إيطاليا: البنية، الأزمات، التحديات-القسم الأول

القسم الأول:

بنية النظام السياسي الإيطالي، وأزماته، وتحدّياته السياسية والأمنية

أولاً- بنية النظام الإيطالي:

تُعتَبر إيطاليا أحد أركان العالم الحر (الليبرالي الديمقراطي الغربي)، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحوّلها من الملكية إلى الجمهورية في عام 1946. وفق النظام البرلماني المرن، متعدِّد الأحزاب. وذلك ضمن مرحلتين:

  • الجمهورية الأولى: والتي امتدّت من عام 1946 حتى عام 1992، وعُرِفت بالديمقراطية المسيحية، نتيجة سيطرة الحزب الديمقراطي على السلطة حتى عام 1978. فيما شهد هذا الحزب منذ 1992 أزمات شديدة أدّت إلى تفكّكه إلى عدة مجموعات.
  • الجمهورية الثانية، والتي ابتدأت منذ عام 1992-1993، حتى تاريخه.

حافظت فيها إيطاليا على مكانتها في صدارة العالم الحر بقيمة حرية بلغت (1)، مع انخفاضات محدودة للغاية في قيمتها، في بعض المراحل، رغم ما تمرّ به من أزمات سياسية واقتصادية:

شكل رقم (1)

قيمة الحرية في إيطاليا 1998-2016

إيطاليا 01

ويقوم نظامها السياسي على فكرة الفصل المرن بين السلطات الثلاث، يأتي على رأسها رئيس الجمهورية الذي احتفظ بعدد من الصلاحيات التي كانت ممنوحة للملك الإيطالي، حيث يُنتَخب من البرلمان لمدة 7 سنوات، يكون فيها قائد الدولة وممثِّل وحدتها، ونقطة الوصل بين السلطات الثلاث:

  • تنتخبه السلطة التشريعية.
  • يُعَيِّن السلطة التنفيذية. وهو القائد العام للقوات المسلحة الإيطالية.
  • يرأس السلطة القضائية.

شكل رقم (2)

بنية النظام السياسي الإيطالي

إيطاليا 02

وتتشكَّل إيطاليا من 20 إقليياً، تمنح لخمسة منها نظام الحكم الذاتي، وهي:

  • وادي أوستا.
  • فريولي فينيتسيا جوليا.
  • سردينيا.
  • صقلية.
  • ترينتينو ألتو أديجي.

شكل رقم (3)

أقاليم الحكم الذاتي في إيطاليا

إيطاليا 03

لكلٍّ منها حكومته المحلية، وسلطته التشريعية المحلية. حيث تسمح لها التشريعات الإيطالية المركزية بتسيير شؤونها الخاصة.

عدا عن احتواء إيطاليا دولتين مستقلتين ضمن حدودها، وهما:

  • الفاتيكان.
  • سان مارينو.

وهي عضو مؤسِّس في عدّة منظمات دولية، من أبرزها:

  • حلف الناتو.
  • الاتحاد الأوروبي.
  • مجموعة الثمانية.
  • مجموعة العشرين.
  • منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
  • منظمة التجارة العالمية.
  • مجلس أوروبا.
  • اتحاد أوروبا الغربية.

إلا أنّ هذه البنية لم تمنع من تحوّل إيطاليا إلى “رجل أوروبا المريض”، وفق وصف عدّة أطراف أوروبية لها، نتيجة أزماتها التي تستمر منذ تسعينيات القرن العشرين. وأبرزها أزمة عدم استقرار السلطة التنفيذية، وهي أزمة ربّما تعود إلى السنوات الأولى من عمر الجمهورية، إذ تُعتَبر حكومة برلسكوني الأولى (2001-2005)، أطول الحكومات عمراً منذ الحرب العالمية الثانية، بل هي الوحيدة التي أكملت فترتها التشريعية (63 حكومة منذ 1948).

وتعود جذور الأزمة إلى إشكالية الطبقة السياسية الحالية، القائمة منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين، فمع التحوّل إلى الجمهورية الثانية، لم يجرِ إحداث تغييرات حقيقية في النظام الجمهوري، وفي الدستور الإيطالي، بالإضافة إلى عدم معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة آنذاك، وهو ما أنتج نظاماً غير صلب، قابلاً للتأثر بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والخارجية. أدّى بالمحصلة إلى تراكم مجموعة أزمات لاحقة، من أبرزها:

  • البيروقراطية الرسمية غير الفعّالة.
  • انخفاض حماية حقوق الملكية الفكرية.
  • أزمات اقتصادية.
  • أزمة الفساد المستشري.
  • أزمة منظمات الجريمة، وتداخلها مع الطبقة السياسية.

وما سيليها لاحقاً، من أزمات تقوم عليها، وأبرزها:

  • أزمة المهاجرين غير الشرعيين (اللاجئين).
  • أزمة الإرهاب.
  • أزمة الديون.

ثانياً-أزمة السلطة التنفيذية 2016:

لا يمكن فصل الأزمة السياسية التي عاشتها إيطاليا –وما تزال- خلال العام الفائت، عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منذ عام 2008. حيث تُشكِّل كل واحدة منهما مسبِّباً لاستمرار الأخرى، على أنّ كل فريق من الباحثين، يجعل من واحدة منهما سبباً للأخرى.

وفي حين تتّفق النخب السياسية الإيطالية على ضرورة إحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي الإيطالي، إلا أنّ رئيس الوزراء السابق –المستقيل في ديسمبر 2016- هو من كان الأجرأ في الطبقة السياسية، من خلال طرح مبادرة للتغير السياسي، تستند إلى تدابير أوصت بها “لجنة الحكماء” عام 2013، تشمل عدداً من التغييرات الدستورية، منها:

  • إلغاء المستوى الإقليمي للحكومة، الذي يُعتَبر مبالغاً فيه، ولا لزوم له، وسبباً للإسراف الحكومي.
  • إصدار قانون انتخابي جديد لمجلس النواب، يمنح مزايا إضافية تتعلّق بالأكثرية لأكبر الأحزاب السياسية.
  • وطالب ماتيو رينزي الحدّ من عدد أعضاء مجلس الشيوخ (315 عضو حالياً)، وتعيينهم من قبل المناطق لا عبر الانتخاب المباشر، وتقليص صلاحيات هذا المجلس، بحيث تكتفي الحكومة بالحصول على أغلبية في مجلس النواب، للاستمرار أو نيل الثقة، أو تمرير المشاريع، أو تغيير الدستور.
  • كما تشمل إصلاحات رينزي منح صلاحيات أوسع (تشريعية وتنفيذية) للسلطة التنفيذية، حيث أنّ السلطة التنفيذية تمتلك بعض الصلاحيات التشريعية.
  • ويهدف رينزي من ذلك، إلى تركيز السلطة في أيدي عدد قليل من الأفراد، ما سيسرّع من عملية صنع القرار، دون عوائق بيروقراطية أو سياسية، وبالنتيجة تعزيز مشروع الإصلاح ومكافحة الفساد.

وتختلف دوافع رئيس الوزراء السابق لهذا الطرح، ومنها:

  • يبرِّر رينزي، بأنّ هذه الإصلاحات ضرورية منذ التحوّل الجمهوري الثاني، وأنّه لا يمكن تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد، في ظلّ البنية الدستورية القائمة، بعيداً عن التعطيل الذي يفرضه مجلسا البرلمان، وخصوصاً في مسائل التقشف، وتخفيض سقف الدين.
  • ويرى بعض مؤيديه، أنّه يسعى من خلال هذا المشروع، إلى ضرب الطبقة السياسية المتحكّمة في البلاد منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين، والتي تُعتَبر مسبِّباً رئيساً للفساد.
  • فيما يرى قسم من معارضيه، أنّ رينزي يسعى لاختبار ثقله السياسي ومشروعية برنامجه، وخاصة أنّه لم يأتِ عبر انتخابات.
  • ويرى قسم آخر من معارضيه المتشدّدين إزاءه، بأنّ برنامجه هو سعي للتحوّل إلى نظام الحكم الاستبدادي، والإطاحة بالأسس الديمقراطية للدولة.

وتبقى المسبّبات التي قدمها رينزي قائمة وحقيقية لا يمكن إنكارها، ويمكن ملاحظة ذلك من مؤشّر إدراك الفساد على سبيل المثال، حيث ورغم تحسّن قيمة المؤشّر في ظلّ حكومة رينزي 2015-2016، إلا أنّه ما يزال دون المتوسط (تمثّل القيمة 100 دولة خالية من الفساد، والقيمة 0 دولة عالية الفساد):

شكل رقم (4)

مؤشر إدراك الفساد في إيطاليا 2012-2015 (منظمة الشفافية الدولية)

إيطاليا 04

بل وتُعتَبر إيطاليا الأكثر فساداً بين جيرانها حيث تحتلّ المرتبة 61 عالمياً، من أصل 168 دولة:

شكل رقم (5)

ترتيب إيطاليا ودول جوارها عالمياً، في مؤشر إدراك الفساد، 2015

إيطاليا 05

ونتيجة إخفاقات هذه الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية المستمرة، قامت عدّة احتجاجات خلال العامين الفائتين، كان أبرزها احتجاجات نوفمبر 2016، التي شهدت اشتباكات واسعة مع الشرطة.

وفيما صوّت مجلسا البرلمان على حزمة الإصلاحات التي تقدّم بها رينزي، أصبح من الضروري التوجه إلى الاستفتاء الشعبي لإقرارها، حيث توقّع حصولها على نتائج لصالحه، فيما رأت كثير من التوقعات المسبقة أنّها لن تحصل على الموافقة الشعبية. ولم تحصل على موافقة سوى 40% من الأصوات الشعبية، ما أدى إلى استقالة رينزي، وتولّي الرئيس إدارة البلاد قبل تكليف، وزير الخارجية: باولو جينتيلوني، من ذات حزب رينزي (حزب يسار الوسط الديمقراطي (PD)) بتشكيل حكومة حصلت على ثقة البرلمان الإيطالي.

ثالثاً-تحديات الحكومة الجديدة، وأدوار المعارضة الإيطالية:

لا تُشكِّل استقالة رئيس الوزراء، وتسلّم آخر، في حدّ ذاتها، حلاً للأزمة السياسية، أو أي من الأزمات التي تشهدها إيطاليا، فهذه الاستقالة أتت نتيجة إخفاق رينزي في الحصول على تأييد لبرنامجه الإصلاحي، عدا عن أنّ جينتيلوني، يأتي من ذات الخلفية الحزبية وبذات المنهجية في العمل السياسي، حيث حافظ وزير الاقتصاد على حقيبته، وتسلّم وزير الداخلية السابق حقيبة وزارة الخارجية الحالية. ولا يملك جينتيلوني برنامجاً مغايراً لبرنامج الحزب، بالإضافة إلى أنّ ولايته لن تمتدّ إلى أكثر من فبراير 2018، موعد الاستحقاق الانتخابي البرلماني القادم، ما يعطي انطباعاً بأنّ الأزمة ستبقى قائمة لعام آخر على الأقل.

يُضاف إليها تطلّعات المعارضة وضغطها باتجاه انتخابات نيابية مبكرة، ما تزال فرصتها قائمة، وإن تشكّلت حكومة جينتيلوني، نتيجة التحديات الجمّة التي ستواجهها. حيث تستغلّ المعارضة اليمينية واليمينية المتطرفة أجواء الحنق على الحزب الحاكم، بغية تعبئة الشارع الإيطالي خلفها، وتخشى أن يؤدّي تأجيل الانتخابات إلى فقدانها جمهورها الحالي، وخصوصاً أنّها ما تزال ضعيفة نسبياً في الشارع الإيطالي، ولم تحصل على دعم كافٍ يؤهِّل أي حزب لتشكيل حكومة منفرداً عمن سواه، إلا من خلال التحالف فيما بينها. ويبرز هنا ثلاث قوى رئيسة معارضة، تسعى لتوظيف الغضب الشعبي لصالحها، وخاصّة غضب الشباب الذين شكلوا عماد رفض مشروع رينزي:

  • الجناح اليمني الشعبوي لحزب رابطة الشمال (LN): وهو معادٍ للاتحاد الأوروبي، وللمهاجرين، ويُعتَبر من مؤيدي الرئيس الروسي بوتين داخل أوروبا.
  • حزب إيطاليا الأم (Forza Italia)، وهو حزب المعارضة المحافظ، وحزب رئيس الوزراء الأسبق: سيلفيو برلسكوني، الذي يتطلّع إلى العودة إلى السلطة رغم فضائح الفساد التي طالته في السنوات الماضية، وعلى خلفية يمينية. على أنّه يطالب بإصلاحات انتخابية قبل الانتخابات الجديدة، للحدّ من ظهور نتائج متضاربة في مجلسي البرلمان.
  • حركة النجوم الخمسة (M5S): وتبدو البديل الأكثر تداولاً في الأوساط الإيطالية، حيث تسعى الحركة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بأسرع وقت ممكن، ورغم محدودية خبرتها السياسية، إلا أنّها استطاعت أن تضمّ عدّة نواب إليها، عدا عن نجاحها في الانتخابات المحلية في قرابة 30 مدينة. فيما اشتدت الحملة بين زعيم الحركة: بيبي غريللو، الممثل الهزلي، ورئيس الوزراء المستقيل: رينزي، بعد أن تبيّن أن حزبيهما متساويان في نيّة التصويت. وبدفعٍ من (بريكست Brexit) والاتجاه الشعبوي الذي برز عبر الأطلسي بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تؤكِّد الحركة أنّها قادرة على تولي السلطة في البلاد، وأنّ لديها خبرة على الصعيدين المحلي والوطني.

وحسب معطيات ست مؤسسات رصد للرأي، في نهاية نوفمبر 2016، فإنّ أية انتخابات في البلاد ستُفضِي إلى حصول حزب رينزي على 31-32% من الأصوات، مقابل 45-47% لتنظيمات اليمين الشعبوي والمتطرف. عدا عن أنّ فرص فوز الحركة في مجلس النواب تبدو الأعلى.

ويُضاف إلى تحدّيات الحكومة الجديدة، أنّ أحزاب المعارضة لم تُبدِ رغبتها في المشاركة في تحمّل مسؤولية حلّ الأزمات القائمة، وفقاً لرئيس الوزراء جينتيلوني. فيما لا يزال رينزي على رأس الحزب الديمقراطي، متطلّعاً لترشحه في الانتخابات القادم. وتواجه الحكومة الحالية عدّة تحدّيات وأزمات أخرى، أهمّها:

  • أزمة المهاجرين غير الشرعيين (اللاجئين).
  • تحدّي الإرهاب العابر للحدود.
  • تحدّي الجريمة المنظمة (المافيات).
  • تعزيز الثقة في السوق الداخلية بشكل رئيس، وتجاوز الأزمة الاقتصادية.

رابعاً-أزمة المهاجرين غير الشرعيين:

تُعتَبر إيطاليا أحد أبرز المحطات الأوروبية في طريق المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا الشمالية والغربية، وخصوصاً مهاجري شمال إفريقيا (تونس وليبيا). وفيما كانت تتساهل في عبورهم إلى تلك الدول، إلا أنّها باتت أكثر تشدّداً حرصاً على الدعم المالي الألماني والفرنسي. وعوضاً عن السماح للمهاجرين غير الشرعيين بالعبور، باتت توزّعهم على تجمّعات في المدن والقرى الإيطالية. فيما تتناقص قدراتها على استيعاب المزيد، مع ارتفاع حجم المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إليها عبر المتوسط، واكتظاظ تلك التجمعات.

وقد شهدت هذه التجمعات في عام 2016، احتجاجات واضطرابات نتيجة السعة الاستيعابية، عدا عمّا تحمله من مخاطر وجود عناصر إرهابية ضمنها. عدا عن أنّ هذه الأزمة شكّلت عبئاً على موازنة 2017، أُضيف إلى أسباب العجز في الموازنة إلى جانب الكوارث الطبيعية. فيما تجاوز مجمل المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقط، نصف مليون مهاجر.

شكل رقم (6)

أعداد المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إلى إيطاليا 2014-2016

 إيطاليا 06

ونشرت إيطاليا 11 ألف من خفر السواحل على طول الشواطئ، تغطي مراقبتهم 500 ألف كيلومتر مربع، فيما لم تعد مراكز الاستقبال قادرة على استيعاب المهاجرين، وتثير هذه الأرقام استياء كبيراً خصوصاً في صفوف الشعبويين في حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال، الذين يرون أنّ إيطاليا غير ملزمة باستقبال هؤلاء الأجانب. ووفقاً للأرقام التي نقلتها روما إلى بروكسل، قد تكون عمليات الإغاثة في البحر كلّفت إيطاليا عام 2016، بحدود 1.5 مليار يورو إضافة إلى 2.3 مليار يورو لاستقبال طالبي اللجوء.

وحيث لا يمكن معالجة هذه الأزمة دون تدخّل قوي من قبل الاتحاد الأوروبي، للحفاظ على تماسكه، تُظهِر إحصائيات في أواخر عام 2016، أنّ:

  • 79% من الإيطاليين يرون أنّ سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصّة بالمهاجرين غير مواتية لإيطاليا.
  • 50% من الإيطاليين يعتقدون أنّ الاتحاد الأوروبي يعيق إدارة إيطاليا لملف المهاجرين.

وتعتزم الحكومة الإيطالية اعتماد خطة جديدة تقضي بالترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، في تغيير كبير في السياسة الإيطالية منذ تولي باولو جينتيلوني رئاسة الحكومة، وأصدر قائد الشرطة الإيطالية، توجيهاً في مطلع يناير 2017، إلى أفراد الشرطة يطالبهم بتكثيف الجهود لتحديد وترحيل المهاجرين، الذين لا يحق لهم اللجوء.

فيما تخطط إيطاليا لإنشاء 16 مركزاً جديداً لحجز المهاجرين غير الشرعيين قبل ترحيلهم إلى بلادهم، على أن يتمّ ترحيلهم إلى إحدى الدول الثلاث: تونس، الجزائر، النيجر، على اعتبار أنّها دول مصدر وعبور للمهاجرين غير الشرعيين. ووفق مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، فإنّ إيطاليا سبق وأن أصدرت 27 ألف أمر طرد بحق مهاجرين غير شرعيين، لم يُنفّذ منها سوى أقل من 5000 أمر طرد.

خامساً-تحدي الإرهاب العابر للحدود:

لم تشهد إيطاليا عمليات إرهابية على غرار ما شهدته عدّة دول أوروبية، وتحديداً ألمانيا وفرنسا، لكنها تُعتَبر نقطة عبور مهمة للإرهابيين نحو أوروبا، ضمن حشود المهاجرين غير الشرعيين، حيث طردت خلال العامين الفائتين 133 مشتبهاً فيهم على خلفيات إرهابية. ومن أبرز عملياتها وإجراءاتها في العائم الفائت:

شكل رقم (7)

أهم الإجراءات الإيطالية في مكافحة الإرهاب عام 2016

 إيطاليا 07

وتتعدّد أشكال الإجراءات التي تتّخذها إيطاليا، ومنها:

  • إجراءات الاعتقال والترحيل (الإجراءات الأمنية الداخلية).
  • مباحثات مع عدد من الدول التي تمثِّل معبراً للمهاجرين إلى أراضيها، أو منطلقاً لأعداد هامة من المتطرّفين على غرار تونس التي تجمع الأمرين، بهدف استعادة أبنائها مقابل دفع تعويضات في المقابل.
  • جهود لمكافحة التحوّل إلى التشدّد الإسلامي داخل سجونها وعلى الإنترنت، حيث باتت السجون الإيطالية “أرضاً خصبة” للمتشدّدين لتجنيد أشخاص أضعف للقتال لحسابهم، وفق نقابة العاملين بالسجون الإيطالية، على أنّ غالبيتهم لم يُظهِروا ميولاً إرهابية قبل سجنهم.
  • الموافقة على رفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى حكومة الوفاق الوطني الليبية لمساعدتها في مواجهة التهديد المتنامي لداعش.
  • تدريب قوات عربية على مكافحة الإرهاب، حيث سبق وأن أعلن وزير الداخلية الإيطالي، في نوفمبر 2016، عن تدريب عناصر من الشرطة السعودية على عمليات مكافحة الإرهاب، في تعاون ضمن نطاق عمليات حلف شمال الأطلسي (ناتو).
  • إدخال تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، منذ فبراير 2015، تشمل تشديد العقوبات، ومنع السفر للخارج للقتال في منظمات إرهابية، وطرد الأجانب المتورطين في الإرهاب، وسحب جوازات سفر المشبوهين غير محدَّدي الجنسية.

سادساً-تحدّي الجريمة المنظمة:

تُعتَبر إيطاليا واحدة من أكثر دول العالم التي تضمّ عصابات الجريمة المنظمة عالمياً (المافيا)، وتعود أصولها إلى صقلية، وتؤثّر بشكل مباشر في:

  • 22% من الإيطاليين.
  • 15% من الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي.

وتضمّ إيطاليا أربع جماعات منفصلة من المافيا، تسيطر على الجنوب الإيطالي، وهي:

  • كوسا نوسترا، في: صقلية.
  • ندرانجيتا، في: كالابيرا.
  • كامورا، في: كامبانيا.
  • ساكرا كورونا يونيات، في: بوليا.

شكل رقم (8)

تركّز جماعات الجريمة المنظمة في إيطاليا (المافيات)

إيطاليا 08

وتدفع الشركات والحرفيون، أموالاً لحمايتهم من قبل مندوبي المافيا في مناطقهم، فيما يواجه الرافضون، احتمال تدمير ممتلكاتهم، أو مصادرتها، أو حتى التصفية الجسدية لهم. فيما اتُّهم رئيس الوزراء الأسبق برلسكوني بصلاته بهذه الجماعات، وعدد آخر من السياسيين الإيطاليين.

ويُلحَظ، بشكل عام، أنّ تركيز وجود المافيا في إيطاليا، ينخفض تدريجياً باتجاه الشمال، باستثناء منطقتي ميلان وتورين الشماليتين. حيث تستفيد من ارتفاع مستوى الفقر في الجنوب:

شكل رقم (9)

توزّع  المافيا في إيطاليا حسب الثقل الإقليمي

إيطاليا 09

وفقاً لدراسة صادرة عن منظمة الشفافية الدولية (نوفمبر 2014)، فإنّ منظمات الضغط (Lobbying) منتشرة في كامل البلاد، وهي غير منظَّمة وغير واضحة المعالم بعد، ما يجعل من الصعب تحديد أثرها في عمليات صنع القرار العام. فيما أطلق مجلس النواب الإيطالي تحذيراً من المخاطر التي تتركها هذه المنظمات. وقد أدّى انخفاض الشفافية حول كيفية اتخاذ القرارات إلى مشاركة واسعة من قبل اللوبيات المستفيدة من الفساد، وخصوصاً في القطاعات القوية والغنية، من مثيل: الأدوية، الخدمات المصرفية والقطاعات المالية، وذلك في تداخل مع السلطة السياسية. وتشير دراسة أخرى إلى أحد أبرز أمثلة جماعات الضغط والفساد المرتبطة بالسلطة السياسية، إلى رئيس الوزراء السابق برليسكوني، الملياردير المتحكم بوسائل الإعلام الإيطالية، والذي أُدِين بتهمة الاحتيال الضريبي في أكتوبر 2012، وطرده لاحقاً من قبل مجلس الشيوخ الإيطالي، فيما كان ولسنوات مستفيداً من حصانته البرلمانية لتجنّب الملاحقة القضائية. فيما قدّمت منظمة الشفافية مجموعة توصيات لتعزيز محاربة الفساد في إيطاليا، تركّزت حول: تقوية النظام القضائي، والحفاظ على استقلاله عن السلطة التنفيذية، وإنفاذ قوانين مكافحة الفساد. ورغم أنّ الحكومة الإيطالية وافقت على تلك القوانين، لكن سلوكياتها ما تزال محدودة في هذا الملف.

ورغم حجم منظمات الجريمة المنظّمة (المافيا)، وجماعات الضغط العاملة في إيطاليا، إلا أنّ مستوى جريمة القتل العمد يبقى منخفضاً نسبياً، وفي انخفاض متزايد، حيث سجل عام 2014 (0.8 جريمة قتل عمد لكل 100 ألف مواطن):

شكل رقم (10)

مستوى جريمة القتل العمد في إيطاليا 1995-2014

إيطاليا 10

وهو مستوى مقارب لدول الجوار:

شكل رقم (11)

مستوى جرائم القتل العمد في إيطاليا ودول جوارها 2014

 إيطاليا 11

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق