الإرهاب يضرب مصر للمرة الثالثة خلال شهرين، مستهدفاً الأقباط

مجهولون يستقلون ثلاث سيارات رباعية الدفع أطلقوا النيران بشكل عشوائي على حافلة الأقباط في محافظة المنيا في 26/5/2017 في محافظة المنيا كانوا في طريقهم لزيارة دير الأنبا صموئيل بالمنيا قرابة 250 كلم جنوب القاهرة قبل أن يلوذوا بالفرار نتج عنه مقتل 28 شخصا.

هذا الاعتداء هو الثالث في أقل من شهرين بعد تفجيرين استهدفا في أبريل كنيستين في شمال مصر في طنطا والاسكندرية خلال الاحتفالات بأحد الشعانين ما أدى إلى مقتل 45 شخصا وتبناهما تنظيم داعش.

تبنى تنظيم داعش يوم السبت 27/5/2017 تبنيه الاعتداء عبر وكالة أعماق التابعة للتنظيم بأن مفرزة أمنية من داعش نفذت هجوم المنيا الذي استهدف يوم الجمعة 25/5/2017 حافلة تقل أقباطا.

نحن أمام أسلوب جديد وتغير خصوصا بعدما أصبح الأقباط الهدف الأساسي بل والهدف الأكبر لاستهداف إرادة مصر، كما لم يعد بيت المقدس بمفرده خصوصا بعدما بايع تنظيم داعش عام 2014 وأصبحت لديه روابط عديدة وتحول من ولاية سيناء إلى ولاية مصر والتي يعتقد أنها ذات هيكلية منفصلة ولديه تنظيم منفصل عن ولاية سيناء، خصوصا في عام 2016 وتمدد إلى مناطق الدلتا ومناطق أخرى في كنيسة الاسكندرية وفي يناير وفبراير تمكن من تهجير الأقباط من سيناء إلى مناطق حضرية أخرى، وهذه استراتيجية اللعب بالمكونات الدينية والتي تخلف حالة من الاستقطاب ويظهر حالة من العجز وحماية الأقباط مما يحدث حالة من الغضب الخارجي.

الدولة المصرية دولة مركزية ودولة عميقة لكن الخشية أن ينجح الإرهاب في حالة استقطاب في المجتمع المصري وحالة غضب على الدولة في حماية مكون من مكونات الدولة خصوصا بعد هجمات منسقة لم تكن متباعدة وبأسلحة متنوعة.

هناك تحد كبير في الأجهزة المصرية، فإعلان الطوارئ لم يوقف هذه الهجمات مما يفرض على عاتق الأجهزة الاستخبارية من منع هذه الهياكل وحرمان هذه التنظيمات من الدعم ومزيد من التنسيق بين الأجهزة المصرية وخلق بيئة منفرة لمثل تلك التنظيمات من أجل تجفيف ونزع فتيل المسألة الطائفية.

الخطير في هذه العملية ليس عملية انتحارية بل هي شبكة لا تزال طليقة وهي مجموعة مكونة من 10-12 إرهابي بل تمكنوا من الفرار، رغم أن الأجهزة المصرية تقوم بضربات استباقية ومنذ عام 2013 تمكنت الأجهزة من اعتقال نحو 3 آلاف إرهابي وضرب نحو ألف سيارة رباعية الدفع قادمة من ليبيا نحو مصر.

لكن هذه الجماعات لا تزال لديها قدرة بسبب الطبيعة الجغرافية للصعيد مترامية الأطراف تختفي في المناطق الجبلية تضرب وتعود تختفي، وبلغ عدد العمليات الإرهابية من عام 2014-2016 نحو 1165 عملية إرهابية.

التحدي الأيديولوجي لهذه الجماعات تسببت في خلق جماعات أخرى داخل مصر، أي أن هناك ذهنية أيديولوجية داخل وخارج مصر بأن الأقباط كفرة وأنهم السند الرئيسي للرئيس السيسي والسند الأساسي في الاقتصاد المصري وحتى يتم إنهاك هذا النظام عمليا يجب استهداف الأقباط من أجل تهديد إرادة مصر.

كما أن محافظة المنيا منذ التسعينات من القرن الماضي استهدفت من قبل المجاهدين السلفيين لذلك لابد من أن تكون هناك مراجعة أمنية وخلق حالة من التضامن داخل المجتمع المصري، بسبب أن منطقة الصعيد دينية محافظة تاريخيا منذ السبعينات وحتى التسعينات تمكنت من إنشاء روابط وإنشاء هياكل تنظيمية نظرا لطبيعتها الجغرافية الواسعة خصوصا وأنها تتوافر على بعض الحواضن البشرية القابلة للتجنيد حيث أعلن داعش عن ولاية الصعيد قبل أن يوسعها إلى ولاية مصر تستند إلى روابط قبلية قادرة على التمدد.

فلا يزال الإرهاب يسبق الأمن المصري بخطوة أو خطوتين ولا يمكن أن نجزم بان اليد الطولى لأحدهما حتى الآن، خصوصا بعد الهجوم الأخير الذي أظهر أريحية للمهاجمين الذين استهدفوا قافلة للأقباط في طريق نائي، وهذه الأريحية كنا نراها في سيناء قبل أن يسابقهم الأمن المصري ويصل إلى أوكارهم، لكن الأريحية في هذه المنطقة مستبعدة وهي تدل على أن العملية تم التخطيط والإعداد لها بشكل جيد خصوصا في اختيار مكان بعيد عن الدولة من أجل تحقيق عنصر المفاجأة والمباغتة.

الجماعات المتطرفة خصوصا داعش لم تعد تنظيمات جهادية ساذجة بقدر أنها تقوم بعمل المنظمات السرية تنفذ عملياتها بنفس القدر التي تنفذه سابقا الأجهزة السرية أي أنها ترتقي عملياتها إلى عمليات أجهزة الاستخبارات، أي أن الإرهاب يطور تكتيكات كما تطور الأجهزة الأمنية تكتيكاتها ما يعني أن التنظيم الإرهابي يقوم بضربات في العمق المصري سواء قامت به حركة حسم أو لواء الثورة بالوكالة انتقاما من الهجمة الشرسة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المصرية في سيناء.

حيث تعاني مصر من تنظيمات إرهابية إقليمية مسلحة عابرة للحدود تمكنت من القبض على محمد عبد الرحمن مرسي الذي اعترف بأن لهم خط اتصال مع داعش والقاعدة في ليبيا، وهناك ستة مراكز تدريب في ليبيا في درنة والزنتان وغيرها وتؤكد مصر بأن محمد مصطفى السعيد متحدث الصحة السابق المقيم في تركيا بأن له اتصال مع جماعة أنصار الشريعة في درنة في ليبيا وهو ما جعل مصر تقوم بأول رد عسكري سريع على مجزرة الأقباط بالمنيا استهدف معسكرا لجماعات متطرفة في درنة الليبية.

فيما نجد أن التحذيرات الصادرة من السفارات الأجنبية بين دول العالم حول الإرهاب المتفشي في العالم لكن على الصعيد العملي هناك شكوك استخبارية خصوصا بعدما فشلت الاستخبارات في توقع هجمات باريس وبرلين وأخيرا مانشستر قبل العملية الإرهابية الأخيرة في محافظة المنيا في مصر ضد الأقباط.

كل دول العالم تتعامل بنوع من الأنانية والمتابعة الاستخبارية وهناك ضعف وعدم ثقة وأنها ثمينة يجب تبادلها مع جهات معينة.

هناك خلل كبير في التعاون الاستخباري بين الدول في الكشف عن هذه التنظيمات لكن اللعب بالنار يحرق الأصابع.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق