الآليات الإماراتية في معالجة قضية الجزر المحتلة

مقدمة:

تتنوع الآليات المعتمدة في حل المنازعات الدولية، ومنها الحدودية، وفقاً للقانون الدولي والأعراف الدولية. وقد تمأسست هذه الآليات عبر ممارسات شرعنت وسائل الحل، وعممته كنموذج لفض تلك المنازعات الدولية.

وقد قُسِّمت المنازعات في القنون الدولي إلى أنواع ثلاث، هي:

– منازعات سياسية، تتجاوز الأطر القانونية، ليتم إضفاء أبعاد مصلحية سياسية واقتصادية من قبل أحد أطراف النزاع، أو جميع تلك الأطراف. بحيث لا تصلح لأن تنظر فيها محكمة ما.

– منازعات قانونية، وهي الصالحة للنظر عبر المحاكم، دون أن تقتصر على المسائل القانونية، بل تتسع لتشمل المسائل التي تتصل بالقانون اتصالاً وثيقاً بحيث يمكن اللجوء إلى تسويتها. رغم صعوبة التمييز بين هذين النوعين من المنازعات، حيث يصعب عملياً فصل الاعتبارات السياسية عن القانونية. لذا يمكن اعتبار موقف أطراف النزاع هو المحدد لنوعها.

– منازعات فنية، وهي المتعلقة بالإجراءات الفنية في فض النزاعات، أو تفسير القوانين الصادرة بشأنها من المحاكم ذات الصلة.

وتتنوع آليات فض المنازعات، فهي إما أن تكون حلولاً سلمية أو حلولاً غير سلمية. ففي الآليات السلمية لحل النزاعات، تبرز الحلول السياسية إما بشكل مباشر عبر الحوار والحلول الدبلوماسية المشتركة، أو قد يتدخل طرف ثالث عبر آليات المساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والتوفيق. وقد يلجأ أطراف النزاع إلى نوع آخر من الحلول السلمية عبر اعتماد التحكيم في المسائل العالقة بينهم بغية إيجاد حل نهائي ذي شرعية قضائية. سواء عبر محاكم خاصة تنشئ للحالة موضع النزاع، أو عبر المحاكم الدولية المختصة بذلك، وحسب طبيعة النزاع، كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

إلا أن هناك أيضاً إشكالية الحلول غير السلمية، التي قد تدفع المنازعة الخاصة إلى تأزم في العلاقات الدولية، عبر اعتماد دبلوماسية العنف، سواء بآليات سياسية كالمقاطعة والحصار وتجميد العلاقات الدبلوماسية ..، كما تلجأ الدول إلى الحلول العسكرية بدءاً من التهديد وصولاً إلى حالة الحرب.

لذا سنتناول في هذه الدراسة، الآليات التي تم اعتمدتها دولة الإمارات العربية المتحدة لحل قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلها إيران منذ عام 1971.

أولاً- في تصنيف النزاع:

يتم تحديد سيادة أية دولة على إقليم من الأرض أو جزيرة من الجزر عن طريق ما يعرف بطرق اكتساب السيادة، وهي (1):

1- التنازل: وهذه الطريقة من اكتساب السيادة تعني تخلي دولة ما لدولة أخرى عن إقليم معين. ويتم ذلك بمقتضى اتفاق بين هاتين الدولتين، إما بمقابل في صورة مبادلة جزء من أراضي هذه الدولة بجزء من أراضي الدولة الأخرى، أو عن طريق البيع، وأبرز مثال على ذلك، تنازل روسيا عن إقليم الآسكا عام 1876 للولايات المتحدة مقابل 7 ملايين دولار.

2- الإضافة: ويقصد بهذه الطريقة من اكتساب الملكية أو السيادة، أن الدولة تكتسب المساحات الجديدة التي تضاف إلى إقليم الدولة الأصلي إما بفعل العوامل الطبيعية أو بفعل الإنسان، كالدفن والردم. كالجزر التي أنشأتها دولة الإمارات حديثاً.

3- الاستيلاء: ويقصد به إدخال دولة في حيازتها المادية إقليماً غير مملوك لدولة أخرى، بقصد بسط سيادتها عليه. وهذه الطريقة من طرق اكتساب السيادة لم تعد موجودة في الوقت الحاضر لانعدام وجود مثل هذه الأراضي.

4- الفتح/الاحتلال: ويعني إخضاع دولة لإقليم دولة أخرى بالقوة، وضم هذا الإقليم لسيادتها. والفتح/الاحتلال يكون عادة بعد الانتهاء من الأعمال الحربية وبسط الدولة الفاتحة سيطرتها عليه. غير أن هذا الأسلوب من طرق كسب الملكية لم يعد مشروعاً في القانون الدولي المعاصر، وتمّ تأكيد ذلك في المادة 10 من ميثاق عصبة الأمم، ومن المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة.

5- التقادم: ويقصد به وضع الدولة يدها لمدة طويلة على إقليم يخضع بالفعل لسيادة دولة أخرى. غير أن فقهاء القانون الدولي على خلاف واسع حول اعتبار هذه الطريقة كغيرها من أسباب اكتساب السيادة الإقليمية، خصوصاً عند اعتراض دولة أخرى واحتجاجها بأن ذلك الإقليم خاص بها وخاضع لسيادتها، بصرف النظر عن وضع دول ما يدها عليه.

ومن الطرح السابق لطرق اكتساب السيادة وتطبيقها على موضوع الجزر الإماراتية، يبدو أن الاستيلاء كان السبيل القانوني الذي تمّ بمقتضاه لإمارتيّ الشارقة ورأس الخيمة اكتساب السيادة على الجزر الثلاث. فيما السيادة الإيرانية القائمة حالياً هي حالة احتلال في ظل احتجاج دولة الإمارات ومطالبتها باستعادة تلك السيادة، فيما تعوّل إيران على فعل التقادم من جهة، وعلى توقف المطالبة الإماراتية بجزرها من جهة أخرى، لتعتمده كسند قانوني حينها.

وتملك دولة الإمارات العربية المتحدة أرشيفاً ضخماً من الوثائق المتعلقة بقضية جزر (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى)، تثبت جميعها سيادة دولة الإمارات عليها، عبر امتداد تاريخي طويل، لا يشكّل فيه الاحتلال إيران لتلك الجزر قبيل إعلان الاتحاد الإماراتي، سنداً قانونياً يبرر استخدام القوة في فرض الهيمنة على تلك الجزر.

إذ تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة، ملفاً قانونياً كاملاً يتضمّن الوثائق والأسانيد الدولية، لعل من أهمها (2):

1- فرض حكام الشارقة ورأس الخيمة رسوماً سنوية على الأنشطة الاقتصادية التي كان يقوم بها سكان الجزر الثلاث منذ مطلع القرن الثامن عشر، هذه الرسوم كانت تشمل صيد الأسماك والغوص لجمع اللؤلؤ والرعي وغيرها.

2- تلقت السلطات البريطانية عام 1846 رسالة رسمية من حاكم القواسم في الساحل تؤكد تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير بونعير له منذ أجداده.

3- رفض حاكم الشارقة عام 1898 منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن في باطن أرض جزيرة أبي موسى.

4- قام الشيخ خالد حاكم الشارقة عام 1912 بمنح تصريح لبناء منارة للسفن على جزيرة طنب الكبرى.

5- طلبت إيران عام 1930 من حاكم رأس الخيمة استئجار جزيرة أبي موسى لمدة خمسين عاماً فجُوبه الطلب بالرفض. إنّ هذا الطلب يعد اعترافاً إيرانياً قوياً، وإقراراً دامغاً بسيادة الإمارات على الجزر المحتلة.

6- تم منح امتيازات عام 1937 للتنقيب عن النفط والغاز في جزيرة أبي موسى والمياه الإقليمية التابعة لها إلى شركة بتروليوم كومبني.

إنّ تاريخية سيادة دولة الإمارات وأحقيتها الشرعية، دفعتها إلى تأكيد قانونية النزاع الذي يمتلك الكثير من الأسانيد، ووفق المنطوق الإماراتي هذا، فإن النزاع قابل للحل بالطرق الودية سواء بشكل مباشر أو عبر أطراف أخرى، أو حتى بالتحكيم، بغية إنهاء الوضع الاحتلالي وإعادة ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

في المقابل لم تخرج إيران عن صيغة اعتبار النزاع نزاعاً سياسياً يمس بالمصالح العليا للدولة الإيرانية، غير قابل للتفاوض أو الحل، مستخدمة لغة القوة في العلاقات الدولية، عبر إجراءات قسرية عسكرية تزيد من هيمنة إيران على تلك الجزر، وتعبث بتركيبتها السكانية، وتسمياتها التاريخية.

ثانياً- الحلول السلمية السياسية:

تمسكت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عام 1971، بضرورة سلمية حل مسألة جزرها المحتلة من قبل إيران، وقد تنوعت أدواتها السياسية السلمية بين الحوار المباشر مع الطرف الإيراني، أو عبر تدخل أطراف خارجية في مساعٍ حميدة أو وساطة بين الطرفين.

1- الحوار المباشر:

اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة الحوار كوسيلة تسوية سلمية لحل المنازعات الدولية وجعلته أحد ركائز سياستها الخارجية. داعية منذ قيامها وفي أكثر من مناسبة، ومحفل عربي وإقليمي ودولي وعلى لسان أكثر من مسؤول، إلى إنهاء هذا النزاع عن طريق الحوار المباشر.

من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ما كان قد صرح به رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: “ومن هذا المنطلق فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن استعدادها التام ورغبتها الصادقة في إجراء حوار مباشر مع جمهورية إيران الإسلامية فيما يتعلق باحتلالها لجزر الإمارات الثلاث عام 1971، وإننا لا نزال ننادي بضرورة اللجوء إلى الحوار والالتزام بالطرق السلمية من أجل إنهاء هذا الاحتلال وعودة الجزر الثلاث لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة تمشياً مع القوانين والأعراف الدولية وحسن الجوار والاحترام المتبادل بين الدول (3)”.

كما أكد سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة على ذات النهج: “إن نجاح سياستنا الخارجية، هو أحد أبرز الإنجازات المشهودة لدولتنا، ذلك أنها سياسة إنسانية العمق قائمة على الحكمة والاعتدال، تستمد مبادئها من ثقافتنا العربية الإسلامية الأصيلة، ومن ميثاقِ الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي، الداعية إلى التعايش السلمي وبناء الثقة وحُسن الجوار والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، واتّباع الوسائل السلمية لتسوية النزاعات والخلافات. والتزاماً بهذه المبادئ، نكرر الدعوة للحكومة الإيرانية للجلوس إلى طاولة الحوار، وارتضاء التحكيم الدولي حلاً لقضية جزرنا الثلاث المحتلة، بما يرسخ الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وهو التزام وأولوية قصوى في سياستنا، فما يربطنا بمحيطنا الخليجي يتجاوز حدود التاريخ والجغرافيا إلى روابط الدم والدين والمصالح المشتركة، وهي علاقات مصيرية راسخة نعمل على تعزيزها تنسيقاً وتكاملاً وتقارباً لما فيه مصلحة دول المنطقة وشعوبها (4)”.

إلاّ أنّ الحكومة الإماراتية، وحيث تدرك حقيقة الآليات الإيرانية في المناورة السياسية والتهرب من الالتزامات الدولية بشكل كبير؛ فقد اشترطت ألاّ يكون الحوار من أجل الحوار فقط، على الطريقة الإسرائيلية. فأيّ جلسات حوار قد تعقد بين الجانبين لابدّ لها أولاً أن تكون ذات هدف واضح، يرمي إلى حل قضية الجزر حلاً عادلاً وفق القانونين والأعراف والدولية. ووفق إطار زمني واضح.

حيث سبق لدولة الإمارات أن أبدت استعدادها لإرسال وفد للاجتماع مع مسؤولين إيرانيين في طهران أو في أيّ مكان في العالم، أو استقبال وفد إيراني شرط تحديد جدول أعمال الاجتماع، على أن يتضمن صراحة القضايا التي سيتم البحث فيها، وشرط قبول المسؤولين الإيرانيين إجراء حوار في شأن الجزر الثلاث من دون تسميتها إماراتية أو إيرانية (5).

دون أن تسفر جولات الحوار بين الطرفين إلى نتائج ملموسة في اتجاه حل قضية الجزر الثلاث، إذ استمرت إيران في تكريس احتلالها، ورفضها لأيّة تسوية سلمية تبنى على الوثائق التاريخية، إنما كانت تبحث عن آليات جديدة تشرعن فيها احتلالها للجزر.

2- المساعي الحميدة:

تعتبر المساعي الحميدة عملاً ودياً تقوم به دولة أو مجموعة من الدول أو حتى فرد ذي مركز رفيع كالأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة لجمع الدول المتنازعة مع بعضها وحثها على البدء بالمفاوضات أو استئنافها. وقد قامت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وسواها، إضافة لتشكيل لجنة خليجية مكلفة بوضع آلية للتفاوض، قامت جميعها بمساعٍ بين دولتي الإمارات العربية المتحدة وإيران بغية التوصل إلى حل دائم لهذه القضية.

وفيما كانت دولة الإمارات قد تجاوبت مع تلك المساعي التي بذلت بغية استعادة حقوقها المشروعة، إلا أنّ مجمل تلك المساعي لم يثمر في الجانب الإيراني الذي عاد لرفض أي تنازل.

3- الوساطة:

الوساطة عمل ودي تقوم به دولة أو مجموعة من الدول أو وكالة تابعة لمنظمة دولية أو حتى فرد ذي مركز رفيع، في سعيه لإيجاد تسوية للنزاع القائم بين دولتين.

ومن أبرز جهود الوساطة في تسعينيات القرن الماضي، ما كانت تقدمت به سورية من وساطة بين دولة الإمارات وإيران بغية التوصل إلى آليات لمعالجة قضية الجزر بموافقة إماراتية، لكنها لم تلق أيّ صدى من الجانب الإيراني، بل سارعت إيران لرفض كل أشكال الوساطة لحل قضية الجزر المحتلة، وخاصة من الدول العربية باعتبارها “طرفاً غير محايد”. وهو ذاته ما أصاب الوساطة القطرية في نفس الفترة من القرن الماضي.

وقد جاء رد الفعل الإيراني سلبياً كعادته عام 2008؛ حيث رفضت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، محمد علي الحسيني، فكرة الوساطة الروسية، معتبرة أن ما بين الإمارات وإيران “سوء تفاهم” يمكن حله في الإطار الثنائي دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية. ولا شك أن الحديث عن مجرد “سوء تفاهم” وليس “نزاع حدود” يمثل استمراراً للسياسة الإيرانية التي تنفي وجود مشكلة حدودية أصلاً بين البلدين، بدعوى أن تبعية الجزر الإماراتية لها أمر غير مطروح للنقاش. ولذا جاء الرفض الإماراتي لهذا التوجه واضحاً وصريحاً؛ حيث أكد عبد العزيز الغرير رئيس المجلس الوطني الاتحادي أن “وصف إيران للخلاف الكبير حول الجزر الثلاث المحتلة غير صحيح؛ فهذا ليس سوء تفاهم، وإنما قضية احتلال ومطالبة بحق تاريخي وقائم”، كما نسبت مصادر إعلامية لمسؤول في وزارة الخارجية في دولة الإمارات، قوله “ليس هناك سوء تفاهم بيننا، وإنما هناك احتلال حقيقي”، مشيراً إلى أنه لا توجد أراض محتلة أكثر قدسية من أيّ أراضٍ أخرى؛ فالاحتلال هو الاحتلال، سواء كان إسرائيلياً أو إيرانياً أو من أي دولة أخرى (6).

4- لجان التحقيق، وآليات التوفيق:

فيما لم تتجاوب إيران مع الآليات السابقة، فإنه بات من الصعب دون موافقة الطرفين معاً، اللجوء إلى لجان تحقيق تدرس ملف الجزر وترفع توصياتها إلى الطرفين أولاً وإلى المنظمات الدولية المختصة بمعالجة هذه المسألة لاحقاً. كما بات أيّ حل توفيقي بين الطرفين غير ذي معنى في ظل رفض إيران التوصل إلى حل سلمي دائم لمسألة الجزر.

ثالثاً- الحلول السلمية القانونية:

إن مسألة تحديد السيادة على الجزر، تخضع للمبادئ القانونية ذاتها التي تحكم مبدأ السيادة على أي إقليم آخر. ومن وجهة نظر القانون الدولي، ينحصر الأمر بشكل أساسي –عند وجود نزاع على السيادة بين دولتين أو أكثر- في تحديد أي من الطرفين المتنازعين استطاع أن يحوز أدلة أقوى، تبرهن على قيامه بممارسة أعمال السيادة. ومن أهم العوامل التي تبحث عادة لتحديد مسألة السيادة من وجهة نظر القانون الدولي (7):

– هوية السكان المحليين.

– ممارسة أعمال ذات مدلول سياسي.

– الوثائق التاريخية والقانونية.

– الاستيلاء: ويشترط لشرعية هذا السبب أن يكون الإقليم موضوع الاكتساب مباحاً غير مملوك لأي دولة أخرى.

– المصالح الحيوية: إذ تلجأ كثير من الدول إلى ما نظرية “المصالح الحيوية” لتبرير تصرفاتها دولياً، وقد يكون لهذه النظرية دور قانوني محدود لتأكيد عنصر الشرعية على تصرفات دولة ما عندما تتوفر لديها أسانيد قانونية أخرى واضحة، أي أن لها دوراً تكميلياً لإيضاح حقوق تاريخية ثابتة بعناصر قانونية أخرى.

ونتيجة حيازة دولة الإمارات كل الأسانيد القانونية، فقد دفعت بمطالباتها نحو عرض القضية على محكمة العدل الدولية (وهي المحكمة المختصة بهذه النزاعات)، أو عبر إنشاء محكمة دولية خاصة بحل قضية الجزر المحتلة، كوسيلة قانونية شرعية. وتبقى إشكالية عرض النزاعات الدولية على المحاكم منوطة بموافقة أطراف النزاع على حلّ نزاعهم بالطرق القانونية والتحكيمية، وعلى موافقتهم على تحديد صلاحيات تلك المحاكم، والتزامهم بقراراتها.

وحول موقف دولة الإمارات من قضية التحكيم الدولي، يمكن العودة إلى موقف سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حيث أكد على أنّ: “اللجوء إلى المحكمة العدل الدولية لإنهاء خلاف بين دولتين لا ينتقص من قدرهما أو وزنهما الدولي، فهو إجراء طبيعي يقرّه العالم حين يصل الحوار بين الطرفين إلى طريق مسدود، أو حين ينقطع سبيل التفاوض لسبب أو آخر. ونحن نتطلع إلى استجابة إيران لاعتماد لغة الحوار واحترام حقوق الآخرين أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ليقدم كل منا حججه وبراهينه لإثبات حقه (8)”.

لكن افتقار الجانب الإيراني إلى تلك الأسانيد، دفعته إلى رفض كل أشكال التحكيم، سواء عبر محكمة العدل الدولية أو عبر محاكم خاصة، إمعاناً في ذات النهج الذي اتبعه في رفض الحلول السلمية السياسية، وليس ذلك بمستغرب عن السياسة الإيرانية، التي تعتبر من أكثر الدول خروجاً على القانون الدولي.

غير أنه بإمكان مجلس الأمن، في حال ارتأى أنّ المسألة قيد النزاع تهدد السلم والأمن الدوليين، أن يقر بإحالتها إلى محكمة العدل الدولية، أو أن ينشئ لها محكمة خاصة بها. وذلك يرتبط سياسياً باتفاق الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على ذلك، وغالباً ما ترتبط هذه الإجراءات بمصالح الدول الكبرى، وحجم التهديد الواقع عليها.

فيما لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الأمم المتحدة باعتبارها المؤسسة الدولية التي أجاز ميثاقها للجمعية العامة فيها أن تناقش أية مسألة تكون ذات صلة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، ومن بينها تسوية المنازعات الدولية سلمياً (9).

حيث طالب سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية خلال خطابه أمام الدورة الـ 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة باستعادة الدولة كامل سيادتها على جزرها الثلاث مؤكداً أن جميع الإجراءات والتدابير التي تمارسها السلطات الإيرانية باطلة وتخالف القانون الدولي والأعراف والقيم الإنسانية المشتركة، وقال سموه إن “حكومة الإمارات تعبّر مجدداً عن أسفها لاستمرار الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وطالب باستعادة سيادتها الكاملة على هذه الجزر”. ودعا المجتمع الدولي إلى “حثّ إيران على التجاوب مع الدعوات السلمية الصادقة المتكررة للإمارات العربية المتحدة الداعية لتسوية عادلة لهذه القضية إما عبر المفاوضات المباشرة الجادة بين البلدين أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية للفصل في النزاع وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي، وانطلاقاً من هذه الأسس الراسخة في التوجه نحو العلاقات الدولية في منطقتنا والعالم رحب بالتوجهات المعلنة للرئيس الإيراني حسن روحاني” (10).

رابعاً- الحلول غير السلمية:

طالما أكدت دولة الإمارات على انتهاجها كافة الوسائل السلمية لحل قضية الجزر المحتلة، دون أن تنحى منحى غير سلمي في ذلك، سواء بشكل سياسي عبر آليات الضغط والمقاطعة والحصار، أو عبر آليات عسكرية بالتهديد أو استخدام القوة الجزئية، أو حتى المواجهة الشاملة.

ورغم أن الميزان السياسي والعسكري يميل لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس بشكله المنفرد، بقدر اتساع علاقات دولة الإمارات التحالفية سياسياً وعسكرياً، سواء عبر امتدادها الخليجي الذي استطاع خلال العقود الماضية حيازة ترسانة عسكرية متطورة للغاية، أو عبر تحالفات مع القوى الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

لكن حرص دولة الإمارات على سلمية العلاقات في منطقة الخليج العربي، وإدراكها لحجم الأضرار المترتبة على استخدام القوة التي قد تفوق منافعها، دفعها إلى التمسك بصيغة الحلول السلمية. دون أن يعني ذلك عدم إمكانية تطور الموقف الإماراتي وفقاً للتطورات الإقليمية والدولية.

خاتمة:

حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على تأكيد سيادتها على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، عبر وثائق تاريخية وسياسية تستند إلى في مطالبها باستعادة الجزر. معتمدة صيغة الحلول السلمية السياسية والقانونية. لكن التعنت الإيراني الناجم عن فقدان أية حقوق مشروعة في تلك الجزر، والمستند إلى آليات القوة في العلاقات الدولية، أعاق إيجاد أية صيغة تسوية دائمة ترسخ الأمن في منطقة الخليج العربي.

وفيما تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد صيغة تعاون جديدة بينها وبين إيران، لحل المسائل الإقليمية، ومن بينها ملفها النووي، وملف الأزمة السورية، ونفوذها في العراق ولبنان؛ فإن على دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل منفرد، وبشكل جماعي ضمن منظمة مجلس التعاون لدول الخليجي العربية، ومنظمة جامعة الدول العربية، أن تكون طرفاً فاعلاً في تلك الترتيبات، بحيث تضمن مصالح الطرف العربي، ومن ضمنها مسألة استعادة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

مراجع:

(1) مديوس فلاح الرشيدي، “أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى: لمن ولماذا؟”، صحيفة القبس، 3/2/1994.

(2) للمزيد، انظر: جواد الحيدري، “الجزر الإماراتية المحتلة – بين الحق الإماراتي والتعنت الإيراني –”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 14/10/2013، في: http://www.almezmaah.com/ar/news-view-2951.html.

(3) صحيفة الخليج، العدد 5318، 3/12/1993.

(4) صحيفة الإمارات اليوم، 1/12/2012.

(5) صحيفة الحياة (طبعة الخليج)، العدد (11303) تاريخ 26/1/1994.

(6) فتوح هيكل، “مشكلة الجزر الإماراتية المحتلة: قراءة في المواقف الإيرانية الأخيرة”، مركز الإمارات للدراسات والبحوث، 12/6/2008، في: http://ecssr.com/ECSSR/print/ft.jsp?lang=ar&ftId=/FeatureTopic/Fattouh_Haikal/FeatureTopic_0848.xml.

(7) فرج عبدالله احنيش، “العناصر المهمة في تحديد مسألة السيادة على جزيرة أبو موسى من وجهة نظر القانون الدولي”، صحيفة الخليج، 21/9/1992.

(8) صحيفة الخليج، العدد 5496، 1/6/1994.

(9) عبد الوهاب عبدول، “أزمة الجزر العربية الثلاث بين وضوح الموقف الإماراتي وتناقض الموقف الإيراني”، ورقة مقدمة إلى ندوة جزر السلام، نوفمبر 1994.

(10) “الإمارات تؤكد حقها بجزرها المحتلة، وترسم مواقفها الدولية أمام الأمم المتحدة”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 30/9/2013، في: http://www.almezmaah.com/ar/news-view-2728.html.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق