الإصلاحات في إيران: بين المناورة والعنف

بات الكثير من الإيرانيين يعتقدون أن فكرة الإصلاح السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت خدعة. وللدلالة على هذا، يمكننا أن نستشهد برأي أهم الشخصيات الأمنية في النظام ومؤسس الحركة الإصلاحية ومنظِّرها القوي سعيد حجاريان، حيث يقول “إن الهدف الرئيس من انبثاق الحركة الإصلاحية هو تكريس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران”.

ولفهم الواقع الذي دفع بالنظام في طهران أن يأتي بهذه الحركة، التي سميت آنذاك بالحركة الإصلاحية، لا بد لنا أن نخوض قليلا في حيثيات تلك الفترة من تاريخ إيران السياسي، وبالتحديد مرحلة الحرب الإيرانية العراقية التي وصفها الخميني بالنعمة الإلهية للثورة الإسلامية وما بعدها، لنستشف الواقع المعاش، لا سيما تلك الاغتيالات والتصفيات السياسية التي قامت بها السلطات الأمنية بحق المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية من الفرس وغيرهم من الشعوب الأخرى في إيران، والتي كانت قد اتفقت مع الخميني ورجال الدين على جملة من القضايا والحقوق القومية والسياسية، حيث كان الحكم الذاتي العنوان الرئيس لتلك الاتفاقات البينية قبيل انتصار الثورة.

وعليه، مرت إيران بعد عام 1979 بثلاث مراحل: مرحلة انتصار الثورة وما رافقها من اغتيالات وإقصاء الخصوم السياسيين ورفاق الأمس.

أما المرحلة الثانية فهي فترة الحرب مع الجار العراق، حيث استطاع النظام خلال سنوات الحرب الثماني تنفيذ أكبر عملية تصفية سياسية في تاريخ إيران، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية، والتي نحت خلافا لما كان متفقا عليه إبان لحظات التأسيس.

وفي المرحلة الثالثة، خرجت إيران من حربها مع العراق وهي على وشك الانهيار الاقتصادي والسياسي، ويمكن القول إن هذه المرحلة من أشد المراحل الأمنية والقمعية التي مرت بها البلاد، والتي استمرت تقريبا عقدا من الزمن. لذلك، كان على النظام أن يقوم بعملية إصلاحية لكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وبالفعل، جاءت فكرة الإصلاحات من داخل أروقة وزارة الاستخبارات، لتصحيح ثلاثة مسارات رئيسية في الثورة: تحديث الدين وتحديث الاقتصاد وإصلاحات سياسية.

إذ دفع النظام بالفيلسوف الإيراني عبدالكريم سروش، وغيره من التنويريين، للقيام بعملية تحديث الدين؛ ليشرع وجود رجال الدين في الجامعات والمجتمع الإيراني، وبالفعل نجح النظام في ذلك. وقاد هاشمي رفسنجاني عملية تحديث الاقتصاد المتهالك جراء الحرب، إلا أنه أدخل الحرس الثوري إلى الحياة الاقتصادية، وبات الأخيرُ متحكما في كافة مفاصلها.

أما الإصلاحات السياسية فقد قادها سعيد حجاريان وعباس عبدي، وهما من أهم الشخصيات التي أسست وزارة الاستخبارات بعد انتصار الثورة. وفي عام 1997، وتحديدا بعد نهاية عهد رئاسة هاشمي رفسنجاني، تشكل التيار الإصلاحي وجاء بمحمد خاتمي رئيسا للبلاد. إلا أن الأخير اعترف أنه كان مجرد موظف لا أكثر ولا أقل، ورحل وخسر التيار الإصلاحي الانتخابات الرئاسية من بعده، ليأتي محمود أحمدي نجاد المتشدد.

وبالنظر إلى واقع هذه الإصلاحات، وبعد مرور عقدين من الزمن، فإن الإصلاح الديني الذي كان ضرورة النظام في تلك الآونة فشل. وخرجت الجماهير الفارسية في أكثر من مناسبة في المقبرة التاريخية لكوروش المزعوم في محافظة فارس (شيراز) بالآلاف، وهتفت بأعلى صوتها “نحن من العرق الآري ولا نعبد دين العرب”. كما هتفت الجماهير الإيرانية في الاحتجاجات الأخيرة “الموت للدكتاتور”، وكانت تعني: علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية (الولي الفقيه).

بل إن الإصلاح الاقتصادي فشل أيضا، ووصل عدد المواطنين الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من نصف عدد السكان في البلاد. حيث اعتبر الكثير من المتابعين للشأن الإيراني أن الاحتجاجات التي سُحِقت في الأسابيع الماضية كانت بالفعل ثورة الجياع في الجمهورية الإيرانية.

وأما الإصلاحات السياسية، فهي فعلا كانت خدعة سياسية بامتياز. الغاية منها وخاصة بعدما أفرغ النظام البلاد من الأحزاب السياسية، أن يُخير الجماهير الإيرانية بين السيء والأسوأ. ومن هذا المنطلق، وبما أنه لا توجد قوى سياسية تختلف عن النظام المستبد والقمعي الحاكم في إيران، بتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن الجماهير، بالضرورة، ستحتمي بالتيار الإصلاحي، الذي كان قد رفع في بادئ الأمر جملة من المفاهيم التي تنادي بالحرية والمساواة. إلا أن وقوف زعماء التيار الإصلاحي مع النظام وآلته القمعية المتمثلة بالحرس الثوري ومؤسساته الأمنية في الاحتجاجات الأخيرة، ضد المطالبات المحقة للشعوب في إيران، عرى هذا التيار وأسقطه أخلاقيا في عيون جماهيره. حيث يقول الإصلاحي مجتبى واحدي رئيس مكتب مهدي كروبي الإصلاحي المحاصر في بيته، “أدركت أن مشروع الإصلاحيين هو خداع الشعب؛ للحفاظ على الحكم الاستبدادي في إيران، لذا لا يمكنني السكوت بعد”.

وفي مجمل الأمر، يبدو أن الوعي في الشارع الإيراني، بكافة مقوماته القومية، بدأ يكتسب المزيد من النضج، وربما بدأ يتخلى كليا عن ترقيعات النظام المستمرة منذ عقدين، وخصوصا لدى الشعوب في الأقاليم غير الفارسية.

جمال عبيدي

نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق