الاحتجاجات في إيران: فرصة القوميات غير الفارسية

لم تعد خُدع النظام في طهران تنطلي على أبناء الشعوب في جغرافية إيران السياسية، وتحديدا في ظل الاحتجاجات الجارية هناك. أراد النظام أن يخدع الجماهير ويمنع اتساع رقعة الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها من مدينة خراسان، أهم المدن الدينية في البلاد.

تحدثت، في اليومين الأولين من الاحتجاجات، بعض الأقلام وعدد من الوسائل الإعلامية المحسوبة على النظام والحرس الثوري، وأيضا وسائل إعلام عربية، عن معلومة مفادها، أن من كان يقف خلف الاحتجاجات التي حصلت في مدينة مشهد هم الأصوليون، وبالتحديد إبراهيم رئيسي، المنافس الأبرز لحسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الماضية.

قد تكون هذه المعلومة التي عاود أصحابها الحديث عنها من جديد في اليومين الأخيرين، من بنات أفكار النظام الإيراني ومخابراته؛ وذلك للإيحاء بأن الأصوليين، وعلى رأسهم رئيسي، ذوي السمعة السيئة في الشارع الإيراني، هم من يقفون خلف هذه الاحتجاجات في مدينة مشهد لإفشال خطط حكومة حسن روحاني، المدعوم من الإصلاحيين، والرامية إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطنين.

إلا أن موقع “آمدنيوز”، الذي يعمل من خارج الحدود الإيرانية، والمهتم بالكشف عن ملفات نظام طهران الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تحدث في بداية الأسبوع الثاني من هذه الاحتجاجات، عن انقلاب كان يخطط له قيادات في الحرس الثوري للإطاحة بحكومة حسن روحاني. وقد تكون المخابرات التابعة للحرس الثوري قد سرّبت هذه المعلومة للموقع للحد من الاحتجاجات الجماهيرية التي انتشرت كالنار في الهشيم في البلاد، والراغبة في إسقاط نظام ولاية الفقيه من أعلى هرمه.

لكن، وبالنظر إلى الاحتجاجات الجماهيرية وهتافاتها المدوية في سماء إيران، ومنها: الشعب يستجدي والمرشد يحكم كالآلهة. يتبيّن للمتابع بوضوح أن هذه الاحتجاجات، هي فعلا ثورة جياع بامتياز. وللدلالة على هذا الوضع المعيشي المأساوي الذي أشعل هذه الاحتجاجات، من الممكن أن نستشهد بتصريح عبدالرضا رحماني فضلي وزير داخلية الرئيس حسن روحاني، حيث يقول “إن السجون الإيرانية تستقبل سنويا 600 ألف سجين أكثرهم يدخلونها بسبب السرقة”.

ويؤكد فضلي على أنه يضاف سنويا مليون شخص إلى قائمة العاطلين عن العمل، ليصل بذلك مجمل العاطلين عن العمل في عموم البلاد 6 مليون عاطل (2016). كما تفيد التقارير الحكومية للعام الإيراني الحالي والتي ناقشها البرلمان مؤخرا، أن 95 بالمئة من المواطنين الإيرانيين يتلقون مساعدات شهرية قدرها 450 ألف ريال إيراني (ما يعادل 13 دولارا أميركيا). أضف إلى ذلك، إفلاس شبه كامل للبنوك والمؤسسات المالية لا سيما إفلاس أكثر من 3 آلاف ورشة صناعية أعلنت عن إفلاسها كلياً في الأعوام العشرة الأخيرة.

وبالتالي، هذا الوضع هو نتيجة حتمية للسياسات الاقتصادية والاستراتيجية الخاطئة للنظام الحاكم في طهران، وهي التي أوصلت البلاد لما نشاهده اليوم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر إشكالية توزيع الثروات والمشاريع الاقتصادية داخل البلاد وتفضيل المناطق الفارسية في الوسط الإيراني على باقي الأقاليم غير الفارسية، من أهم الإشكاليات المقبلة لجغرافيا إيران السياسية، والتي ستفضي بالضرورة لصراعات قومية واقتصادية وسياسية لا محال.

أما سياسيا، فما زالت الشعوب في إيران تعاني من غدر رجال الدين الذين تنكروا للوعود التي قطعوها في ثورة عام 1979. كان من المفترض أن تحصل الأقاليم غير الفارسية ومنها إقليم الأحواز العربي وكردستان وتركمان الصحراء على حقوقهم القومية في إطار الحكم الذاتي.

وبالعودة للاحتجاجات الجارية حاليا في جغرافيا إيران السياسية وما ستؤول إليه الأوضاع في طهران، لا بد لنا من فهم الخارطة السياسية والقوى التابعة للمكوّنات القومية في إيران وهي في واقع الأمر، مكوّنات سياسية متنوعة المشرب والتطلعات، وتختلف عن بعضها البعض، ومنها:

* الفرس: يتوزعون ما بين ثلاثة تيارات، وهم الملكيون، والقوميون (أكثر من جناح)، ومجاهدو خلق. ولكل من هذه التيارات السياسية خصوصية تميزه عن غيره. وبالرغم من ظهور بعض الشخصيات الفارسية التي تطالب بمنح الشعوب غير الفارسية بعض الحقوق التاريخية والقومية والسياسية في ظل إيران الموحدة، إلا أن أغلب الفرس، إذا صح القول، لا يعترفون أبدا بحقوق هذه الشعوب التي تشاركهم الأرض والمستقبل، وكثيرا ما يحنّ هؤلاء للماضي وللأوهام التاريخية وإعادة مجدهم المزعوم.

* الأذر: يشكلون تقريباً ثلث السكان في إيران، وتتوزع رغباتهم السياسية ما بين الانفصال عن إيران وإقامة نظام فيدرالي يضمن لهم حقوقهم التاريخية والقومية والسياسية مصحوبا بحق تقرير المصير.

* العرب في إقليم الأحواز: هم على ما يبدو متفقون جميعا على مبدأ التحرر، ويطالبون بالخلاص من الحكم الفارسي، ربما باستثناء فصيل واحد “حزب التضامن الديمقراطي الأحوازي” الذي يطالب بنظام فيدرالي في إيران. ودخل هذا الحزب في تحالفات سياسية كغيره من القوى السياسية الأحوازية التي تعمل ضمن تحالفات وائتلافات سياسية مع باقي الشعوب غير الفارسية لنيل الحقوق وحق تقرير المصير.

* الأكراد: يمكن القول إن وضعهم شبيه نوعا ما بالوضع الأحوازي. وتتوزع رغبات القوى السياسية الكردية بين الحكم الذاتي والفيدرالية والتحرير، إلا أنهم -أي الأكراد عموما- مدعومون من بعض الدول الغربية، وتأتي الولايات المتحدة الأميركية في مقدمة هذه الدول الداعمة. كما تعتبر أربيل عاصمة كردستان العراق بمثابة قاعدة انطلاق لحراكهم السياسي، وهذا ما لم يتمتع به الأحوازي العربي.

* البلوش: الوضع لا يختلف كثيرا في بلوشستان عما هو عليه في الأقاليم الأخرى من حيث المطالب القومية والسياسية والاقتصادية. وتتوزع القوى السياسية البلوشية بين التحرير والنظام الفيدرالي، كما أنها دخلت في تحالفات سياسية مع الشعوب الأخرى للوصول لأهدافها القومية وهي في واقع الأمر، أهداف أصيلة لا بد من تحقيقها يوما ما.

في النهاية، إن ما يميز الاحتجاجات الحالية عن الاحتجاجات التي حدثت عام 2009 والتي سُميت بالحركة الخضراء، أن هذه الأخيرة كانت محصورة في الإقليم الفارسي فقط، أما الاحتجاجات الحالية بدأت من خارج المركز الإيراني وشملت كافة الأقاليم ذات التنوع القومي لتنتقل للعاصمة طهران لاحقا. وبالتالي، فإن النظام الإيراني دافع عن مشروعه الطائفي في المنطقة وعن حلفائه بقوة لا مثيل لها أبدا. فيا ترى ماذا يحدث في طهران وعموم جغرافية إيران السياسية، إذا ما شعر النظام فعلاً بخطر سقوط؟

جمال عبيدي

نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق