أولوية واشنطن لمحاربة داعش تطغى على حل المسألة السورية

يبدو حتى الآن أن هيئة الأمم المتحدة لا تزال لعبة بيد القوى الكبرى المتصارعة التي لا تقيم وزنا لشعوب ولا تعبأ بحقوق، ما يجعل الكثير من الدول الإقليمية تتسابق إلى تقديم الخدمات الاستراتيجية واللوجستية خدمة للكبار، من أجل الحصول على مصالح محدودة، وهي تدرك أن تلك الدول الكبرى لا تسمح لها بتحقيق طموحات تتعارض مع المجال الحيوي للدول الكبرى، رغم ذلك هي تسمح لها باللعب على الهامش من أجل خلق صراع إقليمي يحقق بعضا من أجنداتها.

بالفعل لقد حققت الولايات المتحدة العديد من الأهداف من تواجد وانتشار داعش، أهمها إخضاع جانب الأطلسي الذي كاد بعد الأزمة المالية التي ضربت الغرب عام 2008 أن يتجه نحو الشرق، وغيرت كثيرا من الاستراتيجيات السائدة قبل الأزمة المالية، عبر ظهور العديد من التكتلات الاقتصادية والثنائية، والتوجه نحو التحالف مع الدول الصاعدة على حساب الولايات المتحدة.

خدم داعش الولايات المتحدة خصوصا عندما توسع في المنطقة ووصل حتى ليبيا، وبدأت الهجرات من الفارين من حرب داعش والحرب الدائرة في المنطقة تضرب أوروبا، وأصبحت أوروبا في حالة من الهستيريا، ومن الخوف من الإرهاب، بل والخوف حتى من أسلمة أوربا (إسلاموفوبيا) التي خفت تلك الموجة في الفترة الأخيرة فقط من أجل تحقيق توقيع اتفاقية التجارية الحرة مع أمريكا بديلا عن التعاون مع روسيا، وأن تحل محلها تركيا بديلا لروسيا لنقل الغاز من قطر ومن شرق المتوسط إلى أوروبا، بجانب أن الولايات المتحدة وافقت على تصدير الغاز الأمريكي إلى أوروبا حتى وإن كان رمزيا ولكن من أجل تطمين أوروبا، وهي تضغط على أوروبا بضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوربي .

كما أن الشكوك قائمة من التنين الصيني وتتشارك مع روسيا حول الدور الأمريكي الذي دفع المنطقة إلى هاوية الاقتتال وهيأ بيئات حاضنة للتطرف العميق والعقيم، وهي تسعى لنقل فيروس الإرهاب إليهما، على الأقل نقل الراديكالية خصوصا وأنهما بلدين يحتضنان مناطق إسلامية، وليس مهاجرين كما في الولايات المتحدة وفي أغلب أوروبا.

لكن التعاون الصيني العربي غير التعاون الروسي العربي رغم أن السعودية التي تقود تحالفا إسلاميا حاولت أن تلعب على وتر المصالح مع روسيا والصين في نفس الوقت من أجل أن يلعبا دورين متوازنين للدور الأمريكي في المنطقة، لكن الطموحات الروسية غلبت على تلك المصالح  التي حددت هذا الدور.

بعد خمسة أعوام من خدعة الربيع العربي ومن معاناة المنطقة من انهيار عربي شامل فيما تحاول دول إقليمية مثل التحالف القائم بين إيران وروسيا من اللعب على حبال التناقضات مقابل تحالف عربي تشكل مؤخرا بقيادة السعودية لمواجهة هذه الفوضى.

اصطادت أمريكا الدب الروسي إلى مستنقع سوريا، وأهم هدف حققته توقعات بمواجهة بين روسيا وتركيا، أي نجحت أمريكا في قطع العلاقات التركية الروسية وأيضا العربية وخصوصا مع دول الخليج، هي وبداية مرحلة جديدة لمزيد من المحاصرة التي تمارسها أمريكا بالضغط على أوروبا في مشاركتها في توقيع عقوبات اقتصادية على روسيا من أجل محاصرة طموحات بوتين الإمبراطورية.

أمريكا تلعب لعبة توزيع الأدوار، فمن أجل إرضاء أوروبا في مواجهة خطر الهجرات المتدفقة على أوروبا، فإن مصادر أمنية كشفت عن وصول قوات من أمريكا وإنجلترا وحتى من روسيا، حتى لا تغضب روسيا من الغرب، عندما أسقط نظام القذافي بعيدا عن المشاركة الروسية، بل إن إيطاليا تدرس التدخل العسكري في ليبيا.

أمريكا هي بين ثلاثة أطراف في الأزمة السورية، بين الطرف الروسي الحاضر بقواته في سوريا والمتحالف مع النظام المؤيد من إيران، والطرف الآخر تركيا التي ترفض حضور الأكراد في مؤتمر جنيف 3 ، والطرف الثالث السعودية التي تدعم المعارضة السورية.

فواشنطن تلوح بالخيار العسكري في سوريا، وأعلن الناتو أن أمريكا طلبت المساعدة بطائرات الأواكس في قتال داعش، وتعلن وقوفها مع أنقرة ضد العمال الكردستاني، ترجمت مواجهة تلك التهديدات بزيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى السعودية، ومقابلته الملك سلمان بن عبد العزيز ووزير الدفاع محمد بن سلمان، ومحاولة إرضاء السعودية بإعلان واشنطن نيتها نشر قوات برية في العراق، بل هي تتواجد بالفعل، خصوصا وهي تلوح بخطر انهيار سد الموصل على يد داعش، ما جعل موسكو تعتبر أن تلك التهديدات الأمريكية تحمل طابعا هداما، لذلك فإن تواجد داعش والحفاظ عليه مطلب أمريكي لتمرير أهدافها، من دونه ستكون تنفيذ أجندتها يعتريها عقبات أمام شعبها لأنها هي لا تعير أي اهتمام للشعوب.

الصراع الروسي التركي يعيق توافق حول مفاوضات جنيف 3، لأن النزاع على القضية التركية يتصل بإعادة تركيب سوريا ما بعد الأسد، في الوقت نفسه تحاول روسيا الدفاع عن الأقليات، وهي تدعي أن الأكراد هم مواطنون يحق لهم المشاركة في رسم مصير سوريا، لذلك هي تتجاهل بيان جنيف وتتحدث عن إصلاحات لا انتقال سياسي.

وفي نفس الوقت تحاول أمريكا مغازلة روسيا، وتعتقد أن إزاحة الأسد عسكريا ستثير فوضى تستفيد منها داعش، لذلك فإن السعودية حريصة على مصالح العرب والسوريين، وستقف بكل جهودها أمام إجبار الشعب السوري على العودة إلى بيت طاعة النظام الذي يكرر ما جرى لسنة العراق بعد معادلة بول بريمر، وفي ظل اللعبة الروسية الأمريكية سيظل داعش هو البديل.

الانكفاء الأمريكي يزيد هواجس المعارضة التي تواجه تحدي تفتيتها، ويتحول جنيف 3 إلى حلقة جديدة في سلسلة المبادرات الدولية الفاشلة لحل الأزمة السورية، خصوصا بعدما أمضى دي مستورا سنتين يجري خلالها جولات مكوكية لم يتمكن في ظل فوضى المجتمع الدولي أن يدعو في البداية إلى اجتماع بمن حضر لا يليق بالقرار الذي اتخذه المجتمع الدولي 2254 بينما تقوم روسيا بجرائم حرب في ظل سكوت دولي ويقصف الشعب السوري مدة أربعة أشهر إلى جانب النظام السوري الذي يقوم بإلقاء البراميل المتفجرة.

دمرت القوات الروسية منذ مقدمها 20 مستشفى و25 مدرسة وقامت بـ 35 مجزرة، فتصبح بذلك روسيا عدواً للأمة العربية والإسلامية ليس فقط للشعب السوري، لذلك فالسعودية التي شكلت تحالفا إسلاميا ووقفت خمسين دولة إسلامية في منظمة التعاون الإسلامي معها في إدانة الاعتداء على السفارة السعودية والقنصلية في إيران دليل على مكانة السعودية وهي القادرة على محاربة داعش ولكن بعد دعم المعارضة السورية والتوصل إلى حل سياسي أو عسكري في سوريا أو ستكون مواجهة إسلامية مع روسيا في المنطقة ستكون في غير صالح روسيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق