استنزاف روسي في سوريا أم زيادة في تعقيد الأزمة

يشعر الروس بعد زيارة الملك سلمان لواشنطن بأن الأسد قد انتهى، هذا من جانب، من جانب آخر، مثلما تخشى دول الخليج، من احتمال تقارب إيراني – أميركي، كذلك تخشى روسيا من هذا التقارب، مما يؤدي إلى تباين المواقف بين موسكو وطهران بشأن سوريا.

رغم شكر طهران موسكو على دعمها في الاتفاق النووي، لأن هدف واشنطن بعد زيارة الملك سلمان في البحث عن التوصل إلى صيغة حل سياسي، يؤدي إلى تغيير النظام، ورحيل الأسد، بعد قبول إيران بتسوية تحافظ على جزء من مصالحها في سوريا، بينما روسيا لن تحصل على أية مصالح، إذ أنها ترى سوريا جزءا من الامتداد الجيوستراتيجي للمجال الحيوي الروسي، خصوصا وأن روسيا تجدها فرصة في ملئ الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، حتى لا تترك الفراغ تملؤه إيران بمفردها.

لكن ألا ترى الولايات المتحدة أن تدخل روسيا، والتي بدأت بتنفيذ الخطة ب المتعلقة بسوريا كانتون محمي بأسطولها، وتدخل روسيا في سوريا يستنزف قدراتها العسكرية والتنموية، وفك التحالفات مع الدول العربية الأساسية، خصوصا السعودية وبقية دول الخليج، وتحرج روسيا أمام دول الخليج والمجتمع الدولي بأنها هي التي تتسبب في تعقيد الأزمة السورية.

كما تستفيد واشنطن من مدى تدخل الجيش الروسي المتزايد في سورية، التي بدأت تنشر جنودها منذ أبريل 2015، فإنه يطرح عدة أسئلة لديها حول قدرات روسيا العسكرية بشكل عام، بعدما دخل الجيش الروسي بعد انهياره في مرحلة تراجع حاد، واعتبرت واشنطن أن اجتياح جورجيا عام 2008 كان يتمتع بفشل عملياتي، وواجهت القوات الروسية صعوبة في الانتصار على خصم أصغر منها بكثير.

وهي تريد أن تختبر قدرات تلك القوات بعد الإصلاحات التي أجريت، واكتسب زخما جعل بوتين يتخذ مواقفاً أكثر عدوانية، خصوصا وأن واشنطن ستمد المعارضة بأسلحة نوعية لاختبار تلك الأسلحة المستخدمة في القتال مع قدرات الجيش الروسي بعد الإصلاحات العسكرية الكبرى التي قادها وزير الدفاع في ذلك الحين بعد اجتياح جورجيا أناتولي سيرديوكوف والتي تضمنت إطلاق برنامج تحديث الأسلحة في عام 2010 يمتد على عشر سنوات، وتبلغ تكلفته 720 مليار دولار حتى عام 2020، وفقا لمجلة الإيكونوميست، حتى ولو تعقدت الأزمة السورية.

تتابع واشنطن تحركات روسيا باستئنافها إرسال دوريات القاذفات في المحيط الأطلسي والهادئ، وتمديده لإيجار قواعد عسكرية في أرمينيا وطاجيكستان، ووضعه لبناء قاعدة جوية جديدة في روسيا البيضاء، ورفعه مستوى المناورات العسكرية السنوية مع الصين، وفقا لصحيفة موسكو تايمز، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في مارس 2014 من أوكرانيا، وجدت واشنطن أن الجنود الروس مدربون ومجهزون بشكل أفضل مما كانوا في جورجيا في عام 2008.

هناك توتر متزايد بين موسكو والغرب ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وسط هذه العزلة الدولية، وهبوط أسعار النفط، وتراجع الروبل، أصبحت معدلات التضخم بالعشرات، مع ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30 في المائة، بسبب أنها تشدد الحظر على المنتجات الأوروبية، وهي بصدد تجريم استيراد المواد الغذائية من الغرب واعتبارها مهربة، وكما ذكر الرئيس أوباما في أغسطس 2014 بأن روسيا شهدت هجرة لرؤوس الأموال راوحت قيمتها بين 100-200 مليار دولار.

تعاني روسيا هجرة المثقفين في سياق التراجع الاقتصادي العام، ونصف المجندين يشكلون من السكان المسلمين من القوقاز، رغم محاولة روسيا إقصاء مثل هؤلاء الجنود، وما زالت روسيا تخسر معركتها المحلية مع الإسلام المتطرف، الذي تكثف وانتشر في جميع أنحاء القوقاز وآسيا الوسطى، وهي إحدى الأوراق التي تلعب بها واشنطن لإضعاف وتهديد روسيا.

وتشكل الخطة ب بتشكيل كانتون (دويلة) في الساحل السوري موال لروسيا يمتد من مرفأ طرطوس إلى مدينة اللاذقية مرورا بمدينتي بانياس وجبلة تحت حماية الأسطول الروسي المرابط بشكل دائم أمام السواحل السورية، وتؤمن خطة ب موطئ قدم دائما وكبيرا نسبيا بالغ الأهمية الاستراتيجية في حوض البحر المتوسط في ظروف عودة الحرب الباردة المستعرة حاليا بين روسيا والغرب، وسيؤمن لروسيا السيطرة على منابع الغاز والنفط الضخمة المكتشفة في المنطقة البحرية المقابلة للسواحل السورية والفلسطينية والقبرصية والمصرية التي تطمح شركات النفط والغاز الروسية العملاقة (غاز بروم) و (وروس نفط) و (لوكيل) في استثمارها.

رغم تلك التطورات فإن بوتين صرح بأنه من السابق لأوانه الحديث عن مشاركة روسيا في العمليات الميدانية لمكافحة الإرهاب، فيما أكد نفيه أي تعديل في موقف موسكو بهذا الصدد، ما يجعل الغرب في حالة من القلق، خصوصا من احتمال قيام روسيا بحشد كبير يكسبها وضعا قوي على طاولة المساومات، حين تجلس القوى العالمية للتحدث عن الأزمة السورية، وقد تنعقد هذه المحادثات حين يأتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للولايات المتحدة للمرة الأولى منذ نحو ثماني سنوات، للتحدث في الدورة السنوية للجمعية العامة للمنظمة الدولية.

يود أن يظهر بوتين كصانع سلام، وكشريك لا غنى لواشنطن عنه في معالجة الأزمات الدولية، وبعد تحسين وضعها التفاوضي في سوريا، فإنها قد تحاول إبرام اتفاق سياسي مقابل تنازلات غربية على صعيد آخر، هو أوكرانيا، ولكن هل يحدث العكس وسيكرر الغرب توريط روسيا، كما تم توريطها في أفغانستان لمواجهة الجهاديين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق