصالحها وتطلعاتها، لتحافظ إيران على موقعها باعتبارها “قوة إقليمية”. وتعتمد إيران على أدوات القوة الصلبة في تحقيق مصالحها. وتذهب بعض التحليلات إلى وصف التطلعات الإيرانية بأنها محاولة لبناء “صفوية جديدة”.
  • تركيا: هي أقل هذه الدول “عدم قناعة” بالترتيبات الدولية حتى عام 2011، لكن مع انطلاق “الثورات العربية”، وجدت تركيا البيئة المناسبة لمد نفوذها الإقليمي بالاستناد إلى القوة الناعمة أولاً “الثقافة والدين والدبلوماسية”، ويبدو أن تركيا منذ أواخر عام 2014 بدأت تتجه إلى حالة عدم قناعة بالنظام الدولي وترتيباته، نتيجة التهديدات التي بدأت تواجهها من جهة، وتطلعات أردوغان لدور تركيا ضمن المنظومة الدولية، وتحديداً ضمن حلف الناتو، وتعزّز هذا التوجه بعد فشل الانقلاب العسكري. حيث بدأ السلوك التركي ينحى باتجاه القوة الصلبة، وإن كانت ما تزال محدودة (دعم أطراف مسلحة، تدخل عسكري محدود). وتذهب بعض التحليلات إلى وصف التطلعات التركية بأنها محاولة بناء “عثمانية جديدة”.

 

رابعاً- أثر مناطق النفوذ في عملية التنسيق الثلاثي:

لكل من هذه الدول مناطق نفوذ خاصة بها، أو مناطق تتطلع إلى مد نفوذها إليها، وتستند الدول الثلاثة إلى العوامل الإثنية في ذلك (العرقية والمذهبية). وذلك كما يلي:

  • روسيا: تعتبر روسيا أن مناطق نفوذها تمتد ضمن:
    • حدودها الغربية في بالتماس مع أرمينيا وجورجيا وأوكرانيا ودول البلطيق وروسيا البيضاء، باعتبارها مناطق كانت تابعة لها من جهة، ولناحية الامتداد العرقي السلافي.
    • حدودها الجنوبية في آسيا الوسطى، باعتبارها مناطق كانت تابعة لها من جهة، واستناداً إلى اللغة الروسية التي ما تزال فاعلة في البيئة الاجتماعية لتك الدول.
    • تسعى إلى استعادة نفوذها في الشرق الأوسط، سوريا والعراق تحديداً، دون وجود إسناد إثني، إنما سياسي-تاريخي، يعود إلى حقبة النفوذ السوفييتي.
  • إيران: تعتبر أن مناطق نفوذها تمتد في:
    • الدول العربية التالية: العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتسعى إلى توسيعها إلى الضفة الغربية من الخليج العربي، استناداً على الامتداد المذهبي الشيعي والطائفي العلوي.
    • طاجيكستان في وسط آسيا، استناداً على الامتداد المذهبي الشيعي.
  • تركيا: ليس لها مناطق نفوذ حقيقية، ولكنها تتطلع إلى بناء هذه المناطق في:
    • سوريا والعراق: بالاستناد إلى العامل المذهبي السني، والعامل العرقي التركماني.
    • دول وسط آسيا: بالاستناد إلى ذات العوامل، وتحديداً إلى العامل العرقي التركماني، ضمن مشروع “تركيا الكبرى”.

ومما تقدم نلحظ، أن مجال النفوذ المشترك بين هذه الدول الثلاثة، وبين المشاريع الأخرى الإقليمية والدولية، يقع تحديداً في العراق وسوريا، بحيث تشكل هاتان الدولتان منطقة التقاء مصالح هذه الدول الثلاثة، ومنطقة صراع جميع التحالفات والمشاريع الإقليمية والدولية. حيث ينظر كل طرف إلى موقعه من هاتين الدولتين (العراق وسوريا)، لتحديد موقعه الدولي من جهة، وحجم المصالح التي يسعى إلى الدفاع عنها أو طرحها في البيئة الدولية، وتعتبر هذه الدول أن منطقة شرق المتوسط منطقة فراغ استراتيجي تسعى كل منها لملئه.

شكل رقم (2)

مناطق النفوذ التي تمتلكها الدول الثلاثة، أو التي تتطلع إلى امتلاكها

 تنسيق 2

خامساً- أثر الإشكاليات الداخلية والخارجية في عملية التنسيق الثلاثي:

 روسياإيرانتركيا
التركيبة الإثنيةدولة متنوعة إثنياً بشكل كبير (أكثر من 100 إثنية عرقية ودينية)، تهمين عليها الإثنية السلافية الأرثوذكسية، مع مستوى اندماج ضعيف بين إثنياتها. وتشهد مواجهات ثقافية ودينية بين إثنياتها، تتطور إلى مواجهات مسلحة في عدة مناسبات.دولة متنوعة إثنياً بشكل كبير، ويمكن وصفها بأنها تجمع أقليات كبرى. فيما تهيمن عليها الإثنية الفارسية الشيعية، مع مستوى اندماج ضعيف بين إثنياتها. وتشهد مواجهات ثقافية ودينية بين إثنياتها، تتطور إلى مواجهات مسلحة في عدة مناسبات.دولة متنوعة إثنياً بشكل كبير، وهي كما إيران تجمع أقليات إثنية كبرى وأخرى صغرى، فيما تهيمن عليها الأقلية الطورانية (التركية) السنية. وتشهد مواجهات ثقافية ودينية بين إثنياتها، تتطور إلى مواجهات مسلحة في عدة مناسبات.
المعارضة السياسيةرغم وجود تيار معارض (غالبيته ينتمي إلى ذات التركيبة الإثنية للسلطة)، إلا أنه تم إعادة إنتاجه من قبل السلطة بعد إقصاء المعارضة الحقيقية منذ تولي بوتين.رغم وجود تيار معارض (غالبيته ينتمي إلى ذات التركيبة الإثنية للسلطة)، إلا أنه تم إعادة إنتاجه من قبل السلطة بعد إقصاء المعارضة الحقيقية منذ عام 1979تتمتع تركيا بوجود عدة تيارات معارضة، أبزرها التيار القومي والعلماني والإسلامي، غير أنها ومنذ الانقلاب الفاشل بدأت تعمل على إقصاء بعض أطراف هذه المعارضة (الإسلامية/جولن)، ربما في مشهد يوحي بتحضير طويل المدى لإعادة إنتاج المعارضة
علاقات خارجية متينةالصين، روسيا البيضاء، بعض دول وسط آسيا، كوريا الشمالية، إيران، بعض الأنظمة العربية، فنزويلا، كوبا، الأقاليم المقتطعة من دول جوارها.بعض الأنظمة العربية، روسيا، الصين، كوريا الشمالية، فنزويلا، كوبا، طاجيكستانقبل محاولة الانقلاب، يمكن وصف علاقات تركيا بأنها متينة، مع: عدة دول في الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، أذربيجان، كثير من دول وسط آسيا، السعودية وعدة دول عربية.
أبرز المنظمات المنضوية فيها خارج الأمم المتحدةمنظمة شنغهايمنظمة التعاون الإسلاميحلف الناتو، ومنظمة التعاون الإسلامي
علاقات خارجية متوترةأوكرانيا، دول البلطيق، بعض دول وسط آسيا، الولايات المتحدة، وعدة دول في أوروبا الغربيةمعظم الدول العربية، بعض دول آسيا الوسطى، ماليزيا، أذربيجان، ويمكن توسيع هذه القائمة قبل الاتفاق النووي لتشمل غالبية الدول الغربية.أرمينيا، قبرص، مصر، نظامي سوريا والعراق.
الميليشيات المرتبطة بهادعم غير مباشر للميليشيات الشيعية التابعة لإيران. ودعم مباشر للميليشيات العلوية في سوريا. ودعم مباشر للميليشيات الكردية في سوريا.دعم مباشر لمجموعة واسعة من الميليشيات الشيعية والعلوية في المنطقة العربية. إضافة إلى علاقات متقبلة مع الميليشيات الكردية. إضافة إلى علاقة خفية مع جماعة الإخوان المسلمين في عدة دول عربية.علاقة غير واضحة بميليشيات تنظيم داعش والنصرة. ودعم مباشر لعدد من فصائل المعارضة السورية (جيش حر وفصائل إسلامية)، ودعم مباشر لحركة الإخوان المسلمين في عدة دول عربية.

من الجدول السابق، يمكن ملاحظة ما يلي:

  • هناك تشابه كبير في الإشكاليات الداخلية للدول الثلاثة (تنوع التركيبة الإثنية، ووضع المعارضة السياسية).
  • على مستوى العلاقات الخارجية: فإن روسيا وإيران في حالة تشابه كبير في علاقاتها المتينة، في حين أن علاقات تركيا الخارجية المتينة مضادة لتلك العلاقات، غير أنها تشهد بدءاً من 15/7/2016، تقارباً مع روسيا وإيران في هذا المجال.
  • أما على مستوى الخصومة الخارجية، فإن التباين أكثر وضوحاً بين الدول الثلاثة، ولا يمكن ردمه بسهولة في الوقت الحالي. وخصوصاً تجاه الدول العربية (الخليجية بالتحديد)، فروسيا تحاول أن تكون قريبة من هذه الدول سياسياً واقتصادياً، وتركيا حليف للسعودية (حالياً)، أما إيران فهي على حالة عداء مع دول الخليج العربي، وتحديداً مع السعودية والبحرين (مع الإمارات بحدة أقل، وتقارب مع قطر، وعلاقات جيدة مع عُمان).
  • تباين آخر على مستوى المنظمات المنضوية فيها هذه الدول، وخصوصاً بين روسيا وتركيا.
  • ولعل أبرز تباين هو الميليشيات التابعة لكل طرف، ففي حين تدعم روسيا وإيران الطرف الشيعي، فإن تركيا تدعم الطرف المواجه له (الطرف السني).

وعليه يمكن أن نضع الملاحظات التالية:

  • وجود إشكاليات داخلية بهذا الحجم في الدول الثلاثة، لا يتيح لها صياغة سياسة خارجية تحالفية/استراتيجية طويلة المدى، قائمة على قواعد مستقرة داخلياً.
  • تباين الحلفاء والخصوم على مستوى الدول والمنظمات والأطراف المسلحة دون الدول، يعيق هو الآخر تعزيز عملية التحالف طويل المدى.
  • إن الاستمرار في هذا التحالف، وتحويله إلى مؤسسة قائمة على غرار حلف الناتو (أو وارسو سابقاً)، يعني للدول أصحابه، ضرب مصالحها مع دول أخرى، وتحديداً تركيا التي تتجاوز مصالحها مع الناتو والولايات المتحدة حجم المصالح المتوقعة من روسيا وإيران.
  • طبيعة النظام الدولي القائم حالياً، تفرض على الأطراف الثلاثة، الأخذ بعين الاعتبار، علاقاتها الخارجية الأخرى (المتينة والمتوترة)، إلى حين حدوث تحول جذري في بنية النظام الدولي.
  • ولعل الملاحظة الأبرز، أن عدم وجود حدود برية تجمع الدول الثلاثة، يخفض من قيمة هذا التنسيق. رغم تشارك كل من إيران وتركيا بحدود بحرية مع روسيا (بحر قزوين والبحر الأسود).

 

سادساً- المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدول الثلاثة:

تعتبر الدول الثلاثة سوقاً عالمية، تجذب الاستثمارات في مجالات عديدة. فروسيا وإيران دولتان نفطيتان (نفط وغاز) مهمتان في سوق الطاقة العالمية، وروسيا وتركيا دول صناعية بحاجة إلى توسيع أسواقها، وتركيا بوابة السوق الأوروبي لكلا الدولتين الأخريين. فيما تشكل تركيا دولة من كبريات الدول المستوردة لمنتجات الطاقة التي تفتقر إليها بشكل شبه كلي (سوق استيراد عالمية).

وبغض النظر عن الاتفاق الأخير بين الدول الثلاثة، فإن التعاون الاقتصادي بينهما كان قائماً، ويتسع باضطراد، قبل الأزمة التركية-الروسية. ولا تحتاج هذه الدول إلى قيام تحالف استراتيجي أو سياسي-أمني مؤقت، لتعزيز تعاونها الاقتصادي، في وقت هي أحوج ما تكون اقتصادياً إلى بعضها.

ومن بعض المؤشرات الاقتصادية الروسية-التركية:

  • وصل عدد السياح الروس في تركيا قبل الأزمة الدبلوماسية أكثر من 3 ملايين سائح سنوياً.
  • تركيا خامس أكبر شريك تجاري لروسيا، بما نسبته 4.5% من إجمالي التجارة الخارجية الروسية.
  • حجم العلاقات التجارية بينتركيا وروسيا يصل إلى حدود 40 مليار دولار، هذا عدا عن المشاريع الاقتصادية الكبيرة المشتركة وأهمها مشروع “السيل التركي”.
  • تركيا من أهم مستوردي الغاز الطبيعي منموسكو، بنسبة 45% من كمية الغاز التركي المستهلك.
  • هناك اتفاقية بين الجانبين لبناء مفاعلات نووية في تركيا تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار.
  • هناك عديد من الشركات التركية التي تنفذ مشاريع بناء في روسيا.
  • يتصدّر الروس لائحة السياح الأجانب في تركيا بعد ألمانيا.
  • روسيا من أهم الدول التي تستورد المنتجات الغذائية والزراعية من تركيا.
  • فقدت تركيا مليار دولار من قيمة الصادرات خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2016، بسبب الأزمة الدبلوماسية مع روسيا.
  • تراجع التبادل التجاري بين البلدين إلى ما بين 27 و28 مليار دولار نتيجة الأزمة الدبلوماسية.
  • تتطلع روسيا إلى السوق التركي لكسر العقوبات الأوروبية المفروضة عليها.

في المقابل، فإن العلاقات الاقتصادية التركية-الإيرانية ظلت محافظة على نمط المأسسة القائمة فيما بينها، ورغم تأثرها نسبياً بالملفات السياسية عام 2011، إلا أنها أعادت التوازن لذاتها، ونحّت الإشكاليات السياسية بعيداً عن التعاون الاقتصادي، الذي تأثر كثيراً بالعقوبات المفروضة على إيران.

وتتمثل أبرز ملامح التعاون الاقتصادي التركي-الإيراني، فيما يلي:

  • بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 15 مليار دولار عام 2015. وتتطلّع إيران إلى رفعه إلى حدود 30 مليار دولار عام 2020، فيما تتطلع تركيا إلى 50 مليار دولار.
  • صرح وزير الجمارك التركي بأن التبادل التجاري مع إيران زاد بنسبة 30% بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها. وأن الشركات الإيرانية والتركية تعمل معاً في استثمارات مشتركة بدول أخرى.
  • تعتبر تركيا وجهة سياحية مهمة للإيرانيين.
  • قرّر البلدان توظيف الاستثمارات المناسبة على حدود خوي-رازي الجديدة لتطوير التجارة المشتركة وليتمكن التجار من استثمار إمكانيات النقل بين البلدين بهدف تطوير التعاون.
  • اتفق البلدان على الإفادة من الخط الثاني لسكة الحديد فضلاً عن الخطوط الموجودة حالياً، بمجال النقل، وذلك لتسهيل عبور المسافرين بين البلدين، بالإضافة إلى توفير الأرضية المناسبة لتوسيع الترانزيت من إيران إلى أوروبا.
  • قُدِّر عدد الشركات التركية الناشطة في إيران بنحو 150 شركة، مقابل 2600 شركة إيرانية تعمل في تركيا.
  • ظلّت تركيا طيلة العقد الماضي المتنفس الحيوي لإيران لممارسة النشاط الاقتصادي بالخارج في ظلّ العقوبات الغربية.

إلا أن تركيا تبقى الوجهة الأهم في التنسيق/التحالف الثلاثي، على المستوى الاقتصادي، لكل من إيران وروسيا من جهة، إضافة إلى قطر وإسرائيل. لناحية طموح كل من تلك الدول، أن تشكل تركياً معبراً (برياً أو بحرياً) لمشاريعها في إنشاء أنابيب تصدير الغاز إلى أوروبا، وتتنافس هذه الدول فيما بينها للحصول على صفقة مع تركيا، وإقصاء منافساتها.

شكل رقم (3)

مشاريع خطوط الغاز إلى أوروبا عبر تركيا

 تنسيق 3

سابعاً- المقدمات السابقة لعملية لتنسيق الثلاثي:

يعود التنسيق (التحالف) بين روسيا وإيران، إلى عدّة سنوات سابقة للمتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً إلى فترة صعود كل من نجاد وبوتين إلى السلطة، وإحياء تطلعات الطرفين. غير أن انضمام تركيا إلى هذا التنسيق، بشكل لم يكن وارداً حينها، تدعمه جملة المتغيرات الحاصلة في البيئة الإقليمية والدولية، وأبرزها ما يلي:

  • ما سمّي ثورات الربيع العربي، وما أتاحته لتركيا من دور فاعل في عدة دول، نتيجة التقاطع مع تيار الإسلام السياسي (تحديداً الإخوان المسلمين)، الذي تصدّر المشهد السياسي مرحلياً. وهو ما ثقّل دور تركيا الإقليمي، وبدأت البحث عن توسيعه.
  • تخاذل الولايات المتحدة تجاه حلّ المسألة السورية تحديداً، وفي سلوكها تجاه الدول التي شهدت تحركات شعبية بشكل أعم، بما يتناقض مع مصالح تركيا، بل ويهدّد أمنها في النموذج السوري. ما ألزمها باتخاذ عدة خطوات منفردة بعيداً عن الولايات المتحدة وحلف الناتو.
  • ظهور النزعة الانفصالية الكردية في سوريا، وسيطرتها على مساحات واسعة من شمال شرق وشمال سوريا، وتخوّف تركيا من امتداد هذه النزعة إلى داخلها، في ظل إسناد أميركي للميليشيات الكردية، وتغاضٍ عن مطالب تركيا بهذا الشأن.
  • العبء الذي تلقّفته تركيا نتيجة وجود (2-3 مليون) نازح سوري إلى أراضيها، وتخاذل الولايات المتحدة في إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا، تُخلِّص تركيا من هذا العبء.

أضيف إليها لاحقاً مستجدّات أخرى، أهمّها:

  • تلكؤ الاتحاد الأوروبي في حسم كثير من المسائل التي تخصّ ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد، وبروز تيار معارض بشدة لانضمامها، ما جعل تركيا (أردوغان) يلمّح بعدم رغبة تركية مماثلة. وهو ما دفع تركيا للبحث عن بدائل تحالفية جديدة (تمّ التلميح إلى إمكانية انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي، كما انضمت تركيا إلى التحالف العربي-الإسلامي).
  • خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أضعف الجبهة المعارضة لانضمام تركيا، لكنه في المقابل أوحى بضعف داخلي بدأ ينتاب الاتحاد، وخصوصاً مع وجود دعوات أخرى للخروج من الاتحاد، ما أدّى إلى تراخي التطلع التركي نحو الاتحاد الأوروبي.
  • رغم عدم وجود تهديد فعلي لتركيا من تمدّد تنظيم داعش إلى سوريا وصولاً إلى الحدود التركية، في بادئ الأمر، لكن الأمر تطور لاحقاً إلى عدّة هجمات طالت تركيا، كان من أخطرها الهجوم على مطار أتاتورك. وإحساس تركيا بأنها بحاجة إلى إعادة صياغة أدواتها في المنطقة باتجاه تدخل أكثر فعالية، رغم عدم إسناد الولايات المتحدة لها في هذا الملف كذلك.
  • تغيير كبير في البنية الوزارية التركية، مع وصول علي بنيلدريم إلى رئاسة الوزراء، وتفعيله لسياسة صفر مشاكل، أو طرحه لمشروع إصلاح السياسة الخارجية التركية. وإحداثه عدة إنجازات على هذا الصعيد، أبرزها: إعادة العلاقات مع إسرائيل، توثيق العلاقات الاقتصادية مع إيران، وبدء إعادة العلاقات مع روسيا.
  • وربما يكون المتغير الأبرز والأهم، هو متغير محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي حصلت في تركيا، والتي قامت عليها توجهات سياسية خارجية تركية جديدة. حيث ذهبت الحكومة التركية إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لها دور في هذه المحاولة الانقلابية (أو على الأقل رحبت بها في لحظاتها الأولى)، وأنها تأخرت لعدة أيام للتنديد بها وإعلان دعمها للحكومة “الشرعية”. فيما سارعت روسيا وإيران إلى إدانتها مباشرة، ودعم الحكومة “الشرعية” (وهناك تسريبات غير دقيقة بعد، عن دور استخباراتي روسي في إفشالها).
  • وعليه يمكن إضافة بعد آخر، وهو بحث أردوغان عن إسناد دولي جديد، في عملية تحويل النظام التركي من الديموقراطي إلى الأوتوقراطي.

ثامناً- التنسيق بين الدول الثلاثة (الهدف المباشر):

بدأ التنسيق فعلياً بين تركيا وروسيا في الفترة القليلة السابقة للانقلاب العسكري، ففي مايو 2016، وجّه الرئيس الروسي بوتين رسالة إلى أردوغان يحثه فيها على استئناف العلاقات. ومع نهاية مايو أعلن الرئيس التركي أردوغان أسفه عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24/11/2015، وعن رغبته في استئناف العلاقات. تلا ذلك ما ادّعته روسيا من دور في كشف استخباراتها محاولة الانقلاب باكراً وإبلاغ الجانب التركي بذلك، فيما سارعت روسيا وإيران إلى التنديد بالمحاولة الانقلابية مباشرة.

تطوّرت العلاقة بعد الانقلاب مباشرة، من خلال زيارة أردوغان لموسكو في 9/8/2016، كأول زيارة خارجية بعد المحاولة الانقلابية. واتُبِعت بزيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى أنقرة ولقاء أردوغان في 12/8/2016، وزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى طهران في 18/8/2016، عدا عن تسريبات عن نية أردوغان بزيارة طهران في المستقبل القريب. وتتطلع كل دولة إلى هدف مباشر وأهداف لاحقة من هذا التقارب أو التنسيق فيما بينها. أما بالنسبةللهدف المباشر، فيتمثّل فيما يلي:

  • روسيا: تهدف إلى استقطاب تركيا بعد توتر علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة، وإبعادها ولو مؤقّتاً عن حلف الناتو، وهي مصلحة سوفييتية بالأساس، ما يعزز المصالح الروسية ويحميها في الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
  • إيران: تهدف بدورها إلى استقطاب تركيا، وإبعادها عن التقارب مع الدول العربية، وتحديداً مع السعودية، بما يحمي مصالحها في المنطقة العربية.
  • تركيا: تهدف من هذا التنسيق، إظهار قدرتها على الحراك خارج علاقاتها بالولايات المتحدة والناتو، وبالتالي استخدام هذا التنسيق مع روسيا وإيران (أعداء الغرب افتراضياً) للضغط على الأطراف الغربية، والاستحصال على موقع تحالفي جديد، بعد بروز مقومات قوة جديدة لتركيا، وتعزيز مصالحها في المنطقة، سواء في الملف الكردي أو في أدوارها الإقليمية، أو في ملف تسليم غولن.

وحيث أنّ روسيا وإيران يجمعهما تنسيق وتحالف طيلة السنوات السابقة، فإنّ المستجد يبقى دخول تركيا إلى هذا المحور، وعليه فإنها هي المطالبة أكثر من نظيرتيها بتقديم تنازلات لروسيا وإيران، تسهّل عملية التنسيق معها. وحيث تتقاطع مصالح الدول الثلاثة في سوريا بشكل خاص، فإنّ التنازلات الأبرز هي:

  • تركيا: التنازل الذي قدمته تركيا (إلى جانب الاعتذار عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية)، هو القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، فيما كانت ترفض استمراريته بأي شكل من الأشكال. على أن هذا التنازل ليس حديث العهد أو ناتجاً عن محاولة الانقلاب، بل يعود إلى خطة بنيلدريم منذ توليه رئاسة الوزراء، ضمن إعادة بناء السياسة الخارجية التركية، وخصوصاً عقب اتساع التهديدات الأمنية التي تطال تركيا، دون إسناد غربي فعال لها في ذلك.

في المقابل، فإن روسيا وإيران، لا تتطلعان إلى مجرد الاكتفاء ببقاء بشار الأسد في السطلة خلال المرحلة الانتقالية باعتباره (أحد الفاعلين الرئيسيين على حدّ الوصف التركي)، بل ترنو إلى المحافظة على النظام السياسي ككل، والقضاء على كافة أشكال المعارضة له.

  • روسيا: فيما كان التنازل الذي تقدّمت به روسيا لتركيا (إلى جانب رفع المقاطعة الاقتصادية عنها)، هو إيقاف الدعم الروسي للميليشيات الكردية في سوريا، وإغلاق مكتب التنسيق (قنصلية) الخاصة بها في موسكو، والسماح لتركيا باستهداف بعض مناطقها.
  • إيران: كانت خارج هذه التنازلات، حيث أنها كانت على علاقة جيدة بتركيا طيلة الفترة الماضية، وإنّ توترت تلك العلاقات في الفترة 2011-2012 نسبياً، إلا أنها عادت إلى سابق عهدها، ولم يشكّل الملف السوري نقطة خلاف بين الطرفين، رغم فعالية النظام الإيراني وميليشياته في سوريا.

وهنا لا بد من التنويه إلى ملمح أساسي في السياسات الخارجية للدول الثلاثة، وهو:

  • روسيا: لا تنظر روسيا إلى نفسها باعتبارها مجرد قوة إقليمية تسعى إلى الحصول على مكسب إضافي، بل تعتبر نفسها قوة دولية (تتجه نحو القطبية)، وبالتالي فإنها تعتبر ما تقدمه للأطراف الأخرى من تنازلات، إنما يأتي بصفته (منح دور لهم) في المصالح الروسية.
  • إيران: حيث تعتبر نفسها الأجدر بقيادة الإقليم، فإنها غير معنية بتقاسم المصالح مع دولة بشكل نهائي، أو تقديم تنازلات لهذه الدول، ويدلّ على ذلك سلوكها تجاه دول العربية.
  • تركيا: تختلف سياستها الخارجية عن نظيرتيها، فحيث تعتبر أحدث القوى الإقليمية المتدخلة في شؤون المنطقة بشكل مباشر، فإنها في الفترة الحالية، معنية بتشارك المصالح مع الأطراف الأخرى.
  • يضاف إلى ذلك أن الدول الثلاثة، توجه اللوم في سياساتها الخارجية إلى “الأعداء الخارجيين” في المشاكل التي تواجهها داخلياً وخارجياً.

 

تاسعاً- أهداف الدول الثلاثة من عملية التنسيق المشترك:

إضافة إلى الهدف المباشر السابق لكل من الدول الثلاثة، فإن التنسيق (التحالف) فيما بينها، يرمي إلى أبعد من ذلك، من خلال تنسيق المواقف تجاه المصالح المشتركة والمتعارضة في مناطق تداخل نفوذ كل منها. وبشكل عام تتطلّع روسيا إلى أدوار تركية لصالح روسيا في منطقة البلقان والقوقاز والقرم وشرق أوروبا، خصوصاً بعد موقف تركيا المؤيد للموقف الأوكراني إبان الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم. كما تتطلع إيران إلى تعاون تركيا في منطقة دول وسط آسيا (تركمانية العرق).

إلا أن منطقة النفوذ وتقاطع المصالح الأبرز، تبقى في الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق وسوريا، وحيث نفوذ تركيا يمتد إلى سوريا أكثر منه إلى العراق، فيمكن بناء على ذلك، تحديد المصالح المشتركة من هذا التحالف في سوريا. وخاصة أن العراق بدوره يقع ضمن الترتيبات الأمنية الإيرانية-الأميركية، ويبقى خارج مجال نفوذ كل من روسيا وتركيا. وذلك وفق ما يلي:

  • تحجيم الدور الكردي في سوريا، والقضاء على النزعة الانفصالية (وحتى الفدرالية) لديهم، أو التخفيض من حدتها بحصر مناطق نفوذهم شرق نهر الفرات، وإبعاد خطر تهديدهم الإرهابي عن تركيا. (مصالح تركية)
  • ويبرز هدف آخر بالنسبة لتركيا، وهو إنشاء منطقة آمنة، في شمال محافظة حلب، على الحدود معها، يمكنها لاحقاً من توطين مئات آلاف السوريين النازحين إليها، وتخفيف العبء عنها.
  • الحفاظ على نظام الأسد (وربما على شخص بشار الأسد في الفترة الحالية)، وتثبيت وجوده في المناطق التي يسيطر عليها، ومنع تمدّد قوى المعارضة السورية إليها. (مصلحة روسية وإيرانية)
  • وهناك مصلحة روسية وإيرانية أكبر من ذلك، من خلال التطلع إلى القضاء على المعارضة السورية نهائياً، وإعادة تثبيت النظام (سواء عبر شخص بشار الأسد أو عبر شخص آخر)، لكنه غير وارد الاحتمال أو التطبيق في المستقبل المنظور أو القريب جداً.
  • الحفاظ على وحدة سوريا (مؤقتاً)، ومنع تقسيمها إلى عدة دول، ريثما يتم تثبيت مصالح الدول الثلاثة في المنطقة.
  • حاجة كل طرف من الأطراف الثلاثة إلى الأطراف الأخرى، في معالجة المسألة السورية، حيث أن لكل منها مناطق نفوذ وفعالية لا يمكن تجاوزها في ظل المعطيات التالية، ولا يمكن لأي منها منفردة الوصول إلى حل نهائي في هذه المسألة.
  • وربما تتجاوز الأهداف المرجوة من هذا التنسيق (التحالف)، إلى إبعاد القوى الإقليمية (السعودية) والدولية (الولايات المتحدة والدول الغربية) عن مسارات الصراع ومسارات المصالح في المنطقة. غير أن ذلك غير ممكن فعلياً، حيث ما يزال للولايات المتحدة حضور كبير وقدرة على حسم ملفات الشرق الأوسط.

شكل رقم (4)

دائرة تقاطع المصالح بين الدول الثلاثة

 تنسيق 4

عاشراً- الموقف الأميركي من التنسيق الثلاثي:

تتباين الآراء التحليلية حول موقف دول التنسيق الثلاثي بالولايات المتحدة، ويمكن تصنفيها ضمن التيارين الرئيسين التاليين:

  • التيار الأول: يرى أنّ ما تمّ هو خارج الإرادة الأميركية، وبالتضادّ معها، وموجّه بالأساس لتهديم مصالحها ووجودها في الشرق الأوسط. ويستند هذا التيار إلى فكرة “انهيار القوة الأميركية” في المنطقة، وعدم قدرتها على إحداث أي تغيير في مجريات الأحداث التي خرجت عن سيطرتها. فيما تتبلور قوى جديدة قادرة على انتزاع القيادة من الولايات المتحدة في مناطق متفرقة بداية، قبل انتزاع القوة على المستوى الدولي منها. وربما يجد هذا الطرح مؤيديه داخل الدول الثلاثة أو الدول الحليفة معها.
  • التيار الثاني: وهو التيار الذي يرى أن كل ما يتم هو توجيه أميركي مطلق، وألا إرادة منفردة للدول في مجريات الأحداث، وأن هذا التحالف أتى بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وما تزال هذه الدول غير قادرة على تحدي الإرادة الأميركية في المنطقة أو سواها. ويجد هذا الطرح صداه في الدول التي ما تزال تعوّل على القوة الأميركية في المنطقة.

لكن يمكن الوصول إلى رؤية أكثر واقعية، تجمع بين الرؤيتين السابقتين، من خلال ما يلي:

  • ما يزال الملف الكردي بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن حاولت بعض الدول فرض أجنداتها على مسار النزاعات داخل سوريا، إلا أن الأكراد سيظلون ورقة اثنية مهمة في السياسة الخارجية الأميركية الموجهة نحو سوريا والعراق.
  • رغم أنه لا توجد دولة قادرة بمفردها على تحدي القطبية الأميركية، حتى أن مؤشرات روسيا السياسية والعسكرية والاقتصادية ما تزال بعيدة جداً عن المؤشرات الأميركية، إلا أن ذلك لا يعني اتساقاً أو خضوعاً من كافة الدول للهيمنة الأميركية. إذ أنّ الابتعاد الأميركي عن حل ملفات الشرق الأوسط المستعصية، أتاح لعدة دول، ومنها الدول الثلاثة، إعادة بلورة مصالحها وأدوات عملها، وبروز أدوار لها تناقض بعض الأدوار الأميركية في المنطقة.
  • كما أنّ التوجهات العلنية للدول الثلاثة، لم تخرج عن إطار الرؤية الأميركية للصراعات في الشرق الأوسط، وربما يكون الملف الكردي نقطة التباين الأوضح مع التوجّه الأميركي، من تقليص حجم المساحة التي تسعى الميليشيات الكردية إلى الاستيلاء عليها (فعوضاً عن امتدادها من الحدود مع العراق شرقاً/المالكية إلى الحدود غرباً مع إقليم هاتاي/ لواء الاسكندرون عبر الوصول إلى مدينة عفرين السورية شمال غرب حلب، تم الاكتفاء بقبول الامتداد من المالكية شرقاً إلى عين العرب والضفة الشرقية لنهر الفرات غرباً).
  • ربما يكون الصمت الأميركي نحو التحالف أو التنسيق الثلاثي، رضا غير مكتمل، بحيث أنه لم يأتي بالتنسيق معها بشكل مباشر.
  • كما أن الدول الثلاثة، غير مستعدة حالياً للتخلي عن علاقاتها بالولايات المتحدة، وحجم المصالح التي تتطلع كل دولة من هذه الدول للحصول عليها من الولايات المتحدة أكبر بكثير مما يمكنها الحصول عليه من نظيراتها في التحالف الثلاثي. عدا عما بين هذه الدول والولايات المتحدة من تفاهمات واتفاقيات تتجاوز موضوع التحالف ذاته (الملف السوري).
  • ما يؤكّد هذه النقطة السابقة، زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لتركيا الأسبوع الماضي، وسبقها في 20/8/2016 تصريح لرئيس الوزراء التركي بنيلدرم: “الولايات المتحدة شريك استراتيجي لتركيا وليست عدونا”. وتصريح آخر في 19/8/2016 للناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “التنسيق مستمر بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سوريا، ودخل مرحلته الحاسمة”.

ويمكن بناء على ما تقدم أن تقوم الفرضيات التالية:

  • تمرّ الولايات المتحدة بفترة تعرف بـ “البطة العرجاء”، وهي فترة الانتخابات الأميركية طيلة الأشهر الممتدة بين أكتوبر ويناير، حيث يكون هناك شبه تجميد للملفات العالقة على المستوى الدولي، لحين تسلم إدارة جديدة. وعليه فقد يكون هذا التنسيق الثلاثي، محاولة فرض واقع جديد على الإدارة الأميركية المقبلة لانتزاع مصالح منها (اللعب في الوقت الضائع).
  • والفرضية الثانية، أن الولايات المتحدة راضية تماماً عن قيام هذا التحالف في منطقة الشرق الأوسط، بهدف إشغال القوى “غير القانعة” بصراعات صعبة الحل بعيداً عن الولايات المتحدة، وبما يشكل استنزافاً لها، في حين تتحضر الولايات المتحدة لمشروع دولي جديد، ربما تكون وجهته الشرق الأقصى والمحيط الهادي، وهي بذلك بحاجة إلى قوى تشتغل بإدارة الصراعات شرق الأوسطية عوضاً عنها من جهة، وإلى إبعادها عن مجالات المشروع الجديد (هناك الكثير من المؤشرات التي تذهب باتجاه هذا المشروع الأميركي).
  • أما الفرضية الثالثة، فهي أن الدول “غير القانعة” على علم بالتوجهات الأميركية الجديدة، وتذهب إلى أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فرض مشاريع ضخمة على مستوى العالم، وأن أية حرب جديدة قد تشنها الولايات المتحدة، وخصوصاً في شرق آسيا (تجاه الصين وكوريا الشمالية)، قد تكون الحرب الأخيرة لها في ذات النظام الدولي، وأنها ستطيح بمكانتها لصالح نظام دولي جديد. فهذه الدول “غير القانعة” تختار بشكل طوعي الابتعاد عن ساحة شرق آسيا، وتثبيت مصالحها في المنطقة الأهم استراتيجياً (بالنسبة لها) في الفترة المقبلة (الشرق الأوسط).

 

حادي عشر- ملفات اختبار التنسيق الثلاثي:

لاختبار مدى قدرة هذه الدول، من خلال محورها الجديد، على إحداث فارق في السياسات الإقليمية والدولية، فإنّ هذا الاختبار يقع بالأساس في منطقة تماس المصالح، أي سوريا، وعلى ثلاثة محاور، هي:

  • نظام الأسد والمعارضة السورية:

شكلت معركة فك حصار نظام الأسد عن المناطق الشرقية في حلب، من قبل فصائل المعارضة السورية، أول امتحان صعب لدول التنسيق الثلاثي. فقبل زيارة أردوغان لروسيا أو الزيارات المتبادلة مع إيران، استطاعت هذه الفصائل في 7/8/2016، فك الحصار وإلحاق هزائم كبرى بنظام الأسد، والسيطرة على مناطق عسكرية ومدنية استراتيجية، تحت القيادة العلنية لجيش الفتح الذي تحالفت معه جبهة النصرة/فتح الشام (هناك معلومات من داخل حلب أن عملية فك الحصار لم تشمل سوى 30% من جيش الفتح والنصرة، وغالبيتهم من جيش الفتح، أما الباقي فكانوا من فصائل الجيش الحر)، وذلك بالاستفادة من أسلحة أميركية تم تمويلها من السعودية وقطر وتنسيق دخولها من قبل تركيا. أي أن أردوغان اختار أن يذهب إلى روسيا بعد استعراض قدراته في معركة فك الحصار عن شرق حلب، وإثبات مدى نفوذه.

تطورت هذه المعركة إلى شعار تحرير حلب كاملة من نظام الأسد، بالتوافق مع الزيارات المتبادلة بين الدول الثلاثة، والتي أنتجت أول التنازلات التركية في هذا المجال، وأبرزها:

  • إيقاف معركة تحرير حلب.
  • شن القاذفات الروسية الاستراتيجية هجمات ضخمة من داخل إيران على قوى المعارضة في حلب.
  • قصف النظام لمناطق المعارضة بغاز الكلور.

تغاضت تركيا عن ذلك، في أول تنازل منها، فيما أعلنت إيران لاحقاً ومتأخراً أنها أوقفت عمل القوات الروسية في قاعدة همدان، نتيجة الإعلان الروسي عن عملياتها، وأكدت إيران أن تلك العمليات كانت مؤقتة وانتهت. وربما كانت إيران وروسيا تقدّمان تنازلاً متأخراً لتركيا في هذا المجال. غير أن موضوع ردّ الفعل الإيراني بإلغاء المهمة الروسية، يبقى موضع تشكيك كبير، وخاصة أنّ روسيا كانت عاملة في هذه القاعدة منذ عدة أشهر بشكل سري، والسرية هنا هي عن الرأي العام العربي والإيراني، فالولايات المتحدة على علم تام سواء من قبل هذه الدول أو عبر أقمارها الصناعية بتلك العمليات، وخاصة أنّها في حال كانت هجمات مجهولة المصدر تماماً، فإنها ستشكل خطراً كبيراً على الحليف الأبرز للولايات المتحدة/إسرائيل. وعليه فإن هذا الإعلان ربما يكون الغرض منه حفظ ماء الوجه الإيراني أكثر منه واقعاً قائماً، والعودة للعمل السري، وربّما تنازل مؤقت من قبل روسيا وإيران لتركيا من خلال إيقاف ضرب المعارضة السورية في حلب. طالما أن تركيا أوقفت عملية تحرير حلب وإخراج نظام الأسد منها.

أُلحِقت هذه التنازلات التركية، بالتأكيد على ما تم طرحه مسبقاً، من أنها تقبل بوجود الأسد في مرحلة انتقالية، على أن تكون قصيرة، وهو ما يشكل نقطة التقاء مع روسيا وإيران. وقبولها باستمراريته “انتقالياً ومؤقتاً” تعني ضمنياً قبول احتفاظه ببعض مناطق سيطرته وإيقاف استهدافه من قبل الفصائل المسلحة التابعة لها في شمال سوريا (ومن ذلك، تخفيف الضغط على نظام الأسد في محيط دمشق، وإخراج عناصر فصائل المعارضة وغالبية السكان من داريا/الغوطة الغربية، وتسليم البلدة إلى النظام في 26/8/2016، عقب حصار استمر قرابة خمس سنوات). كما أن الدول الثلاثة لم تطرح موضوع الضغط حالياً على نظام الأسد لاستحصال أية مكاسب منه تعزز موقف المعارضة.

  • الملف الكردي في سوريا

وهو الاختبار الثاني الذي تعرضت له دول التنسيق الثلاثة، فيما يعتبر المسألة الأكثر حساسية واستراتيجية بالنسبة لتركيا، وخصوصاً مع الرؤية التركية بأن الولايات المتحدة خذلتها في الملف الكردي، وسمحت لمنظمة إرهابية بأن تمتد في سوريا عسكرياً، وأن تشكل تهديداً أمنياً على تركيا، دون أن تعالج هذه المسألة وفق الاتفاقيات الأمنية، ووفق اعتبار أن تركيا عضو في حلف الناتو، وأي خطر يواجهها هو خطر على الحلف بأسره. يضاف إلى ذلك، السعي الروسي والإيراني السابق، للتعاون مع الأكراد، وإسناد توسعهم العسكري، ودعمهم سياسياً، وتسليحهم، وهو ما زاد من الخشية التركية، وكان عاملاً مهماً للغاية في إحداث تقاربها مع هذه الدول.

ترافق هذا الاختبار، بالتنازل الثاني، وهذه المرة من طرف روسيا وإيران، لينتج المعطيات التالية:

  • قصف نظام الأسد للميليشيات الكردية التي كانت تعتبر حليفاً أساسياً له في منطقة الحسكة، في 19/8/2016، وهو يدل على إيعاز روسي-إيراني للنظام للقيام بتلك العمليات، والتخلي عن الحليف الكردي، وإعادة طرح مسألة وحدة سوريا، عوضاً عن التوجه السابق الذي أعلن عنه الأسد، وروجت له روسيا “الفدرالية في سوريا”، الذي تمّ التخلي عنه من قبل روسيا.
  • 24/8/2016: دخول القوات التركية برياً إلى مدينة جرابلس السورية الحدودية، وانتزاعها من سيطرة تنظيم داعش، استباقاً للميليشيات الكردية التي كانت قد وصلت قبل أيام إلى جنوبها (مدينة منبج)، وما تبعه من قصف تركي محدود للميليشيات الكردية، وتوجيه إنذار لها بالانسحاب إلى شرق نهر الفرات، عدم التقدم غرباً باتجاه عفرين، ترافق ذلك مع تأكيد روسي على موضع انسحابها إلى شرق الفرات، مع إعلان عن تأييد روسي للعمليات التركية، لكن مع طلب أن تتم بالتنسيق مع نظام الأسد ضمن إطار محاربة الإرهاب.
  • وصولاً إلى هذه المرحلة، لم تقدم الولايات المتحدة تطمينات لتركيا بشأن الملف الكردي، إذ مع بداية القصف التركي للميليشيات الكردية، أبدى بايدن انزعاج بلاده من ذلك، مؤكداً على أن العدو هو داعش وليس الأكراد، كما كان قد وجه إنذاراً لنظام الأسد بعدم استهداف الأكراد في الحسكة. طارحاً في زيارته لتركيا، أن تتقاسم تركيا والميليشيات الكردية إدارة المناطق الممتدة من جرابلس حتى عفرين، بغية الحفاظ على الموقف الأميركي من إنشاء كيان كردي في سوريا يمتد من أقصى شرقها إلى أقصى غربها. غير أن الموقف الأميركي بعد هذه التطورات، عدل باتجاه الطلب من الأكراد عدم تجاوز نهر الفرات، والعودة إلى شرقه.
  • طرح تركيا لمشروع أوسع من موضوع انتزاع جرابلس من هيمنة داعش، إلى توسيع عملياتها العسكرية شمال وشمال شرق حلب، في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى إعزاز إلى حلب، لتكون منطقة آمنة، يمكن إيواء المدنيين فيها، وهو ما يبدو أن هناك توافقاً ثلاثياً حوله.

حيث كان المشهد العسكري قبيل تحرير جرابلس، كما في الشكل رقم (5):

شكل رقم (5)

الموقف العسكري في شمال حلب قبل بدء عملية درع الفرات

 تنسيق 5

غير أن هذا الملف يبقى الملف الأكثر غموضاً حتى تاريخه، والتنازل التركي فيه، يتطلب إعادة تعريف الدور التركي ومصالحه ومناطق نفوذه في سوريا، كما أن هذا التنازل التركي (إن تمّ) يسلب تركيا دورها الداعم لكثير من فصائل المعارضة السورية، وربما يشكل بداية قطيعة مع السعودية وقطر، وبالتالي قد يكون بداية إخراج لها من المسألة السورية، عبر إفقادها الفصائل الموالية لها، التي قد تتمرد عليها لاحقاً، في إنهاء شبه كامل للدور التركي في سوريا (مع احتفاظها ببعض الفصائل المحدودة التابعة لها). وهو أمر لا يمكن لتركيا القبول به، في ظل المعطيات القائمة.

  • الاختبار الاقتصادي:

لا تحتاج الدول الثلاثة إلى إنشاء تحالف استراتيجي، أو سياسي-مصلحي مؤقت، لتعظيم مكاسبها الاقتصادية، حيث أن العلاقات الاقتصادية مرسخة وقائمة بين هذه الدول، رغم إشكالياتها السياسية. فيما تأثرت هذه العلاقات بالمتغيرين التاليين:

  • العلاقات التركية-الروسية: تأثرت بحادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية. ومجرد الاعتذار التركي وتلبية المطلب الروسي في التحقيق والتعويض، كان كافياً لإعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين. وخصوصاً أن روسيا تعاني من العقوبات الأوروبية، وهي بأمس الحاجة إلى السوق التركية كمعبر أساسي لها.
  • العلاقات التركية-الإيرانية: انخفض مستوى التبادل التجاري نتيجة اشتداد العقوبات الدولية (متغير خارجي)، فيما ارتفعت نسبة التبادل التجاري بين البلدين 30% في الفترة اللاحقة لرفع العقوبات، ومن المتوقع أن ترتفع إلى أرقام قياسية في حال رفع كامل لتلك العقوبات.

حيث عادت العلاقات الروسية-التركية إلى سالف عهدها، لترفع القيود عن الواردات الزراعية من تركيا، وعن شركات البناء التركية، وتستأنف الرحلات السياحية الروسية نحو تركيا. وتستكمل المشاريع الاستراتيجية المشتركة، التي من بينها بناء محطة “أك-كويو” النووية في تركيا بمشاركة شركات روسية، ومشروع خط الغاز الروسي نحو جنوب أوروبا عبر تركيا.

غير أن روسيا حريصة (على الأقل شكلياً) على علاقاتها الاقتصادية بدول الخليج العربي، وخصوصاً عبر منتدى التعاون العربي–الروسي، الذي قد ينعقد في دولة الإمارات العام المقبل، بعدما كان انعقد في موسكو هذا العام.

ثاني عشر- سيناريوهات التنسيق الثلاثي ومستقبله:

مما تقدم، تبرز عدة إشكاليات أمام الدول الثلاثة، في عملية التنسيق فيما بينها، وخصوصاً في منطقة تقاطع المصالح المشتركة (سوريا)، ولعل هذا التنسيق يخضع لأحد الاحتمالات التالية، أو خليط منها:

  • الاحتمال الأول-الاستيعاب الأميركي: يتضمن هذا الاحتمال، رضا الولايات المتحدة عن مجريات التنسيق، مع المحافظة على جزء من مصالح دوله. ما يعزز هذا الاحتمال تصريحات متبادلة من كافة الأطراف بأهمية الدور الأميركي من جهة، وكذلك حجم المصالح التي تربط أطرافه بالولايات المتحدة، خصوصاً تركيا، كما أن إيران تتطلع إلى علاقات أكثر تميزاً مع الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي، بما يسمح لها أن تتصدر المشهد الإقليمي، عدا عن جملة التفاهمات الروسية-الأميركية في المنطقة. وبالتالي، فإن هذا الاستيعاب، سينهي احتمال بناء تحالف حقيقي بين الدول الثلاثة، ويترك لها فسحة للتنسيق فيما بينها. ومايعيق هذا الاحتمال، توتر العلاقات بين أطرافه من جهة والولايات المتحدة من جهة، وعدم قناعة أطرافه بمكانتها على الساحة الإقليمية والدولية، غير أنه يمكن إرضاؤها ضمن سياسة الاستيعاب وتوكيلها ببعض ملفات المنطقة عوضاً عن انشغال أميركي مباشر في المنطقة، لا رغبة للولايات المتحدة فيه حالياً. ويتوقف هذا الاحتمال على الاستراتيجية الأميركية الجديدة عام 2017، مع الرئيس التالي. ويبقى احتمالاً ذو إمكانية كبيرة.
  • الاحتمال الثاني- تفكك التنسيق: وذلك نتيجة جملة الإشكاليات التي تواجه دوله منفردة، أو الإشكاليات التي تمسّ الأهداف التي تتطلع إليها هذه الدول. إذ ربما تؤدي حالات التنازل غير المتوازن بين أطرافه في الساحة السورية، إلى حدوث خلافات بينية تفك ارتباط الدول ببعضها. عدا عن إمكانية إعادة تحسين الولايات المتحدة علاقاتها بتركيا، وتقديم مصالح أكبر لها مما تأمله من الدول الأخرى. يبقى هذا الاحتمال وراداً، لكن ليس بشكل قريب أو مباشر، حيث ستدخل دول التنسيق مرحلة اختبار في عدة ملفات، قبل أن تظهر تلك الإشكاليات أو الخلافات. وما يعزز هذا الاحتمال، هو سمة السياسة الخارجية الروسية التي لا يمكن التعويل فيها على الوعود من جهة، والإشكال التاريخي مع تركيا الذي تم تجاوزه مؤقتاً، وسمة السياسة الخارجية الإيرانية التي لا تتشارك في المنافع الاستراتيجية مع دول إقليمية أخرى. وما يعيق قيام هذا الاحتمال، هو الاندفاع التركي نحو تقديم تنازلات أكبر لأطرافه في المرحلة الحالية.
  • الاحتمال الثالث- انفراط عقد التنسيق مع المحافظة عليه شكلاً: كما تمّ في انضمام تركيا إلى التحالف العربي-الإسلامي، أو كما تم عموماً داخل هذا التحالف.
  • الاحتمال الرابع-منظمة شنغهاي: ويتضمن انضمام إيران وتركيا إلى منظمة شنغهاي التي تهمين عليها الصين وروسيا، في بناء تكتل آسيوي يواجه الولايات المتحدة. إلا أن هذا الانضمام سيفرّغ التنسيق من مضمونه، ويضعه في إطار “اقتصادي” آسيوي أكبر، له شروطه وآلياته في التعاطي مع الملفات الأمنية. ما يعزز هذا الاحتمال أنّ انضمام هذه الدول لن يكون على مبدأ تقديم التنازلات، وأنه انضمام اقتصادي أكثر منه أمنياً، وما يعيقههو ترتيبات داخل المنظمة ممكنة التجاوز، وموقع تركيا في حلف الناتو والموقف من انضمامها للاتحاد الأوروبي، ويبقى احتمالاً قائماً، لكنه غير جذاب بعد.
  • الاحتمال الخامس-مأسسة التنسيق: ويتضمن تحويل التنسيق بين الدول الثلاثة، إلى تحالف متكامل ذي مؤسسات مستقلة به قائمة، وذي كتل عسكرية كبيرة. هذا الاحتمال ما زال ضعيفاً أو ضعيفاً للغاية، حيث أن معوقاته أكبر بكثير من معززاته، لناحية كافة الإشكاليات التي وردت في هذه الدراسة.
  • الاحتمال السادس-الجذب العربي لتركيا: ويتضمن إعادة تفعيل التحالف العربي-الإسلامي بشكل فعال، واستدراك موقع تركيا فيه، وتقديم جملة مصالح لتركيا تتوافق كثيراً مع التوجه العربي، مع المحافظة على تبادل علاقات مقبولة مع روسيا، واستبعاد إيران من إدارة الملفات الإقليمية. وترتبط معوقاته ومعززاته في الفقرة التالية (ثالث عشر). غير أنه حتى اللحظة، يبقى احتمالاً ضعيفاً للغاية، ولا يمكن الركون إليه.

ثالث عشر- خيارات التعامل عربياً مع دول التنسيق الثلاثة:

قبل الدخول في تلك الخيارات، لابد من توضيح أبرز السمات العامة للأوضاع في المنطقة العربية، فيما يلي:

  • المنطقة العربية مستهدفة بإعادة التقسيم من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحديداً منذ عام 2003، مع انطلاق مشاريع “الشرق الأوسط الكبير أو الموسع” و”الفوضى الخلاقة”، وهي مشاريع تعود إلى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين. وما يتم في دول الثورات، هو تطبيق لتلك المشاريع، وتحديداً: (المرحلة الأولى: العراق. المرحلة الثانية: سوريا واليمن وليبيا، المرحلة الثالثة: مصر).
  • هذه المشاريع لا تتوقف على دول الثورات، بل تتضمن انتقالها لاحقاً إلى الدول التالية: السعودية، الإمارات، تركيا، إيران. بعد خلق بيئة مناسبة لانتقالها إليها.
  • تقسيم المنطقة مسعى روسي وإيراني، في محاولة لتصحيح سايكس-بيكو لصالحها، وهو ما يتفق ويتعارض مع الولايات المتحدة، لناحية حصة كل دولة من التقسيم الجديد.
  • السياسات العربية غير فعالة على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي. بمعنى أنها سياسات رد فعل، وليست سياسات استباقية للفعل. وهي تخضع للتوازنات الإقليمية والدولية، ولتحالفاتها الدولية.
  • السياسات العربية فردية وليست جماعية، بمعنى أنه يتم تضخيم الإشكاليات البينية، بحيث تشكل عائقاً أمام صياغة استراتيجية موحدة، فيما تعمل كل دولة بشكل منفرد على الدفاع عن مصالحها، وهو ما يفرغ تلك السياسات من قوتها، ويجعلها عرضة للتنازلات الكبيرة. عدا عن أن جزءاً منها هو سياسات مناكفات بينية.
  • مفهوم التهديدات الأمنية في الدول متباين من دولة لأخرى، وفق مصلحة الدولة أو وفق طبيعة علاقات النظام السياسي فيها بالآخرين.

ومن أبرز الملامح العامة السابقة للسياسات العربية في المنطقة، يمكن تحديد أطر للتعامل مع التنسيق الثلاثي بشكل خاص، ومع متغيرات الإقليم بشكل أعم، وذلك من خلال:

  • تمتلك الدول الخليجية مقومات قوة (اقتصادية وعسكرية وثقافية)، تؤهلها للضغط على الأطراف الأخرى، وفرض مصالحها وشروطها، وخاصة أنها صاحبة الشأن المباشر.
  • لا يمكن الانتقال إلى الخطوة السابقة، إلا من خلال إعلاء قيمة التنسيق بين الدول الخليجية، وتقريب توجهاتها الخارجية، وتوحيد آليات عملها.
  • ضرورة إعادة تعريف الأخطار الأمنية التي تهدد الدول العربية عامة، والخليجية خاصة.
  • للدول العربية الخليجية جملة تحالفات دولية واسعة، يمكن استخدامها في مواجهة أي تحالف آخر.
  • ضرورة عدم الاعتماد النهائي على صدق نوايا الولايات المتحدة في الدفاع عن مصالح الدول الخليجية، حيث بدأت تظهر بوادر تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها القدامى، لصالح تحالفات جديدة.
  • ضرورة اجتذاب تركيا إلى المحيط العربي، حيث تشكل ثقلاً كبيراً للتحالف العربي-الإسلامي، بالإضافة إلى باكستان. من خلال إعمال المبدأ البراغماتي الذي تسير عليه الدول الثلاثة السابقة، واعتماد مبدأ التنازلات المتبادلة بين الطرفين.
  • الحفاظ على نمط واضح ومحدّد من العلاقات مع روسيا، واستخدام الملف الاقتصادي في الضغط عليها، وخاصة أن روسيا حريصة جداً على اكتساب موقع اقتصادي في دول الخليج العربي (النفط، الاستثمار، مبيعات السلاح). وأن يتم ذلك من خلال مبدأ تبادل المنافع، وعدم تقديم تنازلات تمس الأمن القومي للدول الخليجية.
  • عدم الانخراط في التنسيق الثلاثي، حيث تبقى إيران اليوم الخطر الأكبر على كافة الدول العربية، وأي تنسيق معها، يتضمن –وفق الرؤية الإيرانية- خضوع الدول العربية للاستراتيجية الإيرانية.

رابع عشر- ملاحظات نهائية:

  • لا يمكن الركون إلى المتغيرات الحاصلة في المنطقة حالياً، فهي متغيرات مؤقتة، سريعة الزوال، وخصوصاً على مستوى التحالفات البينية.
  • روسيا ليست جزءاً من طموحات إيران الإقليمية ذات الامتداد المذهبي، فلروسيا مشروعها المختلف، والذي قد يتصادم مع دور ومكانة ومشروع إيران لاحقاً.
  • تشكل إسرائيل نقطة التقاء بين روسيا وتركيا، ونقطة افتراق مع إيران، وربما تساهم إسرائيل لاحقاً في هذا التنسيق، حيث أنه متوافق مع توجهاتها، أو تكون سبباً في انفراط عقده.
  • لم تتحدث دول التنسيق عن إحداث هدنة طويلة المدى في سوريا، أو عن إيقاف الحرب بشكل نهائي فيها.
  • لا شيء يضمن الموقف الروسي فعلياً، فإن استحصلت على مكاسب أكبر من الولايات المتحدة فلربما تتخلى عن الأطراف الأخرى.
  • لروسيا تاريخ طويل في دعم الأقليات وفصلها عن دولها الأم (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا/جورجيا، القرم/أوكرانيا، التدخل الإثني في دول البلطيق، وتحريض الأقليات السلافية على دولها). وعليه لا يمكن التعويل على موضوع إيقاف دعمها لقيام كيان كردي، أو كيان علوي، أو تفكيك سوريا بالمطلق.
  • كل طرف من هذه الأطراف، يأمل الحصول على مساعدة من الأطراف الأخرى لإخراجه من المأزق السوري.
  • تخشى روسيا انتقال الحالة الجهادية إلى داخل أراضيها ثانية/ الشيشان، لذلك تركز كثيراً على ملف محاربة الإرهاب.
  • لا يمكن الخروج بحل نهائي في سوريا، إنما تهدئة وتثبيت خطوط الفصل في النزاعات الدائرة، والتخفيف من حدتها مؤقتاً، أو تحويلها كما حصل في لبنان مثلاً إلى نزاع سياسي-إثني، وتأجيل حله.
  • ربما يكون التقارب الروسي مع تركيا، محاولة لتحسين صورتها لدى العالم السني، وإظهار وسطيتها تجاه النزاع السني-الشيعي في المنطقة، من خلال التقارب مع جميع الأطراف، وليس كما يظهر حالياً بأنه وراء تمدد الإسلام الشيعي في المنطقة على حساب السنة والعرب.
  • تشير المعلومات المتاحة، إلى أن الاختلافات الرئيسة بين روسيا وتركيا، ما تزال قائمة كما كانت عليه في السابق، لاسيما ما يتعلق بمصير الأسد. وخصوصاً أن تركيا رفضت الطلبات الروسية في حلب: إخراج المدنيين التابعين للنظام، تسليم المعارضة لأسلحتها، إيقاف نهائي للنزاع المسلح بين الطرفين.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق