إيران تحت وصاية الدول الكبرى .. بينما كان النصر في عدن تحدياً عربياً

إيران تحت وصاية الدول الكبرى بينما كان النصر في عدن تحديا عربيا

تابعت في الفترة الماضية قبل توقيع الاتفاقية النووية وبعدها كما هائلا وكبيرا من التحليلات التي لا حصر لها، أغلبها يؤكد على أن الولايات المتحدة أدارت ظهرها لدول الخليج، وغدرت بكافة الاتفاقيات التي وقعتها مع دول الخليج، ونسي مثل هؤلاء المحللين بأن للولايات المتحدة استراتيجيات متوازنة، ولن تقبل لا لإيران ولا لروسيا أن يسيطران على منطقة الخليج.

أظهرت معظم تلك التحليلات بأن إيران ستتحول إلى قوة عظمى، ولم يدرسوا بنود الاتفاقية بشكل دقيق ومتأن بعيدا عن نظريات المؤامرة وبعيدا عن النياح والتعويل الذي تعود عليه كثير من المحللين في أغلب تحليلاتهم.

صحيح أن لدى الولايات المتحدة أولويات تختلف من فترة لأخرى تصب في صالح الولايات المتحدة، لإعادة تموضعها بعد كل أزمة تمر بها وتموضعها الآن أتى بعد حدوث الأزمة المالية التي ضربت في الغرب وامتدت إلى بقية أنحاء العالم عام 2008.

هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، ورث أوباما الرئاسة خلفا لجورج بوش، الذي ساهم في إهدار سمعة وموارد الولايات المتحدة على مغامرات خاسرة في الشرق الأوسط، لم تستفد منها سوى دولة إيران التي تمكنت من الهيمنة والسيطرة على العراق، بل وبدأت تحارب الولايات المتحدة في العراق من أجل خروجها باعتبار أن العراق تابع لإيران، ورغم الاتفاق النووي فإن أمريكا وإيران ما تزالان تخوضان حربا إقليمية خفية لم يدركها مثل هؤلاء المحللين، وهو ما نلاحظه بوضع عقوبات على ثلاثة أعضاء في حزب الله ساهموا في توريد الأسلحة إلى سوريا.

يريد أوباما بتوقيعه الاتفاقية النووية، تحقيق مكانة عالمية لواشنطن أكثر مرونة، بالفعل يتجه أوباما إلى تعديل التزاماته وتحالفاته القائمة، وفي نفس الوقت إيجاد أرضية مشتركة مع الأعداء، لا تمكينهم كما يعتقد مثل هؤلاء المحللين، صحيح أنه يريد أن تعتمد الدول الإقليمية على نفسها، وأن تبحث هي الأخرى عن أرضية مشتركة للتفاهمات بديلا عن الصراعات، وهو ما ترفضه السعودية، حتى تنسحب إيران من المنطقة العربية التي تمددت فيها، وهو ما لم يحصل لأن إيران تعتبر التمدد مكتسبات حققتها في الفترة الماضية ولا يمكن التنازل عنها.

سبق أوباما نيكسون الذي قاد أكبر التحولات الراديكالية في السياسة الخارجية، عندما زار الصين عام 1972، ضمن استراتيجية أكبر تشمل الاتحاد السوفيتي المنافس الشيوعي لموسكو، الذي  سيخلق ضغوطا على الاتحاد السوفيتي، من أجل أن يجبرهم نحو وفاق مع الولايات المتحدة، وبالفعل نجحت تلك الاستراتيجية في توقيع موسكو معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية عام 1972، لكن استثمر الاتحاد السوفيتي تمترس الولايات المتحدة التي نجحت مع الصين ولكنها لم تنجح مع الاتحاد السوفيتي، الذي احتل أفغانستان عام 1979، مما أجبر جيمي كارتر على إعادة تقييم تلك السياسات المتبعة مع الاتحاد السوفيتي.

خلف أوباما بوش، مثلما خلف نيكسون ليندون جونسون، الذي تسبب في حرب فيتنام الباهظة التكاليف، ومثل تلك السياسات تفرضها الضرورة والسياسة الواقعية، وأن المصالح طويلة الأمد تتلاقى، ومثلما نجح نيكسون في دمج الصين داخل المجتمع الدولي كقوة عظمى، حتى ساهمت الصين كمصنع العالم في رفاهية الشعوب خصوصا في الغرب المتقدم، ساهمت الصين في خفض نسب التضخم في الغرب، وفي نفس الوقت أنقذت ملايين الفقراء في الصين.

 كذلك يريد أوباما من إيران أن تتحول إلى قوة إقليمية ناجحة وفعالة، باعتبارها جزءا من استراتيجية أكبر تشمل روسيا من أجل الضغط على روسيا من أجل السعي نحو وفاق حقيقي مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت تتخلى إيران عن تصدير ثورتها كما تخلت الصين عن أن تصبح محورا للثورة العالمية.

يطبق أوباما مصطلح (إعادة التمترس)، أي إصلاح وإعادة توجيه موارد أميركية لأغراض داخلية، وهي استراتيجية مخالفة لمن يطالبون بأن تسعى الولايات المتحدة بقوة لضمان مصالحها بالخارج، لكن أوباما يود أن يحمّل الدول الإقليمية الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في الخارج، لذلك لا يمانع أوباما في إعادة السعودية هيكلة قواتها، وهو اتجاه أخذت به السعودية ودول الخليج، وخصوصا دولة الإمارات لتكون قوة مساندة للسعودية.

وفي نفس الوقت تغفل مثل تلك التحليلات الإرادة العربية، ومن يتابع الشأن السياسي العربي، يلاحظ أن هناك متغيرات عديدة تصب في صالح مزيد من الاستقلالية التي تتبعها السعودية، نحو مزيد من الشراكات لتنويع مصادر استيراد التقنية، وتوطينها، واستيراد السلاح.

تلعب السعودية دورا بارزا في منطقة إقليمية ساخنة، ساهمت إيران بنصيب وافر في تلك الفوضى بل استثمرت الاضطرابات العربية لزيادة تلك الفوضى، كما أن السعودية تحاول فك الحصار الاقتصادي عن روسيا الذي فرضه الغرب، بينما بوتين يدعم مجازر خامنئي وبشار الأسد وحسن نصر الله في سوريا وغيرها من أجل النكاية بالغرب.

نجحت السعودية من خلال الضربات الجوية للحوثيين في اليمن وتأديبهم، وحاولت الأمم المتحدة أكثر من مرة بضغط من إيران أن تتوقف الضربات الجوية بحجة الإغاثة، نجحت في المرة الأولى، ولكنها لم تنجح في المرة الثانية، وتحررت عدن في نفس يوم توقيع الاتفاقية النووية مع الدول الست في فيينا، والنصر في عدن تحد لإيران في ذروة فرحتها بالاتفاق النووي الذي وضعها تحت وصاية الدول الست الكبرى، برهن الملك سلمان بأن الإرادة العربية عادت، وستتولى وقف التمدد الإيراني الذي اخترق المنطقة العربية بثقافة المذهبية الدينية.

يجب أن يعرف مثل هؤلاء المحللين بأن يتوقفوا عن العويل والنياح ، لأن الملف النووي الإيراني مفتوحا لمدة 15 سنة على الأقل، تحت نظر ورقابة الدول الست، ولدى تلك الدول حق رفض فيما يتعلق ب32 نشاطا من أنشطة الصناعة والخدمات الإيرانية، بما فيها النفط، والصناعات البتروكيماوية، والملاحة والسيارات، والتأمين، والقطاع المصرفي، والشحن.

ويحق لها التدخل في كل أوجه التجارة الخارجية بذريعة منع إيران من الحصول على مواد مزدوجة الاستخدام، ومن حق الدول الست أن تحدد نوع الأسلحة التي يمكن شراؤها لمدة خمسة أعوام على الأقل، ولن يتم لإيران الانفاق كما شاءت، ولن تسمح بتوقيع شيكات لوكلائها في المنطقة، ما يعني أن إيران ليست دولة طبيعية في المجتمع الدولي، أي أن الكلمة الفصل في السياسة الخارجية الإيرانية ستكون للدول الست وليست لخامنئي.

إيران تجرعت سم توقيع الاتفاقية النووية مع الدول الست، مثلما تجرع الخميني السم عندما قبل بوقف الحرب الإيرانية العراقية عام 1988، وأعلن الخميني أن الذهاب للقدس عبر كربلاء، والآن الذهاب للقدس عبر الزبداني.

مثلما أكد أوباما أن الاتفاق لم يبنَ على الثقة، بل على التفتيش، صحيح أن الدول الست لم تحصل على ما تريده فيما يتعلق بالمسألة النووية، ولم تحصل إيران على ما أرادت فيما يتعلق بالعقوبات.

من الغريب تم توقيع الاتفاق في فندق كوبورغ في فيينا نفس الفندق الذي تم توقيع الاتفاق مع الدولة العثمانية عام 1683 ووقف تمددها في أوروبا نتيجة الحروب الصفوية التي أضعفت الدولة العثمانية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق