الإسلام السياسي الإيراني والتفسخ الأخلاقي والإجتماعي

دأب النظام الحاكم في إيران منذ إنطلاقته في العام 1979 أن يعطي للعالمين العربي والإسلامي نموذجاً قيادياً للإسلام السياسي، ومع تعاقب السنين وما فيها من وقائع وأحداث داخلية وخارجية، صارت الحقائق واضحة لدى العرب والمسلمين بأن عقلية الطبقة الدينية الحاكمة في إيران هي إمتداد للجذور الطائفية والعنصرية في العهد الصفوي (1501-1726)، وأن هذه العقلية الدينية هي من أوصلت البلاد إلى حالة التفسخ الأخلاقي والإجتماعي، بعد التردي السياسي والإقتصادي المقترن بالمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة العربية.

ورغم أن الإنحلال الأخلاقي والإجتماعي يعكس حالة الوضع السياسي في الدولة، إلا أن الخطورة في نظام إيران السياسي أنه يحكم بأسم الإسلام، وإذا كانت الدولة الدينية تمارس تطبيقات منحرفة عن النهج الصحيح والقويم للدين، فأن الوضع لا يمثل تشويهاً للإسلام فقط، بل نهجاً مقصوداً لتقويض دعائم الدين نفسه؛ خصوصاً وأن الإسلام السياسي الإيراني يسير على منوال الصفوية والقرامطة في التراخي الأخُلاقي.

وإذا أردنا أن نذكر شيئاً عن “زواج المتعة” في بيوت العفة أو الفضيلة المرخصة حكومياً والمباركة من قِبل رجال الدين، فإن أجساد النساء أصبحت سلعة في سوق العفة، سيما مع الأرامل والمطلقات أو اللواتي لا يرغبن بالزواج الدائم، حيث يعرض أنفسهن كعاملات في هذا الحقل ليكون لهن مورد رزق ثابت. بمعنى إضفاء صفة شرعية على ممارسات جنسية يؤدي تطبيقها إلى تفشي الفساد الأخلاقي والإجتماعي.

لذا في أوآخر حزيران 2007 عندما أييد وزير الداخلية الإيرانية بور محمدي فكرة “زواج المتعة” كسبيل لتلبية إحتياجات الشبان، فقد رد عليه حفيد الخميني، حسين الخميني قائلاً: أن زواج المتعة يمارس بطريقة “أسوأ من الزنا”.

أن مشاريع تعميم بيوت الفضيلة، والدعم الحكومي لها، بدلاً من أن تحقق أهدافها في تخفيف الكبت الجنسي لدى الشباب وتقليص حالات الإغتصابات، فقد أثبتت النتائج عكس ذلك؛ فقد أنتشرت الدعارة بشكل أوسع من ذي قبل في المجتمع الإيراني. ففي مدينة قم المقدسة، ينتشر فيها أكثر من 20000 مومساً، حسب سجلات الشرطة لعام 2001؛ وتم إلقاء القبض على 17000 إمراة تمارس الرذيلة، رغم وجود 10000 من بيوت العفة لممارسة الجنس الوقتي “زواج المتعة”.

لقد تحولت قم المقدسة إلى بؤرة فساد أخلاقي برغم الفصل بين النساء والرجال في كافة المؤسسات التعليمية والإدارية والصحية، ومراكز التسوق والحدائق وغيرها من المرافق العامة. لكن رجال الدين وحدهم المستثنون من هذا الفصل القسري، حيث يحق لهم الإختلاط بالنساء في تلك الدوائر المخصصة لهن وحدهنَّ! وغالباً ما تتعرض المرأة في قم بالتحرش الجنسي لا سيما من قبل طلاب الحوزات الدينية، حيث إذا رأوا إمراءة أو فتاة جميلة يعرضون عليها “الصيغة” أي الإقتران الفوري بزواج المتعة، وهؤلاء الطلاب لا يتعرضون للمسائلة والمحاسبة إذا ما أشتكت واحدة ضدهم، على إعتبار أن ما يطلبونه لا يخرج عن إطار عقيدة مذهب الإمامية والمصرح به حكومياً.

ومن الملاحظ أن قضاة المحاكم الشرعية في قم يشجعون النساء الشابات على الطلاق، إذ بعد الطلاق تحال المطلقة على إحدى الجمعيات الخيرية بحجة مساعدتها في الحصول على المتعة الجنسية، وسرعان ما تجد نفسها أسيرة أحد المُلالي بحجة زواج المتعة. وتعتبر “جميعة الزهراء” مرتعاً لرجال الدين وطلاب الحوزات الدينية، حيث أصبحت مقراً معروفاً للمطلقات الشابات اللواتي يقعن في فخ العمائم الدينية تحت مفهوم التمتع الشرعي بالجنس.

أن الإنحلال الجنسي تحت غطاء شرعي فضفاض، وفي إنتشار الدعارة بمدينة قم جعلتها ثاني أعلى نسبة للمصابين بمرض الأيدز في عموم إيران، حسب إحصائيات مديرية الشرطة في قم المقدسة. وأن هذه المدينة شأنها شأن الكثير من المدن والمناطق الإيرانية التي كثر فيها الفساد والإجرام الأخلاقي بشكل أعلى مما كانت عليه الحياة الإجتماعية في زمن حُكم الشاه محمد رضا بهلوي (1941-1979).

هذا ومن الفضائح أيضاً أن “مؤسسة رعاية شؤون البنات الهاربات” بسبب أوضاعهن الأسرية جراء الإعتداء الجنسي أو غيره، فإن تعفن هذه المؤسسة قد آذت الشرفاء من الناس، إذ تبين أن رجال الدين والأمن والقضاء كانوا يمارسون الجنس معهن؛ علاوة على خروجهنًّ بحافلات ليلاً ليعرضن على زبائن من الحرس الثوري الإيراني، ثم يعودنَّ للمؤسسة فجراً؛ ورغم إغلاق تلك المؤسسة نهائياً، لكن أبطال فضائحها من رجال الدين والآخرين لم يكشف النقاب عنهم، بيد أن الناس يتداولون أسماء معروفة لها دورها في تلك الممارسات المنافية لتعاليم الإسلام وللأعراف الأخلاقية والإجتماعية، ومنهم حجة الإسلام حسين علي شاكري، وحجة الإسلام قلي وغيرهما.

أن بيوت الدعارة في العهد الملكي الشاهنشاهي قد تم غلقها في العهد الجمهوري الإسلامي، لأنها تمثل بؤراً للفساد والرذيلة المتعارضة مع مفاهيم وتوجهات النظام الحاكم الجديد؛ لكن أول من دعى إلى إعادة فتح تلك البيوت هو هاشمي رفسنجاني في عام 1999، بدعوى أن الشباب بحاجة إلى سد الرغبة الجنسية والتنفيس عن معاناة كبتهم الجنسي. والغرابة أن الحجة التي ساقها رفسنجاني في هذا الشأن تتعلق في سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). وهنا لا ندري وفق أي مقياس زمني أو منطقي يطرح رفسنجاني رأيه بإرجاع سببية الكبت الجنسي للشباب إلى أحد عشر سنة أنصرمت.

بمعنى آخر، على إمتداد سنوات الحرب ضد العراق، والحكومة الإيرانية أبقت نظرتها ثابتة تجاه بيوت الدعارة، وبذا لم تسمح بفتحها قط. ومن هنا فإن الشباب قد أستمروا في كبتهم الجنسي وهم يحاربون حتى النهاية، فلماذا يقترح رفسنجاني بإعادة فتح بيوت الدعارة بعد 11 سنة من إنتهاء الحرب؟ فلا علاقة بين مرحلة الثمانينات في القرن العشرين ومرحلة الإطلالة على القرن الحادي والعشربن. وإذا أراد رفسنجاني الربط الرجعي، فلا شأن لسنوات الحرب سوى سوء التخطيط للنظام السياسي الإسلامي الحاكم في إيران.

أن بيوت العفة التي فشلت في تحقيق أهدافها وتحولت إلى طريقة “أسوأ من الزنا” كما قال حسين الخميني، فإن الأمر لم يقتصر على انتشار الدعارة وما يتوقف على ذلك من الأمراض الجنسية وتعاطي المخدرات والإنحرافات وحالات الإجهاض وزيادة عدد اللقطاء وكثرة الإغتصابات، بل وصل الوضع إلى حد أرتكاب جرائم القتل بأسم الدين، الشاب سعيد هاني نموذجاً، حيث قتل 16 بغياً “بغية إرضاء الله وحماية الإسلام، لأنهن عاهرات يفسدن أخلاق الأخريات” حسب زعمه.

على أي حال، فإن بيوت العفة أو الفضيلة التي يمارس فيها الرجل إشباع رغباته الجنسية تحت مسمى “زواج المتعة”، فإن سعر المتمتعة يختلف من إمرأة لأخرى وفقاً لسنها وجمالها ورشاقتها، وفيما إذا كانت عذراء أو متزوجة أو عاهرة، وقد يدفع الزبون ما يعادل 50 إلى 100 دولاراً أمريكياً في الليلة الواحدة، وإن 50% من هذا المبلغ يذهب إلى دعم المرجعية الدينية والحوزات والمراكز الدينية.

ولقد تناولت الدكتورة شهلا حائري في كتبها الموسوم: “المُتعة الزواج المؤقت عند الشيعة، حالة إيران 1978-1982” الكثير من الحالات والأوضاع المتعلقة في هذا الخصوص. فقد ذكرت في الصفحة 147 أن “بعض رجال الدين” قد أخبروها أنه “بالإمكان عقد المتعة الجماعية بين أمرأة ومجموعة من الرجال خلال مدة لا تتجاوز بضع ساعات”؛ ثم ضرب لها مثلاً قائلاً: “إذا عقد أحدهم زواج متعة غير جنسية مع المرأة فبإمكانه الإستمتاع بصحبتها بأي طريقة يرغب بشرط عدم الدخول بها، وهكذا الثاني والثالث والرابع، إذ ليس عليها عدة”.

وقالت شهلا أيضاً: “عندما كنت أطلب التعرف على رجال مارسوا زواج المتعة، كان يتم إرشادي إلى رجال الدين، لأن الإعتقاد الشائع حتى في أوساط رجال الدين هو أن العلماء هم أكثر ميلاً من غيرهم لممارسة زواج المتعة” صفحة 37.

ومما بحثت فيه شهلا عن وضع الطالبات، حيث قالت: “كانت 500 طالبة يدرسن على أيدي آيات الله، وبعضهن يعقدن زيجات متعة أثناء دراستهن! ومن أصل 500 طالبة عقدت أكثر من 200 منهن زواج متعة مع أحد الأساتذة أو مع أحد زملائها من الطلاب”. صفحة 234.

أن ما يفعله الطبقة الدينية الحاكمة أو المرجعية في إيران حول قضايا النكاح وشرعية المتعة التي تدل جميع ممارساتها الواقعية على أنها خارج نطاق تعاليم الإسلام، كما وأن اللين والمرونة في إباحة هذه السلوكية الجنسية لها جذورها المجوسية في التاريخ الإيراني القديم، والتي تجلت في دولة القرامطة بالعصر الوسيط، ثم في دولة الصفويين باعصر الحديث، وصولاً لجمهورية إيران الإسلامية الحالية.

فعن القرمطيين، قد أشار بعض المؤرخين، ومنهم أبن حزم (384-456 ه/994-1064 م)، إلى أن أصل مذهب القرامطة من المجوس الإباحية أتباع مزدك. ولذلك تجد تأويلهم للزنا على أنه إفشاء سرّهم بغير عهد وميثاق. وليس من الكبائر التي تؤدي بمرتكبيها إلى النار.

وفي رسالة عبد الله بن الحسين القيرواني إلى سليمان بن الحسين بن سعيد الجنابي في كتابهم الموسوم “السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأعظم” ينص في آخرها قائلاً: “وما العجب من رجل يدّعي العقل ثم يكون له أخت أو بنت حسناء وليست له زوجة في حسنها يحرّمها على نفسه وينكحها من أجنبي. ولو عقل الجاهل لعلم أنه أحق بأخته وبنته من الأجنبي. وما وجه ذلك إلا أنه صاحبهم (النبي محمد) حرّم عليهم الطيبات وخوفهم بغائب لا يعقل، وهو الإله الذي يزعمونه، وأخبرهم بكون ما لا يرونه أبداً من العبث من القبور والحساب والجنة والنار حتى أتعبهم بذلك عاجلاً، وجعلهم له في حياته ولذريته من بعد وفاته خولاً (خدماً)، وأستباح بذلك أموالهم بقوله: “لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”. (23:42). فكان أمره معهم نقداً وأمرهم معه نسيئة، وقد أستعجل منهم بذل أرواحهم وأموالهم على إنتظار موعد لا يكون. وهل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها، وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب في الصلاة والصيام والجهاد والحج…وأنت وإخوانك هم الوارثيون الذين يرثون الفردوس، وفي هذه الدنيا ورثتم نعيمها ولذاتها المحرّمة على الجاهلين المتمسكين بشرائع أصحاب النواميس، فهنيئاً لكم على ما نلتم من الراحة عن أمرهم”.

أما عن الدولة الصفوية فقد كانت تعتمد في سياساتها على الجنس والمال في أستمالة الآخرين، وخصوصاً في الحالات المستعصية، دخول عباس الصفوي إلى بغداد عام 1623 مثالاً، حيث أغرى بالمال والمنصب محمد أبن والي بغداد حينها بكر آغا. وأن سياسة أستخدام الجنس والمال قد طبقها النظام الإيراني الحالي في مد خلاياه داخل البلدان العربية، لا سيما في دول المشرق العربي، حتى أصبحت بعضها فروعاً تفرض وجودها كما مع “حزب الله” في لبنان، والحوثيين في اليمن والمجموعات الطائفية المسلحة في العراق متمثلة في: “عصائب أهل الحق” و”حزب الله العراقي” وغيرها، علاوة على أذرعها في البحرين وسوريا. فمن الناحية الجنسية توجد “الزينبيات” في ممارسة زواج المتعة لأهداف سياسية، وكذلك منح المال للذين يوالون المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة العربية، وكل ذلك يجري بأسم الإسلام السياسي الذي ينتقل من فشل إلى آخر؛ وإلا لأصبحت جمهورية إيران الإسلامية بعد ثلاثة عقود من الزمن أسمى نموذج يقتدى به في العالم العربي والإسلامي من كافة النواحي السياسية والأقتصادية والأخلاقية والإجتماعية، وهذا محض هراء من الجانب الواقعي.

د. عماد الدين الجبوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق