هل تستخدم تركيا ضريح سليمان شاه ذريعة للتدخل في سورية؟

في هذه الساعات يستعر النقاش في الأوساط السياسية والإعلامية التركية حول مشاركة تركيا قوات التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ولعلّ اقتراب داعش من قبر سليمان شاه وأسر حوالي 30 جندياً تركياً من الكتيبة الأمنية المكلّفة بحراسة القبر التاريخي في الأراضي السورية، قد يسرّع من عجلة اتخاذ صانع القرار التركي الدخول في هذا التحالف. ويُذكر هنا، أنّه وحسب المادة التاسعة من معاهدة أنقرة الموقّعة بين تركيا وفرنسا (في عهد الانتداب الفرنسي على سورية) سنة 1921، تمّ الاتفاق على أنّ ضريح سليمان شاه هو تحت السيادة التركية، وحالياً يعتبر هذا المزار، الأرض الوحيدة ذات السيادة التركية خارج حدود الدولة التركية، ويسهر على حماية المزار جنود أتراك. وقد سبق أن حذّر أردوغان سورية من أي تعرّض لقبر سليمان شاه، معتبراً أنّ ذلك سيكون تعرّضاً لتركيا كلّها.

ويُرتقب أن يناقش البرلمان التركي، يوم الخميس، اقتراحاً تقدّمت به الحكومة بشأن مشاركة قوات تركية بعمليات عبر الحدود والسماح باستخدام القواعد التركية، وجاء في الاقتراح التركي الذي تقدّمت به الحكومة يوم أمس “قرّر مجلس الوزراء الطلب من البرلمان السماح بإرسال قوات عسكرية تركية إذا لزم الأمر لدول أجنبية، لشنّ عمليات عبر الحدود، والسماح بتمركز قوات أجنبية في تركيا للغرض نفسه. ونظراً إلى الغالبية التي يتمتّع بها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فإنّه من المرجح الموافقة عليه.

لا يزال العقل السياسي التركي مرتبكاً بخصوص عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إذ ترى القيادة التركية بأن هزيمة “داعش” ستقوّي من نفوذ حزب “الاتحاد الديمقراطي” في شمالي سورية، وقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن هذه المخاوف، إذ أشار إلى أن العملية العسكرية لا يجب أن تكون موجَّهة ضد “داعش” فقط، بل يجب في الوقت نفسه أن تكون موجَّهة للنظام السوري والتنظيمات الإرهابية الانفصالية.

وقد ذكرت أنباء أنّ دبابات تركية وعربات مدرعة أخذت مواقعها على تل يطل على مدينة عين العرب “كوباني” السورية التي يحاصرها تنظيم داعش بالقرب من الحدود مع تركيا، وكانت تركيا قد رفضت حتى الآن القيام بدور رئيسي في الغارات الجوية لقوات لتحالف ضد تنظيم داعش، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان، قال إنّ القوات التركية يمكن أن تساعد في إقامة مناطق آمنة للنازحين داخل سورية، إذا كان هناك اتفاق دولي بشأن الموضوع.

وبالعودة لموضوع قبر سليمان شاه، في الواقع اتخّذت تركيا بعض التدابير لحمايته، وقد تمّ استبدال الحراس الأمنيين بقوات النخبة من قيادة القوات الخاصة التركية من ذوي الخبرة في مكافحة الإرهاب، ورغم كل الإجراءات يمكن القول إنّ الوضع قد تغيّر جذرياً في الأيام العشرة الماضية بعد إطلاق سراح الرهائن الأتراك المحتجزين لدى “الدولة الإسلامية”، والاشتباكات التي اندلعت بين وحدات الحماية الكردية وداعش في محيط القبر. وبدأ التخوف التركي على مصير الكتيبة الأمنية الموكلة بمهمة حماية الضريح والتي يقدر عددها بين 50 إلى 60 مقاتلاً تركياً، إلى أن تناقلت وسائل الإعلام تقاريراً عن محاصرة القبر واقتياد حوالي 30 مقاتلاً كرهائن لدى تنظيم داعش. في الوقت نفسه تم تبادل الاتهامات بين هيئة الأركان التركية والنخب السياسية التركية حول مسألة المسؤولية عن إخلاء الحراسة الأمنية عن القبر أو تعزيزها، ويبدو أنّ الخيار الأول كان مستبعداً، لصالح قرار أهم، وبدافع تحركات استراتيجية مثل إنشاء منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي في شمال سورية، خصوصاً مع تنامي المشاعر القومية التركية في البلاد، بما خص مسألة وجود قبر سليمان شاه واعتباره جزءاً من الأراضي التركية.  وبالتالي ليس بعيداً أن يكون هذا القبر حاجة أو ذريعة تركية لتحفيز دخول سورية، بعد الحصول على دعم الجمهور التركي وموافقة البرلمان، وبالتالي قد يكون قبر الشاه بمثابة مسمار آخر في نعش داعش.

عبد الكريم عنكير

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : تركياسورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق