ارتباك إيراني حوثي بعد انتقال الرئيس هادي إلى عدن

انتقال الرئيس هادي إلى عدن وممارسة الحكم من عدن بدعم خليجي ودولي نقطة تحول أدخل اليمن مرحلة جديدة يرسم ملامحها رئيس يملك الشرعية الدستورية وتبايعه أغلب القبائل والأقاليم السنية التي ساهمت في تأمين سلامة انتقاله إلى عدن دعمته بأن البرلمان اليمني لم يقبل رسميا استقالته التي تقدم بها.

نتيجة تلك التغيرات ارتبكت خطط إيران في اليمن، مثلها ارتبكت خطط الحوثيين حتى أصبحوا لا يعرفون ماذا يفعلون، ولكنهم سيقدمون على حماقات قد لا يتوقعها البعض.

بداية الارتباك الإيراني أتى بتصريح رئيس البرلمان في طهران بعد إجراء إيران مناورات عسكرية شملت التدريب على إصابة نموذج لسفينة أميركية عندما قال لا حاجة لوجود الدول الأخرى في المنطقة.

تلاه شن زعيمهم عبد الملك الحوثي حربا كلامية طالت جهات يمنية ودولا إقليمية وعالمية يظهر حجم العزلة التي يعانيها بعد انتقال الرئيس هادي إلى عدن بل واتهم الرئيس هادي أنه يتسبب في فتنة بين الشعب اليمني.

  تلك التغيرات تثبت أن الحوثيين ليست القوة المطلقة في اليمن التي يمكن أن تحكم اليمن بمفردها منذ انقلابها على الدولة اليمنية في سبتمبر  2014 وبدأت حربا على اليمنيين الرافضين لمشروعهم الانقلابي.

بدأ عبد الملك الحوثي يلعب على وتر الخلافات بين علي عبد الله صالح وبين حزب الإصلاح خوفا من عودة حزب الإصلاح مرة أخرى إلى الساحة خصوصا وانه حزب منظم تمكن من خلاله الرئيس علي عبد الله صالح من ضم الجنوب عام 1994.

أتهم الحوثيين حزب الإصلاح  بشكل خاص بالتحالف مع القاعدة ليضمن استمرار تحالفه مع علي عبد الله صالح، ولا يستبعد البعض سيطرة الحوثيين على أول معسكر لقوات علي عبد الله صالح الصباحة بأنها مسرحية هزلية بين الطرفين بموجب تحالف سياسي وعسكري لتضليل الرأي العالمي والعام بعد انسحاب القيادات ليلا من المعسكر ولم يقتل سوى عشرة جنود يقال أنه تم اقتناصهم من الداخل وليس من المهاجمين رغم أن البعض يشير إلى أعداد القتلى كبير من الجانبين.

يبدو أن انتقال الرئيس هادي الجنوبي إلى عدن تفاجأ بها أيضا الرئيس علي عبد الله صالح الذي يشعر بأن كل مخططاته بات بالفشل، وخشيته من عودة أعدائه حزب الإصلاح مرة أخرى إلى الساحة اليمنية بدعم الخليجيين، وكان يعتقد أنه يقدم خدمة للخليجيين بالقضاء على جماعة الإخوان المسلمين، لكنه نسي أن دول الخليج ساهمت عن طريق المبعوث الأممي في تقريب وجهات النظر بين الحوثيين وحزب الإصلاح ساهمت في إبرام اتفاق بين الطرفين لإنهاء المعارك، لكنها كانت خطوة غير مرضية لعلي عبد الله صالح بسبب أنها تتعارض مع أجنداته التي تحال فمن أجلها مع الحوثيين فحاول ضرب مثل هذا الاتفاق.

 كانت قراءة علي عبد الله صالح للمشهد الإقليمي خاطئة لأن دول الخليج تنظر إلى جماعة الإخوان في المنطقة بأنهم ليسوا في سلة واحدة، ما جعله يسلم معسكر الصباحة الذي يحتوي على أسلحة متقدمة كانت مخصصة لمكافحة الإرهاب حتى يفرض على الولايات المتحدة التحالف مع الحوثيين لمحاربة الإرهاب في اليمن، لكنه فوجئ بضربة أمريكية نحوه عندما أعلنت عن ثروته التي حصل عليها من عقود النفط في اليمن لتشديد الضغط عليه.

ما يعني أن علي عبد الله صالح ليس كما يقول لا يزال الراقص والثعابين عندما رد على قصة النسر الذي احتال على الثعلب التي استشهد بها الجار الله بل اعتبر صالح أنه حينما سلم السلطة تلادغت الثعابين.

إذا لم تكن هناك خيانة من الطابور الخامس للرئيس علي عبد الله صالح، بذلك يعتبر انقلاب حوثي على الرئيس علي عبد الله صالح لأن المعسكر ليس من السهولة أن يسقط ، وهو معسكر النخبة ومحصن تحصينا قويا هناك إشارات تفيد بأن 200 من الحوثيين دخلوا المعسكر منذ شهر، وما جرى هي أحدى مظاهر لحرب شاملة قد يفكر فيها أنصار الله في اجتياح الجنوب خصوصا مأرب.

استعادة الرئيس هادي شرعيته من عدن يثير الفزع لدى إيران ولدى الحوثيين ولدى علي عبد الله صالح بدعم الخليج بقيادة السعودية خصوصا بعد التنسيق الجديد بين السعودية وسلطنة عمان القريبة من الجنوب اليمني بعد قراءة دول الخليج محاولة الحوثيين وعلي عبد الله صالح استنساخ استعادة سيناريو عام 1994 في اجتياح الجنوب.

 رغم أن المعادلة تغيرت ما تسمى بالمراهقة السياسية التي يمارسها أنصار الله والحزب الذي يتخفى خلفه خصوصا عندما يقطع الكهرباء عن صنعاء عندما يلقي الرئيس هادي خطابه لكن دول الخليج تحتاط لجميع الاحتمالات التي يخطط لها الحوثيين معلي عبد الله صالح.

لا يزال يعتبر مجلس الأمن في جلسته الأخيرة في 24/2/2015 بأن الرئيس علي عبد الله صالح يعرقل العملية السياسية هو و 2 من قيادات جماعة الحوثي وتمديد العقوبات الأممية عليهم لمدة عام وفي نفس الوقت اتصل بان كي مون بالحوثيين لإطلاق بحاح والصايدي ما تمثل ضغوط محلية وإقليمية ودولية على الحوثيين وعلى علي عبد الله صالح.

الحراك السياسي الذي تشهده عدن بعد زيارة الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي للرئيس هادي، ومباشرة سفراء ثلاثة دول السعودية وقطر والإمارات عملها من عدن، وزيارة بنعمر للرئيس هادي وبحثه نقل الحوار إلى مدينة تعز الثغرة التي تربط الشمال بالجنوب، وتعتبر عاصمة الثقافة اليمنية، وهي تبعد عن صنعاء ب 250 كلم جنوب غرب العاصمة والتي فشل الحوثييون في السيطرة عليها.

القبائل اليمنية تتصدى لسياسة الأمر الواقع الحوثية، وإعلانها بعد خروج الرئيس هادي من صنعاء إلى عدن استعدادها العسكري والشعبي للوقوف إلى جانب القيادة الشرعية، لأن على مدار التاريخ اليمني كانت القبائل أحد أبرز مفاتيح الصراعات التي تم تغييبها في العملية الانتقالية  بعدما لعبت دورا بارزا في الثورة الشعبية اليمنية ضد الرئيس علي عبد الله صالح في 11 فبراير 2011.

تم تضخيم دور الحوثيين لكن القبائل اليمنية لديها القدرة على منع الحوثيين السيطرة على المناطق الإستراتيجية الغنية بالنفط شمال وجنوب اليمن رغم دعم قوات علي عبد الله صالح لهم الذي مكنهم من دخول صنعاء، وأعطاهم فوزا شكليا لكنه لا يكتمل إلا بدخول مأرب ومنها إلى يافع وحضرموت وشبوة وغيرها من المحافظات الإستراتيجية، وهنا يأتي دور القبائل التي وقفت أمام مثل هذا التمدد أي أنهم رقم صعب في المعادلة اليمنية وفي رسم ملامح مستقبل اليمن.

بعض الدراسات تشير إلى أن عدد القبائل باليمن نحو 200 قبيلة، بينما هناك بعض الدراسات تشير إلى أن عدد القبائل يصل إلى 400 قبيلة من أهمها قبائل بني هلال بشبوة، وقبائل يافع ذات التاريخ الضارب في القدم وفي الشهرة والشراسة والقوة، وقبائل العوالق التي وقفت أمام تمدد الحوثيين منذ أشهر في مناطق البيضاء المجاورة لمحافظات شبوة وأبين ولحج والضالع الجنوبية.

انتقال الرئيس هادي إلى عدن سيفتح صفحة جديدة في أزمة اليمن، وسيحدث تغيرا نوعيا في المشهد اليمني، لكنه سيضعف التدخل الإيراني بإضعاف موقف الحوثيين وشرعية الأمر الواقع التي يعتمدون عليها بقوة السلاح، بينما كل القبائل اليمنية تمتلك السلاح ولكنها تحاول تفادي حربا أهلية.

الدعم العربي والدولي ودعم جيش القبائل سيغير موازين القوى في اليمن رغم رفض حزب علي صالح وحلفائه برفض نقل الحوار إلى تعز حتى يتحكمون باليمن من خلال الحوار وهي إحدى مناورات علي عبد الله صالح والحوثيين، خصوصا بعدما اعترف العالم بشرعية الرئيس هادي ودعمه في عاصمة جديدة وهي عدن عندها ستصبح صنعاء مدينة عادية بسبب أنها خالية من السفارات والاستثمارات العالمية.

  التقاء الرئيس هادي بمحافظين من الشمال مأرب والجوف التابعتين لإقليم سبأ يضعف خطر التحالف السياسي والعسكري بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح خصوصا وأن القبائل في اليمن تشكل أهمية سياسية وتلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار السياسي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق