أبعاد الاستثمارات النفطية في العلاقات القطرية-الإيرانية

أبعاد الاستثمارات النفطية في العلاقات القطرية-الإيرانية

مقدمة

تسعى إيران ومنذ قيام ثورتها الخمينية إلى “تصدير” تلك الثورة تجاه محيطها العربي، متخذة أشكالاً عدة، منها العسكري المباشر وغير المباشر، عبر دعم الميليشيات المسلحة التابعة لها. أو من خلال زرع خلايا تجسسية طائفية تدين بالولاء لها. أو حتى عبر علاقات منفردة سياسية أو اقتصادية مع بعض دول المنطقة، بغية إحداث خرق في البنية العربية.

وتشكل دول الخليج العربي مطمعاً أساسياً في المشروع الإيراني، وتسعى لمحاولات حثيثة لإحداث اختراق داخلي يؤهلها للعب دور سياسي داخل هذه الدول، فاحتلت جزراً إماراتية، ودعم توجهات سياسية طائفية في البحرين، وأنشأت ميليشيات عسكرية في اليمن، وخلايا تجسسية في الكويت، وتهديدات غير مباشرة للمملكة العربية السعودية.

وحيث يكون النشاط الخليجي واضحاً وحاسماً؛ فإن المشروع الإيراني يتراجع أمام تلك المواقف، وخاصة في حال تدخل السعودية بشكل مباشر للتصدي لأدوات المشروع الإيراني.

ويتناول هذا البحث الأبعاد السياسية للاستثمارات النفطية بين قطر وإيران، عبر عدة محاور، وهي:

–       المتغيرات النفطية على المستوى العالمي.

–       الأوضاع النفطية في إيران.

–       الغاز في قطر.

–       حقل الشمال/بارس جنوبي المشترك بين قطر وإيران.

–       الأبعاد السياسية للتقارب النفطي بين قطر وإيران.

أولاً- المتغيرات النفطية على المستوى العالمي:

عاد إنتاج النفط والغاز العالميين إلى الارتفاع منذ أعوام قليلة ماضية، مع الاكتشافات النفطية الحديثة وخاصة في الولايات المتحدة عبر ما عرف بنفط “شايل” أو النفط الصخري، والذي ترافق مع انخفاض تدريجي ومتواصل للواردات النفطية الأمريكية، بل وبدء عودة الولايات المتحدة إلى مجال التصدير، وإن كان على مستوى المصنعات البترولية “البتروكيماويات”، وهو ما سينعكس في المستقبل القريب على سوق الطاقة العالمي، لناحية كميات المعروض والأسعار الدولية للنفط والغاز الخام، والمواد البتروكيماوية.

حيث يتشكّل التغيير في الطلب على النفط وليس في إنتاجه وحسب، فهذه أول مرة ينخفض فيها الطلب عليه في فترة نمو اقتصادي. إذ تراجع الطلب على النفط في الولايات المتحدة بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً في حين زاد إنتاجه فيها بمقدار 3.8 برميل يومياً منذ عام 2007، ممّا يبرر انخفاض صافي وارداتها بمقدار 5.3 مليون برميل يومياً. وسجل إنتاج النفط في كندا ارتفاعاً بمقدار 900 ألف برميل يومياً منذ 2007 ليصل إلى حدود 3.5 مليون برميل يومياً، ويجري بناء أنابيب عبر الولايات المتحدة إلى خليج المكسيك، وتعديل بعض الأنابيب لنقل النفط إلى الساحل الشرقي لكندا مع خطة لمدّ الأنابيب إلى ولاية (بريتش كولومبيا) في الغرب ومن ثم إلى آسيا (1).

وتشكل الاكتشافات النفطية الصخرية المتزايدة، وخاصة في أمريكا الشمالية، منافسة جديدة لإنتاج النفط والغاز في منطقة الخليج العربي، وخاصة بعد تصدر روسيا قائمة الدول المنتجة للنفط منذ أعوام قليلة ماضية، مع احتمال عودة إيران بقوة إلى السوق النفطي في حال إتمام اتفاق شامل ونهائي بينها وبين القوى الدولية، وانتظار استقرار الأوضاع في ليبيا، لتعود هي الأخرى إلى سوق المنافسة النفطية لتعويض ما فاتها من جهة، وحاجتها الماسة إلى عائدات الصادرات النفطية في مرحلة إعادة إعمار البلاد. حيث ستنعكس هذه التدفقات النفطية (نفط وغاز)، في المستقبل القريب (عام إلى 3 أعوام) على أسعار المواد الخام انخفاضاً.

كما شكّل الاندفاع الروسي في دعم نظام الأسد طيلة الأعوام الثالثة الماضية –في أحد أوجهه- بعداً اقتصادياً على مستوى إنتاج الغاز وتصديره. بغية إسقاط المشروع القطري الرامي لمد أنابيب الغاز عبر سورية وتركيا إلى أوروبا، حيث تعتبر السوق الأوروبية المستهدف الأهم للمنتجات الروسية من الغاز الطبيعي. عدا عن الاتفاقيات التي وقعتها روسيا مؤخراً مع نظام الأسد لاستكشاف واستثمار حقول الغاز الطبيعي في سورية ومياهها الإقليمية، والتي تقدر عائداتها المالية بمليارات الدولارات، في وقت تشير فيه التقديرات إلى احتمال أن تكون الثروات السورية منافساً جديداً في مجال إنتاج الغاز.

ولابد من التنويه إلى أنّ إنتاج الغاز الأمريكي قد ارتفع بنسبة 36% منذ عام 2005، ما أدى إلى انخفاض صافي الواردات بنسبة 56%، وانخفاض واردات الغاز المسال بمقدار 83% في الفترة نفسها، كما نتج عنه هبوط كبير في أسعار الغاز، ويتوقع زيادة انتاج الغاز وتناقص تكاليف انتاجه وزيادة صادراته الأمريكية. مما سينتج عنه جملة من الآثار، من أهمها (2):

–       انخفاض أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير، مما سيساعد على عودة صناعة البتروكيماويات إلى الولايات المتحدة بعدما كانت تهرب منها، ما سيشكل خطراً على غاز الخليج العربي، حيث تعدّ الولايات المتحدة حالياً المركز الوحيد خارج منطقة الخليج العربي التي تستخدم مادتي الإيثان والميثان الرخيصتين في صناعة البتروكيماويات. بينما تُستَخدم مادة النافثا الباهظة الثمن في صناعة البتروكيماويات الآسيوية والأوروبية.

–       انعدام الطلب على الغاز المسال: تعد دولة قطر الخاسر الأكبر من ثورة الغاز الصخري الأمريكية لأنها لن تؤدي إلى تراجع واردات الغاز المسال فحسب بل إلغاء كل الطلبيات المتوقعة في العقود المقبلة للغاز القطري المسال. وبالفعل تم إيقاف العمل في محطتين لاستيراد الغاز تملكهما قطر بالشراكة مع بعض الشركات العالمية. ومن المقرر أن تبدأ الولايات المتحدة تصدير الغاز المسال في عام 2015 أو 2016. وفي حال فاقت تلك الكميات 3 مليار قدم مكعب، فسيغرق السوق العالمي، وتتهاوى أسعار المنتجات النفطية.

ويرى دو مارجيري –رئيس شركة توتال النفطية الفرنسية- أنّ مشكلة الولايات المتحدة، أنها ستضخ أقصى ما في وسعها من نفط “شايل”، وستعاني من عدم الاستقرار، ولذلك من الحكمة لها أن تتنبه إلى عامل الاستقرار التقليدي في عالم النفط، بالذات دور المملكة العربية السعودية. ويرى أنّ ليبيا أدهشت شركات النفط، “لأن الليبيين قرروا التوقف عن تصدير النفط لكنهم قرروا عدم التوقف عن ضخ النفط، ولا يمكن المضي بالإنتاج طالما لا يريدون التصدير” (3).

ثانياً- الأوضاع النفطية في إيران:

يعتبر قطاع النفط الإيراني، أكبر القطاعات المتضررة من العقوبات الدولية المفروضة على إيران إلى جانب القطاع المصرفي والمالي، إذ أدت العقوبات إلى تدهور كبيرة في الإنتاج تبعه انخفاض كبير في التصدير، ومنه تقلص العائدات المالية الأهم في الدخل القومي الإيراني.

فوفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، تراجعت صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من مليون برميل يومياً في يناير 2013 من 2.2 مليون برميل يوميا في أواخر 2011 مما يعني حرمان البلاد من إيرادات تزيد على 40 مليار دولار عن العام الماضي (4).

وطال تأثير هذه العقوبات أحد أهم القطاعات الحيوية في الدولة وهو قطاع النفط والغاز الذي يسهم بمقدار10-30% من الناتج الإيراني، ويقدم تقريباً 80-85% من جملة الصادرات الإيرانية. ومن المفارقات التي شهدتها إيران كثالث دولة نفطية على مستوى معدلات حجم الاحتياطات النفطية في العالم -يقدر بحوالي 136 مليار برميل- إلاّ أنّ حجم الإنتاج لم يزد خلال فترة ما بعد الثورة عن 4-4.2 مليون برميل يومياً. وفيما تحتل إيران المرتبة الثانية عالمياً في مخزونات الغاز، فإنّها لم تتمكن من زيادة الإنتاج قدماً مكعباً واحداً عن عصر الشاه، بطاقة إنتاجية قدرها 4 مليارات قدم مكعب يومياً.وقد جاءت العقوبات لتضيف تدريجياً المزيد من المشكلات في الدولة، فغلت يدها عن الاستثمار فيه والاستفادة منه، وأوضح الأمثلة علي هذا هو عدم تطوير حقل آزربيجان الذي يعد من أكبر الاكتشافات على الإطلاق في عام 1999، ويمكنه إنتاج 62 مليار برميل، يليه حقل جنوب فارس (في مياه إقليم الأحواز) الذي يعد أكبر حقل غير مطور في العالم ويمكنه إنتاج 38 مليار برميل (5).

وفقدت إيران معظم زبائنها النفطيين، كما كان من الصعب عليها تأمين الناقلات المحملة بالنفط الإيراني، ما عرقل الشحن وعطله، والأهم من ذلك، أنه لم تستطع الدول المستوردة الدفع بالدولار، ما أدى إلى عقد سلسلة من المفاوضات لإيجاد البدائل أدت إلى تأخر الدفع، وفي النهاية، اضطرت إيران، على مضض، إلى قبض الروبية الهندية لقاء نفطها. وشهد 2011 و2012 انسحاب الشركات النفطية الأوروبية من مشاريع تطوير الحقول البترولية الإيرانية، ما أدى إلى تأخر مشاريع وإلغاء أخرى وتقليص الزيادة المحتملة في الطاقة الإنتاجية، على رغم التعاقد لاحقاً مع الشركات الآسيوية (الصينية والهندية والماليزية) بدلاً من الشركات الأوروبية. كما أدت المقاطعة إلى تقليص قدرة إيران على استيراد المنتجات البترولية. وبلغ دخل النفط الإيراني في 2012 نحو 69 مليار دولار، ويبقى رغم ذلك أقل من معدلات الدخل النفطي لعامي 2010 و2011 (6).

وتحتاج إيران إلى استثمارات مالية ضخمة، غير متوفرة لها، لإعادة تأهيل حقول الإنتاج وتطويرها، واستجلاب التكنولوجيا الحديثة، مما سيدفعها لتسليم تلك الحقول لشركات خارجية، وفق عقود استثمارية قد تكون مجحفة بحق إيران، لتعوّض ما فاتها من جهة، ولتضخ أموالاً (عائدات النفط) في اقتصاد متهالك، بغية امتصاص النقمة الشعبية المتنامية في الداخل الإيراني، نتيجة تردي الأوضاع المعاشية الناجمة عن سنوات العقوبات الطويلة.

وذلك تحت ضغط زيادة الإنتاج العالمي، وانخفاض الطلب جزئياً من نفط الخليج العربي، وما هو يعني انخفاضاً في الأسعار والعائدات البترودولارية من صادراتها النفطية، في المستقبل القريب. عدا عن اضطرار إيران للالتزام بسياسات منظمة أوبك في تقنين الحصص بغية الحفاظ على الأسعار.

ثالثاً- الغاز في قطر:

وفّر قطاع النفط والغاز أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي القطري في 2012، حسب احصاءات جهاز الإحصاء القطري. وجلبت صادرات الغاز لقطر نحو 7.6 مليار في شهر أبريل/ نيسان فقط، أي ما يعادل نسبة 65% من إيراد الصادرات فيها، كما حصلت على ملياري دولار من مبيعات النفط الخام.وتمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بوجود 885 تريليون قدم مكعب من الغاز حسب آخر إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم. ويتركز معظمه في الحقل الشمالي.بيد أن إنتاج قطر 157 مليار متر مكعب من الغاز جعل منها رابع أكبر منتج للغاز في العالم عام 2012. وتأتي نسبة 80% من صادرات الغاز القطرية في شكل غاز طبيعي مسال، يصدر نحو نصفها عبر الناقلات البحرية إلى آسيا، كما تصدر الغاز عبر الأنابيب إلى دولة الإمارات العربية وعمان (7).

ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة قطر للغاز، الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، فإن بمقدور قطر أن ترفع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 10% مقارنة بمستواه الحالي البالغ 77 مليون طن سنويا بدون أي استثمارات إضافية (8). وتمثل صادراتها ثلث الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال.

ويتوزع إنتاج الغاز الطبيعي المسال بين شركتين هما قطر للغاز وراس غاز. وتملك شركة البترول القطرية الحكومية معظم الأسهم في الشركتين، وتملك شركات عالمية مجموعات أسهم صغيرة فيها في خطوط إنتاج فردية. وتملك شركة قطر للبترول 70% من أسهم شركة راس غاز، أما نسبة الـ 30% الباقية فهي من حصة شركة (إكسون موبيل). ويملك أسهم شركة قطر للغاز كونسرتيوم يضم شركات قطر للبترول و (توتال، إكسون موبيل، ميتسوي، ماروبيني، كونوكو فيلبيس، ورويال دوتش شل). وتتوفر شركتا قطر للغاز وراس غاز على ما مجموعه 14 خطاً إنتاجياً، يمكنها مجتمعة إنتاج 77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في السنة منذ عام 2010 (9).

رابعاً- حقل الشمال/بارس جنوبي المشترك بين قطر وإيران:

يقع هذا الحقل في الخليج العربي، ضمن المياه الإقليمية لدولة قطر، والمياه الإقليمية لإقليم الأحواز العربي، على مساحة تمتد إلى 9700 كم مربع من المياه الإقليمية الإيرانية (الأحوازية)، و6000 كم مربع من المياه الإقليمية لدولة قطر. ويعتبر من أكبر حقول الغاز الطبيعي غير المصاحب في العالم.

Naft-Iran-Qatar

تبلغ الكميات الموجودة في القسم الإيراني بحدود 500 تريليون قدم مكعب مع احتياطي يقدر بحدود 360 تريليون قدم مكعب. فيما تبلغ الكميات الموجودة في القسم القطري بحدود 1300 تريليون قدم مكعب من الغاز مع احتياطي يقدر بحدود 900 تريليون قدم مكعب بنسبة 20% من احتياطي الغاز العالمي، وهو ما جعل قطر الثالثة عالمياً في احتياطات الغاز بعد روسيا وإيران. وقد ارتفع معدل إنتاج الغاز من حقل الشمال إلى حوالي 9 مليار قدم مكعب يومياً، كما وصل معدل إنتاج المكثفات إلى 350 برميل يومياً.

ويشكل حقل الغاز الضخم الغالبية العظمى من إنتاج الغاز القطري ونحو 60% من إيرادات صادراته. وبفضل منشآت بمليارات الدولارات شيدتها الدوحة بالتعاون مع شركات الطاقة الغربية أصبحت قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بينما حالت العقوبات الغربية دون تحقيق إنجاز مماثل في إيران.وبسبب الخشية من انخفاض معدل الاستخراج طويل المدى نتيجة الإنتاج المتسارع قررت قطر عام 2005 تجميد مشروعات التطوير الجديدة ومن المتوقع أن يستمر ذلك حتى نهاية 2015 على الأقل.فيما تعاني إيران من أزمات غاز شديدة، ووضعت في أولوياتها تعزيز الإنتاج من حقل بارس جنوبي بوتيرة سريعة. ويخشى البعض في قطر أن تؤدي المبالغة في نشاط الحفر الإيراني إلى إضعاف معدلات الاستخراج في كلا البلدين(10).

ويرى آخرون في الدوحة، أنّ علاقات الغرب بإيران تحسنت بدرجة تسمح لخبراء في قطاع الطاقة القطري باطلاع الإيرانيين على بعض المعلومات التي تم جمعها من خلال دراسات في أعماق الخليج. وقال مصدر في قطر للبترول إنّ “توقيع إيران على الاتفاق النووي فتح لنا الباب لمساعدتهم على تعظيم الاستفادة من بارس جنوبي والخطة هي إمدادهم بالمشورة فيما يتعلق بالتكنولوجيا واستكشاف جيولوجيا الحقل.”وتقدر وكالة الطاقة الدولية بأنّ الحقل يحتوي على حوالي 51 تريليون متر مكعب من الغاز ونحو 50 مليار برميل من المكثفات وهي نفط خفيف يخرج كمنتج ثانوي.ووفقاً لمسؤول حكومي قطري يعمل في إحدى وحدات الحفر لدى قطر للبترول فإنّ كثيراً من الاحتياطيات سهلة الاستخراج تقع في منطقة الحدود البحرية المشتركة. وقال “حدث حفر كثيف في تلك المنطقة ولدينا دراسات كثيرة عن الحقل أنا واثق أنها ستفيد إيران” (11).

خامساً- الأبعاد السياسية للتقارب النفطي بين قطر وإيران:

تعززت العلاقات القطرية-الإيرانية منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، ورفضت قطر باعتبارها عضواً غير دائم في مجلس الأمن عام 2006، فرض أيّة عقوبات على إيران تتعلق برنامجها النووي، وكانت أول دولة عربية تدعو رئيساً إيرانياً إلى مؤتمر القمة العربية (مؤتمر الدوحة عام 2007). وهو ما اعتُبِر استفزازاً لدول الخليج المجاورة في فترة تَأَزُّم العلاقات ما بين الدول العربية والمحور الإيراني.

إلا أنّ هذه العلاقات الوطيدة التي استمرت حتى مطلع عام 2011، حملت في طياتها عدداً من التناقضات، إذ تزامن التقارب القطري مع المحور الإيراني مع استضافة قطر للقوات الأمريكية على أراضيها، وخاصة مع بدء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتعزيزها علاقاتها مع إسرائيل، كما اضطرت قطر في كثير من سياساتها إلى تعديل سلوكها بما يتفق مع مفهوم الأمن الإقليمي الخليجي.

ومع وقوف قطر إلى جانب الثورة السورية، رافضة النهج الإجرامي الذي اتخذه نظام الأسد تجاه شعبه، في موقف يتفق مع التوجه العام لدول مجلس التعاون الخليجي؛ شكّل ذلك بداية القطيعة بين قطر والنظام السوري من جهة، وتأزماً في العلاقات القطرية-الإيرانية من جهة أخرى (12).

غير أنّ التغيرات السياسية التي حصلت عام 2013 في كلا الدولتين، باستلام ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سدة الحكم خلفاً لوالده، وتنصيب حسن روحاني رئيساً لإيران مع إعادة هيكلة جزئية للسياسة الخارجية الإيرانية (المناورة المعهودة في السياسة الإيرانية)، وخاصة في ملفاتها الشائكة وعلاقاتها مع الغرب، أدى إلى إصلاح تدريجي للعلاقات بين الدولتين على طريق استعادة ذات الزخم السابق بينهما.

من ذلك أتى اندفاع قطر نحو إعادة تطوير العلاقات النفطية مع إيران، عبر تطوير شراكة استثمارية في حقل الشمال/بارس جنوبي، وخاصة بعد الاتفاق المرحلي بين القوى الدولية وإيران حول ملفها النووي والرفع الجزئي للعقوبات الدولية المفروضة عليها.

إذ قالت مصادر في شركة قطر للبترول إنّ قطر تريد مساعدة إيران على تطوير حصتها في أكبر حقل غاز في العالم حتى تحقق الدولتان أكبر فائدة ممكنة في المدى البعيد. وعرضت قطر المساعدة بعد طلب من إيران في ظل مؤشرات على احتمال تخفيف العقوبات الغربية عنها بعد أن وقعت اتفاقا في نوفمبر/تشرين الثاني يتيح مزيداً من الشفافية بشأن أنشطتها النووية. وقال وزير الطاقة الإيراني الجديد في أغسطس/آب إنّه يريد أن تتعاون الدولتان فيما بينهما لتعزيز الإنتاج وظهرت مؤشرات على أنهما يسعيان إلى التعاون. وقال وزير الطاقة القطري لرويترز خلال اجتماع لمنظمة أوبك في فيينا في أوائل ديسمبر/كانون الأول إنّ هناك قنوات اتصال بين الجانبين لكنه رفض الخوض في التفاصيل. ونظراً لأن قطر للبترول تعتمد على الشركاء الأجانب في التكنولوجيا المستخدمة لتطوير حقل الشمال فإن بعض المحللين يرون أنّ المساعدة العملية التي تستطيع الشركة تقديمها ستكون محدودة مادامت العقوبات قائمة.ووفقاً لمحلل الطاقة الكويتي المستقل كامل الهرمي “هذه مجرد علاقات عامة لقطر.” وأضاف: “هي لا تملك أيّاً من التكنولوجيا في حقل الشمال وإذا بدأت في إطلاع الغير على تكنولوجيا شركات أجنبية فسيكون ذلك انتهاكا للعقوبات” (13).

وتأمل وزارة النفط الإيرانية في أنّ إبرام اتفاق كامل، سيشجع شركات الطاقة الأمريكية على القيام باستثمارات جديدة في البلاد. وأعلن وزير النفط الإيراني أسماء سبع شركات طاقة غربية، تريد العودة لتطوير مكامن إذا رفعت العقوبات، ومن بينها (إكسون، كونوكو). وقال آلان جيفرز المتحدث باسم (إكسون)، إنّ شركته تبحث دائما عن فرص للتطوير، لكن القوانين الأمريكية الحالية تمنع العمل في إيران.فيما أكّد متحدث باسم (كونوكو)، أن الشركة لا تجري محادثات بشأن أية مشاريع حالياً مع إيران. وبحسب السجلات لم تمارس الشركتان ضغوطاً على الكونجرس عام 2013 بخصوص العقوبات على إيران. وليست هناك ضغوط من شركتي (شيفرون، هاليبرتون) الأمريكيتين أيضاً. ويتفق مساعدون في الكونجرس على أنّ شركات النفط تضيع وقتها، إذا حاولت حثّ المشرعين على إسقاط العقوبات الحالية أو عدم تفعيل عقوبات جديدة.ويبدو أنّ الشركات التي حاولت الضغط على الكونجرس العام الماضي، كانت فروعاً أمريكية لشركات نفطية عالمية كبرى مثل (بى. بى أمريكا، شل أويل الوحدة الأمريكية لرويال داتش شل) (14).

لا شكّ أن قطر تسعى للاستفادة القصوى من الحقل النفطي المشترك مع إيران، عبر تطويره واستغلاله بطرق أمثل ووفق تقنيات متطورة استحصلت عليها عبر شركائها الغربيين، من جهة أولى. وتعزيز العلاقات على جانبي الخليج العربي، لإحداث نوع من التوازن في الثقل السياسي بين محيطيها السعودي والإيراني من جهة أخرى.

إلا أنّ انفتاحاً متواصلاً بين قطر وإيران، وإن كان من بوابة اقتصادية؛ سيجبر قطر على دفع أثمان سياسية قد لا تتحملها سياستها الخارجية، أو قد تدفعها إلى مزيد من التناقض والتصادم في بعض الأحيان. فالمشروع الإيراني في المنطقة العربية، وإن اكتسى في بعض حلله التهادنيّة بطابع تصالحي اقتصادي، إلا أنه يبقى ذات المشروع التوسعي الاحتلالي.

وحيث تعتبر قطر في مقدمة الدول التي ناصرت الشعب السوري، ضد إجرام نظام الأسد ومن ورائه الداعم الرئيس (النظام الإيراني)، فإنها بذلك شكلت عائقاً أمام المشروع الاستراتيجي الإيراني بشكل أو بآخر، ولن تقبل إيران بالتالي، تطوير علاقات اقتصادية-نفطية على حساب مصالحها الاستراتيجية الأهم في منطقة المشرق العربي.

كما أن السعي الإيراني بعد إحكام السيطرة على العراق ولبنان وسورية، يتجه نحو دول الخليج العربي، من خلال محاولات اختراق متواصلة، وإن كانت قد تراجعت أمام الحسم الخليجي الجمعي من جهة، والحسم السعودي بشكل خاص من جهة ثانية. سواء أكان تجاه الحركة الحوثية الإرهابية في اليمن، أو لناحية تحريك الجماعات الطائفية الموالية لإيران في البحرين، أو عبر محالات اختراق الكويت من خلال شبكات التجسس الإيرانية أو الموالية لها.

من ذلك، فإن سعي إيران إلى وضع حقل (بارس جنوبي) تحت الخبرات التطويرية القطرية، لا يمكن أن يخرج عن ذات السياق، وخاصة أن إيران تدّعي منذ أعوام توفقها العلمي في مجالات التصنيع والسلاح والنفط، على سائر دول المنطقة، وهي وفقاً لادعائها ذاك، ليست بحاجة إلى خبرات قطرية. حتى وإن كان مجرد ادعاء، فإنّه كان من الممكن أن تمنح تلك العقود لشركات صينية أو روسية حليفة لها، وذات تكلفة سياسية مقبولة لدى القادة الإيرانيين.

يضاف إلى ذلك، سمة بارزة في علاقات إيرانية الدولية، وهي المناورة والتلاعب والانسحاب من الاتفاقيات التي تبرمها، مع تعزيز مكاسبها بشكل منفرد من خلال هذه السمة.

حيث سبق أن استبعدت إيران شركة “توتال” الفرنسية من المرحلة الحادية عشرة في مشروع تطوير حقل “جنوب بارس” للغاز، بعد أن كانت قد وقعت مذكرة تفاهم مع “شركة النفط الوطنية الإيرانية” المملوكة للدولة لتطوير المرحلة الحادية عشر. إلاّ أنّ مساومات بشأن شروط العقد أدت لتعثر المشروع، وذلك عام 2010 (15).

كما أعلنت طهران، في ذات العام، توقيع اتفاق بقيمة 4.7 مليار دولار مع الصين لتطوير المرحلة الحادية عشر من حقل (جنوب بارس جنوبي). قبل أن تضطر الشركة الصينية إلى الانسحاب من المشروع عام 2012، نتيجة ضغط العقوبات الدولية من جهة، وعدم التزام مؤسسات الحرس الثوري الإيراني (خاتم الأنبياء) ببنود التعاقد الذي تم بين الطرفين.

كما كانت المفاوضات التي جرت بين إيران وشركة بترول الهلال الإماراتية، قد أدت إلى اتفاق تعهدت إيران بموجبه أن تقوم بتصدير الغاز الحامض من حقل سلمان ولمدة 25 سنة وذلك ابتداء من عام 2005 إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. كما اتفق الجانبان على أن يبدأ حجم الصادرات للغاز الحامض من 500 مليون متر مكعب غاز إلى أن يصل إلى 800 مليون متر مكعب في اليوم الواحد. كما اتفقا على أن يكون سعر الغاز على أساس كل 1000 متر مكعب، أي ما يعادل البرميل الواحد للنفط. إلاّ أنّه تمّ إيقاف هذا المشروع في عام 2005 من قبل ديوان محاسبات إيران لأسباب عدة، منها السعر الذي تمّ الاتفاق عليه، وخاصة سعر الغاز للسنوات السبع الأولى. وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي قامت بها شركة بترول الهلال الإماراتية، توقف هذا المشروع كلياً إلى يومنا هذا (16).

كما أن المؤشرات العالمية لأسواق النفط والغاز التي تذهب باتجاه احتمال انخفاض الأسعار، وما قد يترتب عليه من اضطرابات في أسواق العرض والطلب، وخاصة مع تزايد الاكتشافات النفطية في أكثر من موقع عالمي؛ قد تنعكس سلباً على المردود القطري من إنتاجها للغاز، كما قد تدفع إيران إلى خرق بنود الاتفاق بينها وبين قطر، أو تعظيم مصالحها منفردة منه على حساب دولة قطر، وخاصة بعد تطويرها لمنشآت الحقل المشترك. أو حتى لجوؤها إلى القوة العسكرية عبر فرض أمر واقع، بالاستيلاء على المنشئات القطرية تلك، كما فعلت تجاه الجزر الإماراتية المحتلة.

خاتمة:

تظل دولة قطر جزءاً من الأمة العربية، وعضواً أساسياً في مجلس التعاون الخليجي، لذا فحساباتها السياسية وعلاقاتها الخارجية لا يمكن لها أن تنحو بعيداً عن الأمن الإقليمي الخليجي، أو الأمن القومي العربي الكليّ. وخاصة أنّ إيران تظل خطراً قائماً يهدد دول الخليج العربي، وأنّ وسائلها السياسية باتت متسمة على الدوام بالاستغلال والتهديد ونقض الاتفاقيات الدولية، وعدم احترام مبادئ العلاقات الدولية.

كما أن المشروع الإيراني ما زال قائماً ومستمراً في سورية ولبنان بعد أن كتب له الهيمنة على العراق، وسيشكل نجاحه في سورية، نقلة نوعية باتجاه منطقة الخليج العربي، وإن كان بأساليب مختلفة عن تلك التي سارت عليها إيران في المشرق العربي.

عبدالقادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

مراجع:

(1) أنس الحجي، “أثر ثروة النفط والغاز الصخريين في أمريكا الشمالية على الخليج”، مجلة آفاق المستقبل (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 20، السنة الرابعة، أكتوبر 2013)، ص 66.

(2) المرجع السابق، ص 66.

(3) راغدة درغام، “النفط والغاز والعلاقة الجديدة بين أميركا وروسيا”، صحيفة الحياة، العدد 18459، 18/10/2013: http://alhayat.com.

(4) عبد المنعم هيكل، “تحليل: الاقتصاد الإيراني بعيد عن الانهيار رغم تشديد العقوبات”، وكالة رويترز، 20/2/2013: http://ara.reuters.com.

(5) أحمد عليبة، “الاقتصاد الإيراني يدفع فاتورة السياسة”، الأهرام الرقمي، 27/9/2010: http://digital.ahram.org.eg.

(6) وليد خدوري، “النفط في أسبوع: آثار العقوبات على نفط إيران”، صحيفة الحياة، 6/10/2013: http://alhayat.com.

(7) “حقائق وإحصاءات عن مصادر الثورة في قطر”، بي بي سي عربي، 26/6/2013: http://www.bbc.co.uk/arabic.

(8) “قطر تستطيع زيادة إنتاج الغاز بـ 10%”، الجزيرة نت، 28/10/2013: http://www.aljazeera.net.

(9) “حقائق وإحصاءات عن مصادر الثورة في قطر”، بي بي سي عربي، 26/6/2013: http://www.bbc.co.uk/arabic.

(10) آمنة بكر، “مصادر: قطر تعرض مساعدة إيران لتعظيم الاستفادة من أكبر حقل غاز”، وكالة رويترز، 23/12/2013: http://ara.reuters.com.

(11) المرجع السابق.

(12) للمزيد حول العلاقات القطرية-الإيرانية، انظر: عبد القادر نعناع، “التناقضات في السياسة الخارجية القطرية: العلاقة مع إيران نموذجاً”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 1/12/2013: http://www.almezmaah.com.

(13) آمنة بكر، مرجع سابق.

(14) “شركات النفط الأمريكية تلتزم الصمت بشأن انفراج العلاقات مع إيران”، وكالة رويترز، 23/12/2013: http://ara.reuters.com.

(15) “إيران تستبعد توتال الفرنسية من مشروع جنوب بارس”، سي إن إن بالعربية، 4/1/2010: http://arabic.cnn.com.

(16) جمال عبيدي، “صراع الساسة في إيران يجمد عقد بيع الغاز لدولة الإمارات”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 14/12/2013:http://www.almezmaah.com.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق