أين وصلت المفاوضات النووية مع إيران؟

بعد الولوج في النصف الثاني من الفترة الزمنية التي انطلقت قبل ست شهور بين إيران والدول الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية، بريطانيا، الصين، فرنسا، ألمانيا والتي تُعرف بـ (5+1) حول المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ فإن نتائج الجولة الثالثة التي انتهت في فيينا بتاريخ 9-4-2014، سادها تكتم إعلامي ملحوظ، مما يثير الريبة عن حقيقة ما جرى بين الطرفين.

ففي المؤتمر الصحفي المشترك تطرقت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون للقول: “ننتقل الآن إلى الخطوة الآتية من المفاوضات إذ سنسعى إلى إغلاق الفجوات في المواضيع الحساسة، وسنعمل على العناصر الضرورية لاتفاق تفاهم محتمل”. ثم استدركت قائلة: إلى أن “عملاً مكثفاً لا يزال منتظراً منا لتجاوز الاختلافات بيننا”.

بينما نظيرها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال: لقد “اتفقنا بخصوص 50 إلى 60 في المئة من المسودة النهائية، لكن الأجزاء المتبقية مهمة للغاية وتشمل قضايا مختلفة”.

إذاً لماذا التعتيم على ما وصلت إليه مفاوضات الجولة الثالثة؟ هل هي ضرورة الحفاظ على انبثاق الاتفاق النهائي؟ كما وضح الرئيس الإيراني حسن روحاني قائلاً: أن وفد بلاده يخوض مفاوضات بشكل “نهائي وشامل”. أم أنها إشارة سلبية على سير المفاوضات؟ خصوصاً وأن رئيسة الوفد الأمريكي ويندي شيرمان أكدت أن “حسم أمر 95% من البنود لا يعني أننا توصلنا إلى اتفاق ونحن في حاجة إلى 5% الأخرى قبل التوقيع”. علاوة على أن اجتماع الجولة القادمة بين الجانبين تأجل إلى يوم الثالث عشر من شهر آيار/مايو المقبل، والذي ربما ستعقبه جولة أو جولات أخرى متوالية قبل ختام المدة المحددة للمفاوضات في أواخر شهر تموز/يوليو القادم.

من المفروض أن مناقشات الجولة الثالثة قد ارتكزت على أربعة محاور هي:

أ- رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.

ب- تخصيب اليورانيوم لأقل من 5%.

ج- التعاون الدولي في شأن نشاطات نووية إيرانية.

د- مفاعل “آراك” الذي يعمل بالماء الثقيل.

بيد أن التفاصيل المتعلقة بالمحاور الآنفة الذكر لم تستطع وسائل الإعلام الأوروبية أن تطلع عليها، وبذا طالب صحافيوها ومراسلوها بالكشف عن تفاصيل المفاوضات؛ ولقد برر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتايمناير إن التكتم على تلك التفاصيل بطبيعتها السيادية والحرص على نجاحها.

في الواقع، الأمور ازدادت غموضاً مع تضارب التقييم بين رؤية هذا الطرف أو ذاك؛ فمثلاً، بعد ختام جولة المفاوضات قررت بريطانيا تجديد الحظر على خمسة عشر شخصية إيرانية؛ وكذلك ركز الاتحاد الأوروبي على أوضاع حقوق الإنسان داخل إيران؛ وهذا يعني أن الاتجاه الأوروبي مستمر باتباع سياسة الضغط الناعم على كتلة الملالي الحاكمة في إيران؛ كما أن هذه السياسة الناعمة ضد إيران تؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها قرار مجلس الشيوخ الأمريكي برفض منح تأشيرة دخول للسفير الإيراني الجديد في الأمم المتحدة، حميد أبو طالبي، على خلفية اتهامه بالمشاركة في اختطاف الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1979؛ في المقابل تجد أن إيران تحاول تفسير قرارات المفاوضات وفق مفهومها رغم تقديمها التنازلات.

إن الجانب الأوروبي والأمريكي يرى أن خيار المفاوضات أمر مفيد وناجع، فهو الوسيلة الضاغطة على النظام الإيراني للحصول منه على تنازلات بشكل تدريجي متوالي، إذ أن كل تنازل يقابله تخفيف العقوبات الاقتصادية والتقارب السياسي؛ فالقضية بالنسبة إليهم لا تتعلق بطبيعة النظام السياسي الإيراني القائم، بقدر ما يتعلق الوضع بتقييد إيران بمواثيق دولية تحجم فيها مشروعها النووي الآن وفي المستقبل.

ولذلك أكد مرشد الملالي علي خامنئي في تصريحاته على أن إيران لن تقدم أي تنازلات، محذراً المفاوضين من التصرف خارج نطاق ما أطلق عليه تسمية “الخطوط الحمر” للنظام، كما وأن هذه التصريحات الخامنئية تضرب في آن واحد على وترين اثنين: داخلي وخارجي، فالأول يشد فيه من أزر المتشددين ضد المفاوضات، والثاني يرسل منه إشارة للغرب بأن لا تضغطوا أكثر؛ وكالعادة يدعم النظام الإيراني مواقفه بمزيد من القوة العسكرية، سواء في رفع ميزانية الإنفاق التسليحي أو المناورات الحربية باعتباره قوة إقليمية كبرى.

ولكن إذا نظرنا إلى السياسة التفاوضية المتبعة بين الطرفين الغربي والإيراني منذ بدايتها في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013 ولغاية الآن، نرى أن وسائل الضغط الغربية هي هجومية رغم نعومة نهجها، بينما في الجانب الإيراني هي دفاعية تحاول قدر الإمكان أن تلوذ بما حققته نووياً؛ وبذا تجد أن الأهداف الإيرانية الرئيسة من جولات المفاوضات تنحصر فيما يلي:

أ- العمل على رفع العقوبات الاقتصادية.

ب- القبول مبدئياً بما هو مطروح في المفاوضات.

ج- التفادي من أية مطالب دولية إضافية في سياق المفاوضات.

د- إبعاد أية ضغوطات جانبية في جدولة المفاوضات، من بينها: حقوق الإنسان، السلاح الصاروخي، منشأة “فوردو” النووية، وغيرها.

هـ- الاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم.

و- الاستمرار بتشغيل مفاعل “آراك” النووي وفق التعديل المطلوب له.

بالإضافة إلى أن النظام الإيراني يروم إلى تمتين العلاقات مع العالم الغربي بشكل علني، فتعاوناته الخفية لا سيما مع الإدارات الأمريكية في احتلال البلدان الإسلامية سواء في أفغانستان أو العراق، أوصلت ملالي إيران إلى أن تلعب على المكشوف في الساحة الدولية؛ وبالتالي يود هذا النظام أن يحتفظ بعلاقات أفضل مع الغرب، وأن المفاوضات النووية يعتبرها منعطف نحو استقرار دائم مع الغرب في سياسة المنطقة.

بيد أن هذا لا يمنع من القول أن المفاوضات الجارية بين الغرب وإيران فيها مفاصل جوهرية حساسة من الصعوبة حسمها جذرياً ربما حتى في مدة الشهور الست المخصصة لها زمنياً؛ إذ أن الوصول إلى اتفاق نهائي شامل يعني مطابقة الطرفين تماماً في فهم ما يتوصلون إليه بخصوص تلك المفاصل الجوهرية، وصعوبة هذا الأمر يدركه كلاهما، لكن إيران لا تريد أن تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات، ولا الغرب أيضاً؛ وإذا كان هناك مخرج معين، فإنه سيأتي على مدى جدية إيران في معرض تنازلاتها ليس للغرب فقط، بل ولطمأنة دول المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج العربي.

وبما أن سلسلة المفاوضات محصورة بين طرفين اثنين من جهة، وغالباً ما يكتنفها الغموض من جهة أخرى؛ لذا فإن مسألة الاتفاق النهائي في المفاوضات النووية بين الغرب وإيران يتخوف من إبرامه بعض الأطراف خشية أن يتم على حسابها، سواء في مصالح الدول الخليجية إقليمياً ودولياً، أو فيما يخص المعارضة الإيرانية؛ ولهذا السبب تجد أن بعض المسؤولين في دول الخليج العربي قد طالبوا أكثر من مرة بضرورة إشراك مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات الجارية مع إيران، ولكن دون جدوى لمطالبهم الواقعية، مما يعني خلو الشفافية من نتائج تلك المفاوضات.

هذا إن لم نشر إلى أن الموقف الأوروبي والأمريكي تجاه إيران يتمركز في مبدأ هات وخذ، إذ كلما قدمت الأخيرة مرونة في التنازلات المطلوبة، كلما حصلت على امتيازات مفيدة لها؛ بمعنى أن إيران لا تستطيع الحصول على دور هام لها في المنطقة دون أن تعطي في المقابل ما يوازي ذلك الدور، إنها سياسة الاستيعاب والتحجيم لطموحات المشروع الإيراني في المنطقة العربية تحديداً؛ ولذا عدم إشراك طرف عربي-خليجي سيبقي الوضع مترجرجاً في المنطقة، والضمانات الأمريكية والطمأنة الإيرانية ليست كافية وحدها.

على أي حال، فإن الجولة القادمة من المفاوضات النووية بين الغرب وإيران، إذا كانت كما توقع لها محمد جواد ظريف أن تبدأ فيها تحرير مسودة الاتفاق النهائي، فإن الفترة الزمنية المتبقية تكفي لتوقيع الاتفاق، ولكن إن لم يحدث هذا وتتضح النتائج بشكل جلي يؤكد على مسار نجاحها وعلى مستقبلية إتمامها، فإن المفاوضات ستحتاج إلى تمديد زمني لستة شهور أخرى، خصوصاً وأن معطيات الشهور الماضية تنم عن خلافات كبيرة تتصل بفهم كل طرف لبعض بنود “اتفاقية جنيف” التي على أساسها انطلقت المفاوضات نفسها؛ فضلاً عن تمسك دول الخليج العربي بأن لا يأتي الاتفاق النهائي على حساب مصالحها الوطنية والقومية.

ورغم أن العقوبات الاقتصادية من قِبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التي اشتدت أكثر منذ العام 2012 أثرت كثيراً على إيران، أما نظام الملالي الذي يكابر في زيادة الإنفاق العسكري، فإنه يدرك صعوبة المواصلة في تحديه للعقوبات؛ وفي الوقت نفسه فإن الغرب قد قطع شوطاً واضحاً في كبح جماح النظام الإيراني؛ ومع ذلك فاحتمالية التوقيع على الاتفاق النهائي قد لا تتم في موعدها المقرر، ليس بسبب ضيق الوقت، بل لأن سياسة إيران ذات النفس الطويل قد تدفع بالمفاوضات إلى مرحلة زمنية إضافية عسى أن تكسب فيها ورقة تدعمها على طاولة المفاوضات، فتجد لها مخرجاً يقلل من سعة تنازلاتها؛ خصوصاً وأن العراق صار الرئة الاقتصادية لإيران؛ بالإضافة إلى أن الشركات الغربية بدأت تستعجل حكوماتها بغية التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالتجارة مع بلد يحتاج إلى كل شيء؛ ولهذا في الجولة الثالثة من المفاوضات في فيينا لم يتوانى الوفد الإيراني عن التذكير على أن شركتي “جنرال موتورز” و “بوينغ” الأمريكيتين قد حصلتا من وزارة الخزانة الأمريكية على أذونات للاتصال بالجانب الإيراني وتحضير صفقات ينتظر عقدها قراراً دولياً برفع الحظر عن إيران.

ولقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بعددها الصادر يوم الخميس الموافق في 17-4-2014 أن طائرة تابعة لمصرف “يوتا” الأمريكي تستعمل لتنقلات الشخصيات المهمة قد هبطت في طهران يوم الثلاثاء الماضي؛ ويرى مراقبون أنه على الرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد حذر مراراً بعد الاتفاق النووي المؤقت مع إيران، الشركات ورجال الأعمال من مختلف البلدان من التجارة مع إيران، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو بصدد تطوير علاقتها الاقتصادية مع الجانب الإيراني؛ ومن الجدير بالذكر أيضاً، أنه قد زار طهران أكثر من مئتي رجل أعمال فرنسي.

إلى ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إفراج 450 مليون دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، وذلك بعدما أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن إيران تنفذ ما هو مطلوب منها في إطار الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في إطار محادثات القوى الكبرى في جنيف.

وهكذا كلما خففت إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% كلما خفت عليها العقوبات، أي أن إيران تتجه نحو الخلاص التدريجي من الحظر الدولي المفروض عليها؛ بيد أن الإشكال يكمن في وجهات النظر بين الطرفين في توقيت رفع العقوبات، فحسب التصور الإيراني أن يتم كل ذلك فور توقيع الاتفاق النهائي، بينما ينص العرض الغربي على رفع حظر الدول الغربية في المرحلة الأولى، أما حظر الأمم المتحدة فيترك لمراحل لاحقة بغية التأكد من “إلتزام إيران بتنفيذ بنود الاتفاق”؛ وبما أن الحظر المفروض على تصدير النفط منصوص عليه في القرارات الأممية، لذا فإن إيران تخشى أن تسقط في شباك الحبال الغربية كما سقط العراق سابقاً؛ وبالتالي تريد إيران في مفاوضاتها إدراج نص واضح وصريح ينقذها من الحظر بشكل شامل ونهائي فور توقيعها على الاتفاق النهائي؛ فهل ستصل المفاوضات النووية لأهدافها؟

 

 د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق