إحصائيات مرعبة عن الإعدامات في إيران

مقدمة:

استخدم النظام الحاكم في إيران منذ قدومه في عام 1979 وسائل متعددة مثل الإعدام والتعذيب، من أجل مواجهة وقمع الاحتجاجات السياسية والثقافية التي يقوم بها الشعب وبعض التيارات، حتى يتمكن من خلال هذه الطرق من بسط نفوذه والسيطرة على كامل الأوضاع، فمنذ قيام الثورة الشعبية ومجيء هذا النظام حتى الآن، تم إعدام عشرات الآلاف من النشطاء السياسيين والثقافيين والاجتماعيين، ومن الأقليات الدينية والعرقية المطالبة بحقوقها الأساسية، وفي هذه الورقة نشير إلى الإعدامات التي تمت في بداية الثورة بأمر من الخميني، وقام خلخالي بتنفيذها على الفور، وكذلك إلى الإعدامات التي جرت في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وما تلتها من عمليات قتل قامت بها وزارة المخابرات في حق المفكرين والمثقفين، كما ونشير أيضا في هذا المقام إلى الإعدامات التي تمت في عهد المتشدد محمود أحمدي نجاد، وعهد الرئيس الحالي حسن روحاني، والتي تمت خلالها ارتكاب العديد من المجازر في حق عشرات الآلاف من المعارضين لنظام ولاية الفقيه، مثل أعضاء المجموعات الاشتراكية، ومجاهدي خلق، والناشطين الأكراد والأحواز والبلوش و الأتراك.

أسباب وأهداف عمليات الإعدام في إيران:

لقد برع نظام ولاية الفقيه منذ اليوم الأول من الثورة في سرد الأعذار والحجج المتنوعة من أجل تنفيذ حكم الإعدام في حق معارضيه، ففي بداية الثورة نفذ أغلب الإعدامات بذريعة محاربة الإمبريالية وأنصار النظام البهلوي وأعضاء الجماعات الاشتراكية وعملاء الأجانب والإنفصاليين (النشطاء القوميين العرب والكرد والبلوش والأتراك والتركمان)، لكن نظام ولاية الفقيه كان يريد من هذه الإعدامات القضاء على جميع الفئات والمجموعات المؤثرة في قيام الثورة، والتي لعبت الدور الأساسي في تحرير الشعوب من ظلم النظام البهلوي، ليخلو له الجو في الإنفراد بالسلطة والتحكم بجميع الأمور وإدارتها وفق منظومته الفكرية التوسعية.

في صيف عام 1988 بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، قام نظام ولاية الفقيه بالعديد من الجرائم والقتل العام شملت أغلب السجناء السياسيين، وتم خلالها تصفية آلاف السجناء السياسيين من التيارات اليسارية، والنشطاء القوميين ومجاهدي خلق، وفي السنوات التي تلت الحرب الإيرانية العراقية، ابتدع نظام ولاية الفقيه العديد من الطرق والأساليب والحجج من أجل اعدام المزيد من النشطاء السياسيين والحقوقيين، إذ تم إعدامهم بذرائع وتهم متعددة مثل “محاربة الله والعمل ضد الأمن القومي والفساد في الأرض”، وقد تم إعدام المئات منهم بهذه التهم، وهرب الآلاف منهم خارج إيران خوفا من بطش هذا النظام أو أن تطالهم يد الإعدام.

وفي هذه المراحل كان أغلب من طالتهم يد الإعدام هم من القوميين المطالبين بحقوقهم من أبناء القوميات الموجودة في جغرافية إيران الحالية، وخاصة الأحواز والبلوش والأكراد والترك، وفي نفس الوقت أعلنت الحكومة الإيرانية أن أغلب الذين تم إعدامهم هم تجار ومهربي مخدرات، ولكن العديد من النشطاء في مجال حقوق الإنسان والجمعيات الدولية نفوا هذه الإدعاءات بشدة، واعتبروا أن هذه الإعدامات قد تمت لأسباب سياسية وثقافية وفكرية.

الإعدامات التي تمت في عهد محمود أحمدي نجاد:

خلال الدورتين اللتين تولى بهما محمود أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية في إيران، تزايدت معدلات الإعدامات بشكل ملحوظ وملفت للإنتباه، واحتلت إيران في هذه الفترة، المرتبة الثانية عالميا بعد الصين من حيث كثرة الإعدامات، وقد احتجت المجتمعات الدولية ومنظمة العفو الدولية على هذا الوضع المؤسف مرات عديدة، حتى تم فرض عقوبات دولية من جانب الاتحاد الأوروبي على العديد من الشخصيات القضائية في إيران العاملة في المحاكم الإيرانية وخاصة محكمة الثورة.

في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد المعروفة بالتشدد وتشديد الخناق، تم اعتبار العديد من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة الحوار التي تعتبر مؤسسة ثقافية أحوازية، بأنها غير قانونية، كما تم حبس واعتقال العديد من الصحفيين السياسيين في إيران، وخطف العديد كذلك من النشطاء السياسيين القاطنين في بلدان مختلفة ونقلهم إلى إيران ليتم عقابهم، مما أدى إلى إزدياد معدلات الإعدام بشكل كبير، وقد أعلنت منظمة العفو الدولية أن تعداد الإعدامات في إيران عام 2012 كانت 314 حالة إعدام، ويجب التذكير هنا أن هذه الإحصائيات الرسمية التي أعلنت عنها الحكومة الإيرانية، لم تشمل الذين قتلوا تحت التعذيب أو أعدموا في سراديب النظام القمعية، في هذا الخصوص اعتبرت العديد من منظمات حقوق الإنسان الإيرانية مثل “هرانا” أن أعداد حالات الإعدام عام 2012 في إيران بلغت 529 حالة، وعدد المعتقلين في نفس العام وصل إلى 4615 شخص كانت أغلب تهمهم تتعلق بالشاطات السياسية والثقافية والمدنية.

وقد أضافت منظمة “هرانا” في تقاريرها المختلفة أن الاتهامات المتعلقة في حق 61 من الأشخاص الذين أعدموا أمام الملأ كانت على النحو التالي: 76% منها بتهم تتعلق بالمخدرات، 11% بتهم تتعلق بالعنف والإغتصاب، 5% بتهم القتل، 8% بتهم الأنشطة السياسية والمدنية، وذلك تزامنا مع الحكم على 498 شخص بالإعدام من قبل المحاكم الإيرانية المختلفة في عام 2012، والتي نفذ بعضها في عام 2013، ومازال بعضها الآخر موضوع على قائمة الإعدامات.

وقد أعلنت منظمة العفو الدولية أن عدد الإعدامات في إيران عام 2013 وصل إلى 369 حالة إعدام، وبالمقارنة مع عام 2012 فإن هناك ارتفاع في نسبة الإعدامات بشكل ملحوظ، وهذه الإحصائيات طبعا لم تشمل أولئك الذين قتلوا تحت التعذيب أو أعدموا في سراديب ومعتقلات الأجهزة الأمنية السرية التابعة للنظام الملالي، كما وأعلنت هذه المنظمة عن وجود 91 شخصا آخرا سيحكم عليهم بالإعدام، والذين أعدم بعضهم في عام 2014 وبعضهم الآخر مازال موضوعا على قائمة الإعدامات، ومن الجدير بالذكر أن منظمات حقوق الإنسان الإيرانية مثل هرانا، أعلنت أن عدد الإعدامات المسجلة وصلت إلى 587 حالة، 63% بتهمة تجارة المخدرات، 10% بتهمة القتل، 6% بتهمة الاغتصاب، 20% بتهم أخرى مختلفة.

الإعدام في عهد حكومة القانوني حسن روحاني:

منذ انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران تضاعفت الأعدامات في إيران، واتخذت تتزايد بوتيرة أسرع، حتى جاءت إيران في المرتبة الثانية عالميا بعد الصين من حيث كثرة الإعدامات، ففي عهده تم إعدام النشطاء السياسيين والثقافيين الذين حكم عليهم بالإعدام في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بشكل سري من قبل خلايا المخابرات والأجهزة الأمنية، وتم دفنهم دون علم أسرهم أو حتى وكلائهم.

كما وصف “بان كي مون” الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة حالات الإعدام في إيران بالأمر المؤسف، وقال إن الكثير من النشطاء الثقافيين والمذهبيين في إيران مثل عرب الأحواز يعدمون دون أدنى اعتبار للمعايير الدولية، ويدفنون في أماكن مجهولة دون علم أسرهم.

وقد جاء في تقرير الدكتور أحمد شهيد المقرر الخاص للأمم المتحدة بخصوص ملف حقوق الإنسان في إيران أنه خلال سنة واحدة من عمر حكومة حسن روحاني تم إعدام 700 شخص، من بينهم 13 أفغاني و عدد كبير من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عام، وقد أعلنت كذلك منظمة العفو الدولية بأن أعداد الإعدامات في إيران منذ بداية عام 2014 حتى الآن بلغت 495 حالة إعدام، وفي نفس السياق قالت منظمة حقوق الإنسان “هرانا” إن الإعدامات منذ أغسطس عام 2013 حتى الآن وصلت ما يقارب 1000 شخص، وهذا الوضع يدل على ارتفاع كبير ومضاعف في نسبة الإعدامات في إيران في عهد حسن روحاني، مقارنة بالسنة الأخيرة من عهد محمود أحمدي نجاد، وقد شملت هذا الأعدامات النشطاء السياسيين والثقافيين السنيين، وكذلك النشطاء السياسيين القوميين.

الملف النووي الإيراني ومطالبات نشطاء حقوق الإنسان:

أعربت منظمة الأمم المتحدة ومقررها الدكتور أحمد شهيد، والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عن قلقهما من تنامي معدل الإعدام في الإيران، وفي هذا الخصوص أبلغ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الرئيس روحاني على هامش اجتماع الأمم المتحدة في النيويورك قلق الإتحاد الأوروبي من الوضع المؤسف لكثرة الإعدامات في إيران، وقد لقيت كثرة الإعدامات في إيران اعتراضا وانتقادا من قبل أعضاء الكونجرس الأمريكي، وطالبوا بإدارج هذا الموضوع في المباحثات النووية الجارية بين إيران والمجموعة 5+1، كما أن انتهاك حقوق الإنسان في إيران وكثرة الإعدامات السياسية وغياب حرية التعبير لفتت انتباه الكثير من المنظمات الدولية، وأصبحت جزءا من مطالبات نشطاء حقوق الإنسان من أجل الضغط على إيران، مما أدى إلى بروز عقبة وعقدة كبيرتين في المفاوضات الجارية بين إيران والقوى العظمى بخصوص برنامجها النووي، ومن المحتمل أيضا أن تكون سبب فشل هذه المفاوضات.

الخلاصة:

في حقيقة الأمر وبنظرة متعمقة على أداء نظام ولاية الفقيه من بداية الثورة عام 1979 حتى الآن، يمكن استنتاج ما يلي: أن النظام الملالي يستخدم الإعدام من أجل بث الخوف والفزع بين الناس كوسيلة من أجل البقاء في السلطة، لهذا يعتبر هذا النظام أن قتل وإعدام نشطاء الحرية والنشطاء السياسيين والثقافيين والمطالبين باسترداد هويتهم وقوميتهم، هو أفضل طريقة من أجل استمرار وبقاء هذا النظام الفارسي المتهالك.

كامل البوشوكة

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق