استراتيجية السعودية في محاربة الإرهاب

تقود السعودية حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب، ولكن وفق إستراتيجيات محددة ومقننة، تحسب فيها التوقيتات المناسبة. ويعتبر عام 2015 هو عام هزيمة إيران وحزب الله في سوريا، وتشكيل السعودية عاصفة الحزم في اليمن لقطع الأصابع والأذرع الإيرانية التي تعبث في المنطقة العربية خصوصا حينما يتعلق بالجوار والمحيط، أي أن السعودية تنظر إلى محاربة الإرهاب نظرة شمولية، وليست جزئية بل إلى كل من يمول ويدعم الإرهاب حتى ولو كان من الدول كإيران التي تقود حربا طائفية لتوسيع مجالها الحيوي في المنطقة العربية.

بدأت السعودية بتشكيل تحالف عاصفة الحزم تبعته بتشكيل تحالف إسلامي عسكري وأثبتت للعالم ولإيران بأنها مؤهلة منذ عهد الملك عبد العزيز ليس فقط  لخدمة الحرمين الشريفين بل هي مؤهلة للقيادة من أجل أن تلعب دور حائط الصد لحماية الدول من الإرهاب المدعوم إقليميا ودوليا ومن التغول الإقليمي.

إذ تدرك السعودية أن الإسلام ينقسم إلى سني وشيعي، لكن انقسم السني منذ الحرب الجهادية في أفغانستان، الذي أصبح ورقة في يد الغرب ضد بلدان المنطقة، وتحول فيما بعد إلى تهديد عالمي، ولكن السعودية أدركت أن هذا التهديد يهدد الدين الإسلامي ويشوه سمعته وصورته الحقيقية، فهي الأولى بقيادة مكافحة الإرهاب لاستعادة السمعة الناصعة لهذا الدين، منطلقة من قول الله سبحانه وتعالى (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون).

ولم تبدأ السعودية بالتحالف الإسلامي العسكري، بل بدأت قبل ذلك بحوار الأديان عام 2007، واهتمت وزارة الداخلية بإطلاق مبادرة المناصحة لاستيعاب المتطرفين، خصوصا ممن تم تغريرهم من أجل احتضانهم لمنع تفاقم مزيد من الانشقاقات في المجتمع السعودي، خصوصا وأن طبيعته الاجتماعية ذو طبيعة قبلية.

أي أن السعودية لم تستخدم التحالفات العسكرية سواء عاصفة الحزم أو التحالف الإسلامي العسكري إلا بعدما وجدت أن هناك دولة إقليمية تحرص على توسيع نفوذها عبر الطائفية، وعبر الإرهاب في البحرين واليمن وسوريا والعراق ومصر وتونس والجزائر والسودان وهي تريد أن تتوسع عبر ولاية الفقيه.

بل سعت السعودية إلى تسمية عاصفة الحزم بإعادة الأمل، وقبلت قرار الأمم المتحدة في سوريا، أي أنها ترغب في الحلول السلمية، وتضعها على رأس أولوياتها، وتريد إقامة أفضل العلاقات مع كافة الدول بما فيها إيران، ولكن عبر علاقات متكافئة دون التدخل في الشئون الداخلية للآخر.

وتواصل السعودية مسيرتها في محاربة الإرهاب باختيار التوقيتات المناسبة تماشيا مع الظروف المحلية والإقليمية والدولية خصوصا بعدما تمكنت من قطع اليد الإيرانية في اليمن، ومن قبل في البحرين، وبعد هزيمتها في سوريا، فيما هي تصارع في البقاء في العراق، عندها أقدمت السعودية على إعلان تنفيذ الأحكام على الإرهابيين دون أن تفرق بين إرهاب سني أو شيعي، بل الجميع تحت طائلة القانون سواء، ولن يعيرها أي تهديد يصدر لا من إيران ولا من القاعدة ولا من داعش.

نفذت وزارة الداخلية السعودية أحكاما شرعية بالقتل في 47 إرهابيا ومحرضا كانت قد صدرت ضدهم أحكام بالقتل من المحاكم المتخصصة في أوقات متفاوتة، وتم التنفيذ في 12 منطقة سعودية أثبت القضاء إدانتهم باعتناق المنهج التكفيري وتنفيذ مخططاتهم بتفجير واستهداف مجمعات سكنية وشركات صناعية وقتل وإصابة الكثير من رجال الأمن والمقيمين والتحريض على أعمال العنف والتخريب.

 وهي الرسالة التي أرسلتها السعودية بأن العقاب سيطال حتى المحرضين على الإرهاب والممولين وهم لا يختلفون عن المنفذين بل هم في الجريمة سواء حتى يقتنع المجتمع والأهالي بالمساهمة في تعقب أبنائهم ومساعدة الدولة في تقديم النصح لهم، وإذا لم يستطيعوا فإنهم يعتبرون التبليغ عنهم أجدى وأنفع بدلا من تمكينهم ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن المجتمع ويكون مصيرهم الإعدام، لأنهم بذلك يكونوا خالفوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمن الناس على دمائهم وأموالهم).

فارس آل شويل اسم ارتبط بتنظيم القاعدة كونه منظرا لهم وأكسبهم الغطاء الفقهي التكفيري واستباحته دماء المسلمين والمعاهدين والمستأمنين داخل وخارج البلاد، ومحاولة نشر مذهبه التكفيري المؤمن بمنهج الخوارج والخروج المسلح الذين حاربهم الإمام علي رضي الله عنه، وأصر فارس آل شويل على ما قدمه أثناء محاكمته، ووصف عبد العزيز المقرن بقائد الجهاد في جزيرة العرب وهو لا يعترف بشرعية ولاة أمر هذه البلاد، وأنه يكفرهم ويرى أن الحدود الجغرافية الحالية يجب تخطيها وإزالتها لتعود الأمة واحدة، وأن العديد من العمليات الإرهابية تمت برعايته وتحت إشرافه في ينبع والطائف.

أما نمر النمر فهو داعي التحريض من قبلة قم هاجم رجال الأمن وشكل مجموعة إرهابية في العوامية، مؤمن بالثورة الخمينية، لكن الثورات العربية استنطقته وأصبح في ثورة جنونية بعدما صدت السعودية التدخل الإيراني في البحرين، وأراد اصطفاف شباب البحرين من منبر مكاني داخل السعودية، ولم يلتزم بالتعهدات التي أخذت عليه من قبل الدولة من التوقف عن التحريض.

فيما ظل لأكثر من خمسة عشر عاما بعيدا عن السعودية بعد قيام الثورة الخمينية قبل أن يعود عام، 1994 وبدأ هجومه على السعودية من منبره عام 2009، أي أن الحكومة السعودية كانت ذات بال طويل، وهي تريد للضالين العودة إلى جادة الطريق، والتراجع عن مخططاتهم المدعومة خارجيا خصوصا من الحرس الثوري بإيران.

لكن أزعج الحكومة السعودية عندما طالب بخروج مظاهرات ضد الحكومة والمطالبة بالإفراج عن إرهابيين لهم علاقة بتفجيرات الخبر عام 1996 انسجاما مع الموقف الإيراني وبعض المرجعيات الدينية التي ينتسب لها النمر، بل هاجم درع الجزيرة الذي حمى البحرين من التدخل الإيراني وسماه بعار الجزيرة، بل ساهم في جمع التبرعات وتهيئة شباب بإعداد قنابل المولوتوف لمهاجمة رجال الأمن، وطالب بإسقاط مملكة البحرين وطالب عبر خطب دموية بتحكيم ولاية الفقيه لإذكاء الطائفية التي تثيرها إيران في المنطقة.

فتح العام الجديد صفحته على تأكيد سعودي وحزم متواصل على القضاء على الإرهاب في هذا العام من خلال إرسال رسائل للداخل والخارج، ومع إعدام السعودية لأبرز منظرين للإرهاب فيها وهما نمر النمر وفارس آل شويل وعشرات آخرين ثبت تورطهم في قضايا إرهابية تكون الرسالة السعودية في منبر عال في ظل الحديث المتصاعد عالميا عن الإرهاب ومكافحته.

كانت السعودية حاضرة لون ومنهج واحد ميزان مستقل متأصل بعيدا عن التمييز ليسوا سنة ولا شيعة بل إنهم إرهابيون، تنفيذ القصاص في الإرهابيين تم بمثل ما تم في عام 1979 بإعدام جماعة جهيمان في خمسة مناطق أكثر من ستين شخصا أدينوا بالإرهاب ودنسوا البيت الحرام.

وسبق أن نفذت السعودية في أربعة إرهابيين كانوا ينتمون لحزب الله الحجاز قاموا بتفجير شركة صدف بمدينة الجبيل عام 1988، وفي العام الذي يليه أدين 16 كويتيا متهمين بالضلوع في تفجيرين في موسم الحج قرب الحرم المكي عام 1989 ذهب ضحية هذا التفجير شخص واحد يعرفون بخلية حزب الله الكويتي تلقوا الأوامر من إيران لضرب استقرار الحج قبل بدء موسم الحج وتم إعدامهم.

وكذلك نفذ الحكم في أربعة أشخاص أدينوا في تفجيرات العليا عام 1995، وفي أغسطس من 2015 نفذت السعودية عقوبة الإعدام على اثنين من تنظيم القاعدة كأول عقوبة منذ بدء موجة الإرهاب قبل أكثر من عشرة أعوام.

اعتبر خامنئي أن السعودية ارتكبت خطأ سياسيا بإعدام نمر النمر بالإرهاب وأنها ستواجه انتقاما إلهيا، وجاء الفعل الأقوى من طهران حيث أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري بأن السعودية ستدفع ثمنا باهظا لإعدامها رجل الدين الشيعي، وإذا كانت إيران تبكي النمر فمن يرثي ضحاياها من الأحوازيين والبلوش، وهو تعرية الوجه القبيح للسياسة الإيرانية التي أغرقت المنطقة في حرب طائفية لا تبدو لها نهاية إلا على يد الدولة السعودية التي بدأتها بعاصفة الحزم.

إيران تقوم بإعدامات عشوائية تستهدف منذ عقود طائفة دون طائفة وعرقا دون عرق آخر ولا صوت يعلو في إيران على صوت الفارسي والاثني عشري، وارتكبت إيران في حق عرب الأحواز عام 1979 بعد ثورة الخميني لمجرد أنهم طالبوا بحكم ذاتي في إقليم عربستان راح ضحيته 817 قتيلا وأكثر من 1500 جريح وآلاف المعتقلين، وتنشر منظمات حقوقية أن إيران نفذت حكم الإعدام في حق 694 شخصا بين 1 يناير – 15 يوليو 2015 في ارتفاع غير مسبوق لعدد عمليات الإعدامات، وتشير التقديرات إلى أن السلطات الإيرانية نفذت حوالي 814 عقوبة إعدام خلال السنة الأولى من حكومة الرئيس حسن روحاني.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق