إيران والحياد السلبي تجاه مصر

لم تترك إيران فرصة في المنطقة إلا واستخدمتها ضد جيرانها العرب، ولم يظهر صراع أو مشكلة في المنطقة إلا وكانت طرفاً فيه. ولكن ما يثير علامات الاستفهام، الحیاد الذي فضلته حیال هذا الفشل الذریع للإسلام السیاسي في مصر. حيث الأحداث الأخيرة التي حدثت بعد عزل محمد مرسي تثیر تساؤلات كثيرة حول امکانیة تغيیر سلم اولویات النظام الإیراني في المرحلة الراهنة، وطبیعة علاقته بالإسلام السیاسي (العربي) وخاصة الشق الإخواني منه، والضرورة الاستراتیجیة الإیرانیة للتقارب مع الحکومة الجدیدة في مصر علی ضوء المرونة التي أبدتها هذه الأخيرة تجاه الملف السوري.

كان التخبط الإيراني متوقعا تجاه المشهد السياسي المصري، خاصة بعد عزل مرسي، وذلك بسبب اختلاط المصالح والايدلوجيا في سلم اولوياتها السياسية. بینما رحبت ایران بثورة 25 ینایر في مصر وبصعود الإخوان للحکم، تحت مسمی “الصحوة الإسلامیة”. وجدت إيران مصالحها الاقلیمیة فجأة تتعرض للتهديد في المرحلة الراهنة على يد الإسلامیین في سوريا، مما دفعها بتعبئة المنطقة طائفيا وخوض معركة قتال شرسة إلى جانب نظام علماني(نظام الأسد) ضد إسلامیی سوریا.

هذه الاجواء السياسية دفعت بالإخوان أثناء حکمهم أن لا یستعجلوا في تطبیع العلاقة مع إیران ودفعتهم إلى مسک العصا من الوسط. للحفاظ علی القاعدة الجماهيرية، وصف محمد مرسي الوضع السوري بــ”الثورة ضد الطاغیة” کتصعید خجول ضد “محور المقاومة”، ومن جهة أخری رفض التدخل الدولي في سوریا ودعى إلى مؤتمر إقليمي يضم إيران والسعودية وتركيا لحلحلة الأزمة السورية، تاكيدا ً على إرضاء جميع الأطراف. حيث أعتبره الإیرانیون نقطة التقاء واشتراك مع الإخوان.

لکن أحداث طارئة افشلت هذا التوجه من ضمنها تدخل حزب الله علنا ً في سوریا، وقتل رجل الدین الشیعي في الجیزة الذي جعل کلا ً من إیران والإخوان یتموضعا أکثر فأکثر في طائفیتهم وبالتالي استحالة أي تقارب مصري إیراني، وتأجیله إلی أجل غیر مسمّی.

إیران أدركت أنها لا تستطيع توطید علاقاتها السياسية مع مصر – في فترة حكم الإخوان -، لکن لیس من مصلحتها أن تقطع شعرة معاویة مع الإخوان باعتبارهم يمثلون الإسلام السیاسي القریب على المشروع الإیراني رغم کل الخلافات البينية.

لهذا جنحت إيران نحو الحياد مرحليا ً لحين تتضح الصورة السياسية في الساحة المصریة. وهذا التصرف ضمن لها امکانیة إقامة علاقات جيدة مع القوی العلمانیة في مصر، ولاسیما إن بعض القوی العلمانیة تتخذ موقفا ً محایدا ً أو سلبيا ً حیال الأزمة السوریة، کـرئیس التیار الشعبي حمدین صباحي الذي سَمَّی بشار الأسد “بالرجل العظیم و إیران بالدولة المحترمة”، ما یمکن اعتباره مغازلة لإیران. ويبقى السؤال الجوهري الذي يطرح باستمرار لمعرفة هذا الموقف الإيراني، نظرا ً لأهمية سوريا وما تمثله من أولوية إستراتيجية لإيران، هل هناک خيارا ً أفضل من وضع مصر بعیدة عن التدخل الإيجابي تجاه المشهد السوري في المرحلة الراهنة؟

تدرک إیران إن سیر العملیة السیاسیة في مصر علی المدی البعید یتجه نحو دولة تعددیة ودیمقراطیة رغم کل العقبات والمعرقلات التي تعرضت لها في المرحلة الانتقالية، ما یمثل تحدیا ً للنظام الإیراني على المدى البعيد. إيران لا تحبذ إزدیاد عدد الدول الدیمقراطیة في المنطقة، خشیة أن تصبح هذه الدول نموذجا ً ناجحة وتحفز المعارضة الإيرانية للتحرک ضدها والمطالبة بمزيد من الإصلاحات. علی سبیل المثال لا الحصر إذا نَظرنا إلی الدور الإیراني المعطل للديموقرطية في لبنان والعراق سنتأکد من التخوف الإیرانی من اقامة دول دیمقراطیة قریبة منه، ولاننسی أن الدول الدیموقراطیة تتعارض شعاراتها في الكثير من الأحيان مع” الصحوة الاسلامیة” التي تتدعي بها إيران.

من یراجع مواقف النظام الإیراني في الصراعات الاقلیمیة والعالمیة بدءاً من سکوتها علی مجازر الروس في الشیشان أثناء ترأسها منظمة الدول الإسلامیة حفاظا ً علی تحالفها مع الروس، ومرورا ً بموقفها من الصراع الحدودي بين آزربایجان وأرمینیا، وكذلك وقوفها مع أرمینیا المسیحیة ضد آزربایجان المسلمة الشیعیة وإنتهاءاً بموقفها من قمع الحکومة الصینیة لمسلمي سینغیانغ. طبعا ًلایستغرب حیادها الآن حیال سقوط الإسلام السیاسي في مصر، وربما الدخول في تحالفات مع قوی علمانیة مستقبلا ً إنطلاقاً من براغماتیة تتعدی في الکثیر من الأحیان الحدود العقائدیة رغم کل ما تدعیه من ثوابت وما تطلقه من شعارات رنانة باتت مكشوفة للشعب العربي من المحيط لخليجنا العربي.

أثيل مياس

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيرانمصر

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق