ماكرون، النجم الصاعد في الانتخابات الفرنسية، يحث على وحدة البلاد

(إرهاب آتي من عالم الجريمة المنظمة والمخدرات لكي يربح اليمين الفاشي في انتخابات فرنسا ولكنه لن يصمد)

بعد إعلان داعش مسؤوليته عن الهجوم في العاصمة الفرنسية يأتي على خلاف العادة من حيث سرعته أو في تحديد هوية المنفذ، والذي قتل فيه ضابط شرطة في 20/4/2017 بينما في اعتداءات سابقة وقعت في الدول الغربية يأتي تبني مسؤولية الهجوم من قبل داعش بعد 24 ساعة بل أحيانا يتأخر أكثر كما حدث مع هامبورج في أكتوبر 2016 بعد أسبوعين من وقعه.

خصوصا وأن التنظيم حدد هوية منفذ الهجوم بأنه بلجيكي يثير تساؤلات خصوصا وأن المهاجم الذي قتل أثناء محاولته الفرار فرنسي الجنسية كريم الشرفي وله سجل جنائي طويل وتم توقيفه لمدة وجيزة، وزاد الغموض بعدما وجدت الشرطة ورقة تشيد بداعش قرب جثة منفذ اعتداء باريس، وقد تكون هذه الورقة مضللة.

تبني داعش العملية وتحديد هوية المنفذ البلجيكية أربكت الموقف ورأت النيابة الفيدرالية البلجيكية أن لا علاقة بين الموقوف في بلجيكا الذي أبلغت عنه السلطات الفرنسية بشأن منفذ اعتداء الشانزيليزيه، لكنه مطلوب لدى القضاء البلجيكي في قضية مخدرات، وتمت مداهمة منزله ولم يكن موجود وبعد التحقق من حاسوبه تبين أنه بحث على الانترنت بشأن زيارة باريس في قطار تاليس الأوربي السريع، لكنه سلم نفسه للشرطة البلجيكية بعدما شاهد تناقل هويته على شبكات التواصل الاجتماعي في اعتداءات باريس الذي قتل شرطي خلاله، لكن مصدر فرنسي يؤكد خطورة الرجل البالغ من العمر 35 عاما وعثرت قوات الأمن أثناء مداهمة منزله على تذكرة قطار تاليس إلى فرنسا بتاريخ 20/4/2017 وأسلحة نارية وأقنعة لتغطية الوجه، وهو ما يتوافق مع تبني داعش بأن المنفذ أبو يوسف البلجيكي.

هذا الاعتداء يفسر بأن داعش تنظيم دولي يدار من قبل استخبارات وتنظيمات سرية لا علم للجهاديين في التنظيم بمثل تلك العمليات السرية، وهم يستخدموا كأدوات تنفيذية فقط لتحقيق أهداف انتخابية وغيرها من الأجندات الدولية، حيث يحشد اليمين المتطرف قواه لمعركة الرئاسة.

الهاجس الأمني كبير جدا، وهو ما دفع بقوة الاستراتيجية الأمنية التي كانت جزءا لا يتجزأ من البرامج الانتخابية لدى الجميع، رغم ذلك هناك حالة من عدم الثقة، وهناك حالة تردد سياسية مثلما أوضحت الاستطلاعات عدم تأكد المنتخب عن انتخاب الشخصية التي يريدها لقيادة فرنسا في السنوات الخمس المقبلة.

هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها وتركزت برامج هذه الانتخابات حول البطالة والإرهاب والإصلاح مع مطالبة بتغيرات جذرية في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بل إن اليمنيين يطالبون بخروج فرنسا من الاتحاد الأوربي على غرار بريطانيا.

في ظل الحظوظ المتقاربة لأربعة مرشحين في الجولة الأولى من الانتخابات هم ماكرون شعاره لا يمين ولا يسار ومارين لوبن التي لم يسبق لحزبها اليميني المتطرف الجبهة الوطنية أن حصل على مثل هذا التقدم ، وجان لوك زعيم اليسار المتشدد، وفرنسيو مرشح اليمين المعجب بتتاشر.

زهاء ثلث الناخبين لم يحسموا خيارهم ومثلهم يقولون إنهم لا يصوتون حيث يبلغ عدد الناخبين 47 ناخب منهم 5 ملايين من المسلمين أيضا منقسمون حيال الانتخابات وهم يشعرون بأنهم فرنسيون من الدرجة الأولى ويرفضون تصنيفهم في الدرجة الثانية ويرفضون وصمهم بالإرهاب لأنهم يدركون أن دينهم دين السماحة ومبادئه تطالبهم بالتعايش مع الآخر والوحيد الذي لم يمسهم ماكرون رغم ذلك كثيرون يؤمنون بأن صوتهم لا يغير شيء.

هناك من يحذر الليبراليين من أن فرنسا يجري استعمارها رغم أنهم يرفضون تسميتهم بالعنصريين لكنهم يعتقدون بأن المسلمين لا يرغبون في الاندماج ويجب أن ندخل في مرحلة المقاومة، هناك ثورة يمينية مضادة آخذة في الاشتعال مع تصاعد المشاعر المعادية للإسلام والتأييد المتزايد للحزب السياسي الذي اغتنم الفرصة الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة زعيمتها مارين لوبن حيث من المتوقع أن تتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية متزامنا مع صدى للمد الشعبوي الآخذ في الصعود في أوربا فلا يمكن استبعاد انتصار لوبن في الانتخابات.

بعض اليمنيين يرون أن الأقليات ليست مشكلة إذا بقيت أقليات لكن المشكلة أن تتحول بعد 20 عاما إلى أكثرية لذلك هم يطالبون الجمع بين اليمين الرئيسي واليمين المتطرف ويعتبرونه المسار الوحيد نحو الفوز بالرئاسة، وهم يرفضون تسمية اليمين المتطرف بل يسمونه باليمين الصحيح الذي يجمع بين تدابير القانون والنظام الصارمة والشعارات الرنانة، ويقبلون بمسمى شعبويين وأنهم يشنون حربا على المثقف اليساري الذي يكره فرنسا وأنه السبب في كل متاعب فرنسا ويسعون لإعادة التقاليد المسيحية لتكون لها الصدارة في فرنسا.

هم يناهضون الهجرة ويفضلون استبدال سكان شمال أفريقيا بالطبقة المتوسطة البيضاء في فرنسا وهو ما يمثل انجراف أيديولوجي، لكن اليمين المتطرف حصل على قاعدة صلبة في شمال فرنسا وهم من السكان الذين اضطروا للخروج من الجزائر بعد حصولها على الاستقلال عام 1962 ويحملون مشاعر مناهضة للعرب، ولم تكن النساء يرتدين الحجاب في فرنسا، ويطالبون فرنسا العلمانية بأن تعيد تأكيد جذورها المسيحية لمعالجة أزمتها الأخلاقية وينبغي عدم التعامل مع الأديان على قدم المساواة، لأنهم يتخوفون من انتشار الإسلام السريع في الضواحي الذي يمكن أن يغير من المعادلة الديمغرافية مستقبلا.

لكن والد لوبن تم طرده عام 2011 بعد الإدلاء بتعليقات معادية للسامية ويعتبر هذا الحزب العديد من الفرنسيين بأنه سام، لكن الخشية إذا ما فشل فيون في الوصول إلى الجولة الثانية فيمكن أن يدعم ناخبيه لوبن ضد ماكرون، لكن ثلثهم سيمتنعون عن التصويت، كما أن احتمال خروج فرنسا من الاتحاد الأوربي يمنع كثيرا من الجمهوريين من دعم لوبن، ولكن في النهاية هل تفوز فرنسا بمعركة الأفكار أم بمعركة الأيديولوجيا؟.

يبدو أن الفرنسيين يحسمون الرهانات المفتوحة في سباق الأليزيه وانتقل إلى الجولة الثانية ماكرون ولوبن التي تفوقت على والدها وتمردت عليه وعزلته ضمن سلسلة العداء لليهود التي نجحت في تحويل حزبها من حالة هامشية إلى حالة خطيرة تدخل أوربا في منحنى التفكك بسبب أنها ترفض أوربا واليورو وإغلاق المساجد التي تبث التطرف.

 لذلك يرى العديد من المحللين بأن لوبن شخصية تصادمية ولديها علاقات خارجية سيئة ولا يمكن أن تصبح رئيسة لفرنسا، لكن حزب لوبن يعتبرون انتخاب ترامب والتصويت المناهض للأوربيين بما في ذلك تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوربي ينبغي أن يعزز حزب لوبن، كذلك بعد التصويت في المجر والنمسا وبعد صعود أصدقاء الحزب الوطنيين الألمان من حزب البديل من أجل ألمانيا وهو حزب يميني متشدد فترى لوبن أنه جاء دورها في تلك الانتخابات لتحبط التوقعات واستطلاعات الرأي.

لكن ماكرون يشدد أمام ناخبيه أنه لا يستخف بالتهديدات الإرهابية ولكنه يختلف مع فيون ولوبن حول كيفية معالجتها، ويرفض أن يكون الخوف محرك هذه الانتخابات، وسيدعو إلى عدم تقسيم الفرنسيين بين المسيحيين والمسلمين الإرهابيين كما تحاول القيام بذلك لوبن وأن المعركة ليست ضد المسلمين بل ضد المتطرفين والإرهاب.

وفي خطاب فرانسوا فيون الذي اعترف بهزيمته في الجولة الأولى بعدما تقدم ماكرون ولوبن حصل كل منها على 23 في المائة من أصوات الناخبين وهو ما نصح ناخبيه فيون بأن يعطوا صوتهم لماكرون في الجولة الثانية واستعدادهم للانتخابات البرلمانية.

 ما يعني أن كل المؤشرات تعطي بأن يكون رئيس فرنسا القادم ماكرون لأن لوبن بعد خطابها لا يزال خطابا جامد ولديها جمهور محدد لا يمكن أن يخرق الأحزاب الأخرى وتتسع دائرته، ولا يمكن أن يأخذ أكثر مما أخذه في انتخابات المرحلة الأولى، ولن تكون هناك مفاجآت مثلما كانت في الجولة الأولى لأن ثلثي المناخ السياسي والاجتماعي والإنساني مع ماكرون من أجل أن يقطعوا أي فوز مرتقب للوبن.

خصوصا وأن ماكرون سعى إلى تصوير نفسه بهيئة الموحد لصفوف الدولة أمام حشد من أنصاره، وهو يريد مصالحة بين جبهتي فرنسا اليسار واليمين كما هو يريد مزيدا من الدفاع الأوربي والشراكة بين فرنسا وألمانيا، وبدا ساخرا من سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن بناء جدار عازل على الحدود الأمريكية مع المكسيك وشبه السياسة بتحصينات فرنسا التي أخفقت في صد زحف هتلر عام 1940، وقال لا أريد بناء جدار كما لا يوجد جدار في برنامجي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق