الإطار النظري للخلاف السعودي-القطري

لفهم طبيعة الخلاف السعودي-القطري، يجب تصنيف وتسمية كل دولة ضالعة بذلك الصراع، أو مرتبطة بإحدى الدول الضالعة بهذا الصراع.

بداية مع الاصطفاف القطري-التركي، وهو تحالف يجمع بين المحور القومي الممانع والرؤية (المحور) الاسلامية الحداثية الممانعة. وبذلك يتفق المحوران حول بعض القضايا التي تجمعهم، كقضية الصراع مع إسرائيل ودعم حركات التحرر الوطني والقومي والإسلامي.

وينضم لهذا الاصطفاف حسب الشرح السابق، بعض الحركات والأحزاب والجماعات كحركة حماس وحزب الله اللبناني وجماعة الاخوان المسلمين.

والاكيد أن بعض هذه الحركات يرتبط عضوياً ببعض الدول التي تشاركها منطلقاتها النظرية والفكرية.

فحزب الله اللبناني يرتبط بإيران عضويا والتي تشاركه كل منطلقاته وأيديولوجيته، وبذلك تنضم لهذا الاصطفاف.

فيصبح الاصطفاف كمحور ونسق واحد هو تركيا وإيران وقطر والحركات سابقة الذكر، وتتموضع سوريا داخل هذا الحلف بشكل أو بآخر، لكن مرورها بثورة شعبية ضد نظامها القمعي، منع وجودها بشكل علني ومعرف ضمن هذا المحور.

وتأتي روسيا ضمن هذا الحلف كراعٍ دولي له تحت عدة مسوغات ومبررات. وبالرد على هذه المبررات والمسوغات، يظهر لنا أن روسيا تدعم هذا المحور كمحاولة منها لأخذ دور قطبي في السياسية الدولية مقابل القطب الأمريكي.

على الجانب الاخر، تتموضع السعودية منفردة في محور إسلامي لا يرى من داعٍ ومبرر لاستمرار العداء والصراع مع إسرائيل، وتشاركها بهذه الرؤيا دولة الامارات العربية، ويُدعم هذا المحور من أمريكا لوضوح طرحه وموافقته لأهداف أمريكا تجاه القضية الفلسطينية والتي تدعم رؤية حل الدولتين والسلام الدائم في المنطقة.

لهذين المحورين المتنافسين على قيادة المنطقة العربية والاسلامية بعض المزايا وبعض المثالب:

في حين يتمتع المحور الممانع لإسرائيل، بحرية حركة أكثر تجاه دعم القضايا المصيرية لشعوب المنطقة، نجد أن تلك الحرية تقف عند سقف الشعارات والقليل من التطبيقات، فشعار الموت لأمريكا والزوال لإسرائيل والمرفوع من إيران، لا نجده أكثر من شعار طبق في برامج وسياسيات إعلامية انتخابية، فيما يشير الواقع لعداء أزلي بين ايران وشعوب المنطقة العربية والاسلامية، وهو ما ظهر جلياً في قمع الثورة السورية ودعم الانفصاليين الحوثيين في اليمن والعمل على احتلال العراق وإثارة القلاقل فيه منذ عام 1980.

أما بالنسبة لتركيا، فبالرغم من تقديم نفسها كمساندة لتحرر الشعوب، ومعارضة لاحتلال إسرائيل لفلسطين، فلا يتعدى كونه شعارات متاجرة بالقضايا العربية والاسلامية من وجهة نظر إسلامية تركية، تسعى من خلالها لتحقيق مصالحها، وهو ما ظهر في مسار الثورة السورية وفي تشعبات القضية الفلسطينية وسفينة مرمرة، ولا ننسى أنها شريك تجاري لإسرائيل رغم ما سبق ذكره. وليبرهن لنا الواقع أن المصالح أهم من الشعارات ولربما المبادئ.

أما قطر، فبالرغم من تقديم نفسها من باب محور الممانعة مع ما تحتويه من مراكز أبحاث عربية تهتم بالقضايا القومية، واستضافتها لشخصيات ممانعة ومقاومة ولشخصيات تنتمي لحركة الإخوان المسلمين، نجد أن مسارها لا يختلف عن شقيقاتها في نفس المحور، فالمكتب التجاري مع الكيان الاسرائيلي موجود إلى جانب تلك الشخصيات ومراكز الأبحاث العربية ولربما كان ذلك بهندسة بعض مديري المراكز الكبيرة والتي تتاجر بقضايا الممانعة والصمود والقضية الفلسطينية.

أما الحركات التي تتبع لهذا المحور فيكفي التدليل على سلوك حزب الله اللبناني الذي وجد أن تحرير القدس يمر عبر قمع شعوب المنطقة والثورة السورية خاصة، فطريق القدس يمر عبر حمص وحلب ودمشق وصولا للقدس حسب رؤيته.

بهذا نجد أن هذا المحور يرفع شعارات تناقض تصرفاته على الأرض، وأهمها شعاره القومي المعارض والإسلامي الممانع وهو ما ظهر جلياً في أحداث الثورة السورية.

أما بالنسبة للمحور الثاني في معادلة الصراع، فنجد أن السعودية ترفع شعاراً يكاد يتعارض مع المحور الاول ظاهراً، مع توافقه مع أفعالهم على الأرض واقعاً، فهي  ترى أنه ليس هناك من داعٍ  ومبرر  لاستمرار الصراع مع إسرائيل  واستنزاف شعوب المنطقة تحت شعارات رنانة، إضافة لعدم جدوى إثارة المشاكل والأفعال الصبيانية مع إسرائيل، وقد ظهر  ذلك واضحاً  في  حرب  تموز التي  افتعلها  حزب  الله وسوريا وإيران، وموقف السعودية الرافض لتلك الحرب في ذلك الحين، كما يظهر الدور والموقف السعودي من خلال  دعم السيسي لإفشال  الربيع العربي والثورة في  مصر.

أما في الثورة السورية، فموقع وموقف السعودية مغاير لذلك، لوجود بعض أعدائها على الطرف الاخر والمنافس لها، كإيران وحزب الله والنظام السوري بشكل أساسي.

هذا الأمر دعاها للوقوف موقفاً مؤيداً وداعماً للثورة في بعض الأحيان، وموقفاً غامضاً ومرتبكاً في أحياناُ أخرى. وبذلك فهي تسعى من خلال رؤيتها لمحاولة منع التغيير في موازين واصطفافات القوى والدول في المنطقة لتمنع أي قلاقل وتأثيرات سلبية قد تؤثر في استقرارها وفي تدفق نفطها إلى العالم، مع الاحتفاظ بعلاقات هادئة وطبيعية مع إسرائيل.

أما دولة الامارات العربية، فموقفها واضح من الثورات العربية، والذي يعارض أي تغير يحصل في المنطقة يؤدي إلى سلبها مكانتها واستقرارها، وهي جاهزة بل ومستعدة لقبول إسرائيل بشكل علني ويمكن اعتبار أن هذا الامر أصبح من ثوابت السياسة الخارجية الإمارتية.

وبالنسبة لأمريكا، فالطرح المقدم من هذا المحور يوافق كما سبق ذكره رؤيتها للحل في القضية الفلسطينية بشكل خاص، ومشروعها في المنطقة بشكل عام. والذي يعتمد على رسم سلام الإذعان لإسرائيل. وبذلك نجد أن هذا الصراع الممتد منذ فترة قديمة من الزمن قد طفى إلى السطح مع أحداث الثورة السورية، وقد ينعكس سلباً على بنية الدولة السورية لاحقاً، التي قد تضطر للاعتراف بإسرائيل كأمر واقع فيما لو تم نجاح وانتصار المحور السعودي وإيجاباً على مجريات ومسار الثورة الحالي بدعم الثورة مقابل إزاحة الأسد والنفوذ الإيراني ودول وحركات وأحزاب شعارات الممانعة القومية والإسلامية لإسرائيل.

وأما فيما يتعلق بمآلات المحور الثاني، نجد أن واقع الثورة المتردي اليوم، هو بسبب سياسات هذا المحور، والذي توصل لصيغة وحلول جعل من الدول المعادية للثورة السورية دول ضامنة وراعية للحل السياسي في سوريا.

كلا المحورين، لا ينظر للثورة من باب القيم والمبادئ والاخلاق الإنسانية، وإنما من باب المصالح والمكاسب والانتصارات، وبذلك يجب علينا كسوريين العمل على الاستفادة قدر الإمكان من كلا المحورين لتحقيق أهداف ثورتنا دون المساس بمبادئها وممتنعين في نفس الوقت عن إعطاء الوعود والالتزامات التي قد تضر بمستقبل الثورة السورية وبالتالي الدولة السورية الوليدة بعد انتصار الثورة.

هيثم البدوي

ناشط سوري، وطالب علوم سياسية/أكاديمية مسار

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق