أين يتجه الواقع السياسي الجديد، وما تأثيره في الأزمة السورية والمنطقة؟

كيف تنظر الولايات المتحدة إلى كل من إيران وتركيا؟

وهل تنظر إليها على أنهما لاعبان صغيران في لعبة خطيرة؟

هي تريد تخريب العلاقات القديمة التي تشكلت بعدما جعلت العرب يساهمون في إسقاط الخلافة العثمانية بوعود جوفاء لم يحصل عليها العرب، يتكرر المشهد اليوم ولكنه على يد الولايات المتحدة التي ترعى توافقا عربيا بين السعودية ومصر والعراق لمواجهة النفوذ الإيراني الذي يقلق ليس فقط العرب وخصوصا السعودية، وإنما كذلك إسرائيل التي تتناغم أولويات أميركا مع أولويات إسرائيل في سوريا، وتعتبر إسرائيل أولويتها القضاء على أي مقاومة سواء كانت مقاومة حماس أو مقاومة حزب الله التي تتاجر بهما إيران ليس من أجل تحرير فلسطين، حيث تعتبر المقاومة المنقذ الوحيد من ورطتها.

تدرك أميركا أن إيران تنصب لها فخاخ في الموصل وفي سوريا حيث لإيران وجود فعلي على الأراضي العراقية والسورية عبر مقاتلين إيرانيين تتولى قيادة مليشيات شيعية عربية وغير عربية جندتهم إيران للقتال في سوريا بشكل خاص وأنفقت عليهم مليارات الدولارات وكلفها آلاف القتلى الذين عادوا في توابيت إلى بلدانهم الأصلية.

 وهي تحاول أن تثبت للولايات المتحدة بأنها الوحيدة التي لديها القدرة على مجابهة داعش، رغم أنها ترى في هذا التنظيم الإرهابي حليفا استراتيجيا نشأ على يد حليفها المالكي، لخلق صراع طائفي بين المكونين الشيعي والسني في العراق.

 يبدو أن نحو 5 أشهر على انطلاق موضوع التسوية التاريخية كانت كافية لتكريس حالة الانقسام العراقية القائمة أساسا بين الأطراف السياسية سواء الشيعية أو السنية وما زالت تراوح عند عتبة الخلافات والتناقضات الموجودة أساسا قبل طرح التسوية التاريخية بصرف النظر عن موقف البعثة الأممية ( يونامي ) العالمية في العراق والراعية للمبادرة الذي يكتنفه الغموض ثمة على المستوى الشيعي ثلاثة اتجاهات متناقضة تطرح نفسها بقوة لتحول دون الاتفاق النهائي على صيغة ترضي الجميع، حيث يرى المجلس الأعلى برئاسة عماد الحكيم  والأقلية الوطنية، وهو رد يكتنفه الغموض على دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي الذي طالب بحكومة أغلبية سياسية الأمر الذي تنظر إليه القوى السنية على أنه أغلبية طائفية باعتبار الحكيم دعا إلى تغيير منهج إدارة الدولة من الشراكة إلى الأغلبية النيابية التي تتمتع بها القوى الشيعية داخل البرلمان، فيما يرى مقتدى الصدر التركيز على تسوية مجتمعية بين أبناء الشعب العراقي وليس التسوية بين المكونات السياسية كما تذهب إليه ورقة الحكيم، فيما يرفض هذه التسوية دولة القانون برئاسة نوري المالكي خصوصا مطالبات الصدر والكتل السنية بحل فصائل الحشد الشعبي بعد الانتهاء من مرحلة داعش، فيما يعتبر الأكراد أن موضوع التسوية لا يتجاوز حركة العلاقات العامة التي تروج لها أطراف شيعية، خصوصا وأن نصفهم منشغل بالحديث عن إعلان الدولة الكردية.

المليشيات التابعة لإيران هي التي قدمت معلومات مغلوطة عبر مليشياتها العراقية لأهداف تسببت في مجزرة مدنية تسببت في إحراج الولايات المتحدة أمام أعين العالم، وهو فخ إيراني أدركته الولايات المتحدة، لكن أدركت الولايات المتحدة متأخرا بعدما وجدت أن سلوك إيران بعد توقيع الاتفاق النووي لم يتحسن، ومن قبلها السعودية كانت تعاني من التدخل الإيراني وكانت عاصفة الحزم رد مباشر ضد التدخل الإيراني.

 تدرك السعودية أن إيران لن تخرج من سوريا والعراق إلا بمواجهة عربية وإقليمية، خصوصا وأن إيران لديها 30 قناة فضائية تبث برامجها على مدار الساعة وبشكل يومي من خلال 12 قمرا صناعيا أجنبيا، ونجد أن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان يطالب الولايات المتحدة بمغادرة الخليج بعد تكثيف وجودها في المنطقة، فيما اعتبرت الولايات المتحدة بأن إيران لديها أنشطة مزعزعة للاستقرار في المنطقة وتهريب السلاح للحوثيين في اليمن وتهديد الملاحة عند مضيق هرمز ومضيق باب المندب وهي تشكل أكبر تهديد طويل الأمد للاستقرار في هذا الجزء من العالم من أجل هيمنة إقليمية.

لذلك نجد أن قائد القيادة المركزية الأميركية جوزف فوتيل يطالب بمواجهة التهديد الإيراني عسكريا، ويرى الجنرال الأميركي جيمس جونز القائد الأعلى السابق لقوات الحلف الأطلسي طرح تحالف خليجي على نسق الحلف الأطلسي حيث سيكون أسهل على أميركا المشاركة في مثل هذا الحلف لأنه يرى أن الحلف الأطلسي نجح في الوقوف في خطر الوجودي الذي يشكله الاتحاد السوفياتي وساعد على تفكيكه ومثل هذا الحلف رسالة قوية موجهة إلى إيران، وأكد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بأن إيران تواصل سلوكها الذي يؤكد أنها دولة ترعى الإرهاب واقترح على البيت الأبيض دعم الحلفاء الخليجيين في اليمن.

ولن تترك الولايات المتحدة تركيا فريسة سهلة لروسيا لذلك حصلت أنقرة على تطمينات من أميركا بأنه لن يكون هناك كيان كردي على حدودها، وهناك اتفاق تركي أميركي على إخراج الكردستاني من سنجار، لذلك وفق تفاهمات تركية أميركية كانت وراء إعلان انتهاء درع الفرات، ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيرلسون في أنقرة لمواجهة داعش والعبث الإيراني، تظل القضية الخلافية بين تركيا وأميركا استمرار دعم واشنطن للأكراد حتى لا تتركها ورقة لروسيا.

 واعتبر تيرلسون أن الهدف المشترك بين واشنطن وتركيا هو الحد من قدرة إيران على إيقاع الفوضى في المنطقة، وأن هناك المزيد من المحادثات التي يتعين إجراؤها في شأن مستقبل سوريا لكن وضع بشار السد سيقرره الشعب السوري يبدو أنها نغمة روسية انضمت إلى هذه النغمة فرنسا ريثما يتم استدراج موسكو وفك ارتباطها بإيران خصوصا وأن أميركا ترى في بوتين أنه يتحين الفرص وليس استراتيجيا، وتستبعد الولايات المتحدة عودة الحرب الباردة التي يطمح لها بوتين، وسيكون النقاش بين بوتين وترامب حول شبه جزيرة القرم وسوريا أي أن المقايضات لا زالت مستمرة لكن أولوية واشنطن فك ارتباط روسيا بإيران.

لذلك تريد واشنطن أن يواجه العرب موسكو عبر ورقة النفط واستخدامه سلاحا جيوسياسيا، لكن يبدو أن العرب بقيادة السعودية يرفضون استخدام هذه الورقة التي تؤثر على اقتصاداتهم خصوصا وأنها لا زالت تعتمد اعتمادا كبيرا على دخل النفط وستكون هي المتضرر الأكبر، لذلك تحتفظ أميركا بمخزونات كبيرة وصلت إلى 534 مليون طن برميل مع نهاية مارس 2017 من أجل أن تساهم في عدم رفع أسعار النفط رغم أن النفط الصخري هو الآخر متضرر من انخفاض أسعار النفط، وإيران تحاول تحديث ترسانتها العسكرية باستثمارات روسية في نفطها.

لذلك طهران قلقة من أن تستخدم ورقة مساومة بين واشنطن وموسكو، لذلك أتت زيارة روحاني إلى موسكو في 26/3/2017 للحصول على ضمانات أو على الأقل شعور بالثقة في عدم تقويض الدور الإيراني في المنطقة، خصوصا وأن انتخاب ترامب خلط الأوراق بين طهران وموسكو اللتين ظلت علاقاتهما قائمة على الحذر طوال عقود، حيث هناك قلق لدى القادة الإيرانيين حيال العلاقة بين روسيا وإسرائيل التي شنت ضربات جوية على أهداف لحزب الله ومواقع لقوات إيرانية في سوريا، وهو ما يضر بالوجود الإيراني في سوريا، خصوصا بعدما أصبح موقف إيران الإقليمي ضعيف بعد إقدام السعودية على عاصفة الحزم لإخراجها من اليمن والتحالف السعودي الأمريكي في مواجهة التدخلات الإيرانية، ونجاح الدبلوماسية النفطية السعودية الروسية في تحجيم الدور الإيراني في سوريا في عهد أوباما، ما يعني أن موسكو تمتلك خيارات عديدة مع واشنطن ومع الدول المؤثرة في الشرق الأوسط كالسعودية وتركيا ومؤخرا مع إسرائيل وهي خيارات تمثل محاصرة للنفوذ الإيراني، كما أن زيارة روحاني لموسكو أتت بعد أربع زيارات قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ عام 2016.

الهدنة الروسية التركية أتاحت للنظام السوري مواصلة عمليات قضم مناطق في محافظتي ريف دمشق وحمص عبر عمليات عسكرية موضعية دفعت لتوقيع اتفاقيات قسرية وشكلت هذه الاتفاقيات نكسات للمعارضة السورية، في حين واصلت روسيا تمددها من الشمال إلى الوسط ثم باشرت تثبيت وجودها بين الأكراد أقلق أمريكا، لكن التصعيد العسكري الأخير حول محيط دمشق وريف محافظة حماة عمليا أنهى الهدنة السورية خصوصا وأن المعارضة تربطهم علاقات وثيقة بأطراف دولية وإقليمية.

التصعيد الأخير يحظى بموافقة دولية، لكن ما يخيف الأطراف الدولية أن الأطراف الرئيسية المشاركة في العمليات العسكرية يغلب عليها الأطراف المتشددة ما يعني هيمنة التنظيمات المتأسلمة على الحياة السياسية وهو ما حذرت منه مصر لكن تتوافق رؤيتها مع موسكو في بقاء نظام الأسد وهو يعارض الرؤية الخليجية بقيادة السعودية، لكن قمة الأردن كسرت جمود العلاقات السعودية المصرية، ووزير خارجية البلدين اتفقا على عقد مشاورات جديدة بين البلدين.

حملت السعودية القضية اليمنية عبئا على كتفها بعد أن سقطت صنعاء وانهارت الشرعية وتجرأ الانقلابيون على تهديد حدود المملكة ورفضت تدويل القضية اليمنية على غرار الأزمة السورية، لذلك هي بحاجة إلى الدور المصري لإنهاء الأزمة السورية خصوصا بعد ظهور واقع سياسي جديد في المنطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق