إيران وأسلحة الدمار غير المحرمة!

إن القانون الدولي ومنذ الحرب العالمية الأولى شهد تطورا كبيرا، ووضعت الكثير من القوانين تفاديا لوقوع كوارث إنسانية من صنع البشر. منها ما كان مجحفا وسيئا ولم يعبر إلا عن إرادة المنتصر والأقوى ومنها ما كان في صالح الأقوياء والضعفاء معا. ولكن حتى هذه اللحظة لم يصل هذا القانون إلى المستوى المطلوب. فما زلنا نشهد اعتداءات وحروب ظالمة وجرائم إنسانية وانتهاكات بالجملة لم يتطرق لها القانون الدولي ولا في مادة واحدة صريحة. أو قد تطرق لها لكن باستحياء وضبابية مما أطلق يد الخارجين على القانون كي يفعلوا ما يشاؤون ودون حساب.

إن القانون الدولي لا يسمح مثلا بتدخل دولة ما في شؤون دولة أخرى. ولو حدث ذلك بإمكاننا الرجوع إلى نص قانوني يدين هذا التدخل. بينما هنالك خروقات وجرائم ترتكب في حق شعوب بأكملها وتبقى طي الكتمان والإهمال ولا نجد من يتطرق لها باعتبار أنها شأن داخلي. ورغم وجود عدة دول اليوم تتشكل من مجموعة شعوب وليس من شعب واحد، وتحدث فيها انتهاكات وتمييز وجرائم تستدعي وضع قوانين أكثر وضوحا فيما يخص هذا الأمر، لكن لا وجود لاهتمام يذكر في وجوب انصاف هذه الشعوب ونصرتها في الوقت الحاضر.

فرض المجتمع الدولي وبالاستناد إلى مجموعة قوانين تختص بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل عقوبات عدة على إيران كي يثنيها عن المضي قدما في تنفيذ مشروعها الخطير وهو تصنيع القنبلة النووية، تفاديا لوقوع خطر على دول الجوار والعالم بأسرة مستقبلا. وهذا يعتبر عملا إيجابيا يحسب للمجتمع الدوليِ. لكن المجتمع الدولي هذا نفسه لا يزال صامتا أمام جرائم إنسانية خطيرة ترتكبها إيران ضد الشعوب غير الفارسية. ولم نسمع منه إلا بعض التنديدات الصادرة عن منظمات حقوق الانسان التي لا تستطيع أن تفعل أكثر من الإدانة وهي لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن استخدام إيران لأسلحة الدمار الشامل غير المحرمة هذه ضد الشعوب غير الفارسية سببه عدم وضوح القانون الدولي في مواده المتعلقة بهذه الأسلحة. فمنذ عقدين من الزمن تستخدم إيران سلاح المياه ضد الشعوب غير الفارسية مما تسبب في موت وتهجير الكثير من أبناء هذه الشعوب. وتسبب في تدمير البيئة والحياة الاقتصادية في تلك المناطق المستهدفة. وحتى هذه اللحظة لا وجود لموقف دولي يمنعها من الاستمرار في تنفيذ جريمتها، رغم إن أضرار استخدام هذا السلاح قد تفوق أضرار استخدام القنبلة النووية التقليدية.

يتعرض الشعب العربي الأحوازي اليوم إلى إبادة شاملة بما تحمل الكلمة من معنى بسبب حرف مياه الأنهر وبناء السدود عليها وأهمها كارون والكرخة والدز. إذ أصبح الشعب الأحوازي يعاني نقصا حادا في مياه الشرب، بعد ما كان من الشعوب الأكثر استحواذا على هذه المياه، وأرضه من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة بشتى أنواعها بسبب وفرة المياه الحلوة.

كما تعرض الشعب البلوشي إلى نفس العملية الإجرامية من خلال قطع مياه نهر هيرمند الذي يصب في بحيرة هامون في بلوشستان وحرف مسيره إلى محافظات فارسية. وتعرض الأتراك الآزريين إلى الجريمة نفسها حيث تم قطع المياه على هذا الشعب، الأمر الذي بات يهدد بحيرة أورومية وهي أكبر بحيرة داخلية في جغرافية إيران الحالية بأكملها بسبب السدود التي وضعت على الأنهر التي تصب في هذه البحيرة لحرف مياهها إلى مناطق فارسية.

إن ما تقوم به إيران وعكس ما تدعي يثبت بشكل قاطع إنها لا تعتبر هذه الشعوب إيرانية، وتثبت أيضا إن وجود هذه الشعوب تحت سيطرتها أمرا مؤقتا. وإلا كيف نستطيع أن نفهم قيامها بقطع المياه عن شعوب بعينها وتدمير حياتهم وبيئتهم وكل ما يملكون لبناء حياة مرفهة لشعب واحد وهو الفارسي بالمياه التي باتت تهدد بيئته بسبب تجميعها هناك في المناطق الفارسية ما وراء سدود اصطناعية عملاقة، إذا كانوا الجميع إيرانيين ويتمتعون بحقوق متساوية. فما تفعله إيران تصرف استعماري وليس تصرف دولة بحق شعبها.

في النهاية إذا كانت دولة مثل العراق، أحد المتضررين إثر هذه الجريمة لا ترغب في تقديم شكوى ضد إيران لقطعها مياه الأنهر وتجفيف الأهوار المشتركة أو بناء سدود على الأنهر دون مراعاة لحياة السكان العراقيين القاطنين على ضفاف هذه الأنهر والأهوار، بسبب ولاء المسؤولين العراقيين لطهران. رغم إن القانون الدولي المتعلق بتقسيم المياه والأنهر والمجاري المائية المشتركة يجيز لها اخضاع إيران للمساءلة لأن العراق دولة عضو بالأمم المتحدة. وإذا كان المتضررون الآخرون أي الشعوب غير الفارسية بوضعهم القانوني الحالي لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا غير الاستنكار والتنديد حيث لا يوجد نص صريح يمنع إيران من استخدام هذه الأسلحة الفتاكة داخل الجغرافية الحالية التي استحوذت عليها بالقوة.

فلم يبق حل للخروج من هذه المحنة سوى أن تترك هذه الشعوب المطالبة بالضغط على إيران للكف عن ممارسة الجرائم من منطلق قبولها بالأمر الواقع أي من منطلق إيرانية هذه الشعوب، فهذا يفتح المجال أكثر لإيران كي تفعل ما يحلو لها باعتبار إن الأمر شأن داخلي لا يجوز للأخرين التدخل فيه. ولن تستطيع الشعوب غير الفارسية في هذه الحالة أن تحصل على شيء سوى على إدانات من قبل المنظمات الإنسانية التي تجيد البكاء على الضحية ولا تستطيع انقاذها.

ولتتحدث هذه الشعوب مع العالم من منطلق أنها شعوب تقع تحت الاحتلال كي تستطيع اخضاع إيران ومقاضاتها بالاستناد إلى القوانين الخاصة بالاحتلال التي تمنعه منعا باتا من ممارسة أي فعل يضر حياة المدنيين غير المشاركين في الحرب، كون الاحتلال حالة مؤقتة ولا يحق له التصرف بالمناطق المحتلة سوى ما يلزمه لقواته العسكرية المتواجدة في المنطقة المحتلة فقط وبشكل محدود ومتعارف عليه لدى كافة جيوش العالم.

بقلم: موسى الفاخر

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق