الانتخابات البلدية الأحوازية بين ضرورتين: مشاركة أم مقاطعة؟

عطفاً على ما سبق وانطلاقاً من تحليل علاقة المواطنة بين السلطة الإيرانية والشعب الأحوازي في المادة السابقة، تأتي الانتخابات البلدية لتستأثر على مجمل الرأي العام في الأحواز، خالقة بذلك فضاء تنقسم فيه التوجهات على شكل استقطابات سياسية واجتماعية على ثنائية المشاركة-المقاطعة.

ونتيجة طابع الانتخابات المحلي، تعمد النخب السياسية خصوصاً المشاركة منها، على استغلال الخصوصيات الثقافية في الأحواز بأبعادها العشائرية والقومية، بالإضافة إلى التأكيد على مستويات التنمية المتدنية في المدن وضواحيها وانعكاساتها الاقتصادية المعيشية، كما أزمة البطالة وانفراد غير العرب تحديداً اللر بالوظائف والمناصب الرئيسية في مدينة الأحواز العاصمة.

فهذه العناصر مجتمعة شكّلت على مدى العقدين الماضيين، أدبيات الحملات الانتخابية على تعدد انتماءاتها السياسية وارتهانها للأطر الحزبية الإيرانية المعروفة من إصلاحية وأصولية، اقتضتها شروط التزامن مع الانتخابات الرئاسية وما تستدعيها من تلاحم بين القوى السياسية المحلية والأحزاب في المركز. مع الحرص على إضفاء طابع قومي-أقلوي لضمان نوع من التمايز تجاه بقية المحافظات الإيرانية، بغية ضمان أكبر قدر ممكن من المشاركة من قبل مختلف شرائح الشعب الأحواز.

تتعرض البنى السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية في الأحواز لتبعية شاملة للسلطة المركزية، عبر مبادرات المركز بإطلاق مشاريع تنموية آخرها “مشروع التنمية المستدامة لمحافظة خوزستان”، أو من خلال المحافظ كممثل إداري لرئيس الجمهورية بصلاحياته الواسعة في مختلف المجالات خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الإنماء العمراني والتوظيف، في سياق أحادي يحدّد أولويات ومصالح إقليم الأحواز، كما يعبّر عن مركزية شديدة في صيغة إدارة هذا الإقليم كما هو حال الأقاليم غير الفارسية الأخرى.

واستعراضاً للتحديات الماثلة في الأحواز والتي تشكل مادة للدعاية الانتخابية، تمتاز سياسة الحكومة للتغيير الديمغرافي الممنهج بأهمية استثنائية، نتيجة طبيعتها الإجرامية الساعية لإحداث تحويل جذري للخارطة السكانية في عدد من مدن الأحواز أهمها مدينة الأحواز العاصمة، بالاعتماد المكثف على اللر وتوفير الشروط اللازمة لتشجيعهم على الهجرة والاستيطان، عبر منظومة تسهيلات خدمية ومصرفية للإسكان وتشغيلية، أهلتهم للاستحواذ على الوظائف والمناصب في المؤسسات الرسمية والشركات الصناعية وقطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات.

ويجدر الالتفات إلى اختلاف اللور عن باقي المستوطنين، بتبنيهم إيديولوجية ثقافية مسكونة بهواجس قومية-عرقية معبأة بحقد تاريخي ضد العرب، مع التأكيد الهوسي على اعتبار الأحواز المكان الذي تكوّنت فيه النواة الأولى للحضارة الأخمينية الفارسية ونقطة الانطلاق الحضارية الأولى نحو إيران.

فإنه وعي لا يعبّر إلا عن تبلور إيديولوجية استيطانية غير مسبوقة لدى مستوطنين يضفون على وجودهم طابعاً مقدساً، كونهم يقومون بوظيفة قومية أوكلها إليهم أسلافهم الراقدين تحت تراب الأحواز، ضد أي وجود عربي ينال من أصالة الهوية الإيرانية وعراقتها. ذلك ما يبعث على ارتياح السلطة المركزية من وجود صراع عربي-لري في الإقليم يضمن حيادها وتبرئتها وبالتالي يعزز من حاجة وجود الأطراف المتصارعة للمركز القادر على ضبط ميزان القوى في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما بالنسبة لأزمة المياه الناجمة عن نقل مصادر الأنهر في الأحواز إلى المحافظات الفارسية الوسطى، فهي الأخرى مرهونة كلياً بإرادة المركز، الذي يتوخى من خلال ذلك إضعاف ناتج الأراضي الزراعية المعتمدة على نهر كارون، لإجبار فئات كبيرة من الأحوازيين للهجرة باتجاه المناطق الحدودية المنطوية على مصادر مياه أفضل.

وللهدف نفسه، أي التهجير القسري للعرب إلى المناطق الحدودية، جرى تطبيق سياسة تفقير وتهميش ومنع لعمليات الإنماء في ضواحي مدينة الأحواز ذات الكثافة السكانية العربية. حيث ركزت السلطة المركزية استثماراتها على تنمية النقاط والأسواق الحدودية خلال العقد الماضي لخلق سوق عمل يكون وجهة المهمشين العرب، بهدف حصر التواجد العربي بشريط حدودي يمكن احتواء النتائج أو التداعيات التي قد تسفر عن ثورة محلية أو تدخل خارجي.

ففي ظل ذلك تبقى مجالس البلديات -وذلك تغاضياً عن شبكة المحسوبيات التي تتحكم في عملها- مسلوبة القدرة على الفعل إزاء أي مطلب من المطالب التي تؤمّن قبولاً شعبياً للمشاركة في إعادة انتخابها. فالمشاركة تحت غطاء أي شعار أو في إطار دعم أي تيار مهما بدت نزاهة طرحه السياسي أو عروبة خلفيته الفكرية، هي تكريس لواقع الأمر وشرعنته، التي تعمل السلطة عبر أدواتها المحلية على تأييده.

وقد جهد الخطاب الانتخابي الأحوازي بتوّسل “غياب البديل” في سعيه لاستنزاف الرصيد الشعبي للتيار المناوئ للعملية الانتخابية، بتصوير الانتخابات كضرورة لا مفر منها لتحقيق الحد الأدنى من القضايا المطلبية التي تمسّ يوميات حياة الأحوازيين على تنوع اهتماماتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والسياسية.

فالمقاطعة بمفردها هي إجراء سلبي عقيم، ما لم يؤصل لها ويبررها خطاب سياسي واضح المعالم والرؤى يصون حداً أدنى من الاستقرار في قواعده الشعبية، وبالضرورة شامل لكل أبعاد القضية الأحوازية عبر المبادرة إلى تحديد مجالات عمله وطرح تصوراته الخاصة بكيونة النشاط السياسي، من دون مزاودة أو مبالغة في تقدير وعي الناس وحاجاتها.

الأمر الذي يتيح بناء منظومة وعي مدني مخاطب لجميع مكونات المجتمع وتمفصلاته الطبقية والمصلحية، بما يخلق ظروفاً مؤاتية لعصيان مدني يكون الشعب الأحوازي وقواه الفاعلة بذلك طرفاً في ميزان القوى ضد السلطة في لحظات الصراع أم أثناء مسار التفاوض والمساومة على مطلب من المطالب.

أيوب سعيد

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق