هل تفيق قطر من غفوتها وتعود للمشاركة في أمن ورخاء المنطقة العربية؟

لم تعد الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر فقط عربية بل هي دولية أيضا ولا يمكن أن تلتقي إرادات أربع دول عربية على التحرك معا من أجل إيقاع الهزيمة بالإرهاب فقط بل هناك هدف أكبر من ذلك وهو إعادة الاستقرار إلى المنطقة العربية وإقامة نظام إقليمي يكفل له التنمية وأن يكون جزء من محور تجاري إقليمي عالمي، فهل تقتنع قطر بذلك وتستجيب وتكون عضوا فاعلا ومشاركا في هذه التنمية المقبلة، خصوصا وأنها تمتلك قدرات طموحة بديلا عن ممارسة لعبتها المزدوجة.

إذا كانت إيران بعد اجتماع ترامب مع القادة في الرياض تبعث إشارات أخرى وأنهم يتحركون وسوف يختبرون ما تستعد الولايات المتحدة لفعله في سوريا، وليس من المناسب أن تجاري قطر إيران وتختبر جدية الدول الأربع وتحتمي بتركيا وإيران أو ألمانيا وبعض الدوائر السياسية في أمريكا.

إدارة ترامب لم تكن سلبية في مواجهة المليشيات الشيعية الموالية لإيران للتوسع في المناطق التي تقع فيها القوات الأمريكية واتجهت إلى إسقاط عدد من الطائرات، وأعلنت أمريكا ا أنه تدافع عن نفسها وليس أنها تسعى لقتال القوات الموالية للأسد.

لأجل هذا الهدف تؤدي السعودية ومعها بقية الدول المتحالفة دورا مماثلا للدور الأمريكي في الضغط على قطر لإنهاء سياستها المزدوجة ولا تعول على القاعدة الأمريكية لأن أمريكا ترى أن أولويتها محاربة الإرهاب وآن الوقت لوقف دعم الجماعات المتأسلمة مثل جماعة الإخوان المسلمين وحماس التي انشقت عن السلطة الفلسطينية رغم أنها أعلنت أنها انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين ولكن بالضغط على قطر سيتوقف التمويل من أجل تسليم القرار إلى مصر وليس إلى قطر.

الدول الأربع التي تبنت مقاطعة مؤثرة تعكس شعورا جماعيا بالإحباط تجاه نظام يستخدم مميزاته النقدية وقوته الناعمة عبر منصات إعلامية، وعلى قطر أن تستوعب أن الولايات المتحدة هي بحاجة إلى السعودية لمرحلة ما بعد داعش لتشكيل واقع جديد، ولن يتسامح الطرفان مع أي طرف يمارس لعبة مزدوجة مثلما تمارسه دولة قطر واللعب على حبال التحالفات العربية في جانب، وإيران وتركيا وأدواتهم في جانب آخر، بل إن أمريكا يمكن أن تتخلى عن قاعدة العديد لكنها تأمل عودة قطر إلى الحضن الخليجي العربي ولعب دورا حقيقيا بل ومن المؤكد أنها يمكن أن تلعب دورا يفوق الدور المزدوج الذي كانت تلعبه، وتتحول إلى شريك فعلي لأنه أساسا لا تريد هذه الدول إيقاع هزيمة نكراء بدولة قطر بل هي تريد إيقاع هزيمة نكراء بالإرهاب.

قطر دولة خليجية عربية وليست دولة على غرار إيران أو تركيا ولا تغتر بالرسائل المضطربة التي تبعث بها الإدارة الأمريكية بل ينسب للرئيس ترامب الفضل في حملة الضغط السعودي على قطر.

الشعوب الخليجية والعربية تنظر إلينا والتاريخ يرقبنا ويبحثان عما إذا كان الدبلوماسيون في السعودية ودولة الإمارات وقطر التي يمكن أن تكرم الوسيط الكويتي المتمثل في الدبلوماسي العربي الشيخ جابر الصباح، بدلا من ترحيل الأزمة وتدويلها عالميا، حيث أن الدبلوماسية القطرية قادرة على انتهاز الفرص ولكن عليها ألا تقتدي بنصيحة المستشارين الإيرانيين الذي يبحثون عن مصالحهم وهم يبحثون عن رأس حربة مثل قطر لينفذوا إلى بقية دول الخليج وهي خطوة لن تقبل بها دول الخليج، حيث أن الكويت صرحت أنها لن تقبل بمن وضع على لوائح الإرهاب بأن تستقبلهم على الأراضي الكويتية وهي إشارة لدولة قطر بأن تتجه نحو الحلول الجذرية وليس الاستمرار نحو الحلول السابقة.

على قطر أن تستوعب المرحلة الجديدة بعد موافقة مجلس النواب المصري على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والتي تبدأ من رأس خليج العقبة في الشمال وحتى عرض 22 جنوبا، بعدما كانت قطر تلعب بهذه الورقة، ولكنها انتهت بعد توقيع الاتفاقية.

ما يعني أن جانبي البحر الأحمر يمتلك إمكانيات اقتصادية جبارة معطلة تتيح للبلدين إقامة منطقة تتوافق مع رؤية المملكة 2030 بعد إقامة الجسر دعما للموقع الاستراتيجي إلى جانب تنمية سيناء بما قيمته 5.1 مليار دولار وإقامة جامعة الملك سلمان في مدينة رأس سدر على الجانب الآخر من خليج السويس.

 حيث تتلاقى الرؤية المصرية مع الرؤية السعودية في إقامة مشروعات طموحة لنقل النفط الخليجي من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر ستة أنفاق أسفل قناة السويس تكفل معها نقل البشر والسيارات والسكك الحديدية بعدما أقامت مصر أضخم مشروع تنموي في تاريخها الحديث المتمثل في مشروع محور قناة السويس الذي يقوم على مثلث رأسه مينائي بورسعيد ودمياط في شمال القناة وقاعدته طريق القاهرة العين السخنة الذي تشغله العاصمة الإدارية الجديدة في المستقبل.

وتم ربط هذا المشروع العملاق صعيد مصر بالبحر الأحمر بشبكة من الطرق العرضية من أجل استغلال الثروات التعدينية الكبيرة في المنطقة فضلا عن فوائدها السياحية الضخمة في الغردقة وسفاجا والقصير ومرسي، وجنوب هذه المدن توجد منطقة بكر تنمويا الممثلة في حلايب وشلاتين.

فهل تفيق قطر من غفوتها وتكون شريكة في المنطقة العربية للأمن والرخاء المشترك التي ستكون على غرار جماعة الحديد والصلب في أوربا والتي تطورت إلى السوق الأوربية المشتركة والجماعة الأوربية والآن الاتحاد الأوربي؟

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق