اتفاق مبهم بين أمريكا وروسيا

يعتقد البعض أن الاتفاق الهش بين الولايات المتحدة وروسيا خطة حرب ضد الشعب السوري، روسيا منزعجة من اعتراض الولايات المتحدة على إخفاء بنود الاتفاق وهو ما جعل أمريكا تطلب من مجلس الأمن رفع الجلسة حول سوريا، أي أن الولايات المتحدة تريده اتفاق خارج مجلس الأمن بسبب أنها لا تثق في الموقف الروسي، ما جعل فرنسا تعبر عن غضها من الولايات المتحدة بسبب عدم مشاركة بقية الدول في مثل هذا الاتفاق.

روسيا تعتقد أنها قادرة على سحب أمريكا وقيادتها في المرحلة الأخيرة من زمن أوباما، بينما أمريكا تعتقد أن روسيا مكشوفة في سوريا وتعتقد أنها قادرة على ابتزازها.

فيما يرى البعض أن إعادة التوازن على الأرض مهم قبل الذهاب إلى المفاوضات، كما يشكك كثيرون في فصل النصرة عن بقية فصائل المعارضة كما تطالب روسيا من الولايات المتحدة تنفيذ هذه الخطوة، ما يعني أن روسيا غير قادرة على تنفيذ هذا الفصل بمفردها بل فشلت في سوريا وهي متورطة.

 لذلك مثل هؤلاء يرون أن التعاون الأمريكي الروسي لن يحدث بسبب أنه اتفاق مبهم، وغير موثق في مجلس الأمن، بل إنه مجرد اتفاق سري، أي أنه اتفاق ليس له صدقية، خصوصا وأنه لا يتناول مصير الأسد، رغم أن بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي يشير إلى الحوار السوري – السوري على أساس بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 وقرارات المجموعة الدولية لدعم سوريا من أجل التوصل إلى حل سياسي.

المعارضة تتعامل مع وحوش، والقوة الأمريكية غائبة عن الأرض، فيما بوتين يعسكر الأزمة السورية وقلب الموازين على الأرض، ويحاول تحويل هذه القوة إلى مضامين سياسية وإخراج أمريكا من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، ولأول مرة قدمت الولايات المتحدة معلومات لروسيا عن أماكن انتشار مجموعات المعارضة السورية التي تحصل على دعم أمريكي، ما يعني أن بقية تشكيلات المعارضة الأخرى ستكون أهداف روسية.

 رغم ذلك تشكك روسيا في تلك المعلومات التي قدمتها لها الولايات المتحدة، وهي تقوم على دراستها لأنها تعتبر أن الفصل بين تشكيلات المعارضة غير ممكن، وحسب لافروف صرح من قرغيزستان بأن روسيا والولايات المتحدة اتفاقا على التعاون بينهما عبر تنسيق العمليات ضد جبهة النصرة وداعش دون أن يضيف مجموعات أخرى إليهما، وفي نفس الوقت اتهم لافروف الولايات المتحدة بأنها تتواطأ مع مجموعات إرهابية.

الاتفاق الأمريكي الروسي مجرد اتفاق سياسي وإعلامي لكنه لا يرقى إلى التطبيق الجاد بسبب أنه لا يحتوي على برنامج واضح واعتبار جنيف 2012 مرجعية، لذلك الاتفاق يخلط الأوراق ويحاول إذابة الثورة السورية ولا يصورها بأنها ثورة شعب ضد نظام مستبد استخدم الكيماوي ضد شعبه.

لذلك نجد أن روسيا تقوم بضرب المعارضة بدعوى ضرب داعش، وقد نجد أن الولايات المتحدة ردت على هذه الخطوة بضرب مواقع النظام السوري ذهب ضحيته أكثر من 60 قتيلا واعتبرت أن ما حدث بالخطأ فيما تمتلك الولايات المتحدة قدرات عالية في توجيه مقاتلاتها.

يبقى الوضع متناقضا ومبهما بالمطلق فيما يتعلق بشأن مصير التعاون الروسي الأمريكي في سوريا، لكن فتحت روسيا اتصال بين العسكريين الروس والعسكريين الأتراك في أنقرة أجراها رئيس أركان الجيوش الروسية فاليري جيراسيموف مع نظيره التركي خلوصي أكار من أجل تقريب تقييمات الطرفين للوضع في سوريا بعدما أبدت روسيا حذرها وقلقها من عملية درع الفرات محذرة أنقرة من التعمق كثيرا داخل الأراضي السورية، وقد توافق أنقرة ضمن شروط محددة على استخدام مطاراتها من قبل روسيا تسمح للقاذفات بعيدة المدى بعد توقف استخدام روسيا مطارات إيران لأسباب مجهولة.

وكان آخر لقاء جمع أردوغان بأوباما على هامش قمة مجموعة العشرين في الصين حيث لا تزال الملفات التي شكلت أساسا للتوتر أحيانا والفتور والتباعد أحيانا أخرى التي لم يطرأ عليها تغيير، حيث شكلت التباينات بيم أنقرة وواشنطن في التعامل مع الملف السوري والجماعات التي تقاتل على الأرض ولا سيما وحدات الحماية الكردية واحدة من نقاط التوتر التي لم تنته حتى الآن وإن كان تم تحييدها من أجل هدف آخر وهو تنشيط التعاون ضد تنظيم داعش ورغبة تركيا في تعزيز أمن حدودها وإقامة منطقة آمنة بامتداد 95 كيلو مترا وعمق 45 كيلو مترا على حدودها مع سوريا تقطع الصلة بين أكراد سوريا وحدودها.

المفاوضات بين لافروف وكيري تجعل لافروف بأن يكون حذرا من أن تكون تلك المفاوضات نسخة مطابقة التي مارسها آندريه كوزيرف أول وزير للخارجية في عهد الرئيس بوريس يلتسين والتي أنهت توازن القطبين، ورضخت للشروط الأمريكية من موقع المهزوم في الحرب الباردة، وفي نفس الوقت كيري حذرا أن يفاوض من موقف العاجز وأن يقال كيري المهزوم في سوريا، لكنه يتكل على صواريخ بلاده الذكية عكس اتكال لافروف على صواريخ بلاده المدمرة التي تجيش المجتمع الدولي بسبب قوتها التدميرية وعدم دقتها وتتسبب في سقوط أحياء بأعداد كبيرة وتخلف دمارا شاملا.

وقد تريد الولايات المتحدة توريط روسيا في سوريا، وهناك مقارنة أخرى بين العنجهية الزائدة لبوتين ولافروف وهي الصفة التي يعول عليها قاسم سليماني ومسلحيه في ممارسة النفوذ الإيراني في سوريا، والثقة الزائدة لكيري والمشاركة في إنكار الحقوق، خصوصا عندما غاب كيري عن اجتماع لندن لدعم المعارضة السورية لقي استياء من صناع القرار في البيت الأبيض ومن الموقف السعودي البريطاني التركي.

 وكأن كيري يشير إلى تسليمه بالأمر الواقع لروسيا وإيران، وأن الحل المستقبلي لا غالب ولا مغلوب وأن الحل يجب أن يكون على مسافة واحدة من طرفي النزاع وهو ما يزعج السعودية وتركيا ولن تقبلا بمثل هكذا اتفاق.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق