إيران.. جمهورية المشانق

خبر غريب ينقله لنا نائب رئيس المنظمة الأوروبية الأحوازية لحقوق الإنسان طه الياسين في تصريحات له، يوم أمس الأحد حين يقول: تستعد السلطات الإيرانية لإعدام 160 طفلاً لأسباب سياسية وطائفية، تتعلق بذويهم وأقاربهم.

ويضيف الياسين، في تصريحات صحفية لجريدة “الوطن” السعودية، أن “مشانق طهران ما زالت تتعمد حصد أرواح كثير من أبناء الشعوب غير الفارسية حصراً، وأنه خلال الشهر الجاري أعدمت السلطات الصفوية المجرمة 50 طفلًا، في سجن كرج وسجون أخرى في كردستان والأحواز وبلوشستان”.

وأكد أن فترة حكم الرئيس المشحون طائفياً حسن روحاني، شهدت إعدام ألفي شخص، بينهم أطفال، كان العدد الأكبر منهم من الأحواز العربية، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قائلاً: “إن إيران تمارس هذه الانتهاكات ضد كل من يخالفها سياسياً أو عقائدياً، ليصبح مستهدفاً من أجهزة المخابرات والحرس الثوري وميليشيات الباسيج”، مؤكداً أن “هناك مئات من الأطفال أعدمتهم طهران أو ألقت بهم في غياهب السجون على خلفيات مذهبية وقومية وعرقية، وهو ما يمكن مشاهدته في الأحواز وكردستان وأذربيجان والقوميات الأخرى”.

وأضاف الياسين: إن تنفيذ الإعدام بحق أطفال وفتيان لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، ومنهم مهدي الناصري وعلي العفراوي، بتهم طائفية وتهم التحريض على النظام واتهامات أخرى، وتحدث عن أنه تم تنفيذ الإعدامات بهم شنقاً على “شاحنات الموت”، أمام الناس في الشارع، وأن إيران دولة قمعية ديكتاتورية، ويجب أن تسمى “جمهورية الإعدامات”.

وأوضح نائب رئيس المنظمة الأوروبية الأحوازية، أن هناك عدداً كبيراً من الذين تم إعدامهم من الأطفال لم تُسلم جثثهم لعائلاتهم، ولا تسمح الاستخبارات لأحد بأن يزور عائلاتهم، وتكتفي الجهات الأمنية بإخبار ذويهم فقط، كما يتم اعتقال كل من يحاول أن يجمع معلومات حول الإعدامات.

وهنا يتبادر السؤال التالي: لماذا لا تستخدم إيران عقوبة الإعدام للتخلص من معارضيها السياسيين؟ ومتى تتوقف عن الإعدامات التي تنفذها على أساس طائفي ومذهبي ضد السنة والعرب الأحواز والبلوش وغيرهم لمجرد كونهم من أهل السنة ومطالبتهم بالعدالة الاجتماعية والحقوق المشروعة؟

الإعدام تشفياً:

لقد استمرأت إيران الصفوية عقوبة الإعدام، وخاصة حين تنزل هذه العقوبة بالمسلمين السنة، فعقوبة الشنق هي في المصطلح القضائي: قتل شخص وسلبه حياته بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام. وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريباً ونفذت بحق عتاة المجرمين والقتلة والسفاكين ومغتصبي وقاتلي الأطفال.

أما إيران فتلجأ إلى تطبيقها تشفياً بالعرب السنة، وكأنها تتلذذ بمشاهدة أجسام الشهداء وهي تتأرجح في الهواء.

الدولة الشريرة:

لقد صرحت منظمة العفو الدولية في أكثر من مناسبة، بأنه من المؤكد أن السلطات الإيرانية الجائرة نفذت حكم الإعدام بحق عدد مذهل من الأشخاص يبلغ 694 شخصاً بين 1 يناير/ كانون الثاني و 15 يوليو/ تموز 2015، في ارتفاع غير مسبوق لعدد عمليات الإعدام في البلاد. وهو ما يعادل إعدام أكثر من ثلاثة أشخاص من السنة يومياً. وعلى هذه الوتيرة المروعة، وبذلك تتجاوز إيران العدد الإجمالي لعمليات الإعدام في البلاد التي سجلتها منظمة العفو الدولية العام الماضي بأكمله.

لقد قال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية:” إن حصيلة الإعدامات التي تنفذ على عجل مذهلة في إيران في النصف الأول من هذا العام وترسم صورة شريرة لأجهزة الدولة الفاسدة لقيامها بقتل الأبرياء مع سبق الإصرار، عن طريق الأحكام القضائية الجائرة على نطاق واسع”،

وصرح قائلاً: “إذا استمرت السلطات الإيرانية الحاقدة على السنة على هذا المعدل المرعب من الإعدامات فنحن نرجح أن نرى أكثر من 1000 حالة إعدام تقوم بها الدولة قبل نهاية العام.

الإعدام في رمضان:

إن تصاعد وتيرة عمليات الإعدام في الدولة الصفوية تكشف مدى إيغال إيران في دماء المسلمين السنة وابتعادها عن بقية العالم فيما يتعلق باستخدام عقوبة الإعدام – فهناك 140 دولة من جميع أنحاء العالم ترفض الآن استخدامها في القانون أو الممارسة. وفي العام الحالي ألغت ثلاث دول عقوبة الإعدام تماماً. أما إيران فتطبق عقوبة الإعدام في صغائر الجنح كما يقول بعض الحقوقيين الدوليين ولا تعرف درء الحدود بالشبهات.

إن أقبح منظمة إرهابية على وجه الأرض، والجميع يعلم أنها ربيبة إيران، وهي داعش، قد أوقفت إعدام الناس وقتلهم في شهر رمضان المبارك، على حين لم تتوقف عمليات الإعدام في إيران، حتى خلال أقدس شهور السنة، شهر رمضان المبارك. خروجاً عما هو متبع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد قامت بإعدام ما لا يقل عن أربعة عشر شخصاً خلال الشهر الفضيل. مما يبعث على التساؤل والاستغراب في كون مسمى إيران الجمهورية الإسلامية، فأي إسلام هذا الذي يبيح قتل المسلمين في رمضان؟

المشانق السريعة:

يروي عربي أحوازي في الأربعين من عمره، بأن الفرس يأتون بالمحكومين بالإعدام وهم موثقي الأيدي خلف ظهورهم، ويقرأون بالفارسية الحكم الصادر جوراً بحقهم عبر مكبرات الصوت، وما هي إلا دقائق معدودات حتى ترى الرافعات الضخمة التي تستخدم في أعمال البناء قادمة، فتعرف أن هناك حفلة للموت الدموي، وخلال أقل من عشر دقائق يكون حبل المشنقة قد أحكم ربطه وتعليقه في أعلى الرافعة وتم تجهيز صف من الرافعات وتحتها تتموضع حافلات تشبه الحافلات المدرسية، وعلى ظهر هذه الحافلات يقف الجلادون الفرس ذوو الوجوه القبيحة، وأمامهم المحكومين ظلماً، ثم يحكم حبل المشنقة حول رقابهم، ويصبحون على شفير الموت، وماهي إلا لحظات حتى تسمع صوت صافرة تدل على الأهبة وبإشارة واحدة من المشرف على هذه الحفلة الدموية تنطلق الحافلات من تحت الرافعات.. فترى أجساداً مدلاة.. تختلج للحظة ثم تهمد خلجاتها.. تتأرجح في الهواء.. تشعرك بخفة جسدك.. تسمع أنين الأمهات المفجوعات بفلذات أكبادهن، وقد ترفع وجهك إلى السماء وتهتف: إلهي.. إنني أدعوك أن تنتقم من دهاقنة المجوس وسدنة بيوت النيران.

الانتقام البغيض:

وعلى حين تعارض منظمة العفو الدولية استخدام عقوبة الإعدام دون قيد أو شرط وفي جميع الحالات، فإن أحكام الإعدام في إيران تبعث على القلق بشكل خاص لأنها تفرض دائما من قبل المحاكم التي تفتقر تماماً إلى الاستقلال والحياد. ويتم توقيعها إما على جرائم غامضة الصياغة أو فضفاضة، أو الأفعال التي لا ينبغي تجريمها على الإطلاق ناهيك عن إنزال عقوبة الإعدام. المحاكمات في إيران معيبة للغاية، وغالباً ما يحرم المعتقلون من الاتصال بمحامين، وهناك إجراءات غير كافية للاستئناف والعفو وتخفيف العقوبة.

 وفي هذا الصدد قال سعيد بومدوحة نائب مدير منظمة العفو الدولية: ” يجب أن تخجل السلطات الإيرانية من إعدام مئات الأشخاص مع التجاهل التام للضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة”، وأضاف قائلاً: “إن استخدام عقوبة الإعدام هو دائماً طريقة الانتقام البغيضة، ولكن ذلك يثير مخاوف إضافية في بلد مثل إيران حيث المحاكمات غير عادلة بشكل صارخ.”

 

القانون الملتبس:

لا تزال الأسباب الكامنة وراء التصاعد الصادم في عدد الإعدامات في إيران هذا العام غير واضحة ولكن غالبية الذين أعدموا في 2015 أدينوا بتهم تتعلق بالمخدرات.

يجعل قانون مكافحة المخدرات الإيراني أحكام الإعدام إلزامية على مجموعة من جرائم المخدرات، بما في ذلك تهريب أكثر من 5 كيلوغرامات من المخدرات المشتقة من الأفيون أو أكثر من 30 غراماً من الهيروين أو المورفين أو الكوكايين أو المشتقات الكيميائية لهذه المخدرات. وهذا خرق مباشر للقانون الدولي، الذي يحصر استخدام عقوبة الإعدام في “أشد الجرائم خطورة” – تلك التي تنطوي على القتل المتعمد. وجرائم المخدرات لا ترقى إلى هذه الدرجة.

كما لا يوجد أيضاً أي دليل يثبت أن عقوبة الإعدام تشكل رادعاً للجريمة وتهريب المخدرات أو استخدامها. وفي وقت سابق من العام الحالي، اعترف نائب رئيس مركز إيران للبحوث الاستراتيجية بأن عقوبة الإعدام لم تكن قادرة على خفض مستويات تهريب المخدرات.

الآلاف يتلمسون رقابهم:

تشير كثير من التقارير الواردة من منظمة العفو الدولية إلى أن السلطات الإيرانية قد استخدمت لسنوات طويلة عقوبة الإعدام كي تنشر مناخاً من الخوف في محاولة مضللة لمكافحة الاتجار بالمخدرات، ولكن ليس هناك أي دليل لإثبات أن هذه وسيلة فعالة لمعالجة الجريمة.

إن أغلب المدانين بجرائم المخدرات من خلفيات محرومة، ومن طبقات شعبية مسحوقة ونادراً ما يتم نشر قضاياهم. إذ تتكتم إيران خلف تقية ملاليها الصفويين وفي رسالة وزعت على الانترنت في يونيو/ حزيران 2015، وهي من 54 سجيناً محكوم عليهم بالإعدام في سجن غزل حصار قرب العاصمة طهران ويصفون فيها محنتهم: “نحن ضحايا حالات من الجوع والفقر والبؤس وألقي بنا في مهاوي الهلاك بالقوة ودون إرادتنا… ولو كنا نعمل، لاستطعنا أن نغير حياتنا ونذهب جوع أطفالنا، وما كنا سلكنا طريقاً يضمن هلاكنا”.

ومن بين الذين أعدموا في إيران أيضاً أفراد من الأقليات العرقية والدينية أدينوا “بمحاربة الله” و “الفساد في الأرض” بمن في ذلك السجناء السياسيون الأكراد والسنة.

حالياً، استناداً إلى أعمال الرصد التي تقوم بها منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، يعتقد أن عدة آلاف من الأشخاص ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في إيران. وقالت السلطات الإيرانية إن 80٪ من الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام قد أدينوا بتهم تتعلق بالمخدرات. لكنها، ومع ذلك، لم تقدم العدد الدقيق لهؤلاء.

وقال سعيد بومدوحة معلقاً على ذلك: “إنه أمر مؤلم وخاصة أنه لا توجد نهاية مرئية في الأفق لهذا العرض من القسوة مع تدلي حبال المشانق.. إيران ستعدم الآلاف من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام”.

 

الشنق يأتي فجأة:

في إيران فقط.. غالباً ما يترك السجناء قابعين في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام، بحيث يتساءلون في كل يوم ما إذا كان هذا يومهم الأخير؟. وفي كثير من الحالات يتم إبلاغهم عن موعد تنفيذ الإعدام قبل بضع ساعات فحسب، وفي معظم الحالات لا تعلم الأسر عن مصير ذويها إلا بعد مرور أيام، إن لم يكن أسابيع، على تنفيذ الإعدام. وتقر السلطات الإيرانية كل عام عدداً معيناً من الإعدامات القضائية. ومع ذلك يتم إجراء أعداد أكثر من عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء ولكنها لا تقر بها.

عربي يشنق مرتين:

يروي أحد العرب الأحوازيين، ويقسم على صحة ما يسرده عن واقعة شنق تمت أمامه فيقول: “ذات يوم وكالعادة، جاءت الرافعات التي تعلق فيها حبال المشانق الإيرانية الصفوية الحقودة، وجيء بأحد الشبان من العرب السنة ليعلق ويلف على عنقه حبل المشنقة.. فما كان منه إلا أن صرخ مكبراً.. الله أكبر.. الله أكبر.. أنا بريء، وكان يقف على سطح حافلة وتحت الرافعة مباشرة، وما إن تحركت الحافلة كي تتركه متأرجحاً ومعلقاً في الهواء قد فارق الحياة، حتى فوجئ الجميع بما لا يتصوره عقل.. إذ بحبل المشنقة ينقطع، فانبهر حشد من عامة الناس المشاهدين وصاحوا جميعاً الله أكبر.. إنه دليل براءة، ولكن الجلاد نادى أحد معاونيه وراح يكيل له سيلاً من الصفعات والشتائم باللغة الفارسية، مما أفهم جميع الحضور بأن معاونه متآمر، وبأنه قد قام بحز الحبل بالسكين كي ينقطع، وما هي إلا لحظات حتى أقبلت مجموعة من رجال الشرطة وأمر قائدها بإعادة شنق الشاب.. وقد تمت إعادة شنقه وراح يتأرجح في الهواء.

 

إحصائيات كاذبة:

واعتباراً من 15 يوليو/تموز 2015، اعترفت السلطات الإيرانية رسمياً بإعدام 246 شخصاً هذا العام ولكن منظمة العفو الدولية تلقت تقارير ذات مصداقية عن 448 إعداماً جديداً أجري في هذه الفترة الزمنية. وفي 2014، تم إعدام 289 شخصاً وفقاً لمصادر رسمية ولكن تقارير موثوقة أشارت إلى أن الرقم الحقيقي هو 743 شخصاً على الأقل.

وفي كل عام تذكر تقارير منظمة العفو الدولية عدد الإعدامات المعترف بها رسمياً في إيران وعدداً من عمليات الإعدام التي تمكنت المنظمة من تأكيد وقوعها، ولكن لم يعترف بها رسمياً. وعند حساب العدد الإجمالي السنوي العالمي لعمليات الإعدام التي تمت حتى الآن، نجد أن منظمة العفو الدولية لم تحسب سوى الإعدامات التي اعترفت بها السلطات الإيرانية رسمياً، وأن عدداً هائلاً من الإعدامات قد تم تجاهلها.

وقد استعرضت منظمة العفو الدولية هذا النهج المخادع، الذي تقوم به إيران وتعتقد أنه لا يعكس تماماً حجم الإعدامات الحقيقة في إيران، والذي يجب أن تكون السلطات شفافة إزاءه. وفي تقريرها السنوي لعام 2015 بشأن عقوبة الإعدام، وفي جميع التقارير الأخرى حول عقوبة الإعدام في إيران، سوف تستخدم منظمة العفو الدولية هذه الأرقام مجتمعة، أي الإعدامات المعترف بها رسمياً وتلك التي لم يعترف بها رسمياً ولكن المنظمة تأكدت من تنفيذها.

أخيراً نتساءل: أين المنظمات الحقوقية والدول التي تدعي أنها متقدمة ومدافعة عن حقوق الإنسان؟ لماذا الصمت والتغاضي عن جرائم إيران ضد الإنسانية؟

نقلاً  عن المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق