معركة مورك: انسحاب بطعم ربع هزيمة وثلاثة أرباع النصر

مورك.. ساحة صراع

تشكل بلدة مورك ومعها خان شيخون ومعرّة النعمان نقاطاً هامة واستراتيجية، وتشكل عائقاً لتقدم جيش النظام السوري في عملياته العسكرية في ريف إدلب فتمنع وصول الإمدادات الخارجة من مطار حماة العسكري إليها. تقع مورك شمال مدينة حماة وتبعد عنها 30 كلم، وتعتبر البلدة، بموقعها الاستراتيجي، ذات أهمية كبيرة لكل من المعارضة والنظام. يشقّ الطريق الدولي البلدة إلى قسمين؛ شرقي كان بيد قوات النظام وغربي كان تحت سيطرة كتائب المعارضة المسلحة التي استماتت للمحافظة على مواقعها في مورك، وقد استطاعت أن تسيطر عليها منذ ثمانية أشهر، ومنذ ذلك الوقت تدور معارك كبيرة لاستعادة مورك في سياق معركة شاملة. ويعتبر كثير من المحللين أنّ معركة مورك هي جزء من معركة فكّ الحصار عن العديد من مواقع قوات الأسد، وأهمها معسكري وادي الضيف والحامدية القريبين من معرة النعمان.

 

مورك.. بيد الثوار

يُذكر أنّه قد تمكنت فصائل وكتائب عسكرية معارضة عدة، في هجوم مباغت على قوات النظام المنتشرة في بلدة مورك ومحيطها، من السيطرة عليها في الأول من شهر فبراير/شباط الماضي، وظلت قوات النظام المدعومة بمليشيات عراقية ولبنانية تحاول بشكل يومي التقدم باتجاه البلدة، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها تلك القوات وتدمير عشرات الأرتال العسكرية الكبيرة التي تم إرسالها في محاولات يائسة لاستعادة السيطرة على البلدة.

ويعود سبب صمود فصائل المعارضة المسلحة في بلدة مورك، في الدرجة الأولى، إلى التنسيق والتنظيم العالي الذي يتمتع به مقاتلو المعارضة في البلدة، فيشير أحد القادة العسكريين في جبهة مورك، إلى أنه منذ السيطرة على البلدة، قامت فصائل المعارضة بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها بتشكيل غرفة عمليات موحدة، بهدف إدارة المعركة مع قوات النظام بشكل منظم، والمساعدة في توزيع المهام والمسؤولية على كل فصيل من الفصائل المنضوية تحت الغرفة.

تحظى مورك باهتمام الثوار الذين تمكنوا بعد تحرير المدينة من الزحف باتجاه العديد من مدن وبلدات ريف إدلب وتحريرها، مثل خان شيخون وحواجزها الـ 22، وذلك بعد قطع الإمداد عن قوات النظام هناك، وخلال ما يقارب العشرة أشهر من تحريرها، أصبحت مدينة مورك جبهة استنزاف كبيرة لقوات النظام حتى عُرفت بـ “مقبرة الأرتال”، في إشارة لخسائر النظام فيها التي بلغت “أكثر من 100 دبابة ومدرّعة، وأكثر من 50 سيارة مزوّدة برشاشات، إضافة إلى مقتل المئات من عناصر النظام والميليشيات الموالية له”.

 

معركة مورك الأخيرة وعودتها لقبضة النظام

في ضوء تقدّم قوات النظام في ريف حماة الشمالي بعد حشد أرتال عسكرية كبيرة أسفرت عن إبعاد المعارضين عن محيط مدينة حماة، وذلك غداة وصولهم إلى مشارف مطارها العسكري وسيطرتهم على مدينة خطاب ورحبتها العسكرية، بقيت المعارك مستمرة بين كر وفر بين قوات النظام وميليشياته من جهة وبين فصائل المعارضة المسلحة في بلدة مورك من جهة ثاني، وتحولت بيوت البلدة وأحياؤها السكنية إلى أكوام من الركام والحجارة، بفعل القصف المتواصل من قبل قوات النظام بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، وفي مقدمتها البراميل المتفجرة.

“جندي الأسد المدلل”، “الريح الأصفر” وأخيراً “النمر”، كلها ألقاب أطلقها موالون للنظام على العقيد في المخابرات الجوية، سهيل الحسن، بعد “النجاحات” التي حققها في حلب بقيادته للعمليات العسكرية في المدينة، واتباعه سياسة “البراميل المقدسة” كما يصفها موالوه، فقد استُقدم “النمر” إلى حماة مؤخراً ليشرف على غرفة عمليات مورك تحديداً، ليتمكن بعد هجمة براميل شرسة على مدن وبلدات ريف حماة، من إبعاد الثوار عن محيط مطار حماة العسكري، إلا أن بعض قادة المعارضة المسلحة، لا يرى في ذلك التقدم نجاحاً لسهيل الحسن، ووصفه بـ “أنه مجرد واجهة لغرفة عمليات روسية إيرانية هي من تقود فعلياً العمليات في ريف حماة”.

منذ شهرين تقريباً، بدأت قوات النظام السوري عميات هجومية باتجاه مورك من جهة الحي الشرقي الذي يؤمن للجيش الوصول الى عقدة الأوتوستراد الرئيسي، ومن جهة الحي الجنوبي الذي يسعى الجيش من خلال السيطرة عليه الوصول إلى تل الناصرية وتل مورك لتأمين السيطرة النارية على باقي أحياء مورك.

وتشير آخر المعلومات أنّ الجيش السوري أحكم سيطرته منذ أسبوع على الحي الجنوبي لمورك، ما يؤمن له سيطرة نارية على وسطها، وإضافةً الى العمليات البرية، يعتمد الجيش السوري على ضرب المواقع الخلفية لجماعات المعارضة المسلحة بالطيران والمدفعية. وكان النظام السوري يحتفظ أيضاً بعدد لا بأس به من القوات تتوزع، إضافةً الى المواقع القتالية، على شبكة من الحواجز المنتشرة على تخوم مورك، وهي:

1- حاجز الحرش.

2- حاجز العبود على بُعد 1 كم من الحاجز السابق.

3- حاجز كازية الخالد على بُعد 2 كم من حاجز العبود.

4- حاجز “النقطة 5” يقع شرق الأوتستراد بحوالي 1 كم من الجهة الشرقية.

5- حاجز الغربال والبويضة وجسر طيبة الإمام على طول الأوتستراد.

ويوم -الخميس 23 أكتوبر/تشرين الأول2014- سيطرت قوات النظام على مدينة مورك بالكامل بعد اشتباكات عنيفة استخدم النظام فيها مختلف أنواع الأسلحة من القنابل العنقودية وغاز الكلور والحاويات المتفجرة، وسُجِّل أكثر من 80 غارة جوية من الطيران الحربي والمروحي على مورك، بالإضافة الى القصف المدفعي والصاروخي واستخدام النظام أربع مطارات لقصف مورك.

تعتبر جماعات المعارضة المسلحة أنّ السيطرة على مورك هي جزء لا يتجزأ من معارك ريف ادلب وريف حماة، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما. والجدير ذكره أنّ معركة مورك هي جزء من معركة الأرياف، ولا تختلف عنها كثيراً من حيث الأهداف المتبادلة لدى طرفي القتال في السيطرة على عقد المواصلات والتلال الهامة، لارتباط الأمر بخطوط الإمداد والحركة بين المناطق، وفيما يخصّ مورك، فإنّ السيطرة عليها من قبل قوات الأسد لن يشكّل أكثر من بعد تكتيكي في الوقت الحالي، حيث أنّ احتلالها وحدها دون وجود مهمات حيوية لاحقة مرتبطة بجبهة ريف إدلب لن يشكل تغييراً جذرياً في طبيعة الجبهات، وأهمية مورك تُقرأ في الأبعاد الجغرافية، وخصوصاً أنّ البلدة هي المعقل الأخير للمعارضة المسلحة في ريف حماة الشمالي، وهي الرابط بين دمشق وحلب مروراً بحماة وإدلب. والحرب كما يُقال كرٌّ وفرّ، والحربُ سِجال.

صورة لعربة BMB  دمرّها الثوار في معركة مورك

 عربة مدمرة

عبد الكريم عنكير

كاتب وباحث سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق