الإطاحة بالمالكي: الدلالات الإقليمية والدولية، ومآلات التمكين الإيراني في العراق والمنطقة

بخلع المالكي تنتهي المرحلة الاكثر فشلاً في تاريخ الدولة العراقية المعاصرة، لتبدأ ملامح مرحلة جديدة، من التفاهمات الإقليمية، التي لايمكن الحكم على مآلاتها إلا من زاوية، تنبأ بمقدمة لحلحلة المشهد في العراق، الذي ظل طوال ثمان سنوات من حكم المالكي، مجرد ولاية إيرانية.

وبالرغم ممن نجاح إيران في تحويل العراق إلى دولة فاشلة بامتياز، إلا أنها اليوم تواجه فشلاً في أهم قلاعها ارتد على موقعها في العراق، لاسيما وأن موافقتها اسم رئيس الوزراء الجديد، جاء في إطار ضغط دولي وإقليمي، أخرج إيران من دورها، كصاحبة القول الفصل، في الشأن العراقي.

العراق من التمكين الإيراني إلى العهدة الدولية وإقليمية

العراق اليوم، في عهدة جديدة من التجاذبات الداخلية، والإقليمية، والدولية، بعد أن أصبح من الصعب على إيران نفسها، أن تتحمل تداعيات الحدث العراقي، لاسيما بعد أحداث الموصل، التي وضعتها – ولأول مرة منذ الحرب الإيرانية العراقية- أمام مواجهة مباشرة، عدة وعديداً.

لقد شكلت أحداث الموصل، صدمة لعقيدة التمكين الطائفي الإيراني في العراق، حال دون قدرتها في لململة تداعيات مايجري، مما دفعها للهروب إلى الأمام، بموافقتها على خلع المالكي، الأمر الذي يعني، اعترافاً منها بالفشل الذريع لسياساتها في العراق، التي ارتكزت على التهميش الطائفي الممنهج للمكون السني، كعقيدة ميزت سنوات حكم المالكي.

 وبخلع المالكي أيضاً، تثأر الولايات المتحدة لنفسها من إيران، التي استأثرت بالعراق، أيام الرئيس المخلوع، في – أي الولايات المتحدة- انفقت مليارات الدولارات، وفقدت أكثر من خمسة آلاف قتيل، وتزعزعت هيبتها في العالم، كراعية للديمقراطية وحقوق الإنسان. لذلك من الصعب أن تتنازل عن مسؤلياتها ومكاسبها، لاسيما في مواجهة إيران، التي انقلبت عليها، محتكرة الملف العراقي، الذي أصبح ورقة للضغط، ليس على محيطها الإقليمي وحسب، بل على الولايات المتحدة نفسها.

إيران والولايات المتحدة، من التنسيق إلى المواجهة في العراق

فبالرغم من التنسيق الإيراني الأمريكي في احتلال العراق، القائم على المنفعة المتبادلة، التي انقلبت في مراحل ما بعد الاحتلال إلى تمكيناً للدور الإيراني في مجالها الحيوي، وبطريقة لم تتوقف عند اسقاط النظام العراقي، بل تعدته إلى تدمير الدولة العراقية، التي أضحت بدون أية بنى مؤسساتية مستقرة، ما سهل لإيران، زعزعة الموقف الأمريكي، الذي أدرك متأخراً، أهمية استقرار العراق، وقوة  المكونات الداخلية التي تم تهميشها، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى الإقرار بسوء الوضع العراقي، وأن المفاوضات التي يصار العمل بها، لإيجاد حل للمعضلة العراقية، لايمكن أن تنطلق، قبل الإطاحة بالمالكي

الفرضية ذاتها، انطلقت منها الولايات المتحدة الأمريكية، في تحميل إيران مسؤلية ماجرى ويجري في العراق، منذ سياسات الفوضى، التي أدت في مراحل لاحقة إلى تهديد المصالح الأمريكية  في منطقة الشرق الأوسط، و تهدد ميزة التوازن الذي تنشده الولايات الأمريكية بين القوى الإقليمية، لا سيما بعد التفاهم الأمريكي الإيراني، الذي أفرز ارتباكاً في العلاقات الأمريكية السعودية، حيث حملت الأخيرة تداعيات مايجري في العراق لسياسات المالكي، موجهة انتقاداتها   بشكل مباشر، عندما أعلن  وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة، منتصف يونيو الماضي، على ضرورة محاربة الإرهاب والتطرف، والدعوة لمناقشة قضايا الخلاف المذهبي الذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، معتبراً أن رئيس وزراء العراق نوري المالكي، هو من قام بتأجيج الطائفية في العراق، وأن سياسات المالكي الطائفية هي سبب تدهور الوضع في العراق؛ إذ تعاملت حكومته بشكل سيئ مع بعض المناطق، بينما احتفظ هو بكافة المناصب، وقوض قدرة الجيش العراقي، الأمر الذي يضع البلاد على شفير حرب أهلية، طالما عانى منها العراقيون، بسبب المليشيات الطائفية، التي مكنت المالكي من الاستمرار لولايتين، ومحاولاته في شرعنة ولاية ثالثة.

وعلى أساس ذلك، جاءت زيارة جون كيري للمملكة العربية السعودية، في سياق الطرح السعودي، لعملية سياسية تقوم على جمع مكونات الطيف العراقي، والمشاركة بشكل عاجل لعملية سياسية، ودعم تشكيل حكومة جديدة، تبدأ بتنحي المالكي، بالتوازي مع ضغط سعودي على أحزاب سنية للانضمام إلى الحكومة الجديدة، التي يأمل جميع الأطراف أن تكون حكومة وحدة وطنية شاملة، لا تهيمن عليها طائفة دون غيرها.

إيران بين خطوة خلع المالكي، وخطورة انقسام البيت الشيعي

أمام ذلك، وجدت إيران نفسها أمام الأمر الواقع، فوافقت على الإطاحة بالمالكي، حفاضاً على مصالحها، سواء لجهة تفاهمها مع أمريكا، أو لجهة الوضع الداخلي في العراق، الذي أصبح يهدد وجودها بالكامل، لاسيما بعد أحداث الموصل، واشتداد الأزمة بين نوري المالكي وخصومه السياسين من الشيعة، وفي مقدمتهم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، لا سيما بعد رفض المالكي إدماج عناصر “جيش المهدي” في مؤسسات الدولة، مقابل تخلي الصدر عن المطالبة بتنحي المالكي.

الانقسام ذاته، انعكس على العلاقة بين الأكراد أنفسهم، فقد فشل جلال الطالباني في إقناع مسعود البرزاني في التخلي عن المطالبة بتنحي المالكي، وهو ما وضع العراق أمام انقسامات داخلية، وتجاذبات خارجية، جعلت من الإطاحة بالمالكي الحل الوحيد لحل الأزمة في العراق.

وبناء عليه، وجدت إيران نفسها أمام تداعيات جديدة في العراق، فأرسلت إشاراتها إلى القوى الشيعية والكردية، بموافقتها للإطاحة بالمالكي، في الحدود التي تبقيها في الساحة العراقية، وذلك بانتخاب شخص من حزب الدعوة الموالي لها، تخوفاً منها على وحدة البيت الشيعي.

جاء الموقف الإيراني، في سياق من الضغوط الدولية والإقليمية، التي أجبرتها على التخلي عن المالكي، دون أن تنجح في تسمية الشخص الذي تريده، لا سيما وأنها تحفظت على تسمية حيدر العبادي، الذي قد يؤدي اختياره إلى بروز تحالفات بين الشيعة والسنة، وهو ما يهدد المصالح الإيرانية أيضاً.

الأهم من ذلك، ما تناقلته مصادر مطلعة، حول اللقاء السري الذي حصل على هامش زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للأردن مؤخراً، وجمع كيري وإياد علاوي، حيث دارت تكهنات حول رغبة أمريكية لتكليف علاوي، المقبول خليجياً.

بالرغم من قدوم رئيس الوزراء العراقي الجديد، من الكتلة ذاتها والحزب ذاته، الذي ينتمي إليه المالكي، إلا أن تدويل وأقلمة الحدث، جعل منه مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، لاسيما وأن إيران تحاول أن تجعل من التغيير الحاصل، مجٍرد عملية تكتيكية، بينما تحاول الأطراف الأخرى، أن تجعل من عملية الإطاحة بالمالكي، مقدمة استراتيجية، لتقليص التمدد الإيراني في المنطقة، وما على الأطراف التي دفعت إلى حلحلة الصخرة الإيرانية في العراق، إلا أن تعي مآلات ما هو قادم من الأيام.

د. محمد خالد الشاكر

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق