لماذا يتحرك المشهد الميداني في اليمن عكس المشهد السياسي؟

هناك أمر مربك أن يتحرك المشهد السياسي في اليمن بعيدا عن المشهد الميداني، وما مصير اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الحوثيين تحت نظر وسمع مبعوث الأمم المتحدة جمال بنعمر.

هناك من يردد بأن من يحكم السيطرة على أرحب يحكم السيطرة على صنعاء، وهل سيطرة الحوثيين على شمال اليمن حقيقية أم مبالغة؟، ولكن تتساءل فئات أخرى خصوصا من حضرت الحوار الوطني كيف أن الحوثيين كان لهم فكر ليبرالي وكيف تحولوا فجأة بعد ذلك إلى مرحلة تحول في الفكر، وأصبحوا يؤمنون بأن من يحكم الميدان يحكم بالفعل.

يعتقد البعض أنهم تحولوا فجأة إلى قوة بعد تحالفهم مع علي عبد الله صالح وتمكنهم من القضاء على خصومهم وخصوم علي عبد الله صالح آل الأحمر وآل حاشد رغم انتماء علي عبد صالح إليهم الذين كانوا يسيطرون على المشهد السياسي في اليمن في الفترة الماضية.

لكن لماذا لم تقف الدولة في وجه تمدد الحوثيين، البعض يرى بأن الدولة أرادت حقن الدماء، وقد يكون الدولة تركت الحوثيين يتمددون نتيجة المماحكات السياسية التي تمارسها الكتل السياسية، وقد تقود إلى احتراب داخلي، وهو صراع من أجل الوصول إلى هرم السلطة.

 قد تكون الدولة أرادت أن تضعهم أمام الأمر الواقع، ما جعل الإرياني مستشار الرئيس هادي يعترف بأن الحوثيين هم من يحكمون الدولة وليست هياكل الدولة، افتراضات عديدة جميعها لن تقود إلى إجابات واضحة.

حتى أن قبائل أرحب اتهمت السلطة بأنها متراخية عن الدفاع عن القبائل، بل اتهمت الدولة بأنها قد تكون متواطئة، ولا يمكن أن تقبل القبائل أن تقوم بالدفاع نيابة عن واجب الدولة، بل حتى الشعب يتساءل عن ترك الحوثي يتمدد تحت نظر الدولة، وتحت نظر عالم متفرج، وتجاهل خليجي خصوصا وأن تمدد الحوثي يهدد أمن دول الخليج.

الحوثي يتمدد بتأييد من مؤيدي على عبد الله صالح، وتمددهم تحت مظلة الحرب على الإرهاب والفساد، بل إن البعض يرى في الحوثيين أنهم أفضل من القاعدة، وهم غاضبون من الدولة بسبب عدم تمكنها من القضاء على القاعدة التي تهدد المجتمع، ويعتبر الحوثيون أن الجيش مفكك ولابد من استيعاب اللجان الشعبية.

لكن كثير من فئات الشعب ترى أن الحوثي طائفي ويفرض مشروعه الإيراني الذي يهدف إلى أن تحل إيران محل السعودية في اليمن، ويمكن أن ينتصر الحوثي ويتحول إلى طالبان أفغانستان في اليمن ولكن ستتم محاربته، والآن يتم استهداف الحوثي في كل مكان، كان آخرها استهداف منزل القيادي الحوثي عبد الله إدريس في رداع في محافظة البيضاء وهي من المحافظات مع محافظة مأرب الأكثر معاداة للحوثيين.

 خصوصا بعد سيطرتهم على فصائل الدولة الأمنية وعلى منظومة الصواريخ وعلى المؤسسات النفطية والإعلامية والأحوال المدنية، ما جعلهم يقتحمون شركة صافي النفطية في وسط صنعاء، وغلق ميناء الحديدة ومنع المسؤول الأول من الدخول إلى الميناء وباستيلائهم على البنك المركزي يستكملون انقلاب سبتمبر.

الحوثيون لا يعترفون بالدولة، ولا يلتزمون بالعهود التي وقعوها مع بقية الشركاء ومع الدولة، ولديهم مشروع، وأن الولاية في اليمن لهم، والمليشيات لا تأتي بخير للدولة ولا للمجتمع وليس لديهم الكفاءات ولا القدرات لإدارة الدولة.

وصل الأمر بالحوثي إلى رفض قبول قرار الرئيس هادي بتعيين اللواء حسين ناجي خيران رئيسا للأركان العامة بالجيش، تلك التطورات أدت إلى نشوء خلاف حاد بين وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي وبين عناصر الحوثي المتواجدين في مبنى الوزارة.

 وصلت قوات عسكرية كبيرة تابعة للجيش وأخرى تابعة لقوات الأمن الخاصة إلى محيط مبنى وزارة الدفاع في 16/12/2014 تنذر بحدوث أزمة مواجهة، خصوصا وأن الحوثي استولى على جميع مخازن الأسلحة مما يجعله قوة لا يستهان بها.

يتساءل البعض عن مستقبل تلك الأوضاع في اليمن، لكن هناك تقاريراً تفيد بأن هناك إصراراً إماراتياً سعودياً مشتركاً على التصدي بحزم تجاه أي طرف من شأنه أن يشكل تهديدا لأمن المنطقة.

يبدو أن جماعة الحوثي كانت لديهم قراءة خاطئة شجعتهم على التمدد ميدانيا وتوظيفهم لورقة التقارب التقليدي بين عمان وإيران، وورقة الدبلوماسية الإيرانية الكويتية المفتوحة على إيران.

 لن تقبل السعودية أن يبني الحوثيون مجدهم في استيلائهم على صنعاء في سبتمبر بأنها ثورة لإنهاء حقبة من الهيمنة السعودية على البلد، بينما يحاول الحوثي اللعب على المتناقضات الخليجية وتعميقها من خلال تمييزهم بين المواقف الخليجية، ورغم التوسع الحوثي السريع إلا أن السعودية لا تزال يمكنها التأثير داخل اليمن.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق