هل ما زال بالإمكان إنقاذ اليمن؟

منذ اندلاع ثورتها، واليمن تنحو نحو مزيد من الاضطرابات السياسية والعسكرية، والتفكك المجتمعي، نتيجة عدة عوامل أسهمت في دفع اليمن إلى حافة الدول الفاشلة. وخصوصاً عقب فشل إدارة علي عبد الله صالح طيلة ثلاثة عقود في إحداث تنمية حقيقية على كافة الأصعدة، تلاه فشل إخواني في عملية إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، مع تصادمات هوياتية على عدة جبهات، وتغلغل إيراني عبر الذراع الحوثي، مقابل لإرهاب القاعدة المتواصل.

تتساقط أجهزة الدولة على التوالي بيد الميليشيات الحوثية، عبر سلسلة عمليات سياسية وعسكرية على نهج ميليشيات حزب الله في لبنان، حتى استطاع الحوثيون التفوق على نظيرهم في لبنان، بالهيمنة العسكرية على الدولة، دون مقاومة فعلية من الأطراف الحكومية والقبلية. وتحمل هذه السيطرة الدلالات التالية:

  • سقوط المبادرة الخليجية بخصوص اليمن، والانتقال إلى مرحلة صياغة أطر سياسية جديدة، سيسعى الحوثيون إلى فرضها على المجتمع اليمني والمحيط الإقليمي.
  • انتقال المشروع الإيراني، إلى العمق الخليجي، بعد فشله في البحرين، حيث سيتم توظيف السيطرة الحوثية على السطلة في اليمن، باتجاه نقلها إلى دول خليجية.
  • تواطؤ القوى الدولية، بترك المجال مفتوحاً أمام هذه الميليشيات، بعكس ما كانت تتخذه من إجراءات عسكرية تجاه تنظيم القاعدة في اليمن.
  • ستلجأ إيران إلى توظيف السيطرة العسكرية الحوثية على صنعاء، في ملفاتها الأخرى، في العراق وسورية ولبنان، وفي الملف النووي، من أجل اكتساب مصالح أوسع هناك.

غير أن سيطرة عصابات الحوثي على صنعاء، لن تكون سيطرة مستقرة وقادرة على إدارة البلاد كاملة كما يُخيل إليها، فكمون المجتمع اليمني القبائلي المسلح حالياً، وانسحاب الجيش اليمني أمام هذا الغزو، لا يعني بالمطلق خضوعاً يمنياً مؤسساتياً ومجتمعياً لقوى الاحتلال الحوثية. بل هو احتفاظ بالقوة، مقابل إنهاك الحوثيين في معاركهم مع السلطة الإخوانية، التي ما عاد المجتمع قادرة على قبولها، ولو اضطرهم الأمر إلى تحالفات مؤقتة معهم، للخروج من ربقة السلطة المتساقطة.

كما أنه تحضير لمواجهات أكثر عنفاً، تتسم بالولاءات الهوياتية الضيقة، على عدة جبهات: الانفصاليون في الجنوب، والقاعدة، والحوثيون، والقبائل. وستجد القاعدة في ذلك مسوغا كبيراً لإعادة تنشيط ذاتها في اليمن، واستقطاب مزيد من الراغبين بالموت، على غرار النموذج السوري. فيما سيعيد الجنوبيون طرح المشروع الانفصالي بقوة أكثر مما كانت عليه، في عملية إسقاط لنموذج الدولة الفدرالي المقرر حديثاً.

تبقى المسؤولية الأكبر، على عاتق الدول الخليجية مجتمعة، وعلى السعودية بالتحديد، إذ (ربما) ما زال في الوقت متسع لاستدراك ما يجري، بإحداث تدخل مباشر على غرار تدخلات القوى الأوربية لإنقاذ فرنسا إبان الغزو الألماني في الحرب العالمية الثانية، وذلك على عدة مستويات، منها:

  • تدخل عسكري واسع على غرار تدخل درع الجزيرة في البحرين، على أن يكون متوافقاً مع حجم القوة التي يمتلكها الحوثيون، وأن يكون ذا أمد طويل، دون انتظار نتائج الوساطات الدولية، أو قرارات تصدر عن مجلس الأمن، وعبر سلسلة تحالفات مع الداخل اليمني، وأن يشمل تسليح القوى المقاومة للاحتلال الحوثي.
  • فرض أطر سياسية مترافقة بالقوة العسكرية، تحافظ على الشكل الفدرالي، وتكون قادرة على سحب سلاح الميليشيات.
  • رصد ميزانية كبيرة وحقيقية، تمتد لسنوات، تشمل عملية إعادة هيكلة الجيش اليمني، ومؤسسات الدولة، وبناء مجال اقتصادي ينقذ البلاد من حالة الاحتراب، مع ضخ استثمارات واسعة فيها، سواء على شكل منح أو قروض.
  • طرح موضوع ضمّ اليمن لدول مجلس التعاون الخليجي وبشكل عاجل، بالتوافق مع السلطة التي يفرضها الإطار التدخلي العسكري.

إن التأخر في معالجة المسألة اليمنية، والتي تحمل أبعاداً أيديولوجية-شيعية كذلك، كما الحال في العراق وسورية، سيدفع حتماً إلى حرب أهلية أكثر اتساعاً مما شهدته سنوات التسعينيات من القرن الماضي، ولن تكون محصورة داخل الحدود الجغرافية اليمنية، إذ إنها في النهاية حرب تستهدف الهيمنة على كامل المنظومة الخليجية، وخاصة السعودية.

يضاف إلى ذلك، طبيعة الإنهاكات التي يشهدها النظام الدولي، غير القادر على إدارة الاضطرابات المتسعة عالمياً، وحاجته الملحّة إلى دول الخليج العربي في تحالفه ضد ميليشيات داعش، بما يمنح هذه الدول آلية مساومة كبرى مع القوى الدولية، بوضع الحوثيين على ذات اللائحة التي يتجه إليها الحلف الدولي القادم.

هل ما زال بالإمكان إنقاذ اليمن؟ تبقى صيغة السؤال “شكية”.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق