التحالف الإسلامي يقف في وجه الفاشيات التي تستغل فاشية الإرهاب

بعد قيادة السعودية تحالفا في اليمن ضد تمرد الحوثي وعلي عبد الله صالح المدعوم من طهران ضد المبادرة الخليجية وضد مخرجات الحوار الوطني، ما يعني أن إيران تدعم جماعات متمردة طائفية ضد الدولة الوطنية، وضد سيادة الدول، وهي تريد استنساخ النموذج المطبق في لبنان في بقية الدول العربية، بعدما أفشلته السعودية في البحرين وستفشله في بقية الدول العربية الأخرى.

تقود اليوم السعودية تحالفا آخر أكبر وأوسع متمم للتحالف الأول، باسم التحالف الإسلامي العسكري يتألف من 34 دولة عربية وإسلامية، سيكون تحالفا شاملا عسكريا وفكريا وإعلاميا، أي أنه لا يستهدف فقط داعش كما يرغب الغرب، بل يستهدف كل الجماعات الطائفية الإرهابية ويفضح كل من يدعم تلك الجماعات الإرهابية الطائفية بأي شكل من أشكال الدعم.

أصبحت الدول التي تتلكأ في محاربة الإرهاب سواء كانت الولايات المتحدة أو روسيا وغيرهما، فإن هذا التحالف سيحرج تلك الدول وسيكشفها أمام العالم بأنها دول داعمة للإرهاب.

بل إن التحالف الإسلامي يكشف حقيقة الخطاب القاسي والمتشدد ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم، الذي من شانه أن يزيد من حدة الهجمات، أو يصبح الممول لتلك الهجمات، لمجرد أن مثل هذا الخطاب فقط من أجل مناهضة الهجرة، مثل خطاب دونالد ترامب من أجل أن يحقق نتائج انتخابية مثل النتائج الانتخابية التي حققها اليمين المتطرف في فرنسا محتلا بلوائحه موقع الصدارة في 6 أقاليم من أصل 13 في الدورة الأولى، ولا يمكن فصل هذه النتائج عن الهجمات التي وقعت في 13 نوفمبر 2015 في العاصمة الفرنسية باريس وتبناها داعش وتسببت في مقتل 130 شخصا فضلا عن مئات الجرحى الأبرياء، ما جعل فرنسا تعيش حالة من الصدمة من تحقيق اليمين المتطرف اختراقا تاريخيا.

بسبب أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في نشر تلك الكراهية، فمثلا تمتع دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري بتغطية إعلامية تلفزيونية 234 دقيقة، فيما لم تحصل مرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون سوى 113 دقيقة، وهو باعتراف أوباما بأن الإعلام هو السبب في تغذية حالة الخوف من الإرهاب، ولم ينسى أوباما أن الجمهوريين ينتقدونه بسبب لونه، وينشرون إشاعات عن تحوله للإسلام.

فطبيعي عندما يوصف المسلمون بأنهم طائفة عدوانيين أو وحشيين، فمن المرجح لأفراد تلك الطائفة أن يكونوا عرضة للمعاملات المعادية، ما يجعل البعض منهم يقدموا على القيام بردات فعل تزيد من الكراهية المتبادلة مما يهدد العيش المشترك بين جميع الطوائف داخل المجتمع الواحد.

استنسخت إيران تجربة اليهود في أوربا في العصور الوسطى وطبقتها خصوصا بعدما احتل بوش العراق وسلمه لإيران فوجدت الفرصة سانحة بتنفيذ تلك التجربة التي  تصور ما حدث للمسيح وعبر ما يقرب من ألف سنة عندما أدانت المسيحية المبادئ الرئيسية للديانة اليهودية، كما حملت اليهود مسؤولية وفاة المسيح، ما جعل اليهود يعانون في عهد هتلر، وفي نفس الوقت استخدم اليهود التكتيك نفسه في تعويض الغرب مقابل محنتهم ومقابل مظلوميتهم.

استخدمت إيران نفس التكتيك ولكن بطريقة مزدوجة، إذ أنها حملت السنة مسؤولية قتل الإمام الحسين مثلما اتهمت أوربا اليهود بقتل المسيح عليه السلام، وفي نفس الوقت استخدمت إيران مظلومية الشيعة عبر التاريخ، واستئثار السنة بالحكم في العراق وفي بقية أنحاء العالم الإسلامي، ولا تنسى إيران تاريخيا أنها كانت مهددة من النجاحات التركية العسكرية، كما كان يعتبر المسيحيون أنهم مهددون من الإسلام، مما أخر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، والآن بعد أزمة أوربا من التهديدين الروسي والهجرة الإسلامية، اتجهت الولايات المتحدة إلى إقناع أوربا بضم تركيا إلى الاتحاد الأوربي لحمايتهم من هذين التهديدين.

أصبح يسود المنطقة خطاب إعلامي شرس بين ثنايا المواعظ الدينية والنصوص الجدلية ووصف كل طائفة الطائفة الأخرى سواء كانت سنية أو شيعية بالشيطنة وتحولت تلك المواعظ إلى مواعظ هجائية لاذعة مثلما كان يسود مثل هذا الخطاب ضد اليهود من قبل الطائفة المسيحية، حتى أن المسيحيين ممن يمتلكون نفوذا في العالم المسيحي كانوا يقولون لليهود لماذا لا يسمونكم بالحيوانات المتوحشة؟ لماذا لا يسمونكم بالوحوش؟ فهي انتقلت تلك الشتائم الآن إلى المسلمين نتيجة خطاب الكراهية الإعلامي الذي يتزامن معها أعمال عنف واسعة النطاق من قبل الطرفين ضد بعضهما البعض، ولكن السؤال لماذا يشدد الغرب على داعش فقط ويتغافل عن الحشد الشعبي.

التحالف الإسلامي لا يفرق بينهما، بل يشمل الفئتين ويحاربهما عسكريا وفكريا وإعلاميا، ما يعتبر تحولا كبيرا قادته السعودية لاستعادة الأمن في المنطقة وفي العالم، ومحاربة الإرهاب يأتي لرص الصفوف والقضاء على أسبابه، وهناك دول تدرس الانضمام إلى التحالف مثل طاجيكستان وأذربيجان، ودول تثمن فكرة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الدولي مثل سريلانكا وحتى الصين رحبت بهذا التحالف.

هذا التحالف زاد من رص صفوف دول الخليج ما جعل محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي يصرح بأن التعاون السعودي الإماراتي قبس من نور يوجهنا لمصلحة العالم العربي، وهو أول تحالف عسكري إسلامي في التاريخ الحديث لحماية عروبة المشرق بشكل خاص، والاصطفاف الخليجي مع تركيا هو من أجل إقناع تركيا الأنظمة الشيعية في العراق وسوريا بالانفتاح على العرب بعيدا عن إيران الطائفية التي تقسم بل تفتت المنطقة عبر مشروعها الطائفي تحت ذريعة محور المقاومة والممانعة حتى لا يدخل العرب والمسلمون في نزاعات طائفية ودموية لا يستفيد منها سوى الغرب خصوصا وأن الطائفة الشيعية هي أقلية لا يمكن أن تكسب معركة مع الأغلبية السنية، والكف عن محاولة الهيمنة على حساب السنة، بل يمكن أن تتعايش الطائفتين معا تحت سقف الدولة الوطنية التي يتساوى الجميع تحت سقفها، وتستفيد تركيا أيضا من هذا التحالف من أن يمنع قيام دولة كردية مستقلة في شمال شرق سوريا على أساس عنصري وعرقي الذي يقلق تركيا، والعرب وتركيا حريصون على وحدة الأراضي العراقية والسورية.

وسبق أن أفشلت السعودية محاولة أميركا أخونة النظامين المصري والتونسي ومحاولة تطبيق هذين النموذجين في ليبيا وسوريا واليمن الذي يتقاطع مع النظام الطائفي الشيعي بقيادة تركيا، أي أن المنطقة العربية يمكن أن تصبح ساحة مستباحة إقليميا ما بين تركيا وإيران يسقط فيها النظام العربي.

ما جعل السعودية تستعيد النظام العربي في مصر بعدما أخفقت المرجعيتين الشيعية والإخوانية في تقديم إسلام معاصر كما تريده أمريكا يؤمن بمجتمع حر يستلهم التجربة الأردوغانية في تقديم إسلامين سني في نسخته التركية، وشيعي في نسخته الإيرانية، لكن أتى تشكيل التحالف الإسلامي العسكري الذي يحل محل المرجعيتين الإسلاميتين، وأثبتت السعودية بأن الإسلام واحد لا يمنع أنه يحتوي على مذاهب عدة.

التحالف الإسلامي يتوسع، وهناك قمة سعودية تونسية لتعزيز التعاون الأمني وتوقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي ما يعني محاصرة للمشروع الإيراني الذي أراد توسيع مشروع سياحي على غرار المشروع الثقافي بين إيران والسودان وأحبطته السعودية، وبعد أن أبدت كل من طاجيكستان وأذربيجان بأنهما يدرسان الانضمام لدعم التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، أعلنت كذلك كازخستان دراسة الفكرة كذلك.

والآن كافة علماء العالم الإسلامي يدعمون التحالف الإسلامي، لأنهم يعتبرونه أساس وحدة الصف، بل دعا الأزهر الشريف إلى إنشاء كيان فكري داعم للتحالف الإسلامي من العلماء، باعتبار أن التحالف خطوة على طريق الوحدة، وحتى الجامعة العربية دعت إلى ترسيخ خطاب إعلامي لمواجهة مخاطر الإرهاب، وهناك فريق عمل بحث الأطر التشريعية لوقف القنوات المسيئة للدول الأعضاء.

هذا التحالف منصف ولن يفرق بين إرهاب دون إرهاب آخر، مثلما تفرق التقارير الدولية، وتركز على إرهاب داعش، وتترك إرهاب بقية الطوائف الأخرى، فمثلا تقرير بريطاني ركز على 15 مجموعة بسوريا تحمل أفكار تنظيم داعش سنة 2015، دون ذكر لبقية الجماعات الإرهابية الأخرى التي تحارب في سوريا وتتبع إيران وحزب الله والحشد الشعبي في العراق.

هذا التحالف سيكون حاضرا في المنطقة ولن يسمح لموسكو وطهران بأن يستغلا الحرب السورية لتوسيع نفوذهما في المنطقة واللذين يسعيان لملئ الفراغ الأميركي والحفاظ على نظام الأسد.

هذا التحالف أتى نتيجة تحولات في المشهدين الدولي والإقليمي مما أحرج الولايات المتحدة من وجهين الأول حول كيفية مواجهة الإرهاب والتعاطي معه، وأن هذا التحالف يضع نهاية لمحاربة هذا الإرهاب بعدما كانت الولايات المتحدة تتحجج بأن الضربات الجوية غير كافية، وأنها غير مستعدة التضحية بأبنائها في حرب ليست حربهم، والوجه الآخر هناك الرافضون لهذا التحالف ما يؤدي إلى إقصائهم ووسيلة لمحاصرتهم ومحاصرة نفوذهم، وسيوقف تلاعبهم بورقة التطرف والطائفية حتى يملون شروطهم للدفاع عن طوائفهم في المنطقة لتبقى تلك الدول تحت رحمة ديمقراطية المحاصصة التي تتوافق مع المشروع الإيراني وولاية الفقيه ويبقى الفاصل والحاسم والمهيمن يمارس معادلة لتنفيذ مخطط فارسي جيوسياسي في إفراغ مساحات جغرافية من سكانها الأصليين عبر التهجير والترحيل والعبث بالتوزيع الديمغرافي التاريخي في المنطقة من أجل تحويل الأغلبية إلى أقليات.

هذا التحالف الإسلامي سحب ذرائع محاربة الإرهاب التي تدعي موسكو بأنها  أتت إلى سوريا من أجل مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي ويمكن أن يمتد إلى أراضيها خصوصا وأن في روسيا نحو 20 مليون مسلم، وتشكيل هذا التحالف شكل مفاجئة لموسكو جعل الكرملين يعلن أن موسكو تحتاج إلى وقت للتعرف على أهداف هذا التحالف، لأن هذا التحالف نزع الشرعية عن زعامتها في محاربة الإرهاب في سوريا خصوصا وأنها تصنف الإرهاب وهي لا تعتبر الأسد والجماعات التي تقاتل معه جماعات إرهابية.

التحالف الإسلامي أعطى تركيا غطاء إسلاميا ضد روسيا في إنشاء المنطقة الآمنة، ويعزز موقف الرياض التي تطالب بتزامن محاربة داعش مع عملية انتقال سياسي في سوريا وهو لا يستبعد كذلك استخدام القوة ضد نظام الأسد إذا لم يرضخ للقرار الدولي حول سوريا 2254.

أيضا التحالف الإسلامي يحقق هدفا استراتيجيا للسعودية الذي يضع الولايات المتحدة في حالة من الحرج ولن تستطيع بعد اليوم الدفاع عن إيران التي تقود مشروعا طائفيا في المنطقة وهو جزء من الإرهاب الذي يجب محاربته كما نصت عليه بنود التحالف الإسلامي العسكري.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق