لزوم الإفتاء بالجهاد ضد الصفوية الجديدة

مع ذريعة محاربة الإرهاب، والقضاء على “داعش”، يتم تصفية العرب السُّنة رويداً رويداً بالقتل والاختطاف والتشريد والتهجير المناطقي القسري، سيما في السنتين الماضتين التي حقق فيها النظام الصفوي الإيراني، ما لم يحققه جبروت المحتل الأمريكي على مدى ثمان سنين. وحسب مجريات الدمار الماحق بالفلوجة، فإن الموصل هي الهدف اللاحق، لتضاف إلى قائمة النكبات في جرف الصخر وبهرز وبيجي وتكريت وغيرها. وهكذا دواليك تجاه جميع مناطق العرب السُّنة، وفقاً للمشروع الإيراني والتواطئ الأمريكي.

إن ما تكشفت عنه الحقائق المرعبة بالقتل والإذلال الطائفي في الكرمة والصقلاوية والنعيمية وغيرها من مناطق الفلوجة، فالجديد فيها هو المجاهرة بعدم الخشية من القوانين والأعراف الدولية، والاستهتار المكشوف بكل القيم والمبادئ الإنسانية، والقيادة العلنية لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، المطلوب لمجلس الأمن الدولي منذ العام 2007، بتهمة الإرهاب.

إن الصفويين الجُدد يطبقون على نحوٍ أشنع مما كان عليه أسلافهم إسماعيل (1487-1524) وعباس (1588-1629) من ارتكاب مجازر طائفية يندى لها جبين الإنسانية، والتي وصلت في عهد السطان حسين (1694-1722) أن ضرب التعصب الطائفي أطنابه، مما دفع بأهل السُنة في قندهار أن يرسلوا وفداً رفيعاً إلى أصفهان، يشكون الظلم والضيم والطغيان، فقال لهم السلطان حسين: “إننا نؤجر ونُثاب بإذلالكم يا أيها الخونة، اغربوا عن وجهي”، فعاد الوفد خائباً. فاشتدت الممارسات الصفوية الطائفية بالقهر والفساد واستباحة الأموال، مما دفع بثورة القبائل الغلزوية والكثير من المناطق الأفغانية ضد التسلط الصفوي الجائر. ولقد قاد هذة الثورة الشعبية ميرويس الغلزوي، مدعوماً بفتاوي من علماء الحجاز بمكة المكرمة، حيث تجيز لهم الخروج على الطغمة الظالمة المستبدة. ولقد انطلقت الثورة في 1719، وتم الزحف نحو إيران وإسقاط الدولة الصفوية في 1722، وتنفيذ حُكم الإعدام بالسلطان حسين في 1726.

ومن هنا فإن إصدار فتوى من علماء الدين بالجهاد ضد الصفويين الجُدد صار أمراً لا بد منه، فالظلم والجور والحيف ضد العرب السُّنة وصل حدّاً يهدد وجودهم الاجتماعي والمذهبي. وإلا فإن النهج الصفوي القديم الجديد القائم على: القضاء على الوجود السُّني بحجة أحقية السلطة لشيعة آل البيت، تغليف العنصرية الشعوبية الفارسية بغطاء طائفي دموي، الاستمرار بالتعاون مع الغرب ضد بلدان المسلمين، سيمكن للنظام الإيراني من تحقيق خطته: “الطريق إلى مكة” عاجلاً وليس آجلاً.

أبعاد إصدار الفتوى

إذا صدرت فتوى أو فتاوي من العلماء المسلمين تدعو بالجهاد المسلح ضد الظلم والطغيان، وآلة القتل الفردي والجماعي بحق العرب السُّنة في العراق على أيدي المجاميع الطائفية المسلحة والحرس الثوري الإيراني، فإن هكذا وضع سيفرض على أرض الواقع أهم الحقائق التالية:

أولاً: إنهاء الدور الإيراني المسيطر والمتسلط على شؤون الدولة في العراق.

ثانياً: تحجيم الدور الأمريكي المتواطئ مع المشروع الإيراني الصفوي.

ثالثاً: خروج فصائل المقاومة العراقية، والمجالس العسكرية العشائرية للقتال علناً.

رابعاً: مساعدة قوى التحالف العربي في قتالها ضد المشروع الإيراني في البلدان العربية.

وإذا ظن البعض، بأننا ندعو لقتال المسلمين مع بعضهم البعض، وأن فتوى علي السيستاني: “الجهاد الكفائي” أو الجزئي، ربما ستلحقها فتوى: “الجهاد الكلي”، ليشتعل العرب المسلمين بنيرانٍ لا تبقي ولا تذر، وهذا هو الهدف الصفوي الصهيوني الأمريكي، فإن ذلك لن يحصل؛ لأن العرب الشيعة هم الآن ثائرون، وأعطوا الشهداء ضد الجور الصفوي الذي عمَّ الجميع بلا استثناء. إن سقوط المتظاهرين الشهداء مضرجين بدمائهم الزكية داخل المنطقة الخضراء في 20/5/2016 هو امتداد طبيعي لشهداء ثورة 25 شباط/فبراير 2011. إن الوعي المجتمعي أضحى أكثر قوة وإدراكاً للمشروع الإيراني في العراق والبلدان العربية، وإن العربَ الذين يقاتلون تحت قيادة قاسم سليماني من الشيعةِ والسُّنة، لا يمثلون إلا أنفسهم التي أعماها المال أو المنصب أو الخديعة الإيرانية.

ومثلما يتعلق الأمر بالمراجع الدينية السُّنية، فإنه أيضاً يتعلق بالمراجع السياسية والإجتماعية، خصوصاً مع قادة المقاومة العراقية، أن تتحرك للحصول على فتوى تساعدهم بالتصدي للاحتلال الإيراني، كما تصدوا للمحتل الأمريكي، وحققوا النصر عليه. أعني أن الفتوى الدينية ضد الطالئفية الدموية الصفوية، ستحميهم من عجلة الإعلام الأمريكي الجبارة التي تجعلَ الحقُ باطلاً، والباطل حقاً، خدمةً لمصالحها ومآربها التي تلتقي مع النظام الإيراني ضد أي نهوض عربي يخرج عن سيطرة السياسة الأمريكية في المنطقة -قوى التحالف العربي نموذجاً-، والهجمة الإعلامية الباطلة على السعودية مثالاً.

بلا أدنى شك، يعلم جميع الذين يناهضون التمدد الإيراني في البلدان العربية، أنه لا يمكن لإيران أن تستمر بمشروعها الطائفي التدميري. إن إحتلال المناطق والتغيير السكاني من “حزام بغداد” في السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي، إلى محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، وصولاً إلى الأنبار في غرب العراق، يعني أن الخطر الإيراني قطع شوطاً كبيراً، ستجعله مع قادم الأيام مستفحلاً أكثر ضد المنظومة الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. لذا على علماء الدين لزوماً أن يفتوا بجواز قتال المجاميع الطائفية المسلحة المدعومة من إيران بالمال والسلاح، وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم العسكري الجوي والتستر الإعلامي على مجازرهم الوحشية.

إن استباحة دماء العرب السُّنة منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا، يوجب على العلماء والشيوخ ألا يقفوا عند حدود التنديد والاستنكار التي لا تؤثر قيد إنملة في بربرية المجاميع الطائفية، وربما العقلية الصفوية تفهم هكذا تنديد لفظي بأنه ضعف وهوان، مما يدفعهم لارتكاب المزيد من المجازر. لذا وجب لزوم الإفتاء بمجابهة تلك المجاميع الدموية بقوة السلاح، وإلا على علماء الدين أن يتوقعوا أرتالاً أخرى من الشهداء والضحايا والتشريد والتهجير للعرب السّنة الذين سيكونون استهلالاً لبقية محيطهم العربي. ومَنْ يعتقد أننا نبالغ ونضخم الأهوال، عليه قراءة التاريخ الفارسي قبل وبعد الإسلام، وما فعلوه ويفعلوه منذ العام 2003 ما زال ماثلاً للعيان.

د. عماد الدين الجبوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق