إيران، مَن المستفيد مِن خطف “عباس يزدان بناه”؟

نشرت في الأيام الماضية عدة تقارير صحفية في الصحف الحكومية، ومواقع المعارضة الإيرانية تتهم صراحة جهاز المخابرات “اطلاعات” بخطف المواطن البريطاني – الإيراني “عباس يزدان بناه”، والذي خطف بتاريخ 25\6\2013 من أمام مكتبه في الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة،هذه التقارير الصحفية منها ما تؤكد قتله، وأخرى تتحدث عن نقل عباس إلى إيران، كما أكدت زوجة عباس السيدة “آتنا يزداني” إن زوجها خطف بناءً على رغبة الأمن الإيراني”، وفي تصريح لها لإحدى الصحف الإيرانية المعارضة، قالت، “إن الجمهورية الإسلامية هي من خطفت زوجي، وذلك للضغط على عائلة هاشمي رفسنجاني، ولا سيما لتصفية حسابات مع مهدي هاشمي رفسنجاني”.

وقد تكون عملية الخطف أو التصفية للسيد عباس يزدان بناه من قبل الأمن الإيراني لها علاقة بصفقات عقود بيع النفط الإيراني الذي كان عباس عرابها مع عدة شركات ودول أجنبية، كما تربط عباس علاقة تجارية قوية مع عائلة أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس تشخيص مصلحة النظام. هذه الجريمة التي تم تنفيذها على أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة ذات السمعة الطيبة بين الدول، تعد انتهاكاً صارخاً من قبل إيران لسيادة دولة الإمارات في حال كشفت التحقيقات الجارية ضلوع المخابرات الإيرانية فيها.

 

“عباس يزدان بناه” واجهة مافيا عائلة رفسنجاني:

“عباس يزدان پناه” مواطن إيراني -بريطاني من مدينة يزد الفارسية، صديق حميم وشريك تجاري لمهدي هاشمي رفسنجاني الإبن الرابع لرئيس تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، وذلك عندما كانا من أهم دلالي العقود النفطية في الشركة الوطنية للنفط والغاز في فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني لإيران. بدأت العلاقة التجارية للصديقين عندما كانا يدرسان في الكلية التابعة لوزارة البريد، المكان الذي يفضله أبناء الساسة في إيران على غيره من الكليات في البلاد.

دخل عباس يزدان بناه مجال التجارة عندما أراد مهدي رفسنجاني أن يكون لديه شخص ما يختبئ وراءه لتمرير اعماله التجارية، وقد تكون هذه الفكرة من بنات أفكار والده رئيس الجمهورية في تلك الفترة خوفاً من أن يكشف سر أبنه المدلل، وفعلاً استطاع مهدي أن يجند عباس كي يصل إلى مبتغاه، فأنشأ الصديقان أولى شركاتهم في الأيام الأولى من نهاية الحرب الإيرانية – العراقية، كما فتح مهدي وعباس مكتباً استشارياً لهم في شارع جوردن شمال طهران، والذي يقع بالقرب من المنطقة التي تعج بالسفارات الأجنبية. تمركز النشاط التجاري للشريكين في بادئ الأمر على صيانة موانئ تصدير النفط التي دمرها العراق أيام الحرب. كما كان للحرس الثوري في ذلك الوقت تواجد حقيقي في صناعة النفط، بحيث كان قد دخل الحرس الثوري في صراع حقيقي مع هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية آنذاك الذي رفض أن يدخل الحرس الثوري الحياة السياسية في إيران.

تمركز جل اهتمام الحرس الثوري الذي دخل الحياة الاقتصادية من أوسع أبوابها بعد نهاية الحرب الإيرانية – العراقية، على صناعة النفط ومشتقاته، فكانت الموانئ لتصدير النفط أهم المنافذ التي جنى من خلالها الأموال الطائلة، والتي حولها إلى منافذ حقيقية للتصدير والاستيراد لكافة البضائع المحرمة وغيرها من البضائع التي تحتاجها الدولة الإيرانية التي خرجت من حربها مع العراق مهزومة وشبه منهارة. وجود الحرس الثوري في هذا القطاع الهام شكل عائقاً لمهدي وعباس وشركائهم، أحد الأمثلة على هذا التناقض كان عندما اختلف الطرفان على صيانة إحدى الموانئ في مدينة معشور-خور موسى الأحوازية (بندر امام خميني) جراء العطل الذي لحق به أيام حرب الثمان سنوات، وعلى الرغم من الوساطة التي قام بها رفسنجاني مع الحرس الثوري لصالح مهدي وشركاءه لصيانة هذا الميناء، رفض الحرس الثوري هذه الوساطة رفضاً كلياً.

هذا الرفض من قبل الحرس الثوري دفع بـمهدي هاشمي رفسنجاني وعباس يزدان بناه على تفجير هذا الميناء وذلك بمساعدة بعض من قادة الحرس الثوري الموالين لهم، فادّعى النظام في ذلك الوقت أن الانفجار الذي حصل في ميناء معشور-خور موسى (امام خميني) كان عمل المنافقين، وتم تغطية الخبر في الصحف الموالية للنظام على أنه عمل أعداء الثورة الإسلامية. وعلى ضوء هذا تم إبعاد مهدي هاشمي رفسنجاني وعباس يزدان بناه إلى استراليا بحجة الدراسة، كما عين هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية في تلك الفترة السيد محمد حسن آبيانه سفيراً لإيران في استراليا للحفاظ على مهدي وعباس اللذين لا يتجاوز أعمارهما الـ 21 عاماً.

 

اعتقال عباس بتهمة “التجسس”:   

توصلت المخابرات التابعة للحرس الثوري بعد التحقيقات التي قامت بها على إثر تفجير ميناء معشور-خور موسى الذي كان في حوزة الحرس الثوري، أن مهدي هاشمي رفسنجاني وعباس يزدان بناه هما وراء التفجير الذي طال الميناء، مما أجبر الرئيس رفسنجاني أن يبعد أبنه وصديقه إلى استراليا بحجة الدراسة، لكن بعد ما رجع عباس إلى إيران تم اعتقاله من قبل وزارة المخابرات التي بات الحرس الثوري يسيطر عليها كلياً، بحجة أنه جاسوس، لكن لمن كان يتجسس عباس يزدان بناه لا أحد يعلم بعد!!

بعدما اعتقل عباس في عام 1993 أدانته المخابرات “وزارت اطلاعات” بتهمة التجسس، مما قد تصل عقوبة هذه التهمة إلى الإعدام في الجمهورية الإسلامية، لكن تدخل رفسنجاني لدى محكمة الاستئناف لإعادة النظر بالقضية أدى إلى اسقاط حكم الإعدام عن عباس، وحكم عليه بالحبس لفترة طويلة لم يعلن عنها، وفي نهاية الأمر خرج من السجن بوثيقة مالية، ثم فر إلى بريطانيا، وحصل على الجنسية البريطانية، ليعيد نشاطه التجاري مجدداً مع الشركة الوطنية للنفط والغاز الإيرانية عبر مهدي هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيساً لمنظمة ترشيد استخدام الوقود التابعة لوزارة النفط “سازمان بهينه سازى مصرف سوخت”، وذلك من خلال الشركة الوهمية التي أنشأها في لندن، وقد تكون فكرة إنشاء هذه الشركة التي عرفت في الصحافة الإيرانية بـ “هورتون اينوسمنت” من بنات أفكار رفسنجاني الإبن.

 

عباس عراب العقود النفطية مع الساسة الإيرانيين: 

بعدما تمكن عباس يزدان بناه أن يهرب من القضاء الإيراني عام 1993، أنشأ شركة استشارية للعقود النفطية في لندن، وبدأ يعيد اتصالاته مع المسؤولين في طهران الذين يتحكمون بصناعة النفط، اتصالات أثمر عنها إبرام عدة عقود من أهمها:

 

عقد استات اويل(StatOil):

أبرم هذا العقد عام 2003، بعدما تم الاتفاق بين مهدي هاشمي رفسنجاني وإدارة شركة StatOil   النرويجية، واتفقا الطرفان على أن يتم إبرام العقد عن طريق شركة هورتون اينوسمنت الاستشارية، وفعلاً تم إبرام هذا العقد في إحدى جزر الكاريبي.

ويفيد هذا العقد أن شركة StatOil  (استات اويل) اتفقت مع الشركة الاستشارية هورتون اينوسمنت التابعة لعباس يزداني بناه، الواجة التجارية لعائلة هاشمي رفسنجاني، أن تقوم الأخيرة بتقديم الاستشارات اللازمة لإبرام العقد الذي يمتد لـ 11 عاماً في حقل “پارس جنوبي” في إيران (في الأراضي الأحوازية والتي تعرف اليوم بـ “بي بي حكيمة ومارون آسماري واهواز آسماري) مقابل مبلغ مالي قدره 158 مليون دولار (هذه المعلومات ذكرها التقرير الذي قدم لرئيس هيئة البحث والتحقيق في المجلس الإيراني (رئيس هيئت تحقيق وتفحص مجلس شوراي اسلامى) “إن الرشوة التي دفعتها الشركة النرويجية (StatOil) لمهدي رفسنجاني بلغت 158 مليون دولار، والعمولة التي حصلت عليها شركة عباس يزدان بناه “هورتون اينوسمنت” 15 مليون دولار”). هذا العقد الذي أبرم بين إيران من جهة وشركة استات اويل النرويجية من جهة ثانية أدانته المحكمة الاقتصادية النرويجية بسبب الرشاوي التي طالت بعض الجوانب من هذا العقد مع الجانب الإيراني وغرمت الشركة المذكورة 3 مليون دولار، كما غرمت الولايات المتحدة الأمريكية شركة StatOil 20 مليون دولار بسبب أسهم الشركة في البورصة الأمريكية.

 

عقد كرسنت (شركة بترول الهلال الإمارتية):

بدأت المفاوضات الأولية بين شركة بترول الهلال الإماراتية الخاصة والشركة الوطنية الإيرانية للنفط والغاز في عام 1997، إلى أن أبرم هذا العقد بعد ما تم التفاهم على كافة القضايا المتعلقة به. وعلى ضوء هذا العقد يتم تصدير الغاز عبر الأنابيب في أعماق البحر من حقل سلمان الإيراني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ويبدأ من 500 مليون قدم مكعب إلى أن يصل 800 مليون قدم مكعب في اليوم. إلا أن هذا العقد اعتبر بعد فترة وجيزة من العمل به غير مُجدٍ للاقتصاد الإيراني، ووصف محمد رضا رحيمي رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية “ديوان محاسبات كشور” العقد بـ “الخيانة” مما أدى إلى إلغاء العقد المبرم مع شركة بترول الهلال. وعرف هذا العقد في الشارع الإيراني ولا سيما من قبل الساسة المحافظين بـ “قرارداد كرسنت”. ويعني عقد “كرسنت” نسبة لشركة Crescent Petroleum Company، والتي تعرف في دولة الإمارات العربية المتحدة بـ “شركة بترول الهلال”. والطريف في الأمر أنه بعد مجيء أحمدي نجاد تغيرت نظرة الساسة الإيرانيين وسعوا لإحياء هذا العقد، لكنهم فشلوا بسبب المعارضة الشديدة من قبل أطراف متنفذة داخل النظام محسوبة على الحرس الثوري الذي يمسك بصناعة النفط ومشتقاتها في إيران.

تفيد المعلومات إن شركة “هرمون اينوسمنت” التابعة لعباس يزدان بناه هي التي وراء إبرام هذا العقد الذي أضر بالاقتصاد الإيراني كما يدعي الجانب الإيراني!، وذلك على الرغم من سلامة وصحة الجوانب القانونية التي اعتمدتها شركة بترول الهلال مع الجانب الإيراني المتمثل بـ الشركة الوطنية الإيرانية لصناعة النفط والغاز، لكن صراع الساسة في إيران على الكرسي من جهة والغنائم من جهة ثانية هو الذي أوقف العمل بهذا العقد مما أجبرت شركة بترول الهلال الإماراتية لإسترداد حقوقها أن تلجأ للمحكمة الدولية في لاهاي.

على إثر هذا الخلاف الذي امتد أكثر من إثنى عشر عاماً بين شركة بترول الهلال الخاصة والحكومة الإيرانية، كان عباس يزدان بناه الشاهد الذي اربك السلطات في إيران عندما قدم شاهدته عن سلامة وصحة هذا العقد في محكمة لاهاي في الجلسة الأولى للمحكمة بتاريخ 13\6\2013، وذلك عبر السكايب من مدينة دبي، إلا أنه كان من المقرر أن يحضر شخصياً (عباس يزدان بناه) في الجلسة الثانية للمحكمة، والمقررة بتاريخ 26\6\2014، ليدلو بشهادته لصالح شركة الهلال الإماراتية الخاصة مصطحباً معه وثائق ومستندات تدل على صحة وسلامة العقد وحق شركة بترول الهلال التي تضررت جراء تخبط الساسة وصراعاتهم على نهب المال العام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. قرار خطف الرجل جاء بناءً على قرار سياسي من أعلى مستوى من قبل صناع القرار في طهران، وخاصة جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الذي أخذ على عاتقه حماية النظام، بحيث تشير المعلومات الواردة من طهران أن إيران قد تخسر القضية مما يحملها غرامة مالية تصل إلى 6 مليار دولار.

 

من المستفيد من خطف عباس يزدان بناه:    

يعتبر عباس من الأشخاص المعدودين الذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن أسرار عقود النفط في إيران وحيثياتها، وبخاصة عن الساسة الذين عملوا في هذا القطاع الصناعي الهام في الاقتصاد الإيراني الذين طالتهم مؤخراً عدة فضائح اقتصادية بسبب نهب المال العام، ويبدو لتحسين صورة النظام في الشارع الإيراني أخذ الرئيس حسن روحاني على عاتقه محاربة هذه الظاهرة المستشرية في مؤسسات الجمهورية الإسلامية، مما قد يشي في قادم الأيام بالكشف عن مزيد من الفضائح وخاصة أن شكاوي الدول قد تراكمت على طاولة المدعي العام في المحكمة الدولية في لاهاي ومنها: شركة بترول الهلال الإماراتية والحكومة التركية التي تنتظر حكم محكمة لاهاي في الأيام المقبلة، وغداً باكستان، وقد تكون دولة قطر في المستقبل القريب.

هذا التخبط في طريقة إبرام العقود النفطية من قبل الساسة الإيرانيين الذين يتسابقون على السرقة وفعلها، تعتبر ظاهرة شبه طبيعية في الشارع الإيراني، لذا التخلص من عباس يزدان بناه ضرورة للنظام أولاً، وأخفاء الكثير من الحقائق التي في حال كشفها للرأي العام قد تضر بسمعة النظام، وخاصة علاقاته التجارية مع الدول ثانياً، وثالثاً قد يكون وراء تصفية هذا الشخص الذي عرف في الشارع الإيراني، وخاصة الصحافة الإيرانية بـ “الصندوق الأسود”، مخابرات الحرس الثوري بحيث قد تطال هذه الفضائح مؤسسة الحرس الثوري الاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية.

لكن يبقى اللغز في فحوى الرسالة التي وصلت لعباس يزدان بناه من أصدقائه في طهران، عندما حذروه من مهدي رفسنجاني، لأنه ينوي قتل عباس، وهذا ما أكدته زوجة عباس السيدة آتينا يزداني في إحدى المقابلات التي أجريت معها مؤخراً، وهل يا ترى الغاية من الرسالة التي وصلت من طهران لعباس، أن مهدي رفسنجاني الصديق والشريك ورفيق الدرب هو الذي ينوي قتله أو جهاز المخابرات الذي يعرف بـ “وزارت اطلاعات جمهورى اسلامي ايران” من يريد تصفيته أو خطفه؟

جمال عبيدي

رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث- لندن

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق