هل باتت أوبك بقيادة السعودية أكثر إصراراً على إدارة تخمة الإمدادات، وما هي بدائلها؟

قادت منظمة أوبك بقيادة السعودية تحولا في استراتيجيات عمل منظمة أوبك التي تركز على التعاون والمسؤولية المشتركة للمنتجين نحو تعافي السوق وإنه من الصعب عودة المنافسة بين المنتجين في أوبك وخارجها إلى مستوى حرب الأسعار خصوصا بعد الالتزام الواسع من المنتجين بتسريع عملية خفض الإنتاج بقيادة أوبك وبعض المنتجين المستقلين بقيادة روسيا حيث يستهدف تخفيض المعروض العالمي بنحو 1.8 مليون برميل يوميا، ل24 منتجا داخل وخارج أوبك حتى مارس 2018، لأن حرب الأسعار ليست من مصلحة أحد وتقود إلى تهاوي الأسعار والإضرار بالصناعة وانكماش الاستثمارات.

كانت تدور الأسعار في فبراير 2017 حول المستويات الملائمة اقتصاديا لعدد كبير من الاستثمارات بما فيها الإنتاج الأمريكي وهو مستوى 55 دولارا للبرميل، بينما في يونيو تراجعت الأسعار وتراوحت بين 46 و47 دولارا للبرميل خصوصا وأن العالم يعيش حالة من طفرة الإمدادات التي تقفز بالاحتياطيات المؤكدة من 700 مليار برميل كاحتياطيات نفطية عام 1980 إلى 1700 مليار برميل في الوقت الحاضر، نصفها في الشرق الأوسط وأوبك تستحوذ على 73 في المائة من المؤكد، وسيشهد سوق المشترين حالة قلة الإمدادات مقارنة بمستويات الطلب خلال سنوات قليلة، وبدلا من تنافس المنتجين لزيادة الإنتاج سنجد تنافسا بين المنتجين للوفاء فقط بمستويات الطلب.

انخفاض الأسعار راجع إلى ارتفاع الصادرات النيجيرية من المتوقع أن تسجل مليوني برميل يوميا في أغسطس 2017، بينما تجاوز الإنتاج الليبي مليون برميل يوميا بجانب زيادة الإنتاج الأمريكي وارتفاع إمدادات دول أوبك المعفية من خفض الإنتاج ( ليبيا ونيجيريا ) وهو ما عزز حالة تخمة المعروض.

تتمسك روسيا بعدم تعميق تخفيضات الإنتاج حتى لا يرسل رسالة سلبية عن رؤية المنتجين لأوضاع السوق وربما يوحي بعدم قدرة المنتجين على مواجهة طوفان الإنتاج الأمريكي، وهو بالفعل أعطت هذه الإشارة بتباطؤ الإنتاج الأمريكي، وأن توسعة التخفيضات بضم عدد منتجين جدد إلى اتفاق فيينا مثل كندا والبرازيل قد يكون أنسب كثيرا من تعميق التخفيضات بقيام المنتجين المشاركين في الاتفاقية بزيادة حصص الخفض.

ارتفع عدد حفارات النفط الأمريكية إلى 763 منصة في 7/يوليو 2017 وهو أكبر عدد منذ أبريل 2015، يقابل عدد المنصات قبل عام 351 منصة حفر لكن تباطأت زيادة عدد الحفارات على مدار الأشهر الماضية مع تراجع الأسعار وارتفع إنتاج الولايات المتحدة 1 في المائة إلى 9.3 مليون برميل يوميا فيما ارتفع النفط الصخري 100 ألف إلى نحو 5 مليون برميل يوميا.

وصدرت أوبك 25.92 مليون برميل في يونيو 2017 بارتفاع قدره 450 مليون برميل يوميا في مايو و1.9 مليون برميل قبل أكثر من عام، وزيادة الإمدادات من منتجين رئيسيين للخام قد يعرقل توقعات استعادة سوق النفط توازنها في النصف الثاني من عام 2017 خصوصا بعدما سجلت الأسعار أعلى مستوى في طريقها لإنهاء أطول سلسلة مكاسب يومية منذ عام 2012 وتتعرض الأسعار أيضا لضغط سلبي خصوصا بعدما أرسلت روسيا رسالة للعالم بأن أي قيود إضافية على الخفض سيرسل رسالة خاطئة إلى السوق لكنها تريد مواصلة الاتفاق الحالي لخفض الإنتاج.

وحول مستقبل سوق الطاقة توقعت شركة بريتش بتروليوم للطاقة بي بي اشتعال منافسة واسعة بين كل من النفط والغاز من جهة وبين الطاقة المتجددة والنووية والمائية من جهة أخرى وذلك خلال السنوات المقبلة وحتى عام 2035.

وهناك توقعات بازدياد الطلب العالمي على الطاقة بنحو 30 في المائة بحلول عام 2035 مقارنة بنمو قدره 50 في المائة منذ عام 1995 ومن المتوقع أن الطاقة النووية والمتجددة والمائية ستلبي احتياجات ما يقرب من نصف الزيادة في الطلب على الطاقة خلال تلك الفترة.

وبحلول عام 2050 ستتيح التكنولوجيا زيادة كبيرة وهائلة في الاحتياطيات المؤكدة من النفط والغاز الصخريين في كل من الجزائر والأرجنتين والصين على الإنتاج في الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب بل إن تقرير صادر من وود ماكنزي الاقتصادي الدولي أوضح أن مشاريع المياه العميقة لم تعد باهظة التكلفة وأن الفجوة في التكلفة بينها وبين النفط الصخري الضيق أصبحت محدودة للغاية بعدما انخفضت التكلفة 20 في المائة مقارنة بعام 2014 وهو العام الذي شهد تهاوي أسعار النفط.

إن استمرار التقلبات السعرية في أسعار النفط الخام على الرغم من جهود خفض الإنتاج يجعل مسألة استعادة الاستقرار في السوق مهمة صعبة وطويلة، وأنه بات في ظل هذه الظروف من الصعب للغاية أن تبقى اقتصاديات بعض الدول المنتجة معتمدة على عائدات تصدير النفط الخام بنسب تصل إلى أكثر من 80 في المائة، ما يعني ضرورة الإسراع في خطى التحول نحو تنويع الموارد الاقتصادية وزيادة الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة خاصة لإيجاد حلول للضغوط الحالية التي تتعرض لها اقتصاديات الدول والتي تتطلب من ناحية زيادة موارد الطاقة لارتفاع مستويات الطلب والاستهلاك، وفي الوقت نفسه ضغوط المجتمع الدولي للالتزام بمكافحة تغير المناخ والحد من الانبعاثات الضارة والعمل من أجل الوصول إلى الاقتصاديات الخضراء الأقل في انبعاثات الكربون.

إن أوبك منذ بداية الأزمة في صيف 2014 توقعت أن انخفاض الإنتاج سيؤدي إلى انتعاش الإنتاج الأمريكي وهو ما حدث بالفعل منذ بدء تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج في مطلع يناير 2017 ما يعني إلى ضرورة وجود التزام أمريكي مواز بتهدئة وتيرة الإنتاج.

أن التوازن سيكون فقط بفعل نمو الطلب وانكماش الاستثمارات، أما الخفض المحدود حاليا فمن السهل تعويضه وإهدار أي تأثير له في تعافي الأسعار، لذلك الخبرة الطويلة لأرامكو السعودية ضرورة في خطة التحول إلى الطاقة المتكاملة، وعززت استراتيجياتها في مجال التكرير والتسويق والكيمائيات من خلال اتخاذ خطوات جديدة لتوسعة مرافقها المحلية والعالمية وتحقيق التكامل بينها.

وعلى الصعيد المحلي بدأ مشروع صدارة المشترك مع شركة داو كيميكال بالتشغيل التجريبي لأول وحدة مختلطة التغذية من نوعها في المنطقة للتكسير الكيمائي للنفط بطاقة إنتاجية تبلغ ثلاثة ملايين طن من اللدائن عالية الأداء، وبلغ مشروع تكسير الإيثان المنفذ ضمن المرحلة الثانية من مشروع بترورابغ المشترك مع شركة سوميتو اليابانية مرحلة التشغيل الكامل، ووصلت نسبة الإنجاز في مصفاة جازان العائدة للشركة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 400 ألف برميل في اليوم.

أما على الصعيد العالمي فقد وقعت أرامكو السعودية في الولايات المتحدة اتفاقية مع شركة شل لتقسيم أصول مشروع موتيفيا إنتربرايزز تمهيدا لتحقيق مزيد من التوسع في مجال التكرير والمعالجة والتسويق، وفي هولندا أطلقت أرامكو السعودية مشروع أرلانكسيو وهو مشروع مشترك للكيمائيات المتخصصة تم تنفيذه مع شركة لانكسيس.

وواصلت الشركة جهود تأسيس مشروع عملاق ورائد لتحويل النفط الخام مباشرة إلى كيمائيات بالشراكة مع الشركة السعودية للصناعات سابك.

السعودية تستفيد من فترة تخفيضات الإنتاج في تعزيز تطوير المصافي وتنشيط مشروعات المصب، وعام 2018 هو موعد أكبر طرح عام أولي بنحو 5 في المائة من شركة أرامكو.

بجانب أن السعودية باتفاقها التاريخي مع روسيا صنعت خريطة طريق لدعم أسعار النفط وينبئ بنظام عالمي جديد لعالم النفط، في ظل صناعة نقط تتسم بطبيعة معقدة وحساسية للغاية والسوق تحتاج حاليا إلى يقظة مستمرة، خصوصا وأن هناك توقعات بطفرة جديدة في الإنتاج الأحفوري الأمريكي بعد الانسحاب من اتفاق المناخ حيث تبحث الولايات المتحدة عن استقلال الطاقة وهي تخطط لزيادة الإنتاج إلى نحو 50 في المائة عام 2025 ليسجل 19 مليون برميل يوميا وهي تستهلك 20 مليون برميل يوميا، لكن الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأمريكي نحو 530 مليون برميل يكفي احتياجات فقط 25 يوما.

 لذلك هناك 6 مبادرات أميركية جديدة للهيمنة على مجال الطاقة عالميا تشمل إحياء وتوسيع قطاع الطاقة النووية وإزالة حواجز استخدام الفحم، وكما أعلن ترامب أن أمام الولايات المتحدة 100 عام من الغاز الطبيعي وأكثر من 250 عاما من الفحم النظيف ويريد من خلال مبادراته أن يضع الولايات المتحدة في مقعد القيادة بمجال الطاقة ولا يريد فقط لاستقلال الطاقة ولكن هيمنة الطاقة الأمريكية، وهو ما جعله ينسحب من اتفاقية المناخ وقال سنسحب من أي اتفاقية لا تضع أمريكا أولا.

 لكن تظل السعودية محور الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا دافعة الطلب، وهي تستخدم مطرقة التكلفة المنخفضة للإنتاج لتصحيح مسار السوق، رغم أن كفاءة الطاقة ترتفع والغاز يحل محل 1.53 مليون نفط يوميا بحلول عام 2040، لكن وفقا لباركيندو فإن إمدادات المستقلين تصل ذروتها في 2027 تسجل 61 مليون برميل يوميا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق