أحداث الموصل في الإعلام والموقف الرسمي الإيراني: خلط الأوراق وايديولوجيا التنميط الطائفي

نائب الرئيس الإيراني جهانغيري (جهانگیری): “ما يجري في العراق أفضل فرصة للتخلص من زمرة داعش. وهناك محاولات عديدة بذلت وتبذل من أجل إضعاف الحكومة العراقية، التي تمكنت من أن تعمل بصورة جيدة”.

وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية (أرنا): ” أحداث الموصل خدعة من العيار الثقيل”.

الحرس الثوري الإيراني للأحوازيين: الجميع مدعو للدفاع عن العتبات المقدسة.

بالرغم من التشويش العربي، الذي طال حكومات ونخب مثقفة، في التعاطي مع أحداث الموصل، لم تتمكن تلك الحكومات والنخب بعد، من الاتفاق على ما يجري في العراق، بينما تصر إيران في وسائل إعلامها، على إلصاق ما يجري بالعراق بـ “داعش”، في حالة من التوحد في الرؤية بينها وبين نخبها المثقفة، ووسائل إعلامها التي تنظر إلى ما يجري على أنه “صدمة”، في بلد يشكل المدخل الاستراتيجي والوحيد للتمكين الإيران في المنطقة.

المؤسسة الرسمية الإيرانية:

من نافل القول: أن إيران لا تريد أي جديد في الخارطة السياسية العراقية، فما تحقق لها خلال حكومة المالكي، من تمكين وهيمنة في العراق، كان فاتحة لتمددها في المنطقة والإقليم ككل.

 ترى إيران في “عراق المالكي” وجهاً مشرقاً للعدالة والديمقراطية، وهو ما أكده النائب الأول للرئيس الإيراني اسحاق جهانغيري(جهانگیری) في مقابلة مع التلفزيون الفنزويلي في 15 من الشهر الجاري، بقوله: “نحن على استعداد لمساعدة الحكومة العراقية، وإذا كان الغربيون صادقون في مواجهة الإرهاب، فإن أحداث الموصل، أفضل فرصة للتصدي لزمرة داعش”، الأمر الذي يكشف ابتزازاً إيرانياً للغرب، في مواجهة، التحولات المفصلية، التي وضعتها أحداث الموصل في خارطة الاشتباكات والتوازنات الإقليمية، التي ذهبت في الآونة الأخيرة لصالحها بشكل مرعب، إلى الحد الذي أصبح فيه أي تغيير في العراق، تعارضاً مع مصالحها. وفي هذا الخصوص، يضيف جهانغيري(جهانگیری)”أن العراق من البلدان المهمة في المنطقة، وتربطنا علاقات جيدة مع الحكومة العراقية، ونعتقد أن استقرار العراق، يجب أن يكون محط اهتمام الجميع، وأن هناك من قبل قوى معادية لإيران تحاول إضعاف الحكومة العراقية، التيتمكنت من أن تعمل بصورة جيدة”.

وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (أرنا): الموصل خدعة من العيار الثقيل:

بما يشبه غسيل الدماغ، تطالع وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (أرنا)، بنسختها العربية كل يوم، القراء العرب بسيل غير مسبوق من المقالات والتحليلات التي لا تحيد عن محور أساسي مؤداه، خطورة داعش على المنطقة، كما سيل الاتهامات الموجهة إلى ما تسميه” النظام الرسمي العربي المتصهين” بصناعة “داعش”، التي اعتبرتها وراء كل ما جرى في العراق، وذلك ” للانتقام – على حد تعبيرها- من العراق وشعبه، الذي يعيش مستقلاً وحراً في قراره الوطني في بغداد وليس في مكان آخر، كما يريده اليوم السياسيون الداعشیون، فی زياراتهم لبعض دول الإقليم وتلقي الأوامر منها”؟؟!

وتتابع وسائل الإعلام الإيرانية، معتبرةً أن “ما جرى في الموصل خدعة سياسية من العيار الثقيل اشتركت فيها مخابرات دولية إقليمية قذرة، بعد هزيمتها في الميدان السياسي لحمل العراق على الاستدارة والدوران في فلكها من خلال أجندات لبعض الكتل السياسية التي تشتهر بتعاونها مع الجانب الأميركي أو الإقليمي، وإلا فما هي قدرة داعش، وفلول البعث الصدامي المنضوية معها وهم في النتيجة لا يتجاوزون الثلاثين ألف عنصر لخلق هذه البلبلة الكبيرة في المنطقة”.

وعليه، لا ترى إيران في كل ما حصل إلا زعزعة لوجودها في العراق، وهي لا تريد أن يُنظر لأحداث الموصل، على أنها إرادة من الشعب العرقي، الذي لا تريد له إلا أن يبقى في فلك سياسات المالكي الطائفية دون سواه. كما لا تريد أن تتذكر ما اسمتهم بـ ” فلول البعث الصدامي”، علماً أنها تدرك خبرات واستراتيجيات الجيش العراقي، وعقيدته العسكرية لا الطائفية، التي طالما اسمتهم بـ “الكفرة ” في سنوات سابقة  للاحتلال الأمريكي، في إشارة منها إلى عدم التزامهم بعقيدة دينية، كما هو حاصل في إيران بعد الثورة الخمينية، الأمر الذي يكشف إيران بوجود جماعات شعبية مسلحة، لا علاقة لها بداعش، ومن هذه النقطة بالذات يظهر التخوف الإيراني من تداعيات أحداث الموصل، ومحاولاتها الحثيثة في نسب كل ما يجري لمن اسمتهم بـ “الإرهابيين للتكفيرين”.

أسئلة على الطاولة الأمريكية: مَن امتهن ٍسياسة الإرباك والفوضى في العراق؟؟!

أمام ما تقدم، ثمة تساؤلات عديدة تطرح في مواجهة ما تروج له وسائل الإعلام الإيرانية، لاسيما ما تعلق منها بدلالات اللقاءات المتكررة بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تدرك الأخيرة أن ما يجري في العراق، هو أبعد من “مجموعات إرهابية تكفيرية”، حسب ما تريدها آلة الإعلام الإيراني.

كما تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن النفير العام الذي أسمته إيران بـ “خلط الأوراق” على لسان نائب الرئيس الإيراني، ماهي إلا سياسة جديدة متجدد في العقيدة الاستراتيجية الإيرانية، التي طالما قطفت ثمار خلط الأوراق في العراق، عن طريق التجييش الطائفي، وهي – أي إيران-تعلم تماماً أن هذا النفير، ليس إلا محاولة لخلق فوضى جديدة في وجه المطالب الشعبية لثوار العراق.

 وإيران تعلم تماماً، أين آل الجيش الذي فاق المليون شخص، وتربى وتدرب على عقيدتها الطائفية، لذلك ليس من الصدمة أن يهرب هروباً مشيناً في احداث الموصل.

 وإيران تدرك تماماً أن ما أسمته “النفير العام”، ليس إلا مقدمة لبحور من الدماء، لمدنيين كل ما يتسلحون به، مسحة على رؤوسهم من المرجع الديني.

لقد عانت الولايات المتحدة نفسها، من حالة الارباك والارتباك في المشهد العراقي، عندما حالت الممارسات الطائفية لفرق الموت، والميليشيات الطائفية، دون أي تبلور أية رؤية نحو عراق مستقر، وهي الحالة التي لم تنفع معها، محاولات المحتل الأمريكي من إيجاد جيش بديل بعقيدة عسكرية، حيث حلت العقيدة الطائفية، التي دفع ثمنها أبناء الشعب العراق موتاً ودماراً وانقسامات، أوصلت العراق إلى طريق مسدود، فكان ما كان.

خلط الأوراق، الجديد المتجدد في العقيدة الإيرانية:

مرة أخرى تحاول إيران خلط الأوراق، كلما شعرت بخسارة أي ملف من ملفاتها في العراق، فهي لا تريد لهذا البلد، إلا أن يكون ميراثاً “لثارات” المالكي، الذي سمى المكونات التي تعارضه بـ ” جيش يزيد” الذي يحارب جيش الحسين، وهي العقيدة التي تأسست عليها الجمهورية الإيرانية في تمددها، ليصبح المالكي مجرد موظف إيراني صغير، لا يحيد عن تعليمات الولي الفقيه، التي تضمنها الدستور الإيراني.

ولا غرابة في ذلك، إذا كان نائب رئيس الجمهورية الإيرانية جهانغيري(جهانگیری)، ومن موقعه يبارك اليوم النفير الطائفي بقوله: ” أن النفير العام الذي أعلن في العراق بإشارة بسيطة من مرجعيته الرشيدة العليا الممثلة اليوم بسماحة آية الله العظمى المرجع السيستاني، خلطت الأوراق وأفسدت كل مخططاتهم، وهم اليوم في غرفة الانعاش ينتظرون موتهم المحتوم”.

إيران وتعريب الصراع: دعوة الأحوازيون العرب للنفير الطائفي:

لم تتوقف حالة النفير العام على العراقيين، فقد فتحت إيران باب التطوع للشباب الأحوازي. فقد ذكرت مصادر مطلعة ” أن الحرس الثوري، بدأ مساء الإثنين 61/ 6/ 2014، تسجيل أسماء للمتطوعين في القتال ضد ما اسماه ” الإرهاب الوهابي في العراق”. وذكر المصدر ” أن رسائل إس إم إس وزعت على الهواتف النقالة، مضمونها دعوة للشباب الاحوازي المؤمن للالتحاق بمراكز التسجيل للمشاركة بالحرب ضد الإرهاب في العراق، بالتزامن مع عملية التسجيل التي بدأت في الأحواز العاصمة. وجاء في الدعوة العامة ما نصه: ” أن الجميع مدعوون للحضور في يوم الأربعاء 18/6/ 2014 الساعة السادسة مساء، للتسجيل دفاعاً عن العتبات المقدسة، كما تم فتح مركز للتطوع في جامع مدينة الخفاجية، تزامناً مع عبور حافلات ركاب تابعة للحرس الثوري، بين مدينتي البسيتين الأحوازية والعمارة العراقية، وعبور شاحنات مليئة بالرجال تسللت ليلاً إلى العراق، بالإضافة إلى عشرات من شاحنات البضائع التي عبرت إلى العراق، دون أن يتم التعرف على حمولتها.

 

خلاصة القول:

لقد وضعت الأحداث في العراق، جميع القوى الإقليمية، على شفير مرحلة جديدة، مفتوحة على جميع الاحتمالات، فإيران لا تريد أي جديد في العراق، بما أنها تحوز حصة الأسد، بينما الموقف الدولي اكتفى بالتصريحات، وربما بانتظار القادر على الإمساك بالمكونات العراقية، بعد أن فشلت سياسات المالكي وأسياده من ضمان الاستقرار بعد أكثر من عقد من الزمن.

  أما المواقف العربية، فما زالت مترددة في حسم خياراتها، بدءً من ترددها في تسمية ما يجري، فهي بنخبها ووسائل إعلامها، مازالت عاجزة على التجرأ بوصف ما يجري بأنه ثورة، بينما تتعالى أصوات العشائر العراقية والثوار، الذين ما انفكوا يعلنون أن ثورتهم ثورة شعبية ضد الطائفية وسياسات التهميش والاقصاء والتمدد الإيراني، الذي لم يتوقف عند حدود العراق، إنما تعداه إلى الإقليم ككل.

العراق اليوم، أمام امتحان، ومفترق طرق يهدد بمحوه الحضاري والتاريخي، لذلك يخطأ من يتجاوز في معادلة الموصل، أهم حواملها كثورة ضد حكم طائفي مقيت، أدخل العراق إلى متاهات القرون الوسطى، في إلغاء واضح لمكون ثقافي عراقي، شكل خلال مراحل طويلة من عمر العراق، واجهة حملت على عاتقها، مكانة ودور العراق، ليس على الصعيد العربي والإقليمي وحسب، إنما على صعيد الإنسانية جمعاء.

د. محمد خالد الشاكر

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق