إيران ما بعد الاتفاق النووي: صعوبات في الخارج وأزمات في الداخل

الخيارات الإيرانية ستكون صعبة للغاية ليس فقط خارجيا بل داخليا أيضا، فهناك تحديات سياسية داخلية وأيضا اجتماعية واقتصادية كثيرة.

من المؤكد أن الاتفاق النووي الذي تم مؤخرا وإن كان بتنازل إيراني بحت، إلا أنه سينقل طهران إلى مراحل جديدة مازالت غامضة بعض الشيء، ومن غير المعروف بعد ما هي نتائج هذا الاتفاق النووي الذي كشف حجم التعاون السري الذي كان ومازال يجري بعيدا عن الأنظار بين إيران والولايات المتحدة في إطار تحقيق المصالح المشتركة على حساب شعوب المنطقة. ولكن هذا الاتفاق وفقا لبنوده يبقى مفتوح الأبواب على خيارات عديدة صعبة قد تبدد حلم طهران في مساعيها للخروج من أزماتها الحادة، ومنها أن تقوم دول الغرب منفردة بتجديد العقوبات على طهران، كما ستبقى إيران تحت مجهر الغرب وأي مخالفة لشروط الاتفاق سيعيد إيران إلى نقطة الصفر، بل وسيتم تشديد العقوبات عليها. وقد تكون الخيارات أصعب عبر توجيه ضربات عسكرية للمواقع النووية في إيران بحجة مخالفتها لبنود الاتفاقية. ومجرد التمعن في هذا الخيار ندرك مدى ما ستكون عليه إيران من رهن للغرب في السنوات المقبلة أكبر من كونها طرفا في اتفاقية.

وإذا ما تجرأت إيران على العبث ومحاولة خرق أحد بنود الاتفاقية، فإن “الزنزانة” ستكون لها في المرصاد، والزنزانة هي غرفة ضيقة في أسفل منشآت الوكالة الدولية في فيينا تتضمن معدات وتكنولوجيا يستخدمها المفتشون للتأكد من وفاء الدول بالتزاماتها النووية، وهذه المعدات والتكنولوجيا، ومنها الكاميرات، غير متوفرة في الأسواق ولا يمكن تزوير أنشطتها، وفي هذه الغرفة، توجد المعدات والتكنولوجيا والكاميرات المتطورة التي ستتيح لعناصر الوكالة الدولية التأكد من وفاء إيران بالتزاماتهات ببنود الاتفاقية، وفي حين التأكد من أي مراوغة إيرانية أو نقض لبند، فإن الدول الغربية ستسارع إلى فرض عقوباتها على إيران وتشديدها، خاصة إذا ما جاء الجمهوريون إلى السلطة في واشنطن وحملوا معهم رئيسا جمهوريا قد ينقض الاتفاق بالكامل. لذلك فإن الخيارات الإيرانية ستكون صعبة للغاية ليس فقط خارجيا بل داخليا أيضا، فهناك تحديات سياسية داخلية وأيضا اجتماعية واقتصادية كثيرة. والصراع السياسي في إيران سيكون على أشده.

وسيربك التزام طهران بتعهداتها الخارجية، وسيعرقل حركة مسيرة التنمية الداخلية، لأن الأجنحة السلطوية ستتنافس في ما بينها سواء لنسب الفضل في هذا الاتفاق أو حتى ممارسة سياسة إقصاء البعض. والحرس الثوري والتيار المتشدد لا يريدان لهذا الاتفاق أن يتم، وستبقى أعينهما عليه محاولين إفشاله لأسباب عديدة، أهمها أن هذا الاتفاق سيسجل في نظرهم انتصارا للتيار المعتدل والإصلاحي أمام الشعب الإيراني، وهو ما يعني انخفاض شعبية المتشددين في إيران وخسارتهم في الانتخابات النيابية المقبلة أو حتى الرئاسية. ثم إن الحرس الثوري والكثير من قيادات التيار المتشدد كانوا المستفيدين الأكبر من العقوبات الدولية على طهران من خلال تسويقهم للبترول والغاز في السوق السوداء وجني الأرباح الطائلة والمتاجرة بهذه العقوبات، لذا فإنهم لا يريدون لحكومة روحاني أن تسجل أي انتصار أو إنجاز. ولعل قيام الحرس الثوري الإيراني بإنشاء غرف سرية تحت مسميات تضليلية في العاصمة طهران، وفي أماكن مختلفة تشرف عليها عناصر مخابرات الحرس الثوري وتهدف إلى إفشال أي مشروع أو نجاح قد تحققه حكومة روحاني مثال على هذا الاحتقان السياسي بين التيارات في الداخل الإيراني.

وحسب رويترز فمن شأن تخفيف العقوبات الاقتصادية أن يعزز موقف الرئيس حسن روحاني داخل هيكل السلطة المعقد في إيران مما يعطي دفعة سياسية للمرشحين الليبراليين لانتخابات البرلمان في 2016، وانتخابات مجلس الخبراء وهو مجلس من رجال الدين له سلطة رمزية على الزعيم الأعلى، وهو ما سيحارب من قبل التيار المتشدد والحرس الثوري وبعض رجال الدين، كما أن التضخم والبطالة وقرب تدهور البلاد اقتصاديا هو ما دفع خامنئي إلى دعم روحاني في القضية النووية، وإجبار التيارات الأخرى على السكوت وعدم المعارضة، لكن تحقيق نجاح في انتخابات 2016 قد ينظر إليه على أنه تحد لسلطة القائد، وتهميش له وللتيار المتشدد، وتقليص لأدوار الحرس الثوري وأنشطته، وهو ما سيكون مستبعدا بناء على المعطيات الحالية وتسلط الحرس الثوري على ثلثي اقتصاد البلاد وتأثيره في السياسة الخارجية، وهذه الزواية ستكون ميدانا لصراع سياسي في إيران في المراحل القادمة.

وأرفع منصب في إيران يتمتع بنفوذ غير محدود بسيطرته على السلطة القضائية وقوات الأمن ومجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يراجع القوانين والمرشحين في الانتخابات، وأيضا على أجهزة الإعلام ومؤسسات تملك الكثير من أذرع الاقتصاد، وفي حال انتصر المعسكر الموالي لروحاني في الانتخابات القادمة فستكون هذه المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التي يشارك فيها فريق ثان في الهيمنة على المؤسسات الحيوية، وهو ما سيكون محل نزاع سياسي آخر يولد خطرا قد ينهي شهر العسل بين حكومة روحاني وخامنئي.

وكانت هناك دلائل على تحرك الدفة ضد حلفاء روحاني منذ بداية استلامه المهام الرئاسية، فمثلا في فبراير الماضي منع القضاء الإيراني وسائل الإعلام من بث صور الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي الذي كان دعمه حاسما لفوز روحاني في الانتخابات، وأغضب خاتمي القيادة بدعم الزعيمين المعارضين ميرو حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين لعبا دورا بارزا في مظاهرات معارضة للنظام بعد انتخابات رئاسية ثار جدل حول نتيجتها في 2009، ولا يزال الاثنان قيد الإقامة الجبرية، وهناك أيضا الرئيس الأسبق آية الله أكبر هاشمي رافسنجاني، وهو بدوره مؤيد لروحاني، وصدر حكم على ابنه بالسجن في مارس الماضي بتهم تتعلق بالفساد والأمن، وهو ما يشير إلى تزايد قوة تيار روحاني وهو ما سيكون محل رفض لدى التيار المتشدد ومؤسسة خامنئي والحرس الثوري.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

د. سالم حميد

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق