ما بين جزاريْن

انتقدت إيران الغرب بسبب موقفه من موت أرييل شارون مرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا الأولى وانتقد الغرب بدوره وزير خارجية إيران بسبب زيارته لقبر عماد مغنية المتهم بتنفيذ عمليات إرهابية وخاطف الطائرة الكويتية الجابرية.

ويبدو أن الطرفين يبحثون عن حجة لانتقاد بعضهما البعض. وأسباب الانتقاد معروفة للجميع وهي التغطية على التقارب والتآلف والانسجام الحاصل بين إيران والغرب في العديد من القضايا بعد ذلك العداء الشكلي الذي مررته إيران على غالبية شعوب المنطقة التي تنظر إلى أمريكا والغرب بريبة وشك متزايد نتيجة حمايتهما لإسرائيل وتحب بل تعشق بقلبها لا بعقلها كل من قال الموت لأمريكا إن كان الشيطان نفسه.

لكن كيف استطاعت إيران انتقاد الغرب بسبب موقفه من موت أرييل شارون الذي تحاول إيران إيهامنا إنها أيضا مثلنا تعتبره مجرم حرب وتتهمه في إبادة الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982، وهي التي شاركت عن طريق إحدى أدواتها في لبنان حركة أمل الشيعية التي أسسها موسى الصدر المبعد من إيران إلى لبنان في صفقة سرية بينه وبين السافاك جهاز المخابرات الإيراني آنذاك في مجزرة أخرى عام 1985 لا تقل بشاعة عن مجزرة أرييل شارون وفي نفس المخيمين الفلسطينيين.

لا نعلم كيف كانت حقيقة موقف إيران حيال المجزرة الأولى التي ارتكبها شارون ضد أهلنا الفلسطينيين لكننا نعلم جيدا كيف كانت مواقف الإيرانيين من المجزرة الأخرى التي ارتكبوها هم وبالواسطة وعن طريق مليشيا أمل، إذ صام خميني المرشد الأعلى وملهم التطرف الشيعي عن الكلام لعدة أيام واحتجب حينها عن الظهور والحديث لوسائل الإعلام. كان الجميع يعتقد أن الرجل من شدة الزهد لا يريد الظهور والحديث عن أمور الدنيا لآنه منشغل بآخرته. وبعد أن انتهت المجزرة ووجد اللاجئون الفلسطينيون 90 بالمئة من منازلهم مهدمة وقتل وجرح منهم ما يقارب 3100 شخص أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن، أنهى حينذاك خميني صيامه وظهر مجددا إلى العلن. وحين سئل عما دار هناك في لبنان قال لا أستطيع الحديث عن الموضوع لمصلحة الإسلام والمسلمين!

سجلّ إيران وعملائها في الوقت الحالي حافل بمجازر مثل مجزرة صبرا وشاتيلا والقصير السورية وربما الفلوجة العراقية مستقبلا والقتل والتهجير الطائفي اليوم في دماج ضد أهل السنة من اليمنيين، الأمر الذي يقال عنه إنه يحدث وللمرة الأولى في تاريخ اليمن إذ يهجر مواطنون قسرا من مناطقهم بسبب انتمائهم المذهبي. ومنشأ هذا كله أفكار خميني المتطرفة التي باتت تقطف ثمارها إيران ومعها المتربصون بالعرب والحاقدون عليهم.

السمة المشتركة لكل تلك المجازر ليس فقط خمينيتها الفكرية بل طائفيتها البغيضة. فمنذ متى تقاتل الشيعة والسنة في الوطن العربي من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، لو لا هذا الشحن الطائفي والتزوير والتلفيق وقلب الحقائق التاريخية التي تمارسه إيران ومن لف حولها مستخدمين أموالا طائلة جنوها نتيجة احتلالهم للأحواز العربية الغنية بالنفط التي عرف عن أهلها حبهم للإسلام والعروبة ولطالما ذادوا عن أمن واستقرار المنطقة وبالذات منطقة الخليج العربي حين غزاها الاستعمار البرتغالي والهولندي والبريطاني.

الحرب الطائفية التي خطط ونظر وأفتى لها خميني و معه مجموعة الشر مما يسمون برجال الدين الذين وضعوا هدفهم الرئيسي بالحياة الثأر من كل عربي و سني على وجه هذه الأرض لأنهم يعتبرون التشيع و الشيعة ملكا لهم وفارسيا بامتياز وما تبقوا فهُم مسلمون مضللون أو ضالون يجب قطع دابرهم كما يذكر في أمهات كتبهم ويعلنون عنه جهارا نهارا، قد بدأت هذه الحرب منذ مجزرة صبرا وشاتيلا حيث كانوا أعضاء حركة أمل يهتفون في إحدى مظاهراتهم في بيروت آنذاك -لا إله إلا الله العربي عدوا الله- حين ارتكبوا مجزرتهم و بمباركة من خميني ضد أهل السنة الفلسطينيين في مخيمي صبرا و شاتيلا، لكننا نحن من لم نرد تقبل فكرة هذه الحرب لأننا بطبيعتنا نكره الكره و البغضاء و الضغينة ونكره ما تحمله افئدة الحاقدين على العروبة والإسلام أمثال خميني و من تبعه الذين جعلوا هدفهم الأساسي في الحياة تدمير ما استطاعت بناءه هذه الأمة التي أسست حضارة عالمية نفخر بها جميعا.

أما والإيرانيون اليوم في نشوة انسجامهم مع مواقف الغرب وإسرائيل وأمريكا ضد ما يسمونه بالإرهاب الذي سبقوهم في نبذه وطرده العرب حكومات وشعوبا منذ سنين، الإرهاب الذي تحاول إيران الصاقه في هذا البلد العربي أو ذاك، ما علينا إلا عدم التصديق بكل ما تقوم به إيران وحلفاؤها خاصة في محاولاتها الحثيثة للانفراد بالسعودية التي تراها إيران المانع الوحيد المتبقي أمام تحقيق مشروعها التوسعي التاريخي من خلال بناء علاقات منفردة مع دول خليجية أخرى. إذ معروف عن الإيرانيين عندما يسيؤون إلى أمة أحد أو شعب أحد يقولون له إلا انت، لتخفيف وقع الإساءة عليه ليس إلا. وها هم اليوم يتهمون العرب بالإرهاب وربما يقولون للقطرين أو للعمانيين أو للعراقيين إلا أنتم، لعزل السعودية عن محيطها العربي والانفراد بها مستقبلا!

في النهاية لا نستغرب كيف استطاع هؤلاء جمع كل هذا الحقد على الإسلام والعروبة لأننا نختلف عنهم في نقطة جوهرية يجب ألا تغفل، إذ يعتبر كل عربي أصيل الإسلام مصدر عزته ولسان حاله دائما يقول أعزنا الله بالإسلام، وبعد أن كنا قبائل متناحرة ومشتتة ومتقاتلة أصبحنا حاملي رسالة سماوية لهداية البشر. بينما تلك الجماعات، جماعات الشر يعتبرون الإسلام مدمرا لإمبراطورتيهم المجوسية التي يتباكون على أطلالها إلى يومنا هذا.

موسى الفاخر 

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق