مؤشرات على قرب نهاية نظام ولاية الفقيه

في حال خسر النظام الإيراني أذرعه خارج حدوده وفشل في المحافظة عليها فإن هذا سيكون بداية استقلالية الشعوب الإيرانية عن النظام الفارسي.

لاحت في الأفق سلسلة من ملامح بداية نهاية “نظام الولي الفقيه” الذي يحكم الشعوب الإيرانية بطوق من حديد صدعته إرادة تلك الشعوب وقهر المظلومين، وبدأت تطفو إشارات واضحة على قرب الخلاص من نظام قمعي لا يعرف سوى الحكم بالقوة واغتصاب الحريات وسلب الحقوق ونشر الفوضى ودعم الإرهاب.

إن الصفات التي اتسم بها النظام الفارسي الحالي من حيث طريقة حكمه وسياسات بلاده العامة تبدي شيئا من انتهاء صلاحية هذا الحكم، فجميع الأنظمة التي اشتركت مع النظام الإيراني في ميزات الحكم هذه والسياسات العامة الفردية سقطت بعد مدة تراوحت بين 35 إلى 40 عاما، وخير مثال على ذلك نظام معمر القذافي في ليبيا. إن فترة ما يقرب الأربعين عاما كافية لتغيير الأجيال وأفكارهم، لذا فإن أي فكر صلب لا يتسم بالمرونة فإنه سيرفض بعد تبديل هذه الأجيال، وهو ما حدث لجميع الأنظمة ذات الأفكار المتصلبة.

الفكر السياسي والعقائدي للنظام الإيراني ينطبق تماما على هذه المعادلة، فهو فكر متصلب لا يقبل التغيير أو حتى الانتقاد، ثم إن السياسات العامة لإيران مستقاة من فكر وعقل شخص واحد وهو الخميني، وهذه السياسات نبعت من أهواء وأفكار وجدت طريقا إلى قلوب وعقول بعض الشعب في فترة بداية الثمانينات، لأسباب عدة كانت هذه الشعوب قد خُدعت بتلك الأفكار التي نادت في ذلك الوقت بإرساء مبدأ العدالة وتمكين الحريات، ومن الطبيعي بعد معرفة حقيقة بطلانها لعدم تحقيق أدنى ما كانت قد دعت إليه، أن تجد رفضا شعبيا لها.

ثم إن هذه الأفكار السياسية التي بقيت في حالة جمود حتى يومنا هذا أصبحت غير مرغوب فيها في زمن تغيرت به أنماط الحياة، وظهر جيل يتطلع إلى التغيير نحو الأفضل ويرفض كل تقييد لحياته وازدهار بلاده، وهو ما يؤكده الشباب الإيراني والذي عبر عنه أكثر من مرة كان آخرها ما يسمى بالحركة الخضراء التي اندلعت بعد تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح المتشدد محمود أحمدي نجاد.

ما يزيد وضع النظام الفارسي سوءا قمعه واضطهاده للأقليات الدينية والعرقية منذ استلامه زمام السلطة عام 1979، وعلاوة على إحكامه الخناق على كافة الشعوب الإيرانية من خلال أيديولوجية عفا عليها الدهر، لجأ أيضا إلى تهديد كافة بلدان المنطقة من خلال تمويل الإرهابيين والميليشيات المتطرفة من أجل إشاعة الفوضى وعدم الأمان كطريق مرسوم لتمرير أهداف ثورته الخمينية، ودراسة تاريخ الأنظمة القمعية في العصر الحديث يثبت أن عمر هذه الأنظمة لم يتجاوز الأربعين عاما.

ومع تفاقم حدة مشاكل البلاد وعجز الحكومات المتتالية عن حلها أو حتى الحد منها، فإن الوضع ينذر بانفجار شعبي لا محالة، ويعجل بمشروع الخلاص من النظام القائم؛ فلا يزال أكثر من 11 مليون شخص في إيران يعانون من الأمية، و15 مليون دون خط الفقر، بالإضافة إلى 24 بالمئة من الشباب العاطلين عن العمل، وحسب تقديرات الحكومة فإن 40 بالمئة من الشعب الإيراني يقبع تحت خط الفقر المدقع، لكن الخبراء الإيرانيين ومنهم الدكتور راغفر أستاذ جامعة طهران يقدرون هذه النسبة بأكثر من 60 بالمئة، وما نسبته 25 بالمئة من الإيرانيين يسكنون في بيوت من الصفيح بسبب عدم استطاعتهم تأمين المال الكافي لدفع الإيجار الذي يفوق مبلغه مستوى معدل الرواتب الشهرية في إيران، وهناك 12 بالمئة من الأسر الإيرانية تُعيلها النساء، و82 بالمئة من هؤلاء المعيلات عاطلات عن العمل، ناهيك عن ملايين المدمنين على المخدرات وانتشار العصابات والأمراض؛ كل هذه المآسي لها حد من استيعاب المجتمعات لها، والواقع الإيراني يشير إلى أن المجتمع وصل إلى حد الإشباع من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ولم يعد لديه الطاقة لتقبل المزيد، أي أن طريق الخلاص لا بد أن يكون في عملية تغيير شاملة في البلاد تشمل إسقاط النظام.

تتربع العنصرية الفارسية على قائمة مؤشرات سقوط نظام الملالي الذي بات منذ اليوم الأول يتبع سياسة التهميش والإقصاء للقوميات والعرقيات التي تعيش تحت حكومته بالقوة، فغالبية الإيرانيين ليسوا من الفرس، ولا يشكل الفرس سوى 30 بالمئة من مجمل الإيرانيين البالغ عددهم نحو 77 مليون نسمة.0

أظهرت الأحداث مؤخرا بروز حالة من الغضب في أوساط القوميات غير الفارسية، وعلى رأسها العرب، وحسب التقارير فإن هناك محاولات من قبل الشعوب العربية في الأحواز وهي منطقة غنية بالنفط والغاز ومطلة على الخليج العربي من أجل إطلاق انتفاضة ضد التمييز والتهميش والحرمان الاقتصادي من جانب الفرس، وهو هدف مشترك مع التركمان والبلوش والأكراد وباقي القوميات والعرقيات المظلومة والمهمشة في حكم الولي الفقيه، وخاصة أن شباب هذه القوميات يرون ما تتمتع به شعوب العالم من حريات، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية تتيح لهم فرص التعبير من أجل التغيير وهو ما يشير إلى قرب انتفاضتهم ضد الاستعباد والقهر.

ظهر مؤخرا الشعار الذي يقول “لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران”، ما يثبت انهيار النظام الإيراني قريبا تحت إرادة الشباب الإيراني الذي بات يملّ من المصطلحات والوعود التي يستخدمها النظام ويلعب فيها على وتر الإحباطات ويستخدم فيها القضية الفلسطينية كذريعة من أجل استعطاف الشعوب، فيما يمارس هو أعتى أنواع الوحشية والإجرام عبر تجنيد العناصر الإرهابية في مختلف الدول العربية ابتداء من حزب الله الإرهابي، وحتى قوات الحشد الشعبي من أجل تكوين “هلال إيراني”.

ما أنفقه النظام الإيراني من مليارات أهدرت بين تسليح الجماعات الإرهابية ودعم المجموعات المتمردة والسعي إلى الحصول على سلاح نووي ضيّق الخناق حاليا على أعلى سلطة في البلاد وهي الحرس الثوري وبيت الخامنئي وأذاقها فشلا ذريعا أمام أعين شعوب المنطقة، فبعد استسلام النظام الإيراني للقوى الغربية وتسليمهم النووي بعد هدر مليارات الدولارات عليه، نرى أيضا انهيارا شاملا للطوابير الإيرانية الخامسة، فقد أحبط التحالف العربي المساعي الإيرانية للسيطرة على اليمن عن طريق الحوثيين الذين بدأوا التفكير في رفع الراية البيضاء.

وتقف سوريا على قاب قوسين من التحرر من حكم الأقلية العلوية، والميليشيات الشيعية العراقية التي تدار من قبل إيران لن تصمد في المدى القصير إلى المتوسط، وحزب الله الإرهابي الذراع الإيراني في لبنان ينتظر نفس المصير بعد انكشاف حقيقته أمام الشعوب العربية كافة.

وفي حال خسر النظام الإيراني أذرعه خارج حدوده وفشل في المحافظة عليها فإن هذا سيكون بداية استقلالية الشعوب الإيرانية عن النظام الفارسي ومؤشر على فشله في المحافظة عليها.

اتساع الخلافات بين التيار الأصولي المحافظ بقيادة خامنئي والتيار المعتدل بقيادة روحاني، وطرح وجهات نظر مختلفة زادت حدة الخلاف بين الطرفين لدرجة وصلت إلى ترجيح كل جهة مصالحها الذاتية على المصلحة الوطنية وحياة المواطن، وقد أصبحت الشعوب الإيرانية على علم بأن هذه الخلافات علاوة على سوء الإدارة والفساد هي أسباب تردي أوضاعهم وليست تلك الشماعات التي طالما علق عليها النظام الإيراني فشله في إدارة البلاد.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

بقلم:  د. سالم حميد

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق