أيديولوجية المختار لشعار ثأر الحسين بن علي

اضطرب أمر الدولة الأموية بعد وفاة يزيد بن معاوية وتفكك التحالف القبلي الداعم لملك بنو أمية، وافترقت القبائل إلى من تريده، فقيس مالت إلى عبدالله بن الزبير وانقسمت كلب اليمانية إلى قسمين، منهم من رشح خالد بن يزيد ومنهم من رشح مروان بن الحكم وبالتالي اتفقوا في مؤتمر على مروان بن الحكم. لكن لم يخضع عبدالله بن الزبير لهذا الأخير والخوارج أيضاً كانوا مطالبين بالخلافة الإسلامية، لذلك انقسمت الدولة الإسلامية جغرافياً ولم يبقَ إلا العراق عراق الدم والثأر، فطمع المختار بالخلافة في العراق كما يذكر الجابري في كتابه (العقل السياسي العربي) وبدأ برفع شعار ثأر الحسين وخطط لمشروعه.

وتجدر إشارة طموح المختار، في لقاء بينه وبين ابن الزبير في مكة المكرمة، قال المختار أعرف قوماً إن صح لهم زعيماً يعرف كيف يدخل في قلوبهم ويملك مفتاح باب الدخول في لا شعورهم وما هو كامن في داخله لخلق منهم جنداً تجتاح الشام بهم، فقال ابن الزبير من هم؟ رد عليه قائلاً، أولئك الذين أرسلوا الرسائل للحسين ولم ينصروه فهم يريدون أن يبرروا عملهم ويتوبوا مما فعلوه مع الحسين، فقال له ابن الزبير( كن أنت ذلك الرجل) فشد المختار الرحال إلى الكوفة وأظهر البكاء والثأر بمطالبة دم الحسين على الشيعة.

وقبل أن يُقتل المختار في الكوفة على يد جند ابن الزبير اعترف لأحد أصحابه في قصره في حديث دار بينهم فقال إن ابن الزبير ومروان ليس أفضل مني قوة وشجاعة عندما انتزى كل منهما على مكة والشام فقلت لنفسي، ألست من العرب؟ فأخذت دم الإمام الحسين (ع) وجهة إعلامية كما يذكر الطبري وقتلت من شارك في قتله وبالغت به حتى يستوي لي الحكم.

إذن الدلائل التي تأتي بها كتب التاريخ تدل على أن المختار يشبه أي إنسان طموح يحب الزعامة والسياسة سواء لذكر اسمه وبقائه في التاريخ خالداً أم أنه كان طامعاً بالغنائم مثله مثل الذين يرشحون أنفسهم ويأتون بالخطابات الرنانة لكسب أصوات الشعب ليحكموا ويكسبوا الأموال عن طريق الخطاب الإيديولوجي العصري فيبالغون بحقوق القوميات على سبيل المثال أو إعطاء حقبة وزارية لقومية ما إذا كانت دولة متعددة القوميات ليحصلوا على التزكية. فالمختار جاء بفكرة تشبه ما ذكرنا أعلاه لكن بطريقة أخرى فيصح أن نقول المستبد العادل الطموح، المخطط لمشروعه مسبقاً بعد استيقاظه بكلمة بقيت ترن في ذهنه حين ما سمعها من المغيرة بن شعبة السياسي المحنك عندما قال “إن هذا القوم له كلمة سحرية لو نعق له ناعق لاتبعوه فقال له المختار وما هي؟ قال المغيرة رفع شعار آلِ محمد”، فأعلن بعد دخوله الكوفة من كان عبداً فهو حر ومن كان موالياً فهو مبدع ومن خان الحسين (ع) ويريد أن يتوب عن فعلته فهو تائب بأخذ الثأر. واستمر بهذا الخطاب الإيديولوجي ليكسب قلوب العبيد والموالي وأشراف العرب.

ورفع خطاب تحرير العبيد الذين حررهم الإسلام ثم بعد الخلافة الراشدة أخذت روح القبلية تسيد في الدولة الأموية ثانية ليفقدوا العبيد ما نعموا به من حرية ومساواة، والموالي حيث كانوا حديثي العهد بدخولهم الإسلام ونعيمه، فتمتعوا به زمن الخلافة الراشدة وخرجوا من عبودية كسرى لكن حين ما بدأ النظام السياسي الأموي بدأت تنتشر في البلاد روح السيودية التي حررهم منها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، لذلك جاء المختار إضافة على شعار ثأر الحسين بتحرير العبيد والموالي كي يشد أزره ويقوي عوده.

وإذن دلتنا إشارة ما ذكر أعلاه بأن المختار شخص طموح يطمح بإنشاء دولة أو إمارة ولا يبالي إراقة دماء من تبعه، وهذا ديدن كل البشر عندما يريد أن يبرر عمل ما كي يصل إلى غايته. فكان المختار يرى السلطة كالغنيمة ويعد نفسه من المتأخرين طالما حكم ابن الزبير مكة ومروان الشام، وكي يقنع أشراف العرب والموالي الذين كانوا يشكلون الجيش الأقوى آنذاك وصف نفسه مندوب المهدي المنتظر(ع) والوصي وغالى في محمد بن الحنفية دون علمه ورفع شعار ثأر الحسين وأتى بمفتاح سحري وهو تحرير العبيد من عبوديتهم والمساواة بين الموالي وسادتهم وأغرى الموالي بمناصب حساسة، هذا وقد لعب على وتر حساس كي يصبح حاكما مقتدراً يفرغ ما في داخله من شحنات وعقد وبالمقابل يصل إلى طموحه.

 وإذن حصاد ثمار النتيجة هنا يدل على أن المختار ثار لغاية في نفسه وليس حباً بالحسين، فأراد بمشروعه أن يستعمل ورقة قتل الحسين المثيرة للنخوة الإنسانية درعاً لثورته حيث كان أشراف العرب يحسون بالذنب لعدم استجابتهم له وأيضا يشعرون بالخيانة عند ما دعوا الإمام الحسين ولم ينصروه والعبيد أرادوا أن يتحرروا ثانية من عبوديتهم التي تمتعوا بها في صدر الإسلام والموالي كانوا يطمحون بسواسيتهم في زمن الخلافة التي حررتهم من انحناء اصحاب الشأن وخروجهم من الاستثناء وبالتالي كانوا مؤهلين لأي مشروع يقوم باسم الإمام الحسين.

محمد الياسري

مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق