الاتفاق النووي الإيراني.. عواقب إقليمية

الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الرابع عشر من يوليو الماضي بين إيران ومجموعة (5+1) أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة الدائمين (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) بالإضافة إلى ألمانيا، يهدف إلى منع إيران من تطوير سلاح نووي. وقد تطلب الاتفاق، الذي يسمى رسمياً «مخطط العمل الشامل المشترك»، عشرين شهراً من المفاوضات وجاء نصه النهائي جد مفصل. كما وُصف بأنه «تاريخي» و«سيغيّر قواعد اللعبة» في الشرق الأوسط والعالم. وربما من العدل القول إنه الاتفاق التاريخي على اعتبار أنه عرف مشاركة ستة بلدان كبرى. أما الحديث عما إذا كان سيغيّر قواعد اللعبة، فذاك أمر يعتمد على كيفية تطبيقه خلال الأشهر والأعوام القادمة، وعلى مدى تأثيره على الظروف السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.

أهم البنود

الاتفاق ينص على أن تقوم إيران بتقليص أجهزة الطرد المركزي التي تملكها من 20 ألف جهاز إلى 6 آلاف جهاز، وبتقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب بـ97 في المئة من 10 آلاف إلى 300 كيلوجرام. كما يبقي على مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران عند نسبة 3.67 في المئة لمدة 15 عاماً، أي بعيد جداً عن نسبة 90 في المئة اللازمة لتطوير سلاح نووي. وينص أيضاً على إجراءات مراقبة يمكن القول إنها الأكثر صرامة التي يتم وضعها، مما سيسمح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى سلسلة الإمدادات النووية والمرتبطة بها بشكل أحادي ومن دون قيد أو شرط باستثناء المواقع العسكرية، حيث سيشارك الإيرانيون في عمليات التفتيش. وتمتد القيود المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي لعشر سنوات بينما تمتد تلك المرتبطة بمخزونات اليورانيوم لخمس عشرة سنة.

ومقابل هذه القيود التي فرضت على برنامجها النووي، ستستفيد إيران من رفع للعقوبات تعادل قيمته مليارات الدولارات التي من المفترض أن تصبح متاحة لها اعتباراً من 2016. وهنا يحاجج منتقدو الاتفاق مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه كان على المفاوضين أن يصروا على القضاء الكلي على برنامج إيران النووي، وبأن فترة الخمس عشرة سنة ليست طويلة بما يكفي، وبأن إيران على كل حال لا يمكن الوثوق فيها لاحترام أحكام الاتفاق. كما يرى المنتقدون أنه كان على الولايات المتحدة ألا تقبل بشروط الاتفاق، وأنه كان عليها في الواقع أن تزيد من العقوبات حتى تُجبر إيران على تقديم مزيد من التنازلات.

خلال لقائه مع وزراء خارجية بلدان مجلس التعاون الخليجي في الرابع من أغسطس بالدوحة، سعى وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الرد على هذه الحجج معتبراً أن هذه الانتقادات غير واقعية ومحاججاً بأن الاتفاق ستستفيد منه كل دول الخليج العربي. ورداًّ على التخوفات من إمكانية أن تعمد إيران إلى الغش وتتمتع في الوقت نفسه بمزايا العقوبات المرفوعة من دون وقف برنامجها النووي، أوضح «كيري» أنه في حال اشتبه أي بلد من مجموعة 5+1 في أن إيران تغش، فإنه يستطيع الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي وإعادة فرض العقوبات، استناداً إلى البند الخاص باستئناف العقوبات في حال الغش.

وفي ختام الاجتماع، أصدر مجلس التعاون الخليجي بياناً جاء فيه أن «الوزراء اتفقوا على أن خطة العمل المشترك الشاملة عندما يتم تنفيذها بصفة كاملة، ستسهم في أمن المنطقة على المدى البعيد، بما فيها منع إيران من التطوير أو الحصول على قدرات نووية عسكرية».

وقال كيري للوزراء إن الاتفاق يمثل حلاً دبلوماسياً أفضل من كل الخيارات الأخرى لمشكلة برنامج إيران النووي، مضيفاً أن البديل هو القيام بعمل عسكري، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة. وفي تصريح له أمام الصحافة، قال وزير الخارجية القطري خالد العطية، الذي كان يتحدث نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي، إن الاتفاق هو «أفضل خيار بين خيارات أخرى للتوصل إلى حل لقضية البرنامج النووي الإيراني عبر الحوار».

كما بعثت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الرابع عشر من يوليو، برقية تهنئة إلى الرئيس الإيراني أملاً في أن «يسهم الاتفاق في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها».

مخاوف خليجية

غير أن دول الخليج عبّرت للحكومة الأميركية عن مخاوف بشأن الاتفاق لا تتعلق بالأسلحة النووية مباشرة وإنما بتداعيات أخرى، حتى في حال تم تطبيقه بنجاح، ذلك أنها تخشى أن يؤدي رفع العقوبات إلى حصول إيران على عائدات مالية كبيرة يستعملها النظام الإيراني لدعم الإرهاب والقيام بأنشطة أخرى معادية لدول الخليج العربي. ومعلوم أن إيران تقف وراء الإرهاب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. وعلى سبيل المثال، فقد تبين أن إيران هي التي كانت تقف وراء محاولة اغتيال السفير السعودي إلى الولايات المتحدة وقتئذٍ عادل الجبير في 2011.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية القطري بعد اجتماع الثاني من أغسطس مستعملًا لغة دبلوماسية ومشدداً على النقاط الإيجابية: «إننا نتطلع بأمل لأن يؤدي الاتفاق النووي إلى حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدين أهمية التعاون مع إيران على أسس ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفض النزاعات بالطرق السلمية». وفي الرابع عشر من يوليو، كان مسؤول إماراتي أكثر وضوحاً عندما قال للصحافة: «إن إيران تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في المنطقة إن هي راجعت سياستها وكفت عن التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن»، مضيفاً أن هذا «سيبعد المنطقة عن الطائفية والتطرف والإرهاب».

«إجابات» أميركية

والواقع أن حكومة الولايات المتحدة تعترف بأن إيران قد تواصل دعم الإرهاب وأنشطة عدائية أخرى، وبأن الاتفاق النووي لا يتصدى لتلك الإمكانية، ولكن واشنطن لديها ثلاثة أجوبة على هذا التخوف. فأولًا، قال كيري: «إذا كانت إيران تزعزع الاستقرار، فمن الأفضل أن نكون أمام إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً على أن نكون أمام إيران تمتلك سلاحاً من هذا القبيل». ثانياً، بعض الخبراء الأميركيين، مثل ريتشارد نيفيو، الذي كان ضمن الفريق الأميركي المفاوض، اعترف بأن إيران قد تستعمل بعض تلك العائدات التي ازدادت في مثل تلك الأنشطة، ولكنه أضاف أن معظمها سيذهب لتلبية الاحتياجات الاقتصادية الداخلية لإيران على اعتبار أن الاقتصاد الإيراني يوجد في وضع سيئ، وأن ثمة حاجة كبيرة للاستثمارات داخل إيران. ثالثاً، واشنطن تسعى لطمأنة بلدان الخليج العربي وغيرها بخصوص المواضيع غير النووية. وفي هذا الصدد، أشار الرئيس أوباما صراحة إلى أنه إذا كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في يوليو مرتبطاً بالمواضيع النووية فقط، فإن الولايات المتحدة ستظل حذرة وستراقب وترد على أي سلوك إيراني يهدد مصالح الولايات المتحدة أو أصدقائها في الخليج ومناطق أخرى. ومن جانبه، قال كيري للصحافة بعد اجتماعه مع وزراء مجلس التعاون الخليجي إن الولايات المتحدة والمجلس يأملان أن يتغير سلوك إيران، «… ولكن علينا أن نستعد لإمكانية ألا يتغير». وفي بيانهم المشترك، عبّر كيري ووزراء مجلس التعاون الخليجي عن التزامهم بمواجهة «دعم (إيران) للإرهاب وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة… وخاصة محاولات تقويض الأمن والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وأحدثها في البحرين». وبهذا الخصوص، قال كيري إن الولايات المتحدة وافقت على عدد من الطلبات الجديدة من دول مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في زيادة الجاهزية العسكرية، ومن ذلك أنظمة جديدة للدفاع الصاروخي، وإجراء مزيد من المناورات العسكرية المشتركة، وتعزيز أمنها البحري والإلكتروني، بما في ذلك قواتها الخاصة.

خمس ساحات للمواجهة

يد أن هذه التصريحات لا تطمئن كثيراً دول الخليج العربي، التي تخشى أن يقلص نجاحُ الاتفاق النووي المعارضةَ الأميركية لسلوك إيران السيئ في سبيل تحسين العلاقات الثنائية. وعلى كل حال، فإن دول الخليج العربي تريد من الولايات المتحدة دعماً سياسياً وعسكرياً أكبر بالمناطق التي تتواجه فيها مع إيران في الشرق الأوسط، وأهمها: (1) الوضع في العراق، و(2) الحرب الأهلية في سوريا، و(3) تهديد التنظيمات الإرهابية مثل داعش في هذين البلدين، و(4) الحرب الأهلية في اليمن، و(5) الاضطرابات في البحرين. في كل هذه الحالات، تتواجه دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران. وفي كل هذه الحالات، تتفق الولايات المتحدة مع الأهداف الأساسية لدول مجلس التعاون لخليجي، حتى تكون السياسة الأميركية موازية لسياسة المجلس، غير أن ثمة مع ذلك خلافات تقض مضجع العلاقات الأميركية- الخليجية.

أخطاء أميركية

فما الذي يثير قلق دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء الاتفاق مع إيران؟ الأمر يتعلق بمناطق صراع منها: – العراق وتنظيم داعش: غزو العراق واحتلاله من قبل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة أديا إلى حكومة يهيمن عليها الشيعة عملت لاحقاً على التمييز ضد السكان السنَّة، وهو الأمر الذي ساهم في صعود تنظيم «داعش». وفي الأثناء، سمحت بغداد لمليشيات شيعية بدخول البلاد لمحاربة داعش، ولكن تلك المليشيات خدمت أيضاً المصالح الإيرانية. وعلاوة على ذلك، تُتهم «وحدات الحشد الشعبي» العراقية التي دربتها إيران ودعمتها من أجل محاربة داعش، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وقد ضغطت واشنطن على الحكومة العراقية حتى تصبح أكثر استيعاباً لجميع ألوان الطيف العراقي وزودتها بدعم عسكري لمحاربة التنظيم المتطرف، وتقوم دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً بدعم بغداد ضد داعش، ولكنها تريد من الولايات المتحدة القيام بالمزيد من أجل محاربة الإرهاب

– سوريا: الموقف الأميركي يتمثل في أنه يجب على بشار الأسد أن يتنحى عن الحكم، ولكن إيران تدعم الأسد سياسيا وتمده بمستشارين عسكريين. كما تشجع «حزب الله» على القتال إلى جانب الأسد. وتتفق دول مجلس التعاون الخليجي على ضرورة رحيل الأسد، ولكنها تريد من الولايات المتحدة أن تقوم بالمزيد من أجل إسقاطه. وفي الأثناء، تهاجم الطائرات الخليجية والأميركية معاً الأهداف التابعة لداعش، ولكن هنا أيضاً تريد دول المجلس من الأميركيين القيام بالمزيد للقضاء على داعش في سوريا. ويحاجج بعض الأميركيين بأن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن معارضتها للأسد من أجل محاربة المتطرفين الإسلاميين، وهو تحول ستعارضه دول مجلس التعاون الخليجي من دون شك، ولكن إدارة أوباما ترفض تلك النصيحة حتى الآن.

-البحرين: تعتقد دول المجلس أن التدخل الإيراني في البحرين هو السبب الرئيسي للاضطرابات في ذلك البلد، ورغبة منها في التصدي للنفوذ الإيراني، تم نشر قوة أمنية سعودية- إماراتية مشتركة في البحرين. وتدعم الولايات المتحدة الحكومة البحرينية، كما أن العلاقات الأميركية – البحرينية ما زالت ممتازة حيث تتوفر الولايات المتحدة على منشأة بحرية هناك. ولكن المسؤولين الأميركيين ليسوا مقتنعين بأن إيران هي سبب كل مشاكل البحرين ويحثون الحكومة على القيام بالمزيد من أجل معالجة التوترات الطائفية الداخلية.

-اليمن: خمس من دول أعضاء المجلس الست منخرطون في اليمن عسكرياً، تحت قيادة السعودية، دعماً للحكومة اليمنية التي تخوض حرباً أهلية ضد التمرد الحوثي، وتدعم الولايات المتحدة هذا التحالف وتقدم بعض المساعدة اللوجستية لطائرات دول المجلس التي تضرب المواقع الحوثية. وتتهم الحكومة السعودية إيران بدعم الحوثيين بينما تحذر الولايات المتحدة إيران من التدخل في النزاع اليمني.

ظلال حقبة الشاه

في كل حالة من هذه الحالات، سيُنظر في مجلس التعاون الخليجي إلى أي ميل أميركي لمصلحة إيران على أنه تطور مؤسف. ولذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي قلقة من أن يتطور الاتفاق النووي مع إيران إلى علاقات جيدة بين الولايات المتحدة وإيران وتخشى أن يؤدي ذلك إلى تقلص الدعم الأميركي لدول المجلس. فقادة دول المجلس يتذكرون أيام كانت إيران تحت حكم الشاه، عندما كانت الإدارة الأميركية تربطها علاقات وثيقة جداً مع النظام الإيراني، وكانت تعتبر إيران أهم حليف لها في المنطقة، ولا يرغبون في رؤية واشنطن تعود إلى تلك العلاقة نتيجة للاتفاق، وبالطبع فإن علاقة أميركية – إيرانية جيدة تقتضي أيضاً تغيراً في الموقف من جانب طهران، والحال أنه لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على حدوث ذلك.

أما في الولايات المتحدة، فقد سعى خصوم أوباما إلى عرقلة الاتفاق مع إيران، لأسباب تتعلق أساساً بالتعصب الحزبي. ولكن جهودهم في الكونجرس لم تنجح في تأمين ما يكفي من الأصوات لإجهاض الاتفاق. وفي الأثناء، تتواصل الحملة لانتخابات 2016 الرئاسية في وقت يَعد فيه معظم المرشحين الجمهوريين بتمزيق الاتفاق في حال وصولهم إلى البيت الأبيض. بيد أنه من غير المرجح أن يستطيع جمهوري هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، ومن شبه المؤكد أن تواصل هذه الأخيرة دعم أوباما القوي للاتفاق مع إيران.

وعليه، فإن معظم المخاوف المشروعة لحكومات وبلدان مجلس التعاون الخليجي بشأن الاتفاق النووي مع إيران لها علاقة بالانعكاسات السياسية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، وذلك لأن إيران متورطة مباشرة، أو على الأقل يُنظر إليها على أنها متورطة، في الأزمات الكبيرة المتواصلة في المنطقة.

متفقتان.. ولكن!

الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي متفقتان عموماً على أن الاتفاق النووي مع إيران يمثل خطوة إيجابية ويأملان أن يتم تطبيقه بطريقة ملائمة، ولكن دول المجلس قلقة بشأن العواقب الممكنة غير المرتبطة ببرنامج إيران النووي، مثل الأوضاع في العراق وسوريا والبحرين واليمن، وتأمل ألا يقوّي الاتفاق إيران ويشجعها على أن تصبح أكثر عدائية في الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. كما تأمل ألا يتغير الدعم الأميركي لدول الخليج نتيجة للاتفاق، وألا تتخذ الولايات المتحدة مواقف تميل لإيران بخصوص مواضيع مهمة بالنسبة لدول الخليج. وقد سعى أوباما لطمأنة دول مجلس التعاون الخليجي بأن دعم الولايات المتحدة لها لن يتغير، ولكن الزمن وحده هو الذين سيكشف لنا شكل التداعيات الإقليمية التي ستنتج عن الاتفاق النووي.

 

نقلاً عن الاتحاد

بقلم: ويليام رو

دبلوماسي أميركي سابق متخصص في شؤون الشرق الأوسط

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق