إلى أين يتجه التحالف السعودي-المصري؟

تأتي زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى القاهرة الغير معلنه الثالثة في 6 أشهر، استقبله فيها الرئيسي المصري السيسي في المطار، هدف الزيارة لم الشمل العربي وتعزيز وحدة الصف والعمل على احتواء الخلافات القائمة إزاء سبل التعاون والحوار بما يحقق التوافق العربي المنشود بما يحفظ وحدتها وسلامتها الإقليمية ويصون مؤسساتها الوطنية ومقدرات شعوبها.

الزيارة أتت في ظل وجود ثمة أزمة صامته بين السعودية ومصر رغم نفي البلدين وجود أي توتر بينهما، لكن تصويت مصر لصالح قرار روسي حول سوريا في مجلس الأمن أثار حفيظة السعودية وقطر، وهي دلالة في نفس الوقت على أن مصر منزعجة من التقارب السعودي التركي، بسبب أن مصر ترى في تركيا أنها تكرس هيمنتها على المنطقة وتمهد لعثمانية جديدة فيها، وبدأ أردوغان ينتقص من دور مصر القيادي الإقليمي الذي مارسته خلال عقود.

 لذلك استنكرت الخارجية المصرية تصريحات أردوغان المسيئة لمصر وللسيسي بشكل خاص، وعبرت عن صدمتها عندما نصب من نفسه حارسا للديمقراطية فيما يشن حملة اعتقالات واسعة ضد معارضيه، عندما اتهم في لقاء أجرته قناة الجزيرة القطرية ضمن برنامج المقابلة وبثت الجزيرة الجزء الثاني منه مساء الخميس 10/11/2016 واتهم مصر بدعم الكيان الموازي الذي يقوده فتح الله غولن ووجه انتقادات مباشرة اتهم السيسي بأنه انقلب على رئيسه وقال نحن حراس الديمقراطية.

كما وتستغرب مصر بأن السعودية خرجت عن إطار الضغط السعودي على تركيا وقطر في زمن الملك عبد الله، لكن مصر يبدو أنها لم تتفهم أن السعودية تتحالف مع تركيا ليس على حساب مصر بل للدفاع عن الأمن العربي الذي غابت عنه قسريا بسبب الأزمة الداخلية التي مرت بها، خصوصا وأن التحالف السعودي التركي في سوريا والعراق هو لمواجهة المد الإيراني الذي يتفاخر بأنه سيطر على القرار في 4 عواصم عربية.

 كما تتواجد تركيا في العراق لضمان الدفاع عن سنة وبقية مكونات العراق، والوقوف أمام ممارسة تطهير عرقي وديموغرافي من قبل مليشيات الحشد الشعبي المدعوم من إيران.

 والعراق وسوريا جزء من الأمن العربي، خصوصا وأن السعودية تمارس دورا كبيرا من أجل رص الصفوف العربية لمواجهة المد الشيعي، وتحاول إقامة علاقة استراتيجية مع دول المغرب العربي خصوصا الجزائر بعد التوصل إلى تفاهمات حول مستقبل سوق النفط في الجزائر، وهي تحاول جاهدة حل الأزمة الجزائرية المغربية حول الصحراء بالطرق الدبلوماسية، ونجحت السعودية في تمكين توافق دولي في لبنان وملئ الفراغ الرئاسي ما جعل جنبلاط يدعو إلى التقاط اللحظة التاريخية والإسراع في تشكيل الحكومة التي يرأسها سعد الحريري المدعوم سعوديا.

شكلت زيارة محمد بن زايد جرس إنذار إلى عدم الاستهانة بمثل تلك الخلافات بين أكبر بلدين عربيين السعودية ومصر في ظل الظروف والتحديات التي تحيط بالمنطقة العربية، وهو يحذر ويدعو إلى التيقظ من شق الصف العربي، خصوصا بعدما أختار الشعب المصري الاستقرار والبناء على الاستجابة لمظاهرات 11 نوفمبر 2016 التي دعت لها جماعة الإخوان المسلمين بدلا من مراجعة مسيرة نحو مائة عام وأن يدركوا أن معطيات القرن الماضي قد انتهت وهم مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب والأحزاب الشيوعية العربية، وبخاصة بعد تجربتها المصرية الفاشلة، ولم تتمكن من استثمار الوافد الجديد ما يسمى بثورات الربيع العربي الذي قلب منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب ولا تزال ارتداداته زلزالية عنيفة تضرب المنطقة، بأن تعيد النظر في مسيرتها كلها، وأن تدرك متطلبات القرن الواحد والعشرين تختلف عن كمتطلبات القرن العشرين التي تتطلب أدوات سياسية واجتماعية جديدة من خلال تأسيس أحزاب مدنية، وكما دعمت السعودية مصر زمن ثورة يونيو ،2013 فإن السعودية هي بحاجة إلى الدور المصري لاستعادة الأمن في اليمن وسوريا وليبيا.

خصوصا وأنه يكتب للإرادة المصرية مواجهة ولاية سيناء الإرهابية الفرع المصري لداعش والذي تبنى إسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015 والعديد من الهجمات على الجيش والشرطة، ونجحت مصر في تحويل ميدان هشام بركات الذي أرادت جماعة الإخوان أن يصبح موقفا تاريخيا لما يسمى بالمظلومية في إشارة إلى الرفض باعتصام النهضة ورابعة العدوية بالقوة من أجل تعظيم نفوذها ومجال سيطرتها مثل إقليم سوات في باكستان والأحياء الجنوبية في بيروت وقطاع غزة في فلسطين ودوار اللؤلؤة في البحرين، فاكتفت مصر تسمية الميدان بميدان هشام بركات وترك عبارة جامع رابعة العدوية، ولم تحقق لجماعة الإخوان أملها في ارتداد الوجدان المصري إلى الخلف وتحويله إلى فضاء خلاء يستقبل أفكارهم عن المظلومية التي تلهم جمهورهم الوهم بديلا عن جمهور الوطن والمستقبل، حتى لا يكون على غرار المشروع الفارسي الذي استلهم وهم المظلومية وأن مسؤوليته الدفاع عن هذا الوهم، لكن كانت السعودية بالمرصاد لهذا النفوذ.

 لولا أن الوافد الجديد ما يسمى الربيع العربي والدعم الأمريكي بعد توقيع الاتفاق النووي الذي غض الطرف عن التمدد الإيراني فرض على السعودية إقامة تحالفات استراتيجية عربية وإسلامية عسكرية للدفاع عن المنطقة بجميع مكوناتها والحفاظ على وحدة الدولة الوطنية حتى لا تتجه نحو الفدرلة خدمة للمشروعين الإسرائيلي والإيراني.

يبدو أن العلاقة السعودية المصرية بحاجة إلى إعادة تأسيس باعتبار أن العلاقات الخليجية المصرية راسخة وليست عرضة للأزمات ولا للضغوط بوسائل اقتصادية خصوصا وأنهما يعدان ركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة.

خصوصا بعدما علقت شركة أرامكو السعودية العملاقة تزويد مصر بالمواد البترولية منذ سبتمبر 2016 بعدما توصلت مصر أثناء زيارة الملك سلمان لمصر بعد إعادة الجزيرتين تيران وصنافير بأن تشتري مصر 700 ألف طن مواد بترولية تمثل 61 في المائة من إجمالي استهلاك مصر مقابل تسهيلات في السداد بقيمة 23 مليار دولار لمدة خمس سنوات يتم السداد على مدار 15 عاما.

في المقابل أيد القضاء المصري ببطلان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية تتضمن تبعية الجزيرتين في قرار يغذي الجدل حولهما في 8 نوفمبر 2016، حيث أثارت الاتفاقية بين البلدين على هامش زيارة الملك سلمان للقاهرة احتجاجات كبيرة في مصر وسط اتهامات من جماعات معارضة للحكومة في التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر مقابل استمرار تدفق المساعدات السعودية، لكن يتبقى صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بقبول طعنها على الحكم.

بعد توقف شحنات أرامكو أدى إلى تراجع الاحتياطي إلى 19.04 مليار دولار في نهاية أكتوبر 2016 مقارنة بنحو 19.59 مليار دولار في الشهر السابق بعدما دفعت 552 مليون دولار إلى مدفوعات الحكومة لشحنات بديلة لاستيراد المواد البترولية.

تعاني مصر أزمة اقتصادية خانقة اثر تراجع عائدات السياحة والاستثمار الأجنبي بعد ثورة يناير 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لذلك قرر البنك المركزي تحرير سعر الجنيه في ظل ضغوط على الدولار التي كانت تهدف بوقف الاستيراد ما أدى إلى انخفاض سعر العملة الوطنية من 8.8 مقابل الدولار إلى أكثر من 15 جنيها بل وصل أحيانا إلى 18 جنيها، وهو ضمن برنامج حكومي للإصلاح الاقتصادي قدمته إلى صندوق النقد الدولي للحصول على 12 مليار دولار وافق عليه صندوق النقد الدولي في 11/11/2016 على ثلاث سنوات بعد تراجع احتياطي العملة بالبنك إلى 19 مليار دولار لا تغطي بالكاد السلع المستوردة لمدة 3 شهور، وسبق أن حصلت مصر على وديعة سعودية بنحو ملياري دولار في سبتمبر 2016، وكذلك حصلت من دولة الإمارات في أبريل أثناء زيارة قام بها ولي عهد أبو ظبي بملياري دولار كوديعة ونحو ملياري دولار تم ضخها واستثمارها في الاقتصاد المصري.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق