أبعاد زيارة خالد مشعل للرياض

أبعاد زيارة خالد مشعل للرياض؟

ورث أوباما بداية تراجع الهيمنة الأمريكية المطلقة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة الذي فرض على أمريكا تغيير كثير من سياساتها الخارجية وفق استراتيجية جديدة، منها رفضه الدخول في مواجهات صريحة، أو تبني جهود الاحتواء القوية لأنه يعتقد أنه يسفر عنها صراعات مباشرة، استبدلها باستراتيجيات هادئة، تمثلت في مواجهة القوة الصاعدة للصين بمنطقة المحيط الهادئ من خلال توقيع اتفاقية تجارية عبر المحيط الهادئ لمحاصرة الصين.

واتجه أوباما إلى محاصرة روسيا عبر ضم إيران كعنصر إقليمي محوري، ليس فقط على المستوى الإقليمي في منطقة الخليج، وإنما أيضا على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، الذي أتى بعد توقيع الاتفاق النووي، لتقييد برنامجها النووي، ما اعتبره أنصار الاحتواء، والصقور في البيت الأبيض، بمثابة صورة من الانهزامية.

رغم أن السياسيين الواقعيين يعتبرون أن هذه السياسة تعكس تفكيرا منطقيا تماشيا مع الوضع الجديد للولايات المتحدة، وهي استراتيجية تعالج أخطاء الإدارة القديمة التي أزاحت العراق كقوة احتواء، وإخفاق بوش الابن في خلق حكومة عراقية قوية تحل محل حكومة صدام حسين، في حين أن بوش الأب رفض إزاحة العراق كقوة احتواء لإيران تحمي المنطقة من خطرها.

أدركت السعودية مثل هذه المتغيرات، وأن مثل هذا الاتفاق هو بمثابة تعزيز وضع إيران الجيوسياسي الإقليمي، مما يفرض عليها مسؤولية مواجهة النفوذ الإيراني الجديد، واعتبرته تهديدا وجوديا، خصوصا بعدما تمكنت إيران من توسيع دائرة نفوذها عبر الاضطلاع بدور أكثر هيمنة داخل سوريا، وتحويل حزب الله ليتحول إلى قوة أكثر هيمنة داخل لبنان.

زيارة خالد مشعل تأتي ضمن قلب استراتيجية تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي ترى أن خطر التوسع الإيراني خطر وجودي عليها أكثر من خطر حركات التنظيم الإسلامي، إذا ترى أن خطرها مؤقت ينتهي بزوال الأسباب التي أوجدتها في المنطقة.

ورغم دعم السعودية مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلا أن إيران عبر روسيا وعبر العراق مثل محاولة العبادي بعد زيارته القاهرة إقناع الرئيس المصري في حل الأزمة السورية سياسيا بالإبقاء على نظام الأسد.

وخلال لقائه رؤساء تحرير الصحف قال لهم بأن المباحثات المصرية العراقية بحثت تشجيع النظام السوري على التعايش مع المعارضة السلمية لإيجاد حالة جديدة من التعايش، وإنشاء إدارة انتقالية مشتركة في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة تنظيم داعش.

ترفض السعودية هذه الاستراتيجية، وهي تنسق مواقفها مع قطر وتركيا في سوريا، ودعم حتى حركات الإسلام السياسي للإطاحة بنظام الأسد خصوصا الحركات التي توصف بأنها فصائل معتدلة.

ترفض السعودية خلط الأوراق، وترى أن التهديد الوجودي للمنطقة يتمثل في وكلاء إيران الذين يحاربون نيابة عن إيران بالوكالة لتعزيز نفوذها في المنطقة، وأثبت العبادي أنه متحدث رسمي نيابة عن إيران ولا يختلف عن سلفه المالكي وتأكيد على أن العراق ما يزال تحت الهيمنة الإيرانية، وهو ما يؤخر إعادة العلاقات السعودية العراقية لأنها لا تود السعودية أن تبدو وكأنها تخدم المصالح الإيرانية في العراق، لذلك ترفض عودة العلاقات بعد نأي العراق عن الهيمنة الإيرانية.

السعودية تضغط على تركيا من أجل التوقف عن استهداف أمن مصر، وفي نفس الوقت تضغط على مصر من أجل التوصل إلى مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وترفض شيطنتهم، ووضعهم جميعا في سلة واحدة، وهم جميعا مكونات أساسية مثلهم مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ولكنها ترفض مشاريعهم الأيديولوجية العابرة للحدود التي تتعارض مع إقامة الدولة الوطنية، متى ما تخلوا عن تلك المشاريع فإنهم يصبحون مكونات أساسية في مجتمعاتهم لهم ما للمجتمعات وعليهم ما على المجتمعات.

فالسعودية هي بحاجة إلى الدور التركي لمواجهة النفوذ الإيراني كما هي بحاجة إلى الدور المصري لتعزيز الأمن العربي، وهي لا تمانع في مواجهة النفوذ الإيراني عن طريق حركات الإسلام السياسي لمواجهة وكلاء إيران في المنطقة بمن فيهم حزب الله في لبنان الذي يقاتل في سوريا إلى جانب النظام السوري بجانب الحشد الشعبي العراقي المدعوم من قاسم سليماني.

لم تمانع السعودية في زيارة خالد مشعل إليها، من أجل استقطاب الحركة بعد تجميد العلاقات لأكثر من أربع سنوات، من أجل أن تصبح السعودية دولة فاعلة ومؤثرة في القضية الفلسطينية الإسرائيلية لإتمام المصالحة المتعثرة، خصوصا بعدما أثبتت حماس دورها الفاعل في التعاون مع دولة مصر في مواجهة الإرهاب في سيناء، وفي نفس الوقت فك الحركة ارتباطها بإيران لمحاصرة النفوذ الإيراني حيث تتكفل السعودية بتعويض حركة حماس بالدعم المقدم من إيران.

زيارة خالد مشعل للسعودية تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعامل مع حركات الإسلام السياسي لمواجهة النفوذ الإيراني،  باعتبارها مكونات أساسية، ولكن عليها أن تتعامل مع الواقع الجديد في خدمة الأمتين العربية والإسلامية، مما يفرض عليها التخلي عن مشاريعها الأيديولوجية الذي يضعها في مواجهة مع الأنظمة الحاكمة.

وفي مقدمة هذه الحركات حركة الإخوان المسلمين في مصر وتشجيعها من أجل مراجعة مواقفها، وفي نفس الوقت توقف الحكومة المصرية الدخول في صراع كسر العظم مع مكونات مصرية عليها أن تراجع مواقفها بما يحفظ أمن مصر، وتريد الرياض من القاهرة أن مشكلتها مع الإخوان يجب ألا تبقى المحرك الرئيسي للقاهرة في كل الملفات، وتطالبها بأن تكون أكثر مرونة خصوصا في الملف السوري.

تدرك السعودية أن الغرب لن يتدخل في الصراع الإقليمي، لذلك لابد أن تكون السعودية على أهبة الاستعداد في مواجهة النفوذ الإيراني، وأن تكون لديها القدرة على  إدارة الصراع الجديد بعد توقيع الاتفاقية النووية، ومواجهة الإرهاب الإيراني بقوة مماثلة في مواجهة داعش والقاعدة.

عاصفة الحزم في اليمن أعطت إيران الدرس لإعادة استراتيجياتها القديمة في تصدير ثورتها للمنطقة، لذلك تعاملت إيران مع المنطقة بازدواجية غير واضحة بعد توقيع الاتفاقية النووية، فروحاني تحدث هاتفيا مع أمير قطر تميم بن حمد وعبر عن اعتقاده بان الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية سيحسن العلاقات مع دول الجوار.

وعلى النقيض من ذلك أكد خامنئي أن إيران لن تكف عن دعم الحركات والمليشيات التابعة لها في المنطقة من البحرين إلى لبنان، لكن أتى الرد السعودي المباشر على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلا إذا حاولت إيران التسبب في أذى بالمنطقة فنحن ملتزمون بالتصدي لها بكل حزم.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق