إيران تريد حواراً بلا شروط!

من غرائب سياسة إيران أنه في حين يزور وزير استخباراتها، الدكتور سيد محمود علوي، دولة الكويت، حاملاً رسالة من الرئيس الإيراني حسن روحاني تتضمن رغبة إيرانية «قوية» في حل الخلافات القائمة مع دول الخليج العربية، يصرح المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بأن مستقبل إيران في الصواريخ وليس في الحوار، وكأنه يؤكد أن الرغبة الإيرانية الجديدة المعلنة ليست أكثر مصداقية من الرغبات والمواقف التي سبق لطهران أن عبّرت عنها بهذا الخصوص، وهو ما يمكننا أن نضيفه إلى قائمة طويلة من التخبط السياسي الإيراني المشابه في التخاطب الذي يقوم على لغة الاستقواء والغطرسة التي اعتاد هذا النظام على التحدث بها مع جيرانه، مما يعني أنه من الصعب إلى حد كبير تغيير المسار الذي اختارته في هذا الصدد.

ويرجع المراقبون «الرغبة» الإيرانية في الحوار، في الوقت الحالي تحديداً، إلى نجاح الدبلوماسية الخليجية في سياستها الجديدة تجاه إيران، والقائمة على الضغط الدبلوماسي والعسكري في الإقليم، والتضييق على الأذرع السياسية لإيران داخل دول المنطقة، بما في ذلك القرار العربي الأخير حول تصنيف «حزب الله» اللبناني باعتباره منظمة إرهابية، وفتح حوار مع جماعة الحوثيين في اليمن، ومعاقبة الأفراد الموالين لإيران في بعض دول الخليج العربية، وقد رأى أولئك المراقبون أن هذا التحرك الإيراني هو رد فعل ناجم عن تأثر إيران بتلك الإجراءات والتوجهات مجتمعة، لأن طهران لن تستطيع التعامل مع المجتمع الدولي من دون تصحيح سياستها مع إقليمها الضيق وجوارها الجغرافي أولاً، لاسيما أن بعض دول الإقليم، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد بمثابة «الرئة الاقتصادية» التي تتنفس من خلالها إيران.

لقد تعلمت دول الخليج التعايش مع النظام الإيراني منذ أكثر من أربعة عقود، إلا أن هذه الدول غير مضطرة للتفاعل مع تغيرات «مزاج» السياسة الإيرانية، إلا إذا أثبتت طهران حسن نيتها وبشكل عملي. إيران هي التي لا تريد أن تتعامل مع جوارها وفق ما تقرره القواعد الدولية المرعية في العلاقات بين الدول، ولا حتى على غرار الطريقة التي تتعامل بها مع الغرب، وبالتالي فإن هذا الفرز السياسي هو ما يجعل الخليجيين يرتابون حيال نوايا إيران وتصريحاته المتغيرة، فالذي تعمله طهران مع الغرب لا يماثل بتاتاً أسلوب تعاملها مع الخليجيين، وبالتالي فقد حان الوقت للخليجين كي يفكروا في مقاربة أكثر حزماً حيال سياسات قادة إيران.

وحسب التقسيم السياسي الإيراني، فإن المعتدلين أقرب إلى التحاور مع الخارج عموماً، لكن المتعارف عليه خليجياً أن هناك تمييزاً في تلك الحوارات، فعندما يأتي الأمر عند الغرب ينبغي ملاحظة أن النظام الإيراني يقدم تنازلات سياسية مقابل الحصول على امتيازات معينة، على سبيل المثال امتيازات اقتصادية مثلما حدث في «الاتفاق النووي» الذي أطلق عليه «صفقة»، لكن عندما يتعلق الأمر بجواره ينحاز إلى تفكيره الثوري المغلف بالقومية الفارسية، سواء في الإصرار على تصدير الثورة والتدخل في الشأن العربي أو تحت بند «حماية المستضعفين»!

ولابد أن نلاحظ أن الحديث عن رغبة إيران في الحوار مع دول مجلس التعاون الخليجي جاء متزامناً مع الفاعلية الدبلوماسية والإعلامية السعودية في وضع حد للتمدد الإيراني، بل إن الأمر بالنسبة للمراقبين أعمق من مسألة «التقفيل» السياسي عليها، إذ تجاوز ذلك إلى فضح سياساتها لدى الشعوب الخليجية وفي الداخل الإيراني نفسه، مما يعني أن إيران لم تعد تحتمل ما تفعله المملكة العربية السعودية الراغبة في لعب دورها الإقليمي كاملاً. وبالتأكيد، لا يغيب عن ذهن المراقبين أن السعودية تخلت عن الأسلوب التقليدي في التعامل مع إيران، والقائم على إطلاق المبادرات وانتظار تحرك الآخرين للتفاعل معها، إلى الأسلوب الجديد القائم على «الاشتباك» معها في الملفات التي تمثل تحدياً لها كما حصل في اليمن.

إيران استوعبت نمو الدور السعودي في المنطقة من خلال قدرتها على الحشد السياسي والعسكري، فأرادت استدراك القادم لأنه سيكون أكثر إيلاماً عليها، لكنها تتجاهل عمداً أن التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للعرب هو الشرط الأساسي لتجاوبهم مع أي محاولة إيرانية للتحاور.

الخليجيون يدركون أن مد الجسور والتفاهم مع الجوار هو إحدى أدوات المرحلة الحالية، بدءاً من السياسة الأميركية تجاه كوبا وحيال إيران، لكن كذلك لديهم قناعة بأن أسلوب المعاملة بالمثل هو نوع من أنواع الدبلوماسية، وبالتالي على إيران أن توفر الأجواء المناسبة لفتح أي حوار في المستقبل، وبما أنها خارجة للتو من مفاوضات مع «الشيطان الأكبر»، فإن الأمر لن يكون صعباً عليها إن أرادت فعل ذلك مع الجوار العربي، مادامت تؤمن بسياسة «الجار قبل الدار»!

*نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية

محمد خلفان الصوافي

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق