مبدأ نهاية الحدود ومرافعات الأمم المتحدة في قضية جزر الإمارات الثلاث

ينص مبدأ ” نهاية الحدود الدولية واستقرارها” في القانون الدولي على أنه “تتمتع الحدود السياسية الدولية منذ لحظة إتمام تعيينها وتخطيطها (ترسيمها)، أو حتى تعيينها فقط بقدر من الثبات والاستمرارية يفترض فيها أن تنتج آثاراً قانونية ذات طبيعة دائمة وملزمة، ليس فقط في مواجهة الأطراف المعنية مباشرة، وإنما في مواجهة الكافّة، طالما تم تعيينها على أساس سليم“.

ينص مبدأ ” نهاية الحدود الدولية واستقرارها” في القانون الدولي على أنه “تتمتع الحدود السياسية الدولية منذ لحظة إتمام تعيينها وتخطيطها (ترسيمها)، أو حتى تعيينها فقط بقدر من الثبات والاستمرارية يفترض فيها أن تنتج آثاراً قانونية ذات طبيعة دائمة وملزمة، ليس فقط في مواجهة الأطراف المعنية مباشرة، وإنما في مواجهة الكافّة، طالما تم تعيينها على أساس سليم”.

ويتعامل القانون الدولي العام مع ظاهرة الحدود الدولية وما قد ينجم عنها من مشكلات ومنازعات اعتماداً على مجموعة من المبادئ الأساسية أو الحاكمة التي ينبغي أن تكون محل اعتبار عند الشروع في أي محاولة لتسوية نزاع معّين من منازعات الحدود. ولعل المبدأ الرئيسي الحاكم، في هذا الخصوص، هو ذلك المبدأ الذي يطلق عليه فقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية، مبدأ “نهاية الحدود الدولية واستقرارها”.

في دراسة مطولة يورد موقع (مقاتل) تفنيداً قانونياً واستعراضاً تاريخاً لمعالجة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لقضية الجزر الثلاث والغبن الذي طال حقوق الطرف العربي في مناشات مجلس الأمن عام 1971، وسنحاول تفنيده ومعالجته لتوضيح الصورة أكثر لهذه القضية المزمنة.

 

تواردات مبدأ نهاية الحدود الدولية

من المبدأ السابق حول الحدود الدولية واستقرارها تتوارد مجموعة من المبادئ الدولية التي تنظم المنازعات الحدودية وهي:

  1. مبدأ خلافة الدول في معاهدات الحدود: ويفيد بأن معاهدات الحدود تعد من المعاهدات التي تجوز الخلافة فيها، أي أن الدولة الجديدة إعمالاً لمبدأ نهائية الحدود الدولية واستقرارها واستمراريتها، بوصفها الدولة الخّلف، ترث الحدود نفسها التي تم تعينيها من قبل بواسطة الدولة أو الدول السلف.
  2. مبدأ لكل ما في حوزته: ومفاد هذا المبدأ، الإبقاء على الحدود السياسية بين الدول حديثة العهد بالاستقلال بوضعها الراهن لأنه قد يكون أخّف الأضرار التي ينبغي تحملها، وذلك ما لم تتفق الدول المعّنية طواعية وبشكل ودّي على غير ذلك.
  3. مبدأ استثناء معاهدات الحدود من نطاق تطبيق نظرية التغير الجوهري في الظروف: إذ لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:

أ‌-إذا كانت المعاهدة منشّئة لحدود.

ب‌- إذا كان التغير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالتزام طبقاً للمعاهدة أو بأي التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.

  1. مبدأ احترام السيادة الإقليمية: نص ميثاق الأمم المتحدة، ـ في المادة 2/4 منه ـ على أنه: “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة”.
  2. المبادئ الخاصة بأدلة الإثبات ودلالاتها القانونية في منازعات الحدود وهي:

أ‌- مبدأ السلوك اللاحق: يقصد بالسلوك اللاحق في هذا الخصوص، جميع ما يصدر عن طرف معين من أطراف النزاع الدولي بشأن الحدود من أعمال ومواقف يمكن الارتكان إليها لفهم وجهة نظره بخصوص هذا النزاع. وتأخذ هذه الأعمال أو تلك المواقف صوراً شتّى منها: التشريعات، الخرائط، التصريحات أو البيانات المنسوبة إلى الدولة، التجنيد الإجباري للمواطنين، جباية الضرائب، تسجيل وقائع الزواج والميلاد والوفاة ومباشرة الاختصاص القضائي.

ب‌-  مبدأ إغلاق الحجّة: ويقصد بهذا المبدأ أنه يمتنّع على الدولة التي تسّلك سلوكاً ما، يحقق لها نفعاً معيناً، أن تدعي لنفسها حقوقاً تضّر بدولة أخرى على نقيض هذا السلوك، أي أن التصرف السابق للدولة، والذي من شأنه أن يعّمد إلى إيهام الدول الأخرى بوجود حالة معينة، يُغلق على هذه الدولة الطريق لإمكان العودة والمطالبة بما يخالف هذا التصرف السابق، من الواضح أن هذا المبدأ يتفق تماماً ومبدأ حسّن النيّة، بل ويعد أحد أهم مقتضياته. ويعد من القواعد الموضوعية التي تقيم الدعوى ويستند إليها الحق في منازعات الحدود، وقد أعمّلت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ في العديد من القضايا.

ت‌- مبدأ حجّية الخرائط: جرت عادة الدول على إصدار خرائط رسمية أو غير رسمية، توضح عليها حدودها السياسية مع جيرانها، كما أن الخرائط قد تلحق بالمعاهدات المنشئة للحدود. ولا بّد أن تتحقق في الخرائط التي يعّول عليها في هذا الخصوص صفات وشروط معينة، وأشار بعض الفقهاء إلى وُجوب التمّييز بين نوعين من هذه الخرائط.

  • النوع الأول: يشمل الخرائط الملحقة بمعاهدة منشئة للحدود، وهذه تكون لها أهمية كبرى حيث أنها تعبّر بحق عما ارتضاه الأطراف المعنّيون عند اتفاقهم على تعيّين خط الحدود، ولكن من الملاحظ أن العمل قد جرى على أنه إذا حدث تعارض عند التفسير بين نصوص المعاهدة والخرائط، فإن الأولوية تكون للخط المشار إليه في المعاهدة.
  • النوع الثاني: يشمل الخرائط التي تصدر عن الدول الأطراف بالإرادة المنفردة، وهذا النوع يعّبر عن وجهة نظر كل طرف دون اتفاق الأطراف جميعاً على ذلك.

 

الأمم المتحدة ومرافعات قضية الجرز الإماراتية

في القسم الآخر من الدراسة الواردة في موقع (مقاتل) يبحث في العملية القانونية ومعالجة مجلس الأمن لقضية الجزر الإماراتية. فمع مطلع استقلال دولة الإمارات وفي التاسع من ديسمبر 1971، وبناءً على طلب من كل العراق وليبيا والجزائر وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، طُرح موضوع احتلال إيران للجزر الثلاث أمام مجلس الأمن الدولي. وقد وجَّه ممثلو كافة الدول العربية بهيئة الأمم المتحدة النقد اللاذع والصريح لبريطانيا وإيران على السواء، وكان المندوب العراقي أكثر المتشديين، حيث ذكر أن شيخ إمارة رأس الخيمة كان قد وجه طلباً إلى العراق لكي يمدّه بيد العون والمساعدة، وذلك قبل توجيه الطلب لكل من جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة. كما طعن المندوب العراقي في صلاحية مذكرة التفاهم، التي عقدتها إيران مع إمارة الشارقة، بخصوص جزيرة أبو موسى. ثم عبَّر خلال مناقشاته عن رفض بلاده (العراق) للتبريرات الثلاث التي صاغتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيران، لتفسير عملية وضع اليد الإيرانية على الجزر الثلاث، حيث كانت المبررات المشار إليها تقضّي بما يلي:

  1. تأكيد إيران على حقوق السيادة التاريخية على الجزر الثلاث.
  2. تأكيد إيران والولايات المتحدة الأمريكية معاً على حالة الفراغ السياسي والعسكري الذي نتج عن جلاء الوجود البريطاني من منطقة الخليج العربي.
  3. تأكيد إيران الأهمية الإستراتيجية للجزر الثلاث.

أي أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعمل بالتواطؤ مع إيران ضد حقوق الإمارات العربية آنذالك، وبعد ذلك وجه المندوب العراقي النقد لبريطانيا، لأنها سلمت دورها الاستعماري في منطقة الخليج العربي لإيران ولم تلتزم بالحفاظ على وحدة تراب إمارة رأس الخيمة، أما الكويت وجمهورية اليمن الجنوبية، فقد طالبتا مجلس الأمن أن يطالب من إيران بإخلاء وسحب قواتها من أراضي الجزر الثلاث، بينما طالبت ليبيا المجلس المذكور “بتحمل مسؤولياته كاملة وأن يكون على مستوى تطلعات المجموعة الدولية”.

لقد عكس هذا الاجتماع التوتر الإيراني العراقي والخلافات الحدودية أيضاً بينهما حول شبه جزيرة الفاو وإقليم الأحواز(عربستان) وهي ليس موقع حديثنا هنا، لكن العراق في حينها هاجم بحماسة لصالح إعادة الحقوق الإماراتية في السيادة على الجزر الثلاث، وهذا انعكس على الرد الذي قدمته السلطات الإيرانية للإجابة على مطالب مجلس الأمن الدولي موجهاً أساساً ضد العراق الذي وصفّه الوفد الإيراني بأنه “مصدر القلق وزعزة الاستقرار” بالمنطقة، ثم أعلن المندوب الإيراني طعن الحكومة الإيرانية في المبدأ الذي أعطى العراق حق التحدث بالإنابة عن إمارة الشارقة. ثم شرح مندوب إيران أهداف وأبعاد السياسة الإيرانية مذكراً بحقوق “إيران التاريخية” في الجزر المذكورة وأهميتها الاستراتيجية وقربها من السواحل الإيرانية، ثم أضاف أن إيران قد ساهمت عبر سيادتها على الجزر المذكورة، في نشر الإسلام وإشاعة الأمن والاستقرار في ربوع المنطقة.

أما المندوب البريطاني فقد ذكر أن الاتفاق على مسألة البحرين، واستقلال قطر، وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والتوصل إلى تسوية بين كل من إيران وإمارة الشارقة بخصوص جزيرة أبو موسى، قد شكلّ أساساً معقولاً ومقبولاً من أجل ضمان أمن وسلام المنطقة في المستقبل. ثم أضاف التعبير عن رفض بلاده لموقف العراق القاضي بأن وضعية المنطقة بعد جلاء القوات البريطانية عنها، لم تكن تشكل أي تهديد للسلام الإقليمي والعالمي. واخّتتم اجتماع هيئة الأمم المتحدة بتبّني مقترح مندوب دولة الصومال بتأجيل مناقشة مسألة الجزر الثلاث إلى أجل لاحق، بهدف توفير الفرصة والوقت الكافيين للأطراف المعنية لتحديد وتوضيح مواقفها المختلفة.

في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية التي كانت سائدة مع مطلع السبعينات كانت إيران على يقين أنه سيكون من العبث محاولة استغلال أي خلاف مع إيران، بما يمكن أن يشكل تهديداً محتملاً لاستقرار وأمن وسلامة منطقة الخليج العربي، وتم تعزيز هذا الشعور عند الإيرانيين حتى بعد سقوط الشاه ونجاح الثورة الإيرانية عندما غزا العراق دولة الكويت في 2 أغسطس 1990، حيث طرحت هذه القضية كقضية بين دولتين عربيتين على المجموعة العربية، لكن عجز المجموعة العربية عن حلها دفع تحالفاً عالمياً بقيادة الولايات المتحدة إلى التدخل وعسكرة المنطقة لأمد طويل، وبالتالي إذا كانت الدول العربية غير قادرة على حل مشاكل الحدود فيما بينها، فكيف لها أن تطالب بحل المشاكل الإقليمية بينها وبين إيران.

 

إيران قناصة فرص ودبلوماسية الأنفاق:

كانت الحكومة البريطانية قد أوضحت في أكثر من مناسبة، من خلال الوثائق والمراسلات الرسّمية منذ القرن التاسع عشر، عن اعترافها بسيادة قواسم الشارقة ورأس الخيمة على الجزر الثلاث، ومعارضتها للادعاءات الإيرانية، حتى أن الحكومة البريطانية وجهت في سبتمبر 1934 تحذيرات للحكومة الإيرانية بعدم المساسّ بالأوضاع القائمة في الجزر، حيث اعتبرت أن المزاعم الإيرانية لا أساس لها من الصحة، وهددّت بمقاومة أي تدخل من جانب إيران في الجزر الثلاث.

لكن إيران بعد أن فقدت امكانية التأثير في السياسة البريطانية أخذت تغازل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الدبلوماسية السرية وإعادة تنشيط علاقاتها السّرية التي أقامتها في منتصف الثمانينات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كشفت عنها فيما بعد فضيحة إيران جيت، شريطة ألا يتخلى النظام الإيراني عن سياسته الإعلامية المعادية للإمبريالية. وبدأت إيران في دراسة تحديد الإطار السياسي الذي ستتبعه مع الغرب، لاسيما أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها  قد أدت إلى ضعف وتهالك بناها الداخلية، وأحدثت سخطاً داخلياً عارماً الأمر الذي دفع بالنظام الإيراني إلى تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة واليابان ودول المجموعة الأوروبية وقمع الداخل ما أمكن ذلك.

من جهة أخرى على الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج عامة أن تدرك بأن الولايات المتحدة كانت مسّتعدة دوماً لمراجعة الملف الإيراني وبناء تفاهمات جديدة حتى لو كان على حساب الحلفاء العرب، دون أن  يؤثر في مصالحها الخاصة ومنظورها للشرق الأوسط، وبالتأكيد أمن إسرائيل.

وتغازل إيران دولاً مثل اليابان ودول المجموعة الأوروبية وبطبيعة الحال دولاً مثل روسيا والصين لكسبهم في ملفات حدودية وإقليمية مقابل عقود طويلة الأجل في الاستثمارات النفطية والغازية، دون أن تلمح ولو لمرة واحدة إمكانية التفاهم وحل الملفات الحدودية مع جيرانها العرب.

ومنذ حرب الخليج الثانية، استطاعت إيران أن تفرض نفسها على الساحة الدولية بفضل الدبلوماسية التي اعتمدتها في عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي استغل هذه الحرب لصالحه، وأن يبقى بلاده خارج دائرة الصراع، تماماً كما حصل بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث خرجت إيران كقناص فرص دون أن يبذل جهداً كبيراً أو عبقرية دبلوماسية كما يحب البعض أن يسميها بل هي سياسة انتهازية تستفيد من أخطاء الغير وتبني عليها تكتيكاتها.

لذا كان لابد من مواجهة هذا التعسف الإيراني واستكباره بمواقف حاسمة بالتنسيق والتعاون مع دول الإقليم المجاور للخليج والبحث في إمكانية تقوية الإمكانات الذاتية وتطوير سياسات وطنية لزيادة المناعة الداخلية، وما موافقة مجلس الوزراء الإماراتي على مشروع قانون يفرض التجنيد الاجباري على الشباب الإماراتي إلا خطوة باتجاة الطريق الصحيح.

مازن محمود علي 

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق