هل تتمكن الشراكة الاستراتيجية السعودية-التركية من ضبط صراع واشنطن وموسكو في سورية؟

بعد الهجوم العنيف على روسيا في مجلس الأمن، ومسؤول فرنسي يتهمها وطهران بجرائم حرب، بعد هذه الهجمة أتت إدانة فقط من الأمين العام للجامعة العربية وطالب بوقف دائم لإطلاق النار وعلق دون ذكر اسم جهة استمرار الاقتناع المغلوط لدى بعض الأطراف بإمكانية فرض حل عسكري على الأرض يتجاوز الحاجة إلى اتفاق سياسي، وطالب مجلس الأمن الاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية وإلزام جميع الأطراف ذات الصلة بالعمل على التوصل إلى وقف فوري وحقيقي لإطلاق النار من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مناسبة للأزمة السورية، الذي تزامن مع عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية.

وعلى الجانب الآخر أدانت كذلك التعاون الإسلامي القصف على المدنيين في مدينة حلب السورية، ودعا الأمين العام إلى التدخل السريع لوقف العمليات العدائية في سوريا وبالطبع الأزمة في سوريا ليست بحاجة فقط على إدانات بل هي بحاجة إلى حلول عملية، خصوصا في ظل غياب جيش عربي مشترك الذي دعت له الجامعة العربية في اجتماعات سابقة لكنه لم يتم تشكيله حتى الآن لظروف إقليمية ودولية.

وعلقت واشنطن تعاونها مع موسكو في سوريا، وبدأ البيت الأبيض يضع 6 خيارات أساسية على طاولة أوباما للتعامل مع الأزمة السورية، حيث ينظر الأمريكيون إلى أن هيبة الولايات المتحدة تزعزعت لدى الناخب الأمريكي، وهو أمر لم تشهده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى ودولة مهيمنة، فهي تتصرف على هذا الأساس.

تشعر الولايات المتحدة في كل العلاقات مع روسيا تسير في إطار تأسيد الدور الروسي في سوريا، مقابل تآكل هيبة الدور الأمريكي، ورفضت روسيا حتى المشروع الفرنسي في مجلس الأمن لضمان هدنة فورية في حلب، بينما تقر روسيا بالمشاركة الفعالة لقواتها في قصف حلب، وحملت روسيا واشنطن والمعارضة مسؤولية ما يجري في حلب، وصرح مسؤول أممي بتعليق استخدام الفيتو في وقف مشروع صوب أزمة حلب.

إثر تلك الأزمة بين واشنطن وموسكو علقت روسيا مشاركتها في اتفاقية التخلص من البلوتنيوم الحربي تعتبره ردا على التغيرات الجذرية في الظروف، ونشوء تهديد للاستقرار الاستراتيجي نتيجة الممارسات الأميركية غير الودية، وهي اتفاقية تم التوقيع عليها بين الجانبين عام 2000 تنص على إعادة تدوير البلدين للبلوتونيوم العسكري باستخدام مفاعلات نووية، وحفظه أو تحويله إلى بلوتونيوم غير قابل لتصنيع سلاح منه.

في ظل ما يدور من حرب تدميرية في حلب من قبل روسيا وإيران والنظام السوري، فإن واشنطن مشغولة باتفاق بينها وبين بغداد وأربيل من أجل أن يكرس منطقة لعمليات تحرير الموصل، وبالفعل استثمر الأكراد تلك الفرصة وتم حسم الخلاف حول حصة إقليم كردستان من النفط، لهذا السبب بدأت واشنطن تتنافس مع روسيا على إيران لتحقيق مصالحها في العراق، وتعويض أوباما خروج القوات الأمريكية الذي وجد معارضة شديدة من العسكريين الأمريكيين داخل الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تغض الطرف عن توسيع إيران نفوذها مقابل عدم التعرض للولايات المتحدة في العراق.

لذلك تستثمر إيران هذه الفرصة فهي تخطط لمرحلة ما بعد السيستاني وتعيد تأهيل المالكي حتى يكون عامل توازن أمام العبادي المدعوم أمريكيا، وغضت الطرف أمريكا عن ضغط إيران على الحكومة العراقية بطلب تغيير السفير السعودية حتى لا يكون هناك حضور للسعودية في العراق في ظل هذه المرحلة بينما يقتصر  التواجد في العراق على الأمريكي والإيراني.

ومن أجل تقرب الولايات المتحدة من إيران حولت لها سرا أموال تقدر 1.7 مليار دولار في يناير 2016 مما أغضب الكونغرس، وأصدر قانون يمنع البيت الأبيض من دفع مبالغ ملاية لإيران من دون علم الكونغرس، وأصبحت هناك وصاية إيرانية في المنطقة بموفقة إسرائيلية بايعاز من أمريكا، خصوصا بعدما رفض أوباما إدانة الكونغرس نظام الأسد.

 وبدأت إيران تصرح بأنها لن تتخلى عن البحرين واليمن وسوريا باعتبار أن العراق ولبنان ساحة إيرانية، وهناك تصعيد عسكري إيراني في ذكرى حرب الخليج الأولى تزامن هذا التصعيد بتصريح لقائد الأركان المسلحة الإيرانية بأن إيران توظف خبرتها العسكرية في 5 دول عربية، وإيران تنبش خطة الخميني لإنشاء كتلة إسلامية شيعية، وهو ما جعل السعودية بالتحالف مع دول الخليج الرد بالقيام بتمرين عسكري بحري قبالة السواحل الإيرانية في مضيق هرمز وبحر عمان من أجل تأكيد جاهزية القوات البحرية القتالية وردع أي عدوان أو عمليات إرهابية في ممرات الملاحة الدولية أسمته درع الخليج 1.

أوربا منشغلة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وحكومة ماي بين خيار خروج قوي أو ناعم، وفرنسا رغم ضغطها وتقدمها بمشروع ضد روسيا في مجلس الأمن فأولويتها الضغط من أجل التقريب بين طرابلس وطبرق، بعد تحرك جيش حفتر باتجاه العاصمة طرابلس المدعوم من مصر، بينما اتجه السراج رئيس الحكومة إلى الجزائر للاستنجاد بها من أجل البحث عن حل سلمي للأزمة الليبية.

وتواجه أمريكا انقسام في آسيا، فالهند تحصل على مقاتلات فرنسية، بينما تنضم باكستان إلى روسيا وتنظيم مناورات عسكرية، فيما استراتيجية أمريكا تغرق في ساحل الفلبين حيث يشعر حلفاء واشنطن الذين خاطروا باستعداء الصين على مبادرة تقودها الولايات المتحدة تعتبرها الصين ضد مصالحها يخشون اليوم أن أمريكا تتخلى عنهم كما تخلت عن دول الخليج من أجل الصراع على إيران بينها وبين روسيا.

نتيجة تلك السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة هناك قلق أميركي من الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية في دعم طريق الحرير البري والبحري وتعزيز شراكتهما في شرق أفريقيا خصوصا بعدما أقامت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية في جيبوتي بجوار القاعدة العسكرية السعودية.

كما أن الولايات المتحدة قلقة من عودة العلاقات التركية الروسية من أجل أن تصبح تركيا مركزا للطاقة عبر التعاون مع روسيا بعدما كانت ترغب الولايات المتحدة بأن تصبح تركيا مركزا للطاقة عبر الشرق الأوسط ونقل الغاز إلى أوربا بعيدا عن روسيا، بل حتى ألمانيا متضجرة من العقوبات على روسيا التي تضررت منها، أي أن كل الاستراتيجيات الأميركية لا تصب في صالحها بل كثير منها يصب في صالح روسيا.

تدير السعودية تحولات عميقة خصوصا بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف إلى تركيا لتعزيز الشراكة الاستراتيجية لضبط إيقاع التوتر بين واشنطن وروسيا في سوريا وإنقاذ حلب من التدمير واستغلال إيران الأزمة بين الطرفين لتنفيذ مخططاتها الديمغرافية وممارسة النظام السوري قضم الأحياء الشمالية والجنوبية من مدينة حلب المدمرة خصوصا بعدما عرض النظام السوري على المعارضة ضمانات روسية لإخراجهم من حلب.

السعودية الجديدة تبحث في تركيا التي فتحت القسطنطينية عام 1453 مزيلة بهذه الخطوة الامبراطورية البيزنطية التي عاشت لمدة 11 قرنا من الزمان، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تركيا ذي الرأسين هما تعبير عن المشرق والمغرب، والبحرين السود والمتوسط، خصوصا وأن تركيا أعلنت عن تحرير 960 كلم شمال حلب، وكلا الطرفين الروسي والأمريكي يغض الطرف عن تحركات تركيا في شمال سوريا، خصوصا وأن الائتلاف السوري يبحث العمل من الداخل التركي بكنف منطقة آمنة تحظى بحماية تركية يصل عدد سكانها إلى مليوني نسمة.

خصوصا وأن تركيا طرف في محاصرة داعش من الغرب حيث يتجه درع الفرات صوب دابق لكسر معنويات داعش حيث تتوقع أنقرة انطلاق عملية الرقة والموصل في غضون شهر.

وصلت العلاقة بين السعودية وتركيا إلى أعلى مستوياتها بعد تشكيل المجلس التنسيقي في أبريل 2016، حيث وجهات نظر البلدين ظلت متطابقة تجاه معالجة الأزمات في سوريا والعراق واليمن، وتهدف السعودية أن يكون التعاون الأمني بين الجانبين له أهمية قصوى تصب في صالح أمن البلدين، وأن يكون التنسيق قويا، وزيارة ولي العهد لتركيا لبنة تحتية لمشروع تكامل اقتصادي وأمني، وهناك تطلعات لإطلاق اتفاقية منطقة التجارة الحرة وزيادة الاستثمارات البالغة 9 مليارات دولار، وعقدت 6 لقاءات بين الرياض وأنقرة خلال عام، بعد تشكيل مجلس استراتيجي مشترك ما يعكس حجم التوافق واستمرار التشاور بين البلدين في مختلف المجالات.

التعاون السعودي التركي يحاول إيقاف الطائرات الروسية التي تسابق الضغوط الدولية، وتستكمل قصف المستشفيات وتمكين إيران من تنفيذ مخططها الذي وقفت حائلا أمام تنفيذه في الفترة الماضية، لكن من أجل وقف استمالة الولايات المتحدة إيران فإن روسيا هي الأخرى تحاول استمالة إيران، وهي الوحيدة التي تستثمر الأزمة في سوريا مستفيدة من الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا.

من ضمن الخيارات الأمريكية الست مطروح تسليح المعارضة، خصوصا وأن الولايات المتحدة لم تعترض على قيام دول حليفة للمعارضة السورية بتقديم أسلحة وأنظمة مضادة للطائرات محمولة على الكتف لقوات المعارضة، واكتفت بتصريحات تشير إلى المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع، لكنها تستخدمها ورقة ضغط على روسيا وضربها بالسعودية وتركيا من جديد، وهما الدولتان اللتان يدعمان المعارضة.

خصوصا بعدما فشلت جهود روسيا في تحقيق فوزا نظيفا وتضمن الإبقاء على النفوذ الروسي في المنطقة، وتتضمن عدم تغيير النظام السوري، وهو الخط الأحمر الذي تمسك به بوتين، وتشمل وضع روسيا كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط وتقديم التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية وتقليص التكاليف الباهظة للتدخل العسكري الروسي في سوريا وضمان حصول روسيا على قاعدة على البحر المتوسط وهو ما رفضته الولايات المتحدة.

تقديم الدعم للمعارضة يبقى أيضا محدودا بسبب أن روسيا لديها أسلحة فتاكة تدميرية إذا لم يصاحبها بالتوازي تشكيل منطقة حظر طيران وسبق هذا الحظر في ليبيا وتطبيقه في ساعات، فهل تقدم الولايات المتحدة على مثل تلك الخطورة لكسب هيبتها؟.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق